عملية حيفا ببطلها الدرزي .. تفرض إعادة الحسابات داخل فلسطين وخارجها
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
يمانيون../
في الوقت الذي يرفع فيه كيان العدو الإسرائيلي قميص الدروز في سوريا أتت عملية حيفا النوعية واللافتة ببطلها الدرزي لتوجه ضربة معنوية كبيرة لهذا المسار بما في ذلك داخل الطائفة نفسها.
عملية الطعن الجديدة في موقف عام بحيفا شمال فلسطين المحتلة تتشابه مع عمليات الطعن السابقة من حيث نتائج عداد القتلى والجرحى فقط، وتختلف بشكل كبير جدا من حيث الدلالات والتوابع، بالنظر إلى طبيعة المنفذ وهويته الطائفية.
ووفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية فإن منفذ عملية الطعن التي وقعت في مدينة حيفا في وقت سابق أمس الاثنين، هو شاب درزي من مدينة شفا عمرو يدعى يثرو شاهين ينتمي للطائفة الدرزية في داخل فلسطين المحتلة.
يبلغ تعداد الطائفة الدرزية داخل فلسطين المحتلة نحو 150 الف نسمة ويشكلون نحو 1،6 % من السكان ويتوزعون في مناطق داخل فلسطين المحتلة، وانخرط العديد منهم في قطاعات صهيونية بما في ذلك جيش العدو الإسرائيلي..
عملت الدولة الصهيونية على فصل الدروز عن الهوية الفلسطينية من خلال الاعتراف بديانتهم ومنحهم امتيازات، وتم دعم برامج تعليمية خاصة بهم وحصلوا على وظائف في مؤسسات الأمن والجيش، وعلى الرغم ما قدمه الدروز للمشروع الصهيوني فإن السياسات التمييزية التي قامت بها إسرائيل استهدفت أيضًا أراضيهم لصالح التجمعات الاستيطانية اليهودية، وجرى إلى مرتزقة داخل كتائب الجيش الإسرائيلي.
وما يشار هنا إلى أن جنديين من بين من أسرهم حزب الله في عملية مزارع شبعا عام 2003م كانا درزيين، وتتحدث التقارير الإخبارية عن مشاركة العديد من الدروز بصفتهم مجندين في الجيش الإسرائيلي في القتال داخل غزة،
وهذا الانصهار المقرون بالتمييز في المجتمع الصهيوني وضع الطائفة الدرزية في خلاف مع ذاتها حيث تتوزع الطائفة الدرزية جغرافيا على 3 دول هي سوريا وفلسطين ولبنان، حيث يحافظ الدروز في الجولان السوري المحتل رغم منحهم جنسية الإسرائيلية، على هويتهم السورية ويذهبون للتعلم في جامعاتها ويتمسكون بهويتهم العروبية ويرفضون اشكال الاندماج مع المجتمع الصهيوني، وكذلك الحال في لبنان اذ تقف الطائفة الدرزية في موقف العداء للكيان الإسرائيلي، لكن الصلات لم تنقطع، وبقي الجدل قائما بسبب الخيارات المتباعدة وإلى أتت نتيجة خيارات رجال الدين الدروز .
وقبل أيام اطلق نتيناهو تصريحا لافتا قال فيه انه امر جيشه بالاستعداد للدفاع عن الدروز في مواجهة الجماعات المسلحة .
ومنذ سقوط سوريا بيد ما يسمى هيئة تحرير الشام والمكونة من أربعين فصيلا مسلحا ينتمي اغلبهم للقاعدة وداعش والسلفية الجهادية، وهؤلاء يرون في الطوائف الأخرى بينها الشيعة والدروز والعلويين كفارا، ويرون إبادتهم أولوية على قتال اليهود الذين لم يسنوا باتجاههم القتال وفق ثقافتهم رغم مئات الغارات على سوريا واحتلال العدو الإسرائيلي نحو 600 كيلو مترا من الأراضي السورية
منذ سقوط نظام الأسد شرع العدو الإسرائيلي في احتلال الأراضي السورية جنوب البلاد حيث تقطن هناك غالبية درزية، وصولا إلى جرمانا على بعد 5 كيلو مترات من العاصمة السورية دمشق، والتي تشدق بالدفاع عنها نتنياهو «مقتديا فعل معاوية حين رفع قميص عثمان».
