محاكمة المعارضين في تونس.. تآمر على أمن الدولة أم تصفية سياسية؟
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
تونس- في أجواء سياسية مشحونة بالتوتر والترقب، انطلقت اليوم الثلاثاء في تونس أولى جلسات محاكمة نحو 40 معارضا سياسيا من مختلف التيارات، كانت السلطة الحالية قد وجهت لهم تهمة التآمر على أمن الدولة، وهي تهمة خطيرة تصل عقوبتها للإعدام أو السجن المؤبد.
وفي صباح اليوم، مثُل عدد من المعارضين للرئيس قيس سعيد أمام المحكمة الابتدائية بتونس في حالة سراح في قضية ما أضحى يعرف بـ"التآمر على أمن الدولة"، بينما رفض غالبية المساجين السياسيين المشاركة في المحاكمة التي قرر القضاء إجراءها عن بعد، بدعوى وجود مخاطر أمنية.
ومن بين السياسيين المتهمين الذين حضروا الجلسة حضوريا في حالة سراح، كان زعيم جبهة الخلاص المعارضة نجيب الشابي، والناشطة السياسية شيماء عيسى، والناشط السياسي والمحامي لزهر العكرمي، بالإضافة إلى القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي.
وفي الأثناء، تجمع أنصار المعارضة قبالة المحكمة الابتدائية بتونس، رافعين صور المعتقلين السياسيين وأعلام تونس، هاتفين بشعارات تدين المساس بالمحاكمة العلنية وتستنكر تدخل نظام الرئيس سعيد في القضاء، ومطالبين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين.
https://www.youtube.com/watch?v=Afeo4BBcshw
إعلان أجواء ساخنةلم يكن دخول الصحفيين إلى قاعة الجلسة سهلا منذ البداية فقد طلب أعوان الأمن تراخيص مسبقة من وزارة العدل، بينما تمسك المحامون بحق الإعلام في حضور الجلسة. وبعد ذلك، تمكن الصحفيون من الدخول لقاعة الجلسة دون إدخال آلات التصوير الخاصة بهم.
وفي تعليقها على مواكبة وسائل الإعلام لهذه المحاكمة، نشرت نقابة الصحفيين التونسيين اليوم الثلاثاء بيانا أكدت فيه أن العمل الصحفي داخل قاعات المحاكم لا يتطلب ترخيصا مسبقا من وزارة العدل وأن الترخيص يشمل فقط التصوير والتسجيل داخل القاعة.
وفيما يخص قضية "التآمر على أمن الدولة" التي جوبهت في البداية بالتعتيم أوضحت النقابة أن القضية تشهد اهتماما وطنيا ودوليا، مبينة أن القضية أثارت موجة من الجدل والتشكيك في استقلالية القضاء، خاصة أن أغلب المتهمين هم معارضون لسياسات النظام الحالي.
وشهدت قاعة الجلسة اكتظاظا كبيرا بالمحامين وأهالي المعتقلين والحقوقيين والنشطاء السياسيين والصحفيين، وسادت حالة من الصخب في القاعة بسبب هتافات المحامين والنشطاء بجلب المعتقلين لمحاكمتهم حضوريا بجلسة علنية وإلغاء المحاكمة عن بعد.
وتراوحت المداخلات بداية الجلسة بين لسان الدفاع والمتهمين الذين حضروا المحاكمة في حالة سراح، وقد عبر المحامون عن رفضهم القاطع لإجراء المحاكمة "عن بعد" بالنسبة للمساجين المعتقلين، مؤكدين أن غياب شرط العلنية يعد انتهاكا لأبسط مبادئ المحاكمة العادلة.
ومع انطلاق هذه المحاكمة التاريخية بعد عامين من اعتقال عشرات المعارضين بتهمة التآمر، تتجه الأنظار المحلية والدولية نحو القضاء التونسي، وسط تساؤلات حول مصير المتهمين ومدى توفر شروط المحاكمة العادلة في ظل اتهامات المعارضة للرئيس سعيد بالتدخل في القضاء.
وضمن المتهمين في القضية شخصيات بارزة من مختلف التيارات السياسية، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقيادي بجبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك وغيرهم.
إعلانوقد وجهت السلطات التونسية لهم تهما خطيرة تصل عقوبتها إلى الإعدام أو المؤبد، وتتعلق بالتآمر على أمن الدولة، والتخابر مع جهات داخلية وخارجية، وتكوين "مجموعة إرهابية". وكان الرئيس التونسي قيس سعيد سبق أن صرح في شأنهم "أن من يبرئهم فهو شريك لهم".
وفي تصريحاته حول المحاكمة، وصف زعيم جبهة الخلاص نجيب الشابي القضية بأنها "جائرة ومفبركة"، مشيرا إلى أن التهم الموجهة للمعتقلين تفتقر إلى أي دليل مادي.
وأضاف الشابي للجزيرة نت أن الهدف من هذه المحاكمة هو تصفية المعارضة السياسية وإشاعة الخوف داخل المجتمع من خلال توظيف قانون الإرهاب والمجلة الجزائية لفرض أحكام مشددة دون مبررات قانونية واضحة، على حد تعبيره.
واعتبر أن اتهام شخصيات معروفة بطابعها المدني السلمي وتاريخها النضالي بالإرهاب والتآمر "انحراف بالقانون"، مؤكدا أن "القانون لا يجيز توجيه مثل هذه التهم إلا بوجود أدلة على ارتكاب جرائم خطيرة كالاغتيالات أو الهجمات الإرهابية، وهو ما يفتقده ملف القضية تماما".
من جانبها، أكدت المحامية دليلة بن مبارك مصدق للجزيرة نت أن قضية التآمر ليست سوى واحدة من عشرات الملفات الملفقة التي اختلقتها سلطة 25 يوليو/تموز لتبرير حملتها ضد المعارضين.
