عبده الأسمري

بدأت «الدراما السعودية» منذ عامين توهجها من خلال «أعمال» تحاكي البيئة المحلية وترصد تداعيات مختلفة وتعالج قضايا متجددة.. وقد رأينا الكثير من الأعمال المختلفة بعد أن ارتفعت أعداد المشاهدات لبعض الأفلام والمسلسلات المحلية.. مما أوقع بعض شركات الإنتاج في تكرار «الأفكار» وأوجد سقطات في بعض الأعمال نتيجة اللهاث خلف «التقليد».

كثيرة هي الأعمال التي جاءت برداء مختلف ولكن «الخلل» يكمن في تكرار الفكرة في قوالب مختلفة تحت «العناوين» ذاتها والدليل الأكبر أن مسلسل «العاصوف» تكررت أجزاء منه في نسخ مختلفة من خلال «العرض» والقالب واللباس والحكايات والقصص والأسواق الشعبية وحكايات «الجدات» ومرويات «الأمهات» وكدح «الآباء» والتركيز على «اللهجات المحلية» التي تشابهت كثيراً إلى حد «الاستنساخ» ثم جاءت أفكار أخرى وآخرها عمل «شارع الأعشى» لتروي القضايا من زوايا مماثلة.

أخبار قد تهمك العاصوف يتصدر البحث مع عرض أولى حلقاته.. شاهدها من هنا 3 أبريل 2022 - 12:35 صباحًا

وفي ذات النسق تحوم الفكرة حول مسلسل «الشميسي» وغيرها وكان قبل ذلك «ثانوية النسيم» لنرى الإمعان في التركيز على «الأماكن» كعنوان جاذب لارتباطه بدوائر الزمن ووجوده قائماً في «حد الذاكرة» مما يستدعي وجود الاهتمام بالاسم أولاً ثم تدوير حركة “الشخصيات” في النصوص، ولكن التكرار يظل قائماً في نوعية «الحبكة» الدرامية والخروج من «الواقع» المفروض إلى «الخيال» المفترض بحثاً عن «تشويق» منتظر في مساحات قادمة من «التنبؤات».

عانت الدراما السعودية في فترات سابقة من «أزمة نصوص» تحت «احتكار» أسماء معينة وظل «التكرار» مستمراً إلى حد «البؤس»؛ وكأن كتاب تلك «النصوص» يكتبون أعمالهم في مكان واحد وبتفكير متشابه؛ مما جعل «المشاهد» يبحث عن زوايا متجددة وأفكار مبتكرة.

هنالك أبعاد متعددة للنجاح الدرامي تعتمد على النص والإنتاج والأداء مع أدوات أخرى تتجه إلى «سد فراغات» الخلل من خلال البحث عن «أسماء» ذات خبرة فنية توازي العمل مع ضرورة دراسة «الكاريزما» التي يمتلكها الممثل أو الممثلة والتي تمنحه «الأحقية» بتمثيل الدور وتبقى الفجوة في إسناد أدوار رئيسة إلى بعض «الفنانين والفنانات» على ضوء «المجاملات» أو من أجل نجاحات سابقة في حين أن الأدوار المحلية والتي ترتبط بالبيئة تحتاج إلى «شخصية» ذات قدرات عالية تصنع الفرق وتؤدي المطلوب بكفاءة عالية سواء في اللغة أو حركة الجسد أو تجويد الأداء.

وبالنظر إلى المعايير الفنية الدقيقة والمقاييس الدرامية المفصلة فإن مسلسل «خيوط المعازيب» كان ولا يزال «أنموذجاً» حقيقياً للمواءمة بين الفكرة والنص والأداء والاحترافية في توزيع الأدوار واختيار ممثلين وممثلات من «ذات البيئة» المرتبطة بالعمل حتى يتم احتراف اللهجة وتسخير المهارات في خدمة المنتج دون الاعتماد على الأسماء وتاريخها فقط دون تحقيق «الانسجام» الفني بين النص والأداء وديناميكية الدور واحترافية الإنتاج.

لابد أن يكون هنالك تفريق بين تحويل رواية كاملة لعب فيها «الخيال» لعبته وما بين مسلسل يقتضي تحوير «الإنتاج» ليحاكي البيئة مع ضرورة توظيف النصوص وتجسيدها فنياً وسلوكياً على أرض الواقع مع أهمية التفريق بين شخصيات وأحداث مقروءة وما بين حكايات وأحاديث مشاهدة والتي تتجلى على ضوئها «معايير» النقد.