يبلغ عدد الدروز في سوريا نحو مليون نسمة ويشكلون نحو 3.2% من السكان. ويتركز الدروز في المناطق الريفية والجبلية في شرق وجنوب دمشق، ويشكلون الغالبية في محافظة السويداء في المنطقة المعروفة رسمياً باسم جبل الدروز. وتُشير التقديرات أن سوريا تضم بين 40 % إلى 50 % من مجمل الدروز البالغ عددهم حوالي 1.5 مليون في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى اعتبارًا من عام 2010، يشكل الدروز حوالي 90 % من السكان في محافظة السويداء، ويقيم حوالي 250,000 من الدروز في دمشق وضواحيها (جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز)، إلى جانب 30,000 آخرين يعيشون على الجانب الشرقي من جبل الشيخ والذي احتله جيش العدو الإسرائيلي بعيد سقوط نظام الأسد بايام، وهناك حوالي 25,000 درزي يعيشون في أربع عشرة قرية في جبل السماق شمال شرق إدلب
كما أن صمت الجماعات المسلحة أمام الانتهاكات الإسرائيلية شجع قادة الصهاينة على الحلم بالوصول إلى دمشق، وهو ترى القيادة انه يحتاج فقط لذريعة لا غير.
وإذا ما اعتبرت تصريحات وليد جنبلاط الزعيم البارز للطائفة الدرزية في لبنان بالحذر من المكائد الإسرائيلية ردا على نتيناهو، فقد أتت عملية حيفا لتقلب الطاولة رأسا على عقب من حيث إعادة تموضع الطائفة خصوصا داخل فلسطين.
ودعوة للطائفة خصوصا داخل فلسطين لمراجعة مواقفها وإعادة تموضعها في الجانب الصحيح المنسجم مع عروبتها وقوميتها، ينظر هؤلاء إلى أن التموضع مع المشروع الصهيوني يحمل الخطر على بقاء الطائفة، فالمشروع الصهيوني مهما طل أمده فهو مندثر لعوامل عديدة العامل العسكري احدها والعامل الديمغرافي أيضا واحد منها، ناهيك عن كون المشروع الصهيوني هشاً كما اثبت طوفان الأقصى، ومن يسنده اليوم الغرب منقسم على حاله ومفكك، كما ان نجم زعامة أمريكا على العالم يوشك على الأفول .
ويمكن اعتبار عملية حيفا ردا وردعا لأحلام العدو الصهيوني باستخدام الدروز مطية لبلوغ دباباته أبواب دمشق، أو الركون إلى أن دروز فلسطين باتوا في الحضن الصهيوني.
وبالتالي فعملية حيفا تخلق قلقا صهيونيا جديدا لا يمكن التغاضي عنه، وان يكون تصنيف العملية فردية، فالدروز يتواجدون في داخل الجيش الصهيوني بأعداد ليست قليلة وهذا سيطرح مخاوف جدية ويعزز من الانقسام داخل الجيش الصهيوني، وقد نرى قتلا على الهوية أو نتيجة خطأ.
تطرح عملية حيفا ببطلها الدرزي مزيدا من الضغط على شيوخ الطائفة الدينيين في إعادة التفكير بتموضع الدروز داخل فلسطين المحتلة بعيدا عن المشروع الصهيوني وإعادة الالتحام مع هويتهم الجغرافية والقومية.
وللدروز تاريخ مضيء من العمليات البطولية ضد الكيان الإسرائيلي حتى سبعينيات القرن الماضي تحت رايات الحركات القومية واليسارية، يذكر منهم سمير القنطار والذي هاجم نهاريا عبر البحر رفقة مجموعة فدائية، وحكم عليه بعدد من المؤبدات، وحرره حزب الله بصفقة تبادل للأسرى عقب حرب تموز 2006م .
يمكن القول ان عملية حيفا هي احدى ارتدادات زلزال طوفان الأقصى والذي عصف بأساسات المشروع الصهيوني في المنطقة، وهي ارتدادات لم تظهر جميعها بعد، لكن ما ظهر منها ان أطراف ظن العدو انها أخمدت أو دجنت، استدارت عائدة إلى حيث تنسجم مع هويتها الجغرافية والقومية بعيدا عن المشروع الطارئ..
