لجريدة عمان:
2025-04-29@16:02:19 GMT

أفول التكتلات وهيمنة الفرادنية

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

يقول الفيلسوف الإغريقي أرسطو: «الإنسان مدني بطبعه»، بمعنى أنه لا يستطيع العيش بمعزل عن الجماعة، لأن العزلة تجعله عرضة للأخطار، بينما تمنحه الجماعة قوة وحماية. وهذا القانون الطبيعي الذي يحكم حياة الأفراد ينطبق تمامًا على الدول، فحين تشعر بالخوف أو التهديد، فإنها تبحث فورًا عن تجمع أكبر تحتمي به، سواء كان ذلك سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا.

التكتلات الدولية لم تنشأ من فراغ، بل جاءت استجابة لحاجة الدول إلى ضمان أمنها، وتأمين مصالحها، وتعزيز مكانتها بين الأمم.

منذ نشأة الدول الحديثة، كانت فكرة التحالفات والتكتلات أساسية في تشكيل النظام العالمي، فالأمم المتحدة على سبيل المثال نشأت بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة لإنشاء مظلة سياسية تقي الدول ويلات الحروب والصراعات، والجامعة العربية أيضا جاءت لتجميع الدول العربية تحت راية واحدة تضمن نوعًا من الوحدة والمساندة المشتركة. دول مجلس التعاون الخليجي أيضا قامت على المبدأ ذاته وهو تشكيل تكتل خليجي إقليمي لحماية مصالحها وتعزيز أمنها المشترك فيما بينها، وحديثا نشأ الاتحاد الأوروبي بعد سلسلة من الأزمات والحروب ليعزز التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول القارة لتمنع تكرار مآسي الماضي.

التكتلات الاقتصادية، مثل مجموعة بريكس، جاءت أيضا كرد فعل على هيمنة النظام المالي التقليدي، حيث سعت دول مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا إلى خلق منظومة اقتصادية تضمن لها مكانًا أكثر استقلالية في الاقتصاد العالمي مثلها مثل منظمة الآسيان التي سعت منذ تأسيسها إلى توحيد الصوت الآسيوي في وجه القوى العالمية الكبرى.

كل هذه التكتلات لم تكن رفاهية سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، بل جاءت استجابة طبيعية لحاجة الدول إلى الحماية والتوازن والشعور بالأمان والاطمئنان، لكنها اليوم تواجه تحديات كبرى تهدد وجودها وتفتح الباب أمام عالم تسوده الفردانية حيث تبرز بعض القوى الفردانية المهيمنة على المشهد العالمي، فيما تتراجع فاعلية التجمعات التي لطالما شكلت درعًا لأعضائها.

مشهد التكتلات والتجمعات العالمية يختلف اليوم عن المشهد ذاته في الماضي فكثير من هذه التكتلات وإن كانت لا تزال قائمة فهي بالاسم فقط، لكنها لم تعد بالقوة نفسها. الأمم المتحدة، التي يُفترض أنها تضمن الاستقرار العالمي، أصبحت غير قادرة على فرض قراراتها أمام القوى الكبرى التي تستخدم الفيتو لمصلحتها والجامعة العربية تُصدر قرارات، لكنها في كثير من الأحيان لا تُنفذ أو لا تؤخذ بجدية وبعض منها غير ملزم للأعضاء.

في المقابل، نشهد على الجانب الآخر تصاعد قوة الدول الفردية المهيمنة، الولايات المتحدة ما زالت تفرض نفوذها سياسيًا وعسكريًا على كل دول العالم دون استثناء خصوصا خلال المرحلة الترامبية، الصين أصبحت قوة اقتصادية هائلة، وروسيا تتصرف وفق مصالحها دون اكتراث بالقرارات الدولية. هذه الدول تفرض واقعًا جديدًا، حيث يبدو أن التكتلات لم تعد قادرة على مجاراة النفوذ الفردي المتصاعد فنحن اليوم أمام عالم تتحكم فيه القوى الكبرى وحدها، بينما تتراجع فاعلية التكتلات التي شكلت لعقود موازين القوى في العالم.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستستمر هذه التكتلات أم أنها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة وبدأت تفقد أهميتها حتى مع أعضائها أنفسهم؟ إذا نظرنا إلى التاريخ، سنجد أن العديد من التكتلات التي بدت في زمنها قوية ومؤثرة لم تستطع الصمود مع تغيّر الظروف؛ فتكتل مثل تكتل الدول الاشتراكية، الذي كان يقوده الاتحاد السوفييتي، انهار تمامًا مع سقوط الاتحاد نفسه، وذهبت دوله لتبحث عن مصالحها بعيدًا عن الفكر الجماعي الذي كان يجمعها. حركة عدم الانحياز، التي كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تمثل قوة متوازنة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، فقدت تأثيرها مع انتهاء الحرب الباردة، ولم تعد تُذكر إلا في المؤتمرات الدبلوماسية الرمزية.