على شركات الإنتاج أن تستفيد من «تجارب سابقة» في بلدان الخليج والعالم العربي بعد أن ترسخت «الصورة الذهنية» عن الظواهر المتفشية في المجتمعات والمظاهر الشائعة في المناسبات حيث توقفت الأعمال الخليجية في أعوام خلت أمام «التكرار» في العنف وقضايا الطلاق والجريمة والمخدرات وترويج الحزن؛ وظلت الأعمال الدرامية الشامية تكرر نفسها بتراجع مخيف في المسلسلات المكررة؛ والحكايات المنسوجة من بعضها في الحارات القديمة.

يجب التركيز على الابتكار والتعاطي مع القضايا المهمة والقصص الموثوقة دون الدخول في مساحة «الشبهات» التاريخية أو الأخطاء الجغرافية أو الأمور القبلية أو الاعتماد على «روايات» صنعت في أفق تخيلي وترويضها لتكون مسلسلاً يتحدث عن أزمنة وأمكنة تتقاطع مع ذاكرة المشاهد مع ضرورة البحث عن «كتاب» من طراز رفيع يمتلكون المهارات ويملكون «الحس الفكري» لصناعة الفارق بعيداً عن استنساخ الأفكار وتعاقب التكرار.

* كاتب وإعلامي سعودي
*نقلاً عن: al-jazirah.com

المصدر: صحيفة المناطق السعودية

كلمات دلالية: الدراما السعودية

إقرأ أيضاً:

شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية

(1)

يحتفي البريطانيون، وأبناء الثقافة الإنجليزية القحة، والناطقون بها في جميع أنحاء العالم بيوم اللغة الإنجليزية الذي يتزامن مع تاريخ ميلاد أبي الدراما الإنجليزية، وكاتبها الأعظم والأشهر وليام شكسبير (1564-1616) أشهر مؤلف درامي مسرحي عرفه التاريخ؛ صاحب التراجيديات والكوميديات والمسرحيات التاريخية الخالدة.

مات شكسبير منذ قرون طويلة، وما زالت أعماله وروائعه المسرحية (التراجيدية والكوميدية) تملأ الدنيا وتمتع الملايين! تقريبًا لا تُوجد لغة حية واحدة من اللغات الحية والمتداولة لم تُترجم إليها أعمال شكسبير، تتحدى الزمن وتدافع عن مبدعها حتى وقتنا هذا، ولمن يأتي بعدنا بقرون أخرى طويلة! تلك الآثار البارزة في المسرح الكوميدي والتراجيدي التي جسّد من خلالها أبرز دقائق النفس البشرية في بناء درامي، محكم، متساوٍ، أقرب ما يوصف به أنه "سيمفونية شعرية" لا مثيل لها في الدقة والانسجام والتآلف والجمال.

ومنذ سنوات الصبا، ومنذ بدأت أطالع كتب الجيب، وروائع الأدب العالمي للناشئين، والمختصرات المنشورة للقصص والمسرحيات الكلاسيكية العالمية، أصبحت من عشاق "الدراما الشكسبيرية" بكل أشكالها وتنويعاتها؛ قراءة ومشاهدة، وكنت على قناعة بأن "شكسبير" هو أحد أعظم كتّاب التراث الإنساني على الإطلاق؛ هكذا أتصور حينما تحاول أن تضع قائمة مختصرة لأكبر وألمع وأشهر المبدعين الذين مروا على تاريخ البشرية منذ وعى الإنسان ذاته وحضوره على هذه الأرض؛ قائمة لا يمكن أن تخلو فيما أظن من هوميروس، مثلا، وفيرجيل، وسوفوكليس، أريستوفانيس، وشكسبير، ثم ضع ما شئت من أسماء بعد ذلك!

وظللت على قناعتي تلك بل إنها ترسخت بمقولة الناقد القدير والمبدع المثقف الموسوعي محمود عبد الشكور "إن أفضل معلم للكتابة الدرامية هو مشاهدة وتحليل أعمال شكسبير". كما زادت رسوخا وثباتا بما قرأته لدى العقاد الذي كتب رسالته الشهيرة في «التعريف بشكسبير» (صدرت عن دار المعارف في أواسط القرن العشرين) من أنه: "ارتفع -بموازين النقد جميعًا- في فن الرواية المسرحية: فن الخلق والإبداع في تصوير النفوس وتصوير العلاقات بينها على السواء.

