“حِرفة البناء بالحجر” تراثٌ وإبداعٌ هندسيٌّ يجسّد الهوية الثقافية لمنطقة الباحة
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
أثَّرت البيئة الطبيعية قديمًا على طابع المباني التراثية في منطقة الباحة، إذ تعد حرفة “البناء بالحجر”، إحدى أقدم المهن التي كان يزاولها الأهالي بحرفية لكسب العيش على مدار العام، مستفيدين مما تزخر به طبيعة المنطقة من تنوع الحجارة والأشجار التي تتناسب مع أعمال البناء.
وتُعد حرفة البناء بالحجر من الحرف اليدوية، التي توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل، وهي جزء مهم من الهوية الثقافية للمنطقة، ويعمد الأهالي إلى تطويرها وتحديثها بما يواكب التحديات القائمة اليوم، والتقى مراسل “هيئة وكالة الأنباء السعودية” بأحد أهالي الباحة الذي يمارس حرفة البناء منذ عشرات السنين، إذ قال العم محمد بن سالم الغامدي ذو الـ75 عامًا: “إن عملية البناء تتطلب جهدًا كبيرًا من فريق البنائين المكون من الباني والملقفين والمشاركين في البناء، وتستمر لعدة شهور حسب تصاميم المنزل والمساحة والارتفاع”، مشيرًا إلى وجود أنواع مختلفة من الأحجار المستخدمة في عملية البناء، إذ يوجد ما يُعرف بحجر الزاوية الذي يوضع على الزوايا في بناء الغرفة، والحجر الطويل الذي يربط بين الحجارة والأخرى في الغرفة، ويسمى “الرابطة”، وأيضًا حجر يسمى المتين أو الظهر لإقامة الغرفة، وحجارة “اللزة” التي تستخدم حشوًا داخل الحجارة الكبيرة، حتى لا يكون هناك خللٌ بين الحجارة الكبيرة أو فتحات في الغرفة.
بدوره أوضح صالح الزهراني أحد المشاركين في عملية البناء أنه بعد اكتمال البناء تأتي علمية التلييس بالطين من الداخل ليكون لونه ترابيًا، فيما يقوم البنَّاء والنجار بجلب أشجار العرعر واستخدامها في الأبواب والنوافذ، إضافة إلى القواعد والأعمدة التي يطلق عليها “الزافر”، إذ تعتمد على رفع سقف المنزل، وتنقش وتُزخرف بأشكال جمالية، مضيفًا أن المباني تُزين بحجارة المرو البيضاء على الأبواب والنوافذ، حتى تكون علامة فارقة بلونها الأبيض.
أخبار قد تهمك مهرجان “منتجات المواشي 2” ينطلق في غامد الزناد 28 فبراير 2025 - 2:48 صباحًا “السحب المنخفضة” لوحة طبيعية تزين جبل شدا الأعلى 14 فبراير 2025 - 11:24 مساءًوبيّن أن المباني التراثية القديمة بالمنطقة، المبنيّة بالحجر، تتميز بالتماسك والصلابة وقوة العزل؛ لتفادي التيارات الباردة الشتوية القارسة البرودة، مفيدًا بأن البنائين يستخدمون بعض الأهازيج المتوارثة في أثناء عملية البناء التي تبعث الحماسة في نفوسهم.
تجدر الإشارة إلى أن المباني في قرى الباحة عادة ما تتشابه في تصاميمها وطرق بنائها، وتتميز بأنها متلاصقة وشوارعها ضيقة مع وجود ساحة في منتصف هذه المساكن لتؤدي العديد من الوظائف الاجتماعية والمعيشية، وتجسد الجمال الطبيعي والتراث الثقافي للمنطقة، وتمثل ارتباطًا وثيقًا بين الأجيال، خاصةً ممن يأخذهم الحنين إلى الماضي العميق بحياته العريقة.
