في حادث طعن وقع صباح الاثنين 3 مارس في حيفا، قتل مستوطن صهيوني وجرح خمسة آخرون قبل أن تقوم الشرطة الصهيونية بقتل الفدائي الذي نفذ العملية. ولقد كانت المفاجأة الكبرى بالنسبة لسلطات الاحتلال هي هوية منفذ العملية الذي تبين أنه شاب درزي يدعى يثرو شاهين ويبلغ من العمر 20 عامًا ويحمل الجنسيتين “الإسرائيلية” والألمانية، وهو من سكان بلدة شفا عمرو ذات الغالبية الدرزية في منطقة الجليل وقد عاد إلى فلسطين المحتلة الأسبوع الماضي بعدما قضى عدة أشهر في ألمانيا.


ولقد جاء الحادث في مرحلة حساسة بالنسبة لأبناء الطائفة الدرزية، ليس فقط في فلسطين المحتلة، بل في سوريا ولبنان أيضاً، وليثبت للسلطات الصهيونية أنه على الرغم من ثمانية عقود من محاولاتها استيعاب دروز فلسطين المحتلة في النسيج الصهيوني، إلا أن أبناء هذه الطائفة لا يزالون يشعرون بانتمائهم لهويتهم العربية. وما يزيد من أهمية الحدث هو أن منفذ العملية شاب في العشرين من عمره، ما يعني أن العقود الطويلة التي قضتها سلطات الاحتلال في “تحييد” دروز فلسطين لم تنفع معها، وأن الشباب الدرزي لا يزل يتمرد على بعض قياداته في فلسطين المحتلة ويتمسك بهويته العربية.
كذلك، فقد جاء الحادث في وقت يحاول فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني إطلاق مشروعه للسيطرة على سوريا بذريعة حماية الدروز فيها، والذين يتعرضون حالياً لهجمة من سلطات دمشق الجديدة التي يحكمها توجه طائفي متشدد يميز ضد المجموعات الدينية غير السنية في سوريا. ويسعى نتنياهو من خلال مشروعه هذا إلى التمدد باتجاه جبل العرب وتحويل الدروز إلى درع واقٍ للكيان الصهيوني في مواجهة العمقين السني والشيعي في سوريا ولبنان والعراق، والاتصال بالمنطقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” في شرق سوريا بدعم من قوات الاحتلال الأمريكية. هذا يفسر الفتنة التي كادت تقع والخطاب الطائفي الذي تطلقه بعض المجموعات المدعومة من “إسرائيل” في جبل العرب، والتي قابلتها غالبية الدروز بالرفض والعض على الجرح ولقاء الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع درءًا للفتنة ومشاريع التقسيم “الإسرائيلية”.
إضافة إلى ذلك، فإن عملية حيفا جاءت في وقت تطرح فيه “إسرائيل” مشروع مد المنطقة الدرزية العازلة إلى لبنان حتى يكون لها منفذ على البحر. وفي هذا الإطار جاءت معارضة هذا المشروع من قبل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يخشى من أن يضع هذا المشروع الفتنوي دروز لبنان في مواجهة مع الشيعة والسنة على حد سواء، علماً أن من شأن كيان درزي تسعى “إسرائيل” لإقامته أن يهمش الزعامات الدرزية السوريا واللبنانية المعروفة بانتمائها العربي، لصالح زعامة موفق طريف في فلسطين المحتلة المعروف بعلاقاته بالقيادات “الإسرائيلية”.
قد لا تؤدي عملية حيفا إلى فرملة الاندفاعة “الإسرائيلية” لتنفيذ مشاريعها الفتنوية، إلا أن دلالاتها تشير في المحصلة إلى أن الرهان الصهيوني على تحويل الدروز في فلسطين وسوريا ولبنان إلى مطية لمشاريعها لن يكتب له النجاح وأن معظم الدروز سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا يتمسكون بانتمائهم العربي.

أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ما وراء لعب إسرائيل بورقة حماية الأقليات في سوريا

كان نداء عبدالله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، في 27 فبراير/ شباط، الداعي إلى حل التنظيم، وإلقاء السلاح، خطوةً ذات تأثير إقليمي.

ولم تمضِ سوى أيام قليلة على هذه الخطوة، التي من شأنها التأثير على توازنات تركيا في العراق، وإيران، وسوريا، حتى جاء رد الفعل الإسرائيلي، بإعلان دعمه للأكراد، والدروز، والعلويين في سوريا.

فقد أعلنت وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الإسرائيلية، أن أي تدخل من قِبل حكومة دمشق ضد مجموعة صغيرة من الدروز المسلحين، الذين يرفضون تسليم أسلحتهم، ويخوضون مواجهات ضد القوات الحكومية، سيقابل بهجوم إسرائيلي على دمشق.