عمر طوفان الأقصى لايزال أشهر.. وبالتالي فارتداداته الكبيرة لاتزال في الطريق بعد مخاض الولادة الذي شهدناه في السابع من أكتوبر، وانتهاء جولة بالشكل الذي شهدته المنطقة لا تحكم على عمل جبار كهذا ..
.. عملية حيفا لن تكون معزولة، وايا تكن فهي تضيف عدوا إلى قائمة التصنيف داخل أراضي الـ48م، بما يزيد من عزلة المشروع الصهيوني داخل فلسطين، ويسحب من وهج قطار التطبيع مع الطرف البعيد جغرافيا، ناهيك عن تحويل سوريا إلى جبهة ساخنة تستنزف الكيان الإسرائيلي، بما يجعل ما طرحه قائد الثورة الإسلامية عن تحول سوريا إلى جبهة مقاومة مشتعلة بعد ان كانت ممرا، واكد ذلك بوضوح القيادي في حركة حماس أسامة حمدان بأن مؤشرات ذلك ستكون واضحة في القريب العاجل .
الارتدادات الكبرى لطوفان الأقصى لاتزال في الطريق.. فلننتظر وليس إلى أمد طويل .. فقد دخلنا زمن السرعة في كل شيء، وزمن المفاجآت الكبرى..
تقرير/ إبراهيم الوادعي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: داخل فلسطین المحتلة العدو الإسرائیلی المشروع الصهیونی الطائفة الدرزیة الدرزیة فی عملیة حیفا الدروز فی
إقرأ أيضاً:
التصعيد الإسرائيلي ضدّ سوريا
الرغبة الإسرائيلية الجامحة والمكشوفة بالهيمنة على البيئة الاستراتيجية المحيطة بدولة الاحتلال، أخذت معالمها تظهر بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية، وخصوصا في ضوء عدوانها المتواصل على لبنان، حتى بعد الهدنة مع حزب الله منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وكذلك في ضوء عدوانها على سوريا خصوصا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسعيها لفرض معادلة أمنية جديدة في كلا البلدين.
الطريقة التي يدير بها نتنياهو وفريقه الأمور تكشف عن حالة غير مسبوقة من التَّجبُّر والغرور والعجرفة وفرض الإرادة بالقوة الطاغية، غير أنها تكشف من ناحية أخرى حالة القلق والخوف والاضطراب التي تنتاب الطبقة الحاكمة في الكيان الإسرائيلي، والتي أدَّت إلى فقدان الاتزان وغياب المعايير المرتبطة بإدارة المصالح والأولويات، وتعكس انتصار عقلية القهر والاستعباد على عقلية تغليف المشروع الصهيوني بالأدوات اللازمة للتطبيع ومسارات التسوية. وربما كان ذلك أحد أسباب تصريحات كثير من السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين طوال الـ18 شهرا الماضية في التحذير من سياسات نتنياهو وآثارها الكارثية؛ وكان آخرها إصدار 17 من الرؤساء السابقين للموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية والجيش والشرطة بيانا مشتركا نُشر كإعلان مفتوح في الصحف العبرية؛ يَذكر أن نتنياهو يقود "إسرائيل" نحو كارثة، ويمس بأمن الدولة، ويدفع نحو دولة استبداد...
الطريقة التي يدير بها نتنياهو وفريقه الأمور تكشف عن حالة غير مسبوقة من التَّجبُّر والغرور والعجرفة وفرض الإرادة بالقوة الطاغية، غير أنها تكشف من ناحية أخرى حالة القلق والخوف والاضطراب التي تنتاب الطبقة الحاكمة في الكيان الإسرائيلي
تتسق الحملة العسكرية والأمنية الإسرائيلية مع الرؤية التي طرحها نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى، حيث غيَّر اسم حربه من "السيوف الحديدية" إلى حرب "القيامة" أو "البعث"؛ وأكد على تطبيق نظرية أمنية تضمن الأمن والاستقرار لدولة الاحتلال للأجيال القادمة، ليس في فلسطين المحتلة وحدها وإنما في البيئة الاستراتيجية المحيطة.
ويهدف التصعيد الإسرائيلي ضدّ سوريا إلى:
- تدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية، مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى، وتحويل سوريا إلى منطقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، وإبقاؤها تحت "اليد الضاربة" الإسرائيلية.