اليوم، تبدو التكتلات الدولية في وضع مشابه. صحيح أن بعضها لا يزال قائمًا، لكنه يواجه صعوبات حقيقية في الاستمرار بنفس القوة والتأثير. الاتحاد الأوروبي يعاني من التحديات الداخلية، خاصة بعد خروج بريطانيا، والحديث عن خلافات بين دوله الأعضاء. الأمم المتحدة تفقد قوتها أمام الدول الكبرى التي تتلاعب بقراراتها حسب مصالحها. الجامعة العربية لم تعد تملك التأثير الحقيقي لحل الأزمات العربية. حتى مجموعة بريكس، رغم صعودها الاقتصادي، إلا أن تباين مصالح أعضائها قد يحدّ من قدرتها على التحرك كقوة موحدة حتى تجمع دول مجلس التعاون الخليجي يعاني من انقسامات بين أعضائه.

في المقابل، نشهد تصاعد نفوذ الدول الكبرى التي بدأت تحل محل هذه التجمعات، الولايات المتحدة، رغم المنافسة التي تواجهها، لا تزال القوة الأكثر تأثيرًا سياسيًا وعسكريًا. الصين تتوسع اقتصاديًا بشكل غير مسبوق وتفرض نفوذها في آسيا وإفريقيا، روسيا تتحرك منفردة لتحقيق مصالحها دون الحاجة إلى تحالفات قوية، وكأننا نعود إلى عصر القطب الواحد، أو ربما إلى عالم تحكمه ثلاث أو أربع قوى كبرى، بينما تبقى بقية الدول مجرد لاعبين ثانويين في مشهد تهيمن عليه المصالح الفردية بدلًا من التعاون الجماعي.

فهل ستتمكن هذه التكتلات من إعادة ترتيب صفوفها واستعادة تأثيرها؟ أم أننا بالفعل نشهد نهاية عصر التكتلات وبداية عالم تتحكم فيه الهيمنة الفردانية وحدها؟ سؤال سيجيب عنه المستقبل القريب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم تعد

إقرأ أيضاً:

تعاون بين جهاز المشروعات والتنمية المحلية لتطوير التكتلات الإنتاجية بالمحافظات

أكد باسل رحمي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات حرص الجهاز على تفعيل مختلف سبل التعاون مع وزارة التنمية المحلية بقيادة الدكتورة منال عوض؛ للتنسيق والعمل على تطوير التكتلات الإنتاجية بكافة محافظات الجمهورية خاصة الصعيد ورفع طاقاتها الإنتاجية لضمان استقرارها وتعزيز فرصها في استيعاب المزيد من فرص العمل اللائقة والمستدامة لأبناء تلك المحافظات، وكذلك لتعزيز قدرتها في المساهمة في برامج الدولة الهادفة لتنمية محافظات الصعيد.

استراتيجيات عالمية لتحقيق النمو الإقليمي.. جلسة نقاشية بمؤتمر الاتحاد الدولي للمعارضمكاسب طفيفة للبورصة المصرية وسط تباين في أداء المؤشرات

جاءت تصريحات رحمي على هامش مشاركته في اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب برئاسة النائب كمال مرعي وبحضور  هالة أبو السعد وكيل اللجنة و النواب أعضاء اللجنة وممثلي وزارة التنمية المحلية الدكتور هشام الهلباوى و وليد البوشي ونائبي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات الدكتور رأفت عباس و محمد مدحت.

