لجريدة عمان:
2025-03-04@21:03:34 GMT

أفول التكتلات وهيمنة الفرادنية

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

يقول الفيلسوف الإغريقي أرسطو: «الإنسان مدني بطبعه»، بمعنى أنه لا يستطيع العيش بمعزل عن الجماعة، لأن العزلة تجعله عرضة للأخطار، بينما تمنحه الجماعة قوة وحماية. وهذا القانون الطبيعي الذي يحكم حياة الأفراد ينطبق تمامًا على الدول، فحين تشعر بالخوف أو التهديد، فإنها تبحث فورًا عن تجمع أكبر تحتمي به، سواء كان ذلك سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا.

التكتلات الدولية لم تنشأ من فراغ، بل جاءت استجابة لحاجة الدول إلى ضمان أمنها، وتأمين مصالحها، وتعزيز مكانتها بين الأمم.

منذ نشأة الدول الحديثة، كانت فكرة التحالفات والتكتلات أساسية في تشكيل النظام العالمي، فالأمم المتحدة على سبيل المثال نشأت بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة لإنشاء مظلة سياسية تقي الدول ويلات الحروب والصراعات، والجامعة العربية أيضا جاءت لتجميع الدول العربية تحت راية واحدة تضمن نوعًا من الوحدة والمساندة المشتركة. دول مجلس التعاون الخليجي أيضا قامت على المبدأ ذاته وهو تشكيل تكتل خليجي إقليمي لحماية مصالحها وتعزيز أمنها المشترك فيما بينها، وحديثا نشأ الاتحاد الأوروبي بعد سلسلة من الأزمات والحروب ليعزز التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول القارة لتمنع تكرار مآسي الماضي.

التكتلات الاقتصادية، مثل مجموعة بريكس، جاءت أيضا كرد فعل على هيمنة النظام المالي التقليدي، حيث سعت دول مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا إلى خلق منظومة اقتصادية تضمن لها مكانًا أكثر استقلالية في الاقتصاد العالمي مثلها مثل منظمة الآسيان التي سعت منذ تأسيسها إلى توحيد الصوت الآسيوي في وجه القوى العالمية الكبرى.

كل هذه التكتلات لم تكن رفاهية سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، بل جاءت استجابة طبيعية لحاجة الدول إلى الحماية والتوازن والشعور بالأمان والاطمئنان، لكنها اليوم تواجه تحديات كبرى تهدد وجودها وتفتح الباب أمام عالم تسوده الفردانية حيث تبرز بعض القوى الفردانية المهيمنة على المشهد العالمي، فيما تتراجع فاعلية التجمعات التي لطالما شكلت درعًا لأعضائها.

مشهد التكتلات والتجمعات العالمية يختلف اليوم عن المشهد ذاته في الماضي فكثير من هذه التكتلات وإن كانت لا تزال قائمة فهي بالاسم فقط، لكنها لم تعد بالقوة نفسها. الأمم المتحدة، التي يُفترض أنها تضمن الاستقرار العالمي، أصبحت غير قادرة على فرض قراراتها أمام القوى الكبرى التي تستخدم الفيتو لمصلحتها والجامعة العربية تُصدر قرارات، لكنها في كثير من الأحيان لا تُنفذ أو لا تؤخذ بجدية وبعض منها غير ملزم للأعضاء.

في المقابل، نشهد على الجانب الآخر تصاعد قوة الدول الفردية المهيمنة، الولايات المتحدة ما زالت تفرض نفوذها سياسيًا وعسكريًا على كل دول العالم دون استثناء خصوصا خلال المرحلة الترامبية، الصين أصبحت قوة اقتصادية هائلة، وروسيا تتصرف وفق مصالحها دون اكتراث بالقرارات الدولية. هذه الدول تفرض واقعًا جديدًا، حيث يبدو أن التكتلات لم تعد قادرة على مجاراة النفوذ الفردي المتصاعد فنحن اليوم أمام عالم تتحكم فيه القوى الكبرى وحدها، بينما تتراجع فاعلية التكتلات التي شكلت لعقود موازين القوى في العالم.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستستمر هذه التكتلات أم أنها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة وبدأت تفقد أهميتها حتى مع أعضائها أنفسهم؟ إذا نظرنا إلى التاريخ، سنجد أن العديد من التكتلات التي بدت في زمنها قوية ومؤثرة لم تستطع الصمود مع تغيّر الظروف؛ فتكتل مثل تكتل الدول الاشتراكية، الذي كان يقوده الاتحاد السوفييتي، انهار تمامًا مع سقوط الاتحاد نفسه، وذهبت دوله لتبحث عن مصالحها بعيدًا عن الفكر الجماعي الذي كان يجمعها. حركة عدم الانحياز، التي كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تمثل قوة متوازنة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، فقدت تأثيرها مع انتهاء الحرب الباردة، ولم تعد تُذكر إلا في المؤتمرات الدبلوماسية الرمزية.

اليوم، تبدو التكتلات الدولية في وضع مشابه. صحيح أن بعضها لا يزال قائمًا، لكنه يواجه صعوبات حقيقية في الاستمرار بنفس القوة والتأثير. الاتحاد الأوروبي يعاني من التحديات الداخلية، خاصة بعد خروج بريطانيا، والحديث عن خلافات بين دوله الأعضاء. الأمم المتحدة تفقد قوتها أمام الدول الكبرى التي تتلاعب بقراراتها حسب مصالحها. الجامعة العربية لم تعد تملك التأثير الحقيقي لحل الأزمات العربية. حتى مجموعة بريكس، رغم صعودها الاقتصادي، إلا أن تباين مصالح أعضائها قد يحدّ من قدرتها على التحرك كقوة موحدة حتى تجمع دول مجلس التعاون الخليجي يعاني من انقسامات بين أعضائه.

في المقابل، نشهد تصاعد نفوذ الدول الكبرى التي بدأت تحل محل هذه التجمعات، الولايات المتحدة، رغم المنافسة التي تواجهها، لا تزال القوة الأكثر تأثيرًا سياسيًا وعسكريًا. الصين تتوسع اقتصاديًا بشكل غير مسبوق وتفرض نفوذها في آسيا وإفريقيا، روسيا تتحرك منفردة لتحقيق مصالحها دون الحاجة إلى تحالفات قوية، وكأننا نعود إلى عصر القطب الواحد، أو ربما إلى عالم تحكمه ثلاث أو أربع قوى كبرى، بينما تبقى بقية الدول مجرد لاعبين ثانويين في مشهد تهيمن عليه المصالح الفردية بدلًا من التعاون الجماعي.

فهل ستتمكن هذه التكتلات من إعادة ترتيب صفوفها واستعادة تأثيرها؟ أم أننا بالفعل نشهد نهاية عصر التكتلات وبداية عالم تتحكم فيه الهيمنة الفردانية وحدها؟ سؤال سيجيب عنه المستقبل القريب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم تعد

إقرأ أيضاً:

هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون

لا شك أن تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لفترة طويلة سيكون له تأثير كبير في المجالات التي يصعب على الأوروبيين التعويض عنها، لكن بعض المجالات أسهل من غيرها مثل القذائف، وفقا لخبراء.

يرى معهد كيل الألماني أن الولايات المتحدة قدمت بمفردها نحو نصف قيمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا في الفترة من 2022 إلى 2024. ويقول مصدر عسكري أوروبي لوكالة "فرانس برس" إن جزءا من المساعدات سُلم بالفعل، ولكن إذا لم يشهد الوضع على الجبهة تحولا في مواجهة الروس "فسيكون الأمر معقدا في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بدون مساعدات جديدة" بالنسبة للأوكرانيين.

ويقول المحلل الأوكراني فولوديمير فيسينكو: "إذا أخذنا في الحسبان ما تم تسليمه وما لدينا وما ننتجه، فإننا قادرون على دعم المجهود الحربي لستة أشهر على الأقل من دون تغيير طبيعة الحرب بشكل كبير".



ويرى يوهان ميشال، الباحث في جامعة ليون 3، أن "في معادلة حرب الاستنزاف أنت تضحي إما بالرجال أو بالأرض أو بالذخيرة. وإذا نفدت ذخيرتك، فإنك إما أن تنسحب أو تضحي بالرجال".

في ما يلي أربعة مجالات عسكرية قد تتأثر بتعليق المساعدات الأمريكية:

الدفاع المضاد للطائرات
 تتعرض أوكرانيا باستمرار لوابل من الصواريخ والمُسيَّرات ضد مدنها وبلداتها أو بنيتها التحتية. تؤدي هذه الهجمات الكبيرة إلى إنهاك الدفاعات الأوكرانية وإجبارها على استخدام كميات كبيرة من الذخيرة.

بعيدا عن خط المواجهة، تمتلك أوكرانيا سبعة أنظمة باتريوت أمريكية حصلت عليها من الولايات المتحدة وألمانيا ورومانيا، ونظامين أوروبيين من طراز "SAMP/T" حصلت عليهما من روما وباريس لتنفيذ عمليات اعتراض على ارتفاعات عالية. ولدى كييف قدراتها الخاصة وحصلت على أنظمة أخرى تعمل على مدى أقل.

يقول الباحث الأوكراني ميخايلو ساموس، مدير شبكة أبحاث الجغرافيا السياسية الجديدة، وهي مؤسسة بحثية في كييف، إن "الصواريخ البالستية مهمة جدا لحماية مدننا، وليس قواتنا. لذا فإن ترامب سيساعد بوتين على قتل المدنيين".

ويشرح ليو بيريا-بينييه من مركز إيفري الفرنسي للأبحاث: "مع الباتريوت، كما هي الحال مع جميع الأنظمة الأمريكية، لدينا مشكلتان، مشكلة الذخائر ومشكلة قطع الغيار للصيانة. في ما يخص قطع الغيار، هل سنتمكن من شرائها من الأمريكيين وتسليمها للأوكرانيين أم أن الأمريكيين سيعارضون ذلك؟ لا نعلم".

لتوفير ذخائر الباتريوت، تقوم ألمانيا ببناء أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة، ولكن من غير المتوقع أن يبدأ الإنتاج قبل عام 2027. وسوف تجد أوروبا صعوبة في تعويض أي نقص في هذا المجال.

ويقول ميشال: "إن أوروبا تعاني من بعض القصور في هذا المجال؛ فأنظمة "SAMP/T" جيدة جدا ولكنها ليست متنقلة، ويتم إنتاجها بأعداد صغيرة جدا. لا بد من زيادة الإنتاج، حتى لو كان ذلك يعني تصنيعها في أماكن أخرى غير فرنسا وإيطاليا". لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. ويؤكد بيريا-بينييه أن "العملية كان ينبغي أن تبدأ قبل عامين".

ويضيف يوهان ميشال: "إن إحدى طرق التعويض تتمثل في توفير مزيد من الطائرات المقاتلة لتنفيذ عمليات اعتراض جوي وصد القاذفات الروسية التي تضرب أوكرانيا"، فالأوروبيون زودوا أوكرانيا بطائرات "إف-16" و"ميراج 2000-5"، ولديهم مجال لزيادة جهودهم في هذا المجال.

ضربات في العمق
يمكن للمعدات الأمريكية توجيه ضربات من مسافة بعيدة خلف خط المواجهة، وهو ما يجعلها بالغة الأهمية بفضل صواريخ "أتاكمس أرض-أرض" التي تطلقها راجمات "هايمارز" التي أعطت واشنطن نحو أربعين منها لأوكرانيا.

ويشير ميشال إلى أنها "إحدى المنصات القليلة في أوروبا".

ويقول بيريا-بينييه: "إن أولئك الذين يملكونها يبدون مترددين في التخلي عنها، مثل اليونانيين". ويقترح ميشال أن "هناك أنظمة تشيكية، ولكنها أقل شأنا. يتعين على الأوروبيين أن يطوروا بسرعة أنظمة خاصة بهم، أو إذا كانوا غير قادرين على ذلك، أن يشتروا أنظمة كورية جنوبية".

ويشير ساموس إلى أن هناك إمكانية لتوجيه ضربات عميقة من الجو، ولدى "الأوروبيين والأوكرانيين الوسائل التي تمكنهم من ذلك"، مثل صواريخ "سكالب" الفرنسية، و"ستورم شادو" البريطانية.

ولكن بيريا-بينييه يشير إلى أن "المشكلة هي أننا لسنا متأكدين على الإطلاق من أن هناك أوامر أخرى صدرت بعد تلك التي أُعلن عنها".

القذائف المدفعية والأنظمة المضادة للدبابات
في هذا المجال، الأوروبيون في وضع أفضل.

يقول ميشال: "ربما يكون مجال الأسلحة المضادة للدبابات هو الذي طور فيه الأوكرانيون أنظمتهم الخاصة. فالصواريخ، مثل صواريخ جافلين الشهيرة التي زودتهم بها الولايات المتحدة، تكمل أنظمة المُسيَّرات "FPV" بشكل جيد".

وفي ما يتعلق بالمدفعية، يشير بيريا-بينييه إلى أن "أوروبا حققت زيادة حقيقية في القدرة الإنتاجية، وأوكرانيا في وضع أقل سوءا".

في أوروبا، تسارعت وتيرة إنتاج القذائف وتسليمها إلى أوكرانيا، ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنتاج قذائف عيار 155 ملم بمعدل 1,5 مليون وحدة بحلول عام 2025، وهذا يزيد عن 1,2 مليون وحدة تنتجها الولايات المتحدة.



 الاستطلاع/الاستعلام
 تشتد الحاجة إلى الولايات المتحدة في هذا المجال الأساسي بفضل أقمارها الاصطناعية وطائراتها ومُسيَّراتها التي تقوم بجمع المعلومات ومعالجتها.

ويقول فيسينكو: "من المهم جدا أن نستمر في تلقي صور الأقمار الاصطناعية".

ويشير ميشال إلى أن "الأوروبيين لديهم بعض الأدوات، ولكنها ليست بالحجم نفسه على الإطلاق، والعديد منهم يعتمدون بشكل كامل على الولايات المتحدة في هذا المجال".

مقالات مشابهة

  • حماس: نرحب بخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية
  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون
  • ما الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات من «المعادن النادرة» بالعالم؟
  • الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني
  • شيخ الأزهر: ندعو الله أن يوفِّق القادة العرب في القمة العربية ووضع حدٍّ للغطرسة والفوضى التي يتعامل بهما الداعمون للكيان المحتل
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت الأحد أول أيام رمضان
  • رئيس الدولي للخماسي الحديث: مصر من أفضل الدول التي تنظم البطولات واللعبة أصبحت أكثر متعة وإثارة بالنظام الجديد
  • روبيو يكشف الجملة التي قالها زيلنسكي وفجرت الخلاف مع ترامب.. كواليس مثيرة