- إنشاء منطقة عازلة في جنوب غربي سوريا، على خطوط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، تمتد في مناطق حوران باتجاه السويداء.
- منع النظام السوري الجديد من الوقوف على رجليه، وقطع الطريق على أي حالة نهضوية لسوريا، باعتبار ذلك خطرا وجوديا على الكيان.
- العمل على تقسيم سوريا من خلال محاولة إسقاط نظام الحكم، وتشجيع الأقليات على التمرد الانفصال، وعلى التجزئة الطائفية والعرقية.
فكرة "ما لا يتحقّق بالقوة، يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" لا تنطبق على هذه المنطقة العربية الإسلامية، والذي يظن ذلك لا يفهم المنطقة ولا عقيدتها ولا تراثها ولا هويتها ولا تاريخها؛ ولا يفهم (ولا يريد أن يفهم) أن عمليات الإخضاع بالقوة هي في الحقيقة عناصر تثوير وتفجير ووقود للمقاومة؛ وأن محاولة توسيع تطبيقات النظرية الأمنية إلى البيئة الاستراتيجية المحيطة، ستسهم في تثوير الشعوب
- السعي للحدّ من نفوذ الأتراك في سوريا، ومنعهم من المسِّ بدائرة الهيمنة الأمنية الإسرائيلية.
- محاولة جرّ النظام السوري الجديد إلى معركة غير متكافئة وسابقة لأوانها، سعيا لإسقاطه، وتوفير بيئات مُشجّعة للمتحمسين للانفصال من الطوائف والأقليات.
* * *
منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ضرب الاحتلال الإسرائيلي مئات الأهداف في سوريا، ووسع احتلاله للمنطقة المجاورة للجولان بشكل تدريجي. وكان من أحدثِ الاختراقات توغّلُ القوات الإسرائيلية بعمق 15 كيلومترا باتجاه بلدة نوى قرب مدينة درعا، بمشاركة المئات من كتيبة المظليين 890 وكتيبة المدرعات 74 التابعين للواء الجولان، غير أنها فوجئت بمقاومة مسلحة من أبناء المنطقة الذين استشهد عشرة منهم، في الوقت الذي تأجّجت فيه المشاعر الشعبية، وخرج أبناء المنطقة بالآلاف في تشييع الجنازات، حيث كان هتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى" حاضرا، بينما أخذ الناس يتنادون للجهاد. وهذا يعني أن سياسة الإخضاع أحدثت أثرا عكسيا باتجاه دعم المقاومة ومواجهة العدوان.
العقلية العدوانية المتعجرفة لنتنياهو تُعميه عن حقائق الأمور، إذ إن فكرة "ما لا يتحقّق بالقوة، يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" لا تنطبق على هذه المنطقة العربية الإسلامية، والذي يظن ذلك لا يفهم المنطقة ولا عقيدتها ولا تراثها ولا هويتها ولا تاريخها؛ ولا يفهم (ولا يريد أن يفهم) أن عمليات الإخضاع بالقوة هي في الحقيقة عناصر تثوير وتفجير ووقود للمقاومة؛ وأن محاولة توسيع تطبيقات النظرية الأمنية إلى البيئة الاستراتيجية المحيطة، ستسهم في تثوير الشعوب، وتوسيع دائرة الصراع ضدّ المشروع الصهيوني، وستسرِّع من قدوم موجة "ربيع عربي" جديدة؛ وأن القياس الإسرائيلي على سلوك الأنظمة الرسمية العربية بفسادها واستبدادها هو قياس خاطئ، وأن ما يحدث في الحقيقة يدخل، والله أعلم، في حالة الاستدراج الرباني للمشروع الصهيوني الذي وصل إلى ذروة "عُلوِّه"، وفي إطار تنزيل سنن الله سبحانه في الطغاة والظالمين؛ وأن المسرح في المنطقة يتجهز إلى مواجهات أوسع، سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الاحتلال الإسرائيلي.
وكما ذكر الدكتور بشير نافع، فإن خسارة "إسرائيل" في سوريا هي من الوزن الاستراتيجي، ولن تعوضها هجمات تكتيكية على هذا الموقع أو ذاك، إذ إن سوريا أخرى تولد وتنهض من جديد.
x.com/mohsenmsaleh1