وأشاد رحمي بالمجهودات التي تقوم بها لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب وحرصها على تفعيل سبل التعاون بين جهات الدولة لتشجيع المواطنين على إقامة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مختلف المجالات والأنشطة لخلق المزيد من فرص العمل من جهة، والمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني من جهة أخرى.
وأكد النائب كمال مرعي رئيس لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بمجلس النواب على أهمية تنسيق الجهود بين مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة المعنية بقطاع المشروعات الصغيرة والمختصة بتنفيذ قانون تنمية المشروعات 152/2020 والذي من شأنه منح هذا القطاع المزيد من الحوافز والتيسيرات مما يسهم في تطوير انتاجه ويشجع المواطنين خاصة الشباب على الاقبال على العمل الحر. وأشار مرعي إلى أنه سيتم اختيار تكتلات إنتاجية في عدد من المحافظات بالتنسيق بين وزارة التنمية المحلية وجهاز تنمية المشروعات والجهات المعنية لوضع نظام من شأنه التسهيل على المواطنين بمناطق التكتلات الانتاجية للحصول على خدمات الجهاز وتوفيق أوضاع مشروعاتهم غير الرسمية للاستفادة من قانون تنمية المشروعات 152/2020 نظرا لتمتع تلك التكتلات بعدد من الميزات التنافسية في عدد من المحافظات وقدرتها على تنفيذ منتجات عالية الجودة ذات قدرة تنافسية مرتفعة مما يسمح بتسويقها محليا بالإضافة إلى إمكانية تصديرها للخارج.

وأوضح رئيس جهاز تنمية المشروعات أن الجهاز يحرص على تعزيز سبل التعاون مع وزارة التنمية المحلية لتهيئة البيئة اللازمة لإقامة وتطوير المشروعات الصغيرة خاصة في المحافظات والمناطق الأكثر احتياجا للخدمات التنموية، مشيرا إلى أنه في سبيل ذلك فإن الجهاز يعمل مع الوزارة للوصول إلى اتفاق من شأنه تعزيز التوافق بين قانون تراخيص المحال العامة رقم 154 وقانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر رقم 152، مؤكدا على أهمية هذا الاتفاق لضمان التنسيق بين الوحدات المحلية بالمحافظات ووحدات الشباك الواحد بمكاتب جهاز تنمية المشروعات في المحافظات لتمكين أصحاب المشروعات من الحصول على الخدمات التمويلية والفنية اللازمة لهم، مع الأخذ في الاعتبار العمل على تدريب العاملين بالجهاز وكذلك الوزارة لتفعيل آليات هذا الاتفاق.
وأضاف رحمي أن ذلك يأتي استكمالا للتعاون الحالي مع وزارة التنمية المحلية والذي أثمر عن العديد من الإنجازات على مستوى المحافظات المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بالبدء في تفعيل الربط الشبكي بين مراكز إصدار التراخيص التابعة للوزارة ووحدات الشباك الواحد التابعة للجهاز، فضلا عن التعاون المشترك في مشروعات الأشغال العامة والتنمية المجتمعية والتي كان لها أثر كبير في تحقيق نتائج تنموية ملموسة في تلك المحافظات لتوفير بيئة مناسبة لنمو قطاع المشروعات الصغيرة، مؤكدا على ضرورة تكاتف جميع جهات الدولة لتنفيذ الخطط الخاصة بتنمية محافظات الصعيد.

وشهد اجتماع لجنة المشروعات بمجلس النواب قيام الدكتور هشام الهلباوي ممثل وزارة التنمية المحلية بعرض محاور التعاون المختلفة بين الوزارة وجهاز تنمية المشروعات وكذلك عدد من الجهات الحكومية الأخرى ضمن برامج تنمية الصعيد وخاصة برنامج تطوير التكتلات الإنتاجية وتطوير صناعات التللي والعسل الأسود والأثاث والتجمعات الزراعية.

طباعة شارك جهاز تنمية المشروعات وزارة التنمية المحلية المشروعات الصغيرة

مقالات مشابهة

  • تعاون بين جهاز المشروعات والتنمية المحلية لتطوير التكتلات الإنتاجية بالمحافظات
  • العراق تاسع أرخص الدول العربية بالبنزين
  • مؤشر الذكاء العالمي لعام 2025.. لبنان في القمة بين الدول العربية
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • وفد الأمانة العامة للجامعة العربية يصل بغداد للاطلاع على استعدادات القمة العربية
  • مناقشة الترتيبات لإطلاق الاستراتيجية العربية لكبار السن في ليبيا
  • مصر تتصدر الدول العربية في إنتاج الصلب خلال مارس 2025
  • الأمين العام للجامعة العربية يرحب بتعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس دولة فلسطين
  • الجامعة العربية تعقد اجتماعا لمناقشة قانون موحد لمنع خطاب الكراهية
  • اللجنة الفنية الاستشارية لوزراء الصحة العرب تعقد اجتماعها بالجامعة العربية