ولم يكتفِ وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بذلك، بل وجّه تهديدًا لحكومة دمشق، محذرًا إياها من التعامل بعدائية مع الأكراد والدروز والعلويين. ورافق هذه التصريحات تصعيد عسكري، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما يقرب من مئة موقع داخل سوريا خلال يومين.

إسرائيل تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا

يبدو أن صعود حكومة أحمد الشرع، بعد الثورة السورية، وحصولها على دعم وقبول إقليمي واسع – باستثناء إيران – لم يكن أمرًا مرحبًا به من قِبل إسرائيل.

لكن ما أزعجها أكثر هو النفوذ التركي المتنامي بشكل غير مسبوق في سوريا والمنطقة، إضافةً إلى الضغط على الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والمتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، لإلقاء السلاح.

إعلان

ورغم أن حزب الاتحاد الديمقراطي قد تلقى دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة، فإنه في الوقت نفسه يمتلك ارتباطات وثيقة مع إسرائيل. فقد سبق أن صرّحت إلهام أحمد، مسؤولة العلاقات الخارجية في قوات سوريا الديمقراطية – التي تضم فصائل منبثقة عن حزب العمال الكردستاني-، بأن إسرائيل يجب أن تكون جزءًا من الحل لضمان أمن سوريا والشرق الأوسط.

في الواقع، تسعى إسرائيل إلى منع سوريا من استعادة استقرارها وقوتها، وذلك من خلال استخدام الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشمال.

وهدفها الآخر هو التصدي لتزايد النفوذ التركي، حيث تؤكد مراكز الأبحاث والمحللون الإسرائيليون والغربيون، أن توسع النفوذ التركي يهدد المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

محاولات كبح النفوذ التركي

أدَّت الثورة السورية إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، حيث وقفت دول مثل لبنان، العراق، الأردن، مصر، السعودية، قطر، والإمارات في صف دمشق. كما ساهم الضغط الأميركي والإسرائيلي على مصر، الأردن، والسعودية لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين المرحّلين من غزة في تعزيز هذا التحالف الإقليمي.

لكن تركيا، التي دعمت المعارضة السورية لسنوات، وجدت نفسها فجأة أمام واقع جديد يمنحها نفوذًا غير مسبوق يمتد حتى حدود إسرائيل.

وقد تفاقم قلق تل أبيب بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني من أنقرة عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، مما أثار مخاوف إسرائيلية من تعاظم الدور التركي في المنطقة.

وجاء إعلان حزب العمال الكردستاني عن نيته حل التنظيم وإلقاء السلاح ليعزز موقع تركيا أكثر. فالعراق، الذي لطالما كان ساحة نفوذ إسرائيلي، ينظر بارتياح إلى هذه التطورات. ولمواجهة ذلك، شرعت إسرائيل في تكثيف جهودها لزعزعة استقرار سوريا عبر استغلال ورقة الأقليات.

وفي 2 مارس/ آذار، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن "النظام السوري لم يُنتخب من قبل شعبه، بل هو مجموعة من الجهاديين الذين سيطروا على إدلب، ثم اجتاحوا دمشق وبقية المناطق بالقوة. ليس لهم الحق في اضطهاد الأقليات كالدروز، والأكراد، أو العلويين".

إعلان

أما في 1 مارس/ آذار، فقد أصدر مكتب الإعلام بوزارة الدفاع الإسرائيلية بيانًا أفاد بأن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت أصدرا تعليمات بالاستعداد لحماية الدروز في حي جرمانا بدمشق، الذين تعرضوا لهجوم من قوات النظام السوري".

هل ينحاز الدروز إلى إسرائيل؟

يؤكد خبراء تحدثوا عن الملف السوري، أن الورقة الدرزية التي تلوّح بها إسرائيل ليست سوى خدعة، ولا تمتلك أي مصداقية على الأرض.

يقول ليفنت كمال، مدير تحرير Clash Report، المختص في الشأن السوري: "صحيح أن بعض الدروز لهم أقارب في إسرائيل يعملون في الجيش أو كعمال، لكنهم معزولون عن الطائفة الدرزية الكبرى في سوريا، لبنان، والأردن.

كما أن القيادات الدينية والسياسية الدرزية، وعلى رأسهم وليد جنبلاط، أكدوا التزامهم بالوقوف إلى جانب دمشق، ما يجعل أي تحالف درزي-إسرائيلي أمرًا شبه مستحيل".