وإذا استثنينا الرسل والأنبياء من أصحاب الأديان الكبرى، فليس في أصحاب الأقلام منذ كتب الإنسان بالقلم عشرة يُعَدُّون معه في الصف الأول الذي تقدم إليه بين الصفوف العباقرة العالميون"..

(2)

ثم زادت تلك القناعة رسوخًا وثباتًا بعد أن طالعت الكتاب الرائع الذي ألفه ثلاثة من كبار الكتاب والمؤلفين بالعربية عن شكسبير، وصدر عن سلسلة (اقرأ) العريقة في أربعينيات القرن الماضي. في هذا الكتاب الممتع الذي يقدمه ثلاثة من كبار مثقفينا في القرن العشرين (زكي نجيب محمود، ومحمد فريد أبو حديد، وأحمد خاكي) تعريف واف بشكسبير عبقري المسرح الإنجليزي في القرون الوسطى، وبحث في عظمة وعبقرية صاحب المسرحيات الرائعة التي ما زلنا نقرأها، ونستمتع بها رغم رحيل مبدعها منذ قرون. قارئ هذا الكتاب سيتعرف على جوانب العظمة الشكسبيرية المتخطية للزمن، خاصة في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد، وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد.

وقد كانت هذه الفكرة التي تعرفت عليها في هذا الكتاب المكثف هي مدخلي لإعادة قراءة شكسبير كاملا وفق خطة ارتضيتها لنفسي، وتحديد الترجمات التي سأبدأ بها وأطالعها ثم أعرج عليها رجوعا مرة أخرى، متخذا من العبارة التي صاغها شكسبير على لسان عطيل أحد أشهر أبطال مسرحياته التراجيدية؛ مفتاحا للبحث عن سيرة شكسبير، وقراءة أعماله، وتحليل عناصر الدراما التي وصل فيها إلى الذروة، تلك العبارة التي يقول فيها:

"أرغب إليكم حينما تقصون قصتي في رسائلكم أن تذكروني بحقيقتي، لا بمزيد ولا بنقصان، وألا تدخلوا فيها شيئًا من المكر السيئ" (من مسرحية عطيل لشكسبير)

(3)

تذكرت هذه الجملة التي وردت على لسان "عطيل" في المسرحية الشهيرة التي كتبها شكسبير، وأنا أسأل السؤال الذي سأله غيري وقبلي وبعدي بما لا يعد ولا يحصى: السؤال المتكرر دائما وأبدا من عشاق الفن ومتذوقي الجمال ومتابعي الدراما:

هل هناك كاتب واحد فقط لو قرأنا أعماله كاملة، ودرسنا مسرحياته بتنويعاتها التراجيدية والكوميدية، وتأملناها تحت مجهر الفحص والتحليل.. هل لو فعلنا ذلك فهل يمكننا النفاذ إلى روح الدراما وإدراك سرها وسر التمكن منها بما يمكن أو يصح القول معه "إدراك صنعة الكتابة الدرامية" أو ماهية كتابة الدراما جملة وتفصيلا؟

سيرة شكسبير العظيمة وأعماله تمنحنا الإجابة الكاملة الدقيقة دون ذرة تردد ولا شك واحدة: نعم يمكن؛ لأن هناك كاتبا عبقريا وعظيما اسمه وليم شكسبير، ظهر في الأمة الإنجليزية، وكتب باللغة الإنجليزية، وقدم للتراث الإنساني واحدا من أعظم نصوصه المسرحية والدرامية،

وليم شكسبير هو أستاذ صنعة الدراما، أقولها بكل ثقة ويقين!

وبالمناسبة؛ فليس من الضروري أن تقرأ كل ما كتبه شكسبير للتأكد من أنه أستاذ صنعة الدراما بلا منازع؛ يكفي أن تقرأ بتأمل وبصيرة واستيعاب أعماله الكبرى سواء في التراجيديا أو الكوميديا؛ في التراجيديا لديك مثلا «هاملت»، أو «ماكبث»، «الملك لير»، «عطيل»، «يوليوس قيصر»، أو «روميو وجولييت».. وفي الكوميديا؛ خذ عندك على سبيل المثال وليس الحصر: «حلم ليلة صيف»، «تاجر البندقية»، «العبرة بالخواتيم»، و«ترويض الشرسة» وهي النموذج الكامل فيما أرى للكتابة الكوميدية!