وأوضحت أن قضية بهذا الحجم تتحدث عن مؤامرة داخلية وخارجية ضد الدولة التونسية من قبل عشرات المعارضين للرئيس سعيد، كان يفترض أن تكون مبنية على عمل أمني واستخباراتي واستعلاماتي، لكنها في واقع الأمر ارتكزت على "وشايات مخبرين اثنين أحدهما في السجن"، بينما لم يتضمن الملف سوى ورقة أمنية يتيمة تحتوي على سطر ونصف السطر مفادها أن الأمن بلغ إلى علمه أن هناك مؤامرة تحاك ضد الشعب التونسي.
إعلانوأضافت للجزيرة نت أن السلطة الحالية في محاولة لإخفاء زيف هذه الادعاءات فرضت تعتيما إعلاميا صارما، ومنعت أي حديث عن تفاصيل القضية.
واعتبرت المحامية أن قرار المحكمة بإجراء المحاكمة عن بعد محاولة لعزل المتهمين عن الرأي العام وتقييد قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.
بدء جلسات المحاكمة في قضية "التآمر على أمن الدولة" في #تونس دون حضور المعتقلين، وتنسيقية عائلاتهم وجمعيات حقوقية تنظم احتجاجا على عقد المحاكمة عن بعد.. مدير مكتب #الجزيرة لطفي حجي يُفيدنا بالتفاصيل#الأخبار pic.twitter.com/V2XBeQCSDB
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 4, 2025
تدخل في القضاءوترى دليلة بن مبارك مصدق أن هذه المحاكمة "جائرة من أجل تصفية المعارضين"، مؤكدة أن ملف الإدانة خال من أي أدلة وأن السلطة تدخّلت بشكل سافر في القضاء لاستخدامه كأداة للانتقام السياسي.
وتقول المعارضة التونسية إن القضاة يتعرضون لضغوط هائلة لإصدار أحكام قاسية بحق المعتقلين السياسيين، في محاكمات تفتقر لأبسط معايير العدالة، متهمين الرئيس سعيد بمواصلة التفرد بالحكم وإحكام قبضته على مفاصل الدولة لتكميم أي صوت معارض.
وفي ردها قبل أيام على بيان مفوضية حقوق الإنسان الذي طالبت فيه السلطات التونسية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، نفت وزارة الخارجية وجود "مساجين رأي" أو "مساجين سياسيين"، مؤكدة أن الموقوفين متهمون بجرائم حق عام. وشددت الوزارة على احترام الدولة التونسية لمبادئ حقوق الإنسان والحرية.
ومع انطلاق الجلسة الأولى، يبقى التساؤل الأهم: هل ستشكل هذه المحاكمة منعطفا جديدا يعمق الأزمة السياسية في البلاد، أم ستساهم في إعادة تشكيل المشهد السياسي على أسس وقواعد مغايرة؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان التآمر على أمن الدولة المعتقلین السیاسیین هذه المحاکمة فی القضاء بن مبارک عن بعد
إقرأ أيضاً:
رئس امن الدولة السعودي: عودة المعارضين إلى المملكة متاحة .. بشرط
أكد مسؤول أمني سعودي أن العودة إلى البلاد متاحة أمام المعارضين في الخارج الذين تم استغلالهم سابقًا من جهات أو كيانات قدمت لهم دعمًا ماليًا لأغراض مغرضة، شريطة عدم تورطهم في جرائم خاصة.
وأوضح عبد العزيز الهويريني، رئيس أمن الدولة السعودي، في مقابلة تلفزيونية بُثَّت الأحد، أن الدولة تتبع نهج المعالجة وليس العقاب، ولن تقوم بالتشهير بمن يقررون العودة.
وأشار الهويريني، نقلًا عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى أن الدعوة مفتوحة لكل من غُرِّر بهم واستُغلوا، مؤكدًا أن من كانوا في مرحلة الأفكار أو المعارضة فقط، ولم يرتكبوا جرائم جنائية، لن يتعرضوا لأي عقوبات.
وشدد المسؤول السعودي على أن المملكة ترحب بكل من يرغب في العودة، في إطار سياسة تسوية الأوضاع وتعزيز الاستقرار الداخلي.
وأوضح أنه يُمكن لأولئك الأشخاص الاتصال بالرقم المعلن (990)، وتحديد شخصيته ومكان إقامته لتسهيل العودة إلى البلاد، أو يكلف أحد أفراد عائلته بالتواصل مع الجهة المعنية لهذا الغرض، مبيناً أن سفارات السعودية في الخارج جميعها على استعداد لاستقبالهم وتيسير عودتهم.
وأكد الهويريني، في حديثه عبر برنامج «حكاية وعد» على قناة «إم بي سي»، أن الدولة لن تشهر باسم أي مواطن طلب العودة من الخارج، عادّاً ذلك دليلاً على أنها تعالج ولا تعاقب، ما لم يرتكب أي عمل مخالف قبل مغادرته البلاد.
ونوّه بأن المجتمع السعودي كان شريكاً في مكافحة التطرف والإرهاب، لافتاً إلى أن «20 في المائة من الموقوفين في البلاد كانوا برغبة من أسرهم أو بالترتيب معهم، لأنهم تأكدوا من تلقاء أنفسهم أن الدولة تحمي أبناءها من استغلال المتطرفين لهم».
يشار إلى أن البرنامج تناول في حلقته الثانية من الموسم الثالث، التي عُرضت الأحد، جهود السعودية المبذولة لمكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، حيث روى كبار القادة الأمنيين ما حقّقته البلاد في ذلك خلال فترة وجيزة.