أما الدكتور مصطفى إكيجي، الباحث المتخصص في المعارضة السورية والتكوين العرقي لسوريا، فيرى أن الرهان الإسرائيلي على الدروز بلا جدوى، موضحًا: "جميع العائلات الدرزية الكبرى ترفض التعاون مع إسرائيل. حتى في مرتفعات الجولان، لا توجد سوى بضع قرى صغيرة تقبل بالجنسية الإسرائيلية، أما بقية الدروز فهم عرب يرفضون أي تحالف مع تل أبيب".

وتزامنًا مع تصاعد التوتر بين دمشق وتل أبيب، أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عزمه زيارة العاصمة السورية للقاء الرئيس أحمد الشرع، في خطوة تهدف إلى التأكيد على التزام الدروز بدعم الدولة السورية، وعدم الانجرار إلى أي تحالفات مشبوهة مع إسرائيل.

هل يمكن للعلويين والأكراد أن يتحالفوا مع إسرائيل؟

تحاول إسرائيل كذلك استمالة النصيريين والأكراد إلى صفها ضد دمشق. لكن وفقًا للمحلل ليفنت كمال، فإن العلويين في سوريا يعانون منذ عقود من التهميش، وحتى في عهد الأسد لم يكن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي جيدًا، لذا لا مصلحة لهم في التورط في أي صراع جديد.

إعلان

أما الدكتور مصطفى إكيجي، فيرى أن إسرائيل ربما تجد بعض القبول داخل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، لكنها لن تستطيع حشد الأكراد ضد دمشق، موضحًا: "بعد سنوات من الصراع، لا يرغب الأكراد في إشعال جبهة جديدة، خاصة أن غالبية القوى الفاعلة في سوريا، بمن في ذلك العرب، تدعم حكومة الشرع. كما أن هناك انقسامات داخل (YPG) حول دعوة عبدالله أوجلان لحل التنظيم".

ويضيف: "إسرائيل غير قادرة على تقديم دعم ميداني مباشر لـ (YPG)، مما يجعل خطتها غير قابلة للتطبيق على الأرض".

لقاء ترامب- أردوغان سيحسم المسألة

بالنسبة لواشنطن، لم تعد سوريا مغرية من الناحية الاقتصادية، إذ إن مواردها النفطية محدودة مقارنة بأوكرانيا، حيث تتطلع الولايات المتحدة للاستحواذ على ثروات ضخمة. لكن إسرائيل نجحت في إقناع واشنطن، عبر لوبياتها، بأن الانسحاب الأميركي من سوريا سيفتح الباب أمام تركيا لتوسيع نفوذها على حساب الأمن الإسرائيلي.

ولذلك، تسعى إسرائيل حاليًا لخلق أزمة داخلية في سوريا عبر تأجيج المسألة الطائفية، بهدف إبقاء واشنطن منخرطة في الملف السوري. لكن رغم هذه المناورات، تبدو الوقائع على الأرض غير مواتية للمخطط الإسرائيلي.

تركيا من جهتها تسعى لإقناع ترامب بتسوية سياسية تدمج (YPG) داخل الجيش السوري الجديد، مما يضمن استقرار المنطقة دون الحاجة لمواجهة عسكرية. ووفقًا للمراقبين، فإن الاجتماع المرتقب بين أردوغان وترامب سيحدد مسار الأحداث في سوريا، وسيؤدي إلى أحد احتمالين:

إما أن تشن تركيا عملية عسكرية ضد (YPG). أو يتم دمج التنظيم بشكل سلمي في المنظومة السورية الجديدة.

إذا كانت لدى (YPG) نظرة عقلانية، فإنها لن تراهن على إسرائيل، التي لم تجلب سوى الدمار للمنطقة، بل ستسعى لبناء مستقبل مشترك مع سوريا وتركيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
  • هل يريد الدروز في سوريا حقا أن تهب إسرائيل لنجدتهم؟
  • ما وراء لعب إسرائيل بورقة حماية الأقليات في سوريا
  • عملية حيفا ببطلها الدرزي .. تفرض إعادة الحسابات داخل فلسطين وخارجها
  • نفذها درزي.. مغردون: عملية حيفا صفعة لنتنياهو وتكذيب لرواية إسرائيل
  • الجهاد الإسلامي تُبارك عملية حيفا وتؤكد أنها دليل فشل المنظومة الأمنية للكيان
  • كيف وصفت حماس "عملية حيفا" في شمال إسرائيل؟
  • إسرائيل تتعهد بالدفاع عن الدروز في سوريا
  • بالفيديو.. مقتل إسرائيلي وإصابة 6 في عملية طعن في حيفا