(4)

من يقرأ هذه الأعمال جيدًا ويتأمل دقة بنائها وقدرة مؤلفها على سبر غور أعماق شخصياته ووضع يده باقتدار على نوازعها ومحركاتها الدافعية والشخصية، واضطرابها واندفاعها.. إلخ من خصال وطوابع بشرية تتلاقى أو تتقاطع أو تصطدم بغيرها من الشخوص، في المحيط التاريخي أو الاجتماعي أو أيا ما كان السياق الجامع لها، أقول من يقرأ هذه الأعمال ويتملاها سيدرك أن قوة وعظمة شكسبير وسر عبقريته لم تكن أبدًا في محض نسج حكاياته وحواديته التي بنى عليها مسرحياته (سواء كانت مأخوذة من التاريخ أو من الأساطير أو من القصص والحكايات المشهورة) بل كانت وبالدرجة الأولى في قدرته الفذة على صنع دراما مكتملة كاملة الأركان من هذه الحكايات والحواديت؛ يستخرج منها أو بالأحرى يستولد منها أسئلة كبرى حول الوجود والإنسان في اضطرابه وقلقه وتناقضاته ودوافعه وغرائزه.. إلخ، كما تتجلى أيضا في قدرته المذهلة والمدهشة على بناء مسرحياته ورسم شخصياته، وبناء المواقف وإحكامها والانتقال في الزمان والمكان وخلق الصراع بين الشخوص، وإدارته ببراعة منقطع النظير وصولا بهذا الصراع إلى ذروته ونهايته الحتمية والمنطقية.. ثم يزيد على هذا كله، كأنها العبقرية فوق العبقرية، تقديم زوايا متعددة ومختلفة للرؤية وهي كلها في النهاية أهم عناصر صناعة الدراما المحورية..

إن عظمة شكسبير وعبقريته المتفردة، تتجسد فيما يرى الناقد الكبير محمود عبد الشكور "في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد، بالإضافة بالطبع إلى قوة التعبير البلاغي، والصور الشعرية، عن هذه المواقف الدرامية".

(5)

سيظل وليم شكسبير، وأمثاله من عباقرة الكتابة الإبداعية والأدب والمسرح والرواية، في تاريخ الإنسانية؛ شاهدًا حيًّا وخالدًا على ما يسميه عميد الأدب العربي بـ"الأدب الحي"؛ ذلك الأدب الذي يصنعه الأدباء الأحرار؛ وهؤلاء "الأدباء الأحرار" هم الذين يرون أن الأدب حي دائمًا، وأن الجمال في النصوص الأدبية الجديرة بهذا الاسم لا يخضع لسلطان الزمان، وإنما هو باقٍ على تتابع العصور، وتعاقب الأجيال، وهو من أجل ذلك جدير أن يشغلنا؛ لأن الحياة القوية التي تشيع فيه لا تلبث أن تتجاوزه إلى عقولنا وقلوبنا وأذواقنا..

(وللحديث بقية)

مقالات مشابهة

  • افتتاح نادي محضة للعلوم والابتكار
  • منتدى أدفانتج عُمان يستعرض الفرص الاستثمارية في التحولات الاقتصادية والابتكار
  • “هزاع” يتصدر قائمة أفضل الأعمال الدرامية في السعودية
  • شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية
  • مخرج عراقي يرهن تطور الدراما بالاستقرار السياسي والاقتصادي
  • بعد 4 سنوات إذاعة .. عمرو الليثي يعتذر عن تقديم كلمتين وبس
  • لوسي: أحمد العوضى ممثل زكى ومحبوب جماهيريا.. خاص
  • السعودية تعزز نفوذها في جنوب أفريقيا باستثمارات بمليارات الدولارات
  • شيرين عبدالوهاب تكشف عن رأيها في دراما رمضان 2025
  • وزارة الاتصالات تحتفي بتميّز المرأة السعودية في التقنية والابتكار