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: منطقة الباحة عملیة البناء
إقرأ أيضاً:
عملية حيفا تثبت أن الدروز لن يكونوا “عملاء” لـ”إسرائيل”
في حادث طعن وقع صباح الاثنين 3 مارس في حيفا، قتل مستوطن صهيوني وجرح خمسة آخرون قبل أن تقوم الشرطة الصهيونية بقتل الفدائي الذي نفذ العملية. ولقد كانت المفاجأة الكبرى بالنسبة لسلطات الاحتلال هي هوية منفذ العملية الذي تبين أنه شاب درزي يدعى يثرو شاهين ويبلغ من العمر 20 عامًا ويحمل الجنسيتين “الإسرائيلية” والألمانية، وهو من سكان بلدة شفا عمرو ذات الغالبية الدرزية في منطقة الجليل وقد عاد إلى فلسطين المحتلة الأسبوع الماضي بعدما قضى عدة أشهر في ألمانيا.
ولقد جاء الحادث في مرحلة حساسة بالنسبة لأبناء الطائفة الدرزية، ليس فقط في فلسطين المحتلة، بل في سوريا ولبنان أيضاً، وليثبت للسلطات الصهيونية أنه على الرغم من ثمانية عقود من محاولاتها استيعاب دروز فلسطين المحتلة في النسيج الصهيوني، إلا أن أبناء هذه الطائفة لا يزالون يشعرون بانتمائهم لهويتهم العربية. وما يزيد من أهمية الحدث هو أن منفذ العملية شاب في العشرين من عمره، ما يعني أن العقود الطويلة التي قضتها سلطات الاحتلال في “تحييد” دروز فلسطين لم تنفع معها، وأن الشباب الدرزي لا يزل يتمرد على بعض قياداته في فلسطين المحتلة ويتمسك بهويته العربية.
كذلك، فقد جاء الحادث في وقت يحاول فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني إطلاق مشروعه للسيطرة على سوريا بذريعة حماية الدروز فيها، والذين يتعرضون حالياً لهجمة من سلطات دمشق الجديدة التي يحكمها توجه طائفي متشدد يميز ضد المجموعات الدينية غير السنية في سوريا. ويسعى نتنياهو من خلال مشروعه هذا إلى التمدد باتجاه جبل العرب وتحويل الدروز إلى درع واقٍ للكيان الصهيوني في مواجهة العمقين السني والشيعي في سوريا ولبنان والعراق، والاتصال بالمنطقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” في شرق سوريا بدعم من قوات الاحتلال الأمريكية. هذا يفسر الفتنة التي كادت تقع والخطاب الطائفي الذي تطلقه بعض المجموعات المدعومة من “إسرائيل” في جبل العرب، والتي قابلتها غالبية الدروز بالرفض والعض على الجرح ولقاء الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع درءًا للفتنة ومشاريع التقسيم “الإسرائيلية”.
إضافة إلى ذلك، فإن عملية حيفا جاءت في وقت تطرح فيه “إسرائيل” مشروع مد المنطقة الدرزية العازلة إلى لبنان حتى يكون لها منفذ على البحر. وفي هذا الإطار جاءت معارضة هذا المشروع من قبل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يخشى من أن يضع هذا المشروع الفتنوي دروز لبنان في مواجهة مع الشيعة والسنة على حد سواء، علماً أن من شأن كيان درزي تسعى “إسرائيل” لإقامته أن يهمش الزعامات الدرزية السوريا واللبنانية المعروفة بانتمائها العربي، لصالح زعامة موفق طريف في فلسطين المحتلة المعروف بعلاقاته بالقيادات “الإسرائيلية”.
قد لا تؤدي عملية حيفا إلى فرملة الاندفاعة “الإسرائيلية” لتنفيذ مشاريعها الفتنوية، إلا أن دلالاتها تشير في المحصلة إلى أن الرهان الصهيوني على تحويل الدروز في فلسطين وسوريا ولبنان إلى مطية لمشاريعها لن يكتب له النجاح وأن معظم الدروز سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا يتمسكون بانتمائهم العربي.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية