القانــون الدولــي الإنســاني فــي «منحــدر خطِر» ويجب تصحيح المســار
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
سلطنة عمان تؤدي دورا فاعلا في ترسيخ مبادئ العدالة والقيم الإنسانية
نشيد بالجهود العمانية في معالجة تداعيات الأزمة اليمنية وتسهيل العمل الإغاثي
غزة تعيش وضعا مأساويا وبحاجة إلى دعم عاجل للمعونات الأساسية
«الصليب الأحمر» يمارس أعماله بحياد تام بعيدا عن الضغوط السياسية
قال البروفيسور جيل كاربونييه نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن القانون الدولي الإنساني يواجه تحديات خفض معايير تطبيق المبادئ مما يضعه في اتجاه خطير وهو ما يستوجب إعادة تصحيح المسار.
وشدد على التزام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالحياد في التعامل مع النزاعات المسلحة وتداعياتها على المدنيين، موضحا أن الهدف الذي تسعى اللجنة إلى تحقيقه هو حماية الضحايا وتقديم المساعدة. ووصف كاربونييه الوضع الإنساني في غزة بأنه مأساوي للغاية. ويتطلب دعما عاجلا بإدخال المعونات الأساسية، مشددا على أنه لا ينبغي أن يكون الغذاء والدواء سلاحا في الصراعات بين الأطراف. وتحدث في الحوار عن كثير من الجوانب المتعلقة بأهداف اللجنة الدولية للصليب الأحمر وإسهامها في تطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني، فإلى نص الحوار:
تؤمن سلطنة عمان بأهمية الحوار في تعزيز التفاهم الدولي وترسيخ القيم الإنسانية، كيف تنظرون لهذا الدور وتأثيره في سبيل تحقيق السلام والعدالة الإنسانية في العالم؟
نعم.. الدور الفاعل الذي تقوم بها سلطنة عمان هو محل إشادة ونموذج يحتذى في العالم، ونحن في لجنة الصليب الأحمر نعرب عن تقديرنا لهذا الدور الإنساني المهم، ومساعيها الخيرة لتعزيز القيم الإنسانية وتسهيل الحوار حول السلام والاستقرار في العالم، والمنطقة على وجه الخصوص. ومن المهم لنا أن نستمر في تطوير علاقتنا مع سلطنة عمان حيث نستطيع أن نقوم بعمل منظم وبنّاء للاستجابة للاحتياجات الإنسانية والتوصل لحلول عادلة. وكمثال على جهود سلطنة عمان ودورها البناء، تعاونها الكبير في معالجة تداعيات الأزمة اليمنية، حيث وفرت قاعدة لوجستية في مدينة صلالة لتسهيل مهمتنا في العمل الإغاثي باليمن، وتحرير آلاف المعتقلين بالمنطقة، وإيجاد حلول إنسانية لمن كانوا يرغبون في التواصل مع عائلاتهم أو الذين يواجهون مواقف صعبة.
كما أن سلطنة عمان تؤدي دورًا كبيرا لتعزيز الاستقرار والسلام والتمسك بالقيم الإنسانية المثلى خصوصا في مناطق النزاعات.. ومن المناسب هنا أن أشير إلى المبادرات التي تقودها من أجل السلام وترسيخ القيم الإنسانية، حيث استضافت مؤتمرا دوليا حول القانون الدولي الإنساني، وهو بالنسبة لي حدث مهم كونه يأتي في لحظة حرجة خصوصا في العالم العربي، وقد ناقش القواسم المشتركة بين مبادئ الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بحماية المدنيين. والتقيت بمسؤولين وعلماء من سلطنة عمان وخارجها، واستمعت للكثير عن القيم الإنسانية والمبادئ الإسلامية التي تعد أساسا لكثير من جوانب القانون الدولي. وفي مؤتمر المحيط الهندي، نوقش العديد من القضايا المتعلقة بالأمن البحري. ويأتي دورنا لإشراك دول المنطقة حول القانون الدولي للمنازعات المسلحة في البحار، حيث إن أولويتنا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر هو أن ينخرط شركاؤنا في هذه التحديات والمخاوف الإنسانية عندما يتعلق الأمر بحماية ومساعدة ضحايا الصراعات المسلحة.
أحد الجوانب الأساسية التي تعمل من أجلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعزيز القانون الدولي الإنساني ومساعدة ضحايا النزاعات المسلحة.. ما رؤيتكم لواقع تطبيق مبادئ هذا القانون خصوصا في سياق الأزمات الحالية؟
القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف هي مبادئ عالمية، تتبناها 106 دول، ولكن ما رأيناه خلال السنوات الماضية هو اتجاه نحو خفض معايير تطبيق هذه المبادئ والامتثال لها، وهو اتجاه خطِر جدا، ويجب إيقافه وإعادة توجيه مساره. ولهذا قمنا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإطلاق مبادرة لتعزيز احترام القانون الإنساني الدولي كأولوية سياسية، وأشركنا دولًا من جميع أنحاء العالم لدعم هذه المبادرة، التي لها مسارات مختلفة وملموسة للغاية للتعامل مع التحديات الإنسانية العظمى، وأحد هذه التحديات هو حماية المدنيين والأصول المدنية في ظل الصراعات المسلحة، ونسعى للعمل مع جميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لتقوية الامتثال للقانون.
إذن ما الذي يجب فعله الآن لحماية القانون الدولي الإنساني في ظل هذه التحديات المتزايدة؟
ما يحدث اليوم أن كل دولة تعترف بأن القانون الدولي الإنساني يطبق على كافة الصراعات، وأنه يجب احترام هذا القانون. إلا أنه عندما لا يحترم أحد الأطراف هذه المبادئ، يلجأ الطرف الآخر إلى نفس الموقف، مما يجعلنا في دوامة سلبية، ولذا أؤكد أن ما يجب فعله هو تعزيز الجهود لضمان احترام القانون من جميع الأطراف، كي نتمكن من القيام بالخطوات الإنسانية في سبيل حماية المدنيين، وتقديم الرعاية الطبية والخدمات الأساسية، الأمر الذي من شأنه أن يسهل الوصول لمحادثات السلام والمصالحة.
في ظل الضغوط الدولية، ما الآليات التي تعتمدها لجنة الصليب الأحمر للحفاظ على حيادها؟ وكيف تتعامل مع اتهامات التحامل والتحيز في عملها الإنساني؟
اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل منذ 162 عاما واستطاعت أن تحافظ على حيادها واستقلالها. رغم ذلك غالبًا ما نُتهم من الأطراف المتنازعة بأننا منحازون لأحد الجانبين. هذه الاتهامات ليست جديدة، لكنها تصاعدت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما نعتبره ادعاء خاطئا، فنحن دائمًا نلتزم الحياد حتى نتمكن من تقديم المساعدات والحماية للناس المتأثرين بالصراعات المسلحة. ولا نتدخل في السياسة، فهدفنا الوحيد هو حماية الضحايا وتقديم المساعدة.
كيف تضمن اللجنة الدولية للصليب الأحمر مستوى الشفافية في عملياتها خاصة في المناطق التي تواجه تحديات لوجستية وأمنية؟
في اللجنة الدولية للصليب الأحمر نحرص دائمًا على تقديم المساعدات بشكل مباشر إلى المستفيدين، ونعمل مباشرة على الأرض مع المجتمع المحلي. وأحيانا مع متطوعي الصليب الأحمر والهلال الأحمر المحليين حتى نضمن وصول المعونات إلى المستهدفين. كما نتأكد من أن المساعدات تصل إلى الأشخاص المحتاجين دون أي ازدواجية في الجهود.
من خلال وجود لجنة الصليب الأحمر في غزة، ما تقييمكم للوضع الإنساني هناك؟ وأين هو القانون الدولي الإنساني من حماية المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء؟
الوضع في غزة مأساوي للغاية.. الدمار هائل، والمعاناة كبيرة. هناك أيضًا أسرى لا يمكننا الوصول إليهم. وفي ظل القانون الدولي الإنساني، من الضروري حماية النساء والأطفال والمدنيين وتوفير الخدمات الأساسية لهم. ونحن نعمل على إشراك كافة الأطراف لتذكيرهم بالتزاماتهم تحت مظلة القانون الدولي الإنساني، في محاولة لتصحيح الوضع. وأؤكد هنا أنه من المهم أن تحترم جميع أطراف الصراع القانون، وتتعهد بالالتزام بمبادئه، كما أن على الدول الأخرى التي لديها نفوذ أن تساهم في ضمان احترام القانون. ونأمل أن يستمر وقف إطلاق النار في غزة، وأن نستمر في تسهيل إطلاق سراح الأسرى حتى يعودوا لعائلاتهم وأحبائهم.
في إطار حديثك عن الأسرى، كيف تتعامل اللجنة مع هذا الملف في حرب غزة؟ وما الإجراءات التي اتخذت لضمان تطبيق القانون الدولي الإنساني بشأن ذلك؟
منذ بداية الصراع في غزة، طالبنا بضرورة الوصول إلى الأسرى مع كلا الطرفين، لتقديم المساعدة الطبية وضمان المعاملة الإنسانية، وأيضا تسهيل الإفراج عنهم، ولكننا في نهاية الأمر لا نستطيع أن نفرض رأينا. ولأننا نعمل كوسيط محايد لضمان سلامة عملية إطلاق سراح الأسرى في بيئة غير آمنة، نطالب باحترام كرامة الإنسان في هذه العمليات. ولدينا موظفونا على الأرض وهم مدربون لضمان إطلاق السراح الآمن وسلامة انتقال الأسرى وعودتهم لعائلاتهم.
وكيف ترد على اتهام اللجنة بالتحيز في التعامل مع الأسرى؟
أؤكد أننا نلتزم دائما بالحياد في كل عملياتنا. لا نأخذ جانبًا ضد الآخر. إذا كنا نتحدث مع جميع الأطراف، فإن ذلك يعود فقط لمصلحة الضحايا الذين تأثروا بالصراعات المسلحة. ولا يدفعنا سوى الأهداف الإنسانية. نحن نعمل من أجل ضمان وصول المساعدات والحماية لجميع المتضررين..
وأعتقد أن هذه الحملات ضد حياد المؤسسات الدولية التي تقدم مساعدات إنسانية سيؤدي إلى ضرر كبير للمدنيين وضحايا الصراعات المسلحة لأن استمرارها سيضع قيودًا على قدراتنا وعملياتنا لتقديم المساعدات على الأرض. وليس من مصلحة الناس في مناطق الصراعات المسلحة، ولا أي دولة أن تكون اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير قادرة على القيام بدورها ومهمتها كعنصر إنساني.
ورد الكثير من التقارير التي تكشف عن انتهاكات جسيمة وسوء معاملة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، أين لجنة الصليب الأحمر من ذلك؟
كما ذكرت سابقا، كنا نطالب يوميا بأن يكون لنا وسيلة وطريقة للوصول للمعتقلين، ولكن لا نستطيع أن نفرض طريقتنا ولا يمكننا التدخل إلا بعد موافقة أطراف الصراع. الوضع هناك لا يسمح لوفودنا بالزيارة، والتحدث مع السلطة المحتجزة عن طريقة معاملة المعتقلين بإنسانية، ونأمل أن يسمحوا لنا بذلك في أقرب وقت ممكن..
في الماضي في قضايا المعتقلين الفلسطينيين، كنا نستطيع القيام بزيارتهم وتنظيم الزيارات العائلية لهم. وفي جميع أنحاء العالم نقوم شهريًا وسنويًا بزيارة آلاف المعتقلين، وضمن نطاق عملنا نقوم بزيارة المكان والقيام بحوارات ومحادثات خاصة مع المعتقلين منفردين، ثم نعود للتحدث سريًا مع الهيئات المعتقلة عن ملاحظاتنا وتوصياتنا لضمان ظروف اعتقال لائقة ومعاملة إنسانية، وهو ما نقوم بعمله في جميع أنحاء العالم في مناطق الصراعات المسلحة.
ما موقف لجنة الصليب الأحمر من منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة خاصة الضرورية منها كالأدوية والغذاء ؟
لقد أنشأنا مستشفى ميدانيا في جنوب غزة، ونطالب باستمرار زيادة طاقتنا، وإدخال المزيد من المعونات الأساسية، فالوضع الطبي والغذائي في غزة يحتاج إلى دعم عاجل ومستمر. ولا ينبغي أن يكون الغذاء والدواء سلاحا من قبل أي طرف، ونعمل حاليًا بشكل عاجل على استعادة سبل الحصول على مياه صالحة للشرب، ومعالجة مياه الصرف الصحي. نحن نعمل بلا توقف لتلبية احتياجات السكان المحليين.
هل شاركتم في جهود وساطة أو التنسيق مع الأطراف المعنية في الصراع في غزة؟
نحن لا نشارك في المفاوضات السياسية، لكننا نقدم خبراتنا في المواقف الإنسانية مثل إطلاق سراح الأسرى أو استعادة الجثامين.. نعمل وسيطا إنسانيا لتسهيل المحادثات وتحقيق نتائج إنسانية، ولكننا لا نتدخل في المفاوضات السياسية. وهذا في كل النزاعات. وليس في غزة. ما يهمنا هو احترام القانون الدولي الإنساني من كل الأطراف.
ما التحديات التي تواجه اللجنة أثناء القيام بعملها في توفير الحماية والمساعدات الإنسانية في مناطق النزاعات؟
من أكبر التحديات التي نواجهها هو ضمان تطبيق القانون الدولي الإنساني واحترام الأطراف المتنازعة لحقوق العاملين في المجال الإنساني. كما أن سلامة موظفينا أصبحت مهددة في بعض الأحيان، ويجب على الأطراف المتنازعة احترام القانون الدولي لضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وفي سبيل ذلك أطلقنا مبادرة عالمية بإشراك القوات العسكرية والقوات المسلحة في جميع أنحاء العالم ومناقشة مسؤولياتهم والتزاماتهم، وأن يتم تضمين القانون الدولي الإنساني ضمن مناهج التدريب في الأكاديميات العسكرية.
كيف تتعاون اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع الجهات الدولية والمحلية لضمان وصول المساعدات للمناطق المتضررة في مناطق النزاع؟
نحن نتعاون مع الجميع لضمان توزيع المساعدات بفعالية وتجنب الازدواجية. في كثير من الأحيان، نذهب إلى أماكن لا يستطيع الآخرون الوصول إليها بسبب حيادنا، وهو ما يتيح لنا العمل كوسيط محايد بين الأطراف المتنازعة. حيث نعمل بشكل مستقل عن الأمم المتحدة، ولكننا نحرص على التنسيق مع مختلف الجهات الإنسانية لتلبية احتياجات المتضررين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر القانون الدولی الإنسانی لجنة الصلیب الأحمر الأطراف المتنازعة جمیع أنحاء العالم الصراعات المسلحة القیم الإنسانیة حمایة المدنیین احترام القانون سلطنة عمان فی العالم فی مناطق وهو ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
اليوم.. مجلس الشيوخ يبحث دراسة لقياس أثر بعض أحكام قانون التجارة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يناقش مجلس الشيوخ خلال جلسته العامة، اليوم الأحد، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون المالية والاقتصادية والاستثمار ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، بشأن الطلب المقدم من النائب هاني سري الدين، لدراسة الأثر التشريعي لأحكام الفصل الأول من الباب الثاني من قانون التجارة الصادر بالأمر العالي في 13 نوفمبر سنة 1883، والمتعلق بشركات الأشخاص.
وأشار التقرير إلى أن قانون التجارة الصادر بالأمر العالي رقم (13) لسنة 1883، كان ينظم الشركات التجارية في مصر، إلى أن صدر قانون التجارة الحالي رقم (17) لسنة 1999، الذي نص في مادته الأولى على إلغاء القانون القديم، لكنه أبقى على أحكام الفصل الأول من الباب الثاني منه، الخاصة بشركات الأشخاص، والمُشار إليها في المواد من (19) إلى (65)، والتي لا تزال سارية حتى الآن.
وأوضحت اللجنة في تقريرها، أن دراسة هذه الأحكام أظهرت وجود العديد من التشوهات في مضمونها، وعدم ملاءمة كثير من نصوصها للواقع الحالي، سواء فيما يخص تأسيس شركات الأشخاص، أو إدارتها، أو تصفيتها، لا سيما في ظل ما شهدته العلاقات التجارية والاقتصادية من تغيرات وتطورات جذرية على مدار أكثر من قرن.
ولفتت اللجنة إلى أن الإبقاء على هذه النصوص بعد صدور قانون التجارة رقم (17) لسنة 1999، كان من المفترض أن يكون لفترة انتقالية محدودة، لحين صدور تنظيم قانوني شامل ينظم الشركات التجارية، بحسب ما ورد في المذكرة الإيضاحية لذلك القانون، إلا أن هذه الفترة امتدت لما يقارب 26 عامًا، الأمر الذي يستوجب الآن وضع تنظيم تشريعي جديد لشركات الأشخاص.
وتهدف الدراسة إلى توحيد الإطار القانوني المنظم لتأسيس وإدارة وتصفية شركات الأشخاص، وتوحيد الأحكام الخاصة بجميع الأشكال القانونية للشركات التجارية، من خلال ضمها إلى القانون رقم (159) لسنة 1981، بدلًا من تشتتها بين هذا القانون ومواد قانون التجارة الملغى، وقانون الاستثمار، وغيرهما من القوانين. كما تهدف إلى الإبقاء على أحكام القانون المدني المنظمة لعقد الشركة، باعتباره من العقود المسماة، وذلك بما لا يتعارض مع أحكام قانون الشركات.
وتسعى الدراسة كذلك إلى تبسيط الإجراءات أمام الجهات الإدارية المختصة، وتوحيد جهة الاختصاص، واستقرار التعامل والمفاهيم في السوق المصري، بما يضمن عدم تعرض المستثمرين لتقلبات مفاجئة، ويحقق التوافق مع القوانين السارية ذات الصلة بنشاط الشركات، والنظام القانوني المصري بشكل عام، بما يؤدي إلى تيسير المعاملات واستقرارها.
وتهدف الدراسة إلى إعادة النظر في التنظيم القانوني لشركات الأشخاص، بما يكفل حماية المتعاملين في السوق، سواء من الشركاء أو ورثتهم، أو من الغير من ذوي المصلحة، كالموردين والمقاولين والمستهلكين والبنوك الدائنة والعاملين في هذه الشركات.
وأشارت اللجنة، إلى أن إعداد هذه الدراسة جاء في ظل تحولات اقتصادية عالمية متسارعة، تفرض على الدولة تطوير بنيتها التشريعية بما يتماشى مع سياسات السوق الحر، وتحفيز بيئة الاستثمار، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، وهو ما يتطلب مواءمة تنظيم شركات الأشخاص مع متطلبات الحاضر والمستقبل، عبر توحيد الأسس والقواعد العامة المنظمة لها، بصرف النظر عن طبيعة نشاطها، وإزالة أوجه التعارض بين النصوص الحالية.
ولفتت الدراسة، إلى أن هناك محاولات سابقة من الحكومة لإصدار تنظيم جديد لشركات الأشخاص، منها مشروع قانون الشركات الموحد الصادر عن مجلس أمناء الهيئة العامة للاستثمار في يونيو 2008، إلا أن هذه المحاولات لم تكتمل.
يذكر أن المشرع المصري، عند إبقائه على الفصل الخاص بشركات الأشخاص من قانون التجارة الملغى، نص في مواد إصدار قانون التجارة على أن هذا الفصل يخص شركات الأشخاص. إلا أن مطالعة تلك النصوص كشفت أنها تنظم أيضًا بعض أحكام شركات الأموال، والشركات ذات الطابع المختلط، وهو ما كان يستوجب النص صراحة على إلغاء هذه المواد، لا سيما وأن هناك تشريعات قائمة تنظم هذه الشركات، مما يعني أنها أُلغيت ضمنيًا.
يشار إلى أن القانون رقم (159) لسنة 1981، يتناول أحكام شركات الأموال، ومنها الشركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، وشركات التوصية بالأسهم، فضلًا عن شركة الشخص الواحد، والتي تنظمها لائحته التنفيذية.
وأكدت اللجنة أنه لا يوجد في مصر حتى الآن قانون موحد شامل ينظم جميع أنواع الشركات، وهو أمر كان يجب على المشرع عدم إغفاله، لما له من أهمية في إزالة التداخل والتعارض بين النصوص القانونية المختلفة.
وتضمنت الدراسة مقترحًا بإلغاء العمل بالمواد (19) إلى (65) من قانون التجارة الصادر عام 1883، وإضافة فصل خاص بشركات الأشخاص إلى الباب الثاني (الخاص بأنواع الشركات) من القانون رقم (159) لسنة 1981، ليصبح هذا القانون هو التشريع الموحد المنظم لكل أنواع الشركات.
وتضمن المقترح إلغاء نظام الشهر بالمحاكم، واقتراح قيد شركتي التضامن والتوصية البسيطة في السجل التجاري، مع اكتساب الشخصية الاعتبارية بمجرد القيد، وتنظيم خصائصها القانونية، وهيكل ملكيتها، وقواعد إدارتها، وسلطات المدير وآليات عزله.
وفيما يخص شركات المحاصة، رأت اللجنة أن هناك رأيًا فقهيًا يدعو إلى إلغائها باعتبارها تشجع على الصورية ولا تتماشى مع الواقع الاقتصادي الحديث. إلا أن اتجاهًا فقهيًا آخر يرى أهمية الإبقاء عليها وتطوير تنظيمها، مشيرًا إلى ما فعله المشرع الفرنسي منذ عام 1978 حين أتاح وجود شكلين لهذه الشركة: أحدهما مستتر، والآخر مُعلن، يخضع لأحكام شركة التضامن من حيث مسؤولية الشركاء. وتُستخدم هذه الصيغة بشكل كبير في مجال الإنشاءات الدولية تحت مسمى "كونسورتيوم". وبعد الموازنة بين الرأيين، ارتأت اللجنة الأخذ بالرأي الثاني لقوة حججه.
وقد خلصت الدراسة إلى اتفاق ممثلي الحكومة على أهمية إدراج تنظيم جديد ضمن الباب الثاني من قانون الشركات رقم (159) لسنة 1981، يشمل الأحكام الخاصة بشركات الأشخاص، مع الإبقاء على الشكل القانوني لشركة المحاصة.
واتفق ممثلو أصحاب المصلحة، مثل جمعية رجال الأعمال والخبراء، مع هذا التوجه، مع التأكيد على عدم قصر تأسيس شركات الأشخاص على الأشخاص الطبيعيين فقط، وضرورة استحداث أحكام عامة موحدة لشروط التأسيس، والشروط الشكلية للشركات التجارية بشكل عام، بدلًا من تفرقها بين قوانين متعددة، فضلًا عن التأكيد في تعريف شركة التضامن على أنها تقوم على الاعتبار الشخصي للشريك المتضامن.
وفي ختام تقريرها، أوضحت اللجنة أن جلسات التشاور، التي استمعت خلالها لوجهات نظر ممثلي الحكومة والخبراء الفنيين، خلصت إلى توافق حول إضافة تنظيم جديد إلى الباب الثاني من القانون رقم (159) لسنة 1981، يتعلق بالأحكام الخاصة بأنواع الشركات.
ولفتت اللجنة، إلى أنه في حال تبني الحكومة ومجلس النواب للمقترحات الواردة في هذه الدراسة، وضمها إلى القانون رقم (159) لسنة 1981، سيستلزم ذلك تعديل مواد إصدار هذا القانون، بالإضافة إلى تعديل النصوص الخاصة بالباب الأول منه، والتي تتعلق بتحديد الشركات الخاضعة له (الفصل الأول من الباب الأول)، وإجراءات التأسيس (الفصل الثاني من الباب الأول)، وهي الجوانب التي لم تتناولها مقدمة الدراسة.