جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@21:30:49 GMT

القيادة الأخلاقية

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

القيادة الأخلاقية

 

 

د. ذياب بن سالم العبري

 

في عالم اليوم، أصبحت الأخلاق في القيادة قضية محورية تهم الأفراد والمجتمعات على حد سواء. فالقيادة ليست مجرد منصب أو نفوذ، بل هي سلوك وأسلوب حياة، تنعكس فيه القيم والمبادئ التي يؤمن بها الشخص. ولعلّ ما يميز المجتمعات الناجحة هو وجود أفراد يتحلون بالنزاهة، والعدل، والمسؤولية، وهي قيم أصيلة أكد عليها الإسلام، وتعززها العادات العُمانية المتوارثة، وتدعمها أحدث النظريات الإدارية الحديثة.

لم تكن القيادة الأخلاقية مفهومًا مستحدثًا، بل هي مبدأ متجذر في الإسلام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" (متفق عليه). ويعني ذلك أن القيادة لا تقتصر على أصحاب المناصب، بل يمارسها كل فرد في حياته اليومية، سواء في أسرته أو عمله أو مجتمعه. أما في المجتمع العُماني، فقد كانت الأخلاق ولا تزال حجر الزاوية في بناء الشخصية العُمانية، حيث ترسخت قيم النزاهة، والتسامح، واحترام الكبير، وحفظ العهد، وهي صفات انعكست في أنظمة المجتمع التقليدية مثل المجالس العُمانية التي تُعدّ منصة للحكمة والتشاور، ونظام الأفلاج الذي يعكس روح العدل والمسؤولية الجماعية.

وتشير الدراسات الإدارية الحديثة إلى أن القادة الأكثر نجاحًا هم أولئك الذين يلتزمون بقيم أخلاقية واضحة. ومن بين المبادئ الأساسية التي حددها علماء الإدارة مثل جون ماكسويل وستيفن كوفي نجد النزاهة والاستقامة، حيث يُتوقع من القائد أن يكون قدوة حسنة، تمامًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا لأصحابه بأفعاله قبل أقواله. كما تشمل القيادة الأخلاقية مبدأ تحمل المسؤولية والمساءلة، فالقيادة ليست امتيازًا؛ بل التزام، وهو ما يتوافق مع الحديث النبوي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" (رواه الطبراني). ومن الركائز الأخرى العدالة والشفافية، حيث إن بناء الثقة يتطلب وضوح الرؤية والتعامل بإنصاف مع الجميع، كما أمر الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58).

ولكي يكون الفرد قائدًا أخلاقيًا في حياته، فإن هناك عوامل أساسية تسهم في تعزيز هذه القيادة، أولها القدوة الحسنة، فالشخص الذي يلتزم بالقيم في أفعاله قبل أقواله يترك أثرًا إيجابيًا فيمن حوله، وهو ما يعزز بيئة أخلاقية قائمة على الاحترام والثقة. وثانيها التوازن بين المصالح الشخصية والعامة، حيث يجب على القائد الأخلاقي أن يتخذ قراراته بناءً على العدل والمصلحة العامة، وليس بدافع المنفعة الشخصية فقط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري). أما ثالث العوامل فهو الشجاعة في اتخاذ القرارات الصائبة، فالأخلاق تتطلب أحيانًا مواجهة التحديات واتخاذ قرارات قد لا تكون سهلة ولكنها صحيحة، وهو ما يعكس مبدأ الثبات على الحق والاستقامة، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ (فُصِّلَت: 30).

ومن العوامل المهمة أيضًا الالتزام بالوعود والعهود، فالقيادة الأخلاقية تقوم على الوفاء بالالتزامات، وهي صفة متجذرة في الثقافة العُمانية، حيث كان الأجداد يتعاملون بالكلمة الصادقة التي تُعتبر عهدًا لا يُنقض. بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على التأثير الإيجابي تعد من أبرز عوامل القيادة الأخلاقية، حيث يسهم القائد في بناء بيئة تحفز الآخرين على الالتزام بالقيم، وهو ما نجده واضحًا في المجالس العُمانية التي تعزز الحوار والتوجيه القائم على الحكمة.

وتظل القيادة الأخلاقية ممارسة يومية تحتاج إلى التزام فردي ومجتمعي. ولكي يكون الفرد قائدًا أخلاقيًا في حياته، عليه أن يضع القيم أساسًا لقراراته، فيسأل نفسه: هل يعكس قراري الصدق والأمانة والعدل؟ كما يحتاج إلى التحلي بالحكمة في التعاملات اليومية، مستلهمًا ذلك من تعاليم الإسلام والمجالس العُمانية التي تركز على التفكير قبل التصرف. وتحمل المسؤولية عنصر مهم في القيادة الأخلاقية، فالإنسان مسؤول عن أفعاله وتأثيرها على الآخرين، كما أن الالتزام بالمبادئ هو ما يصنع الفارق الحقيقي، حيث قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ (النحل: 90). أما الإحسان والإتقان في العمل فهما من صفات القائد الحقيقي، إذ إن كل وظيفة أو مسؤولية، مهما كانت صغيرة، تؤدي دورًا في بناء مجتمع قوي ومتوازن.

القيادة الأخلاقية ليست رفاهية؛ بل هي جوهر نجاح الأفراد والمجتمعات. وبينما تواجه البشرية اليوم تحديات متعددة، يبقى الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية هو البوصلة التي توجهنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا. فمن يتمسك بروح الإسلام، ويحافظ على أصالة العادات العُمانية، ويطبق أفضل ممارسات القيادة الحديثة، يكون بلا شك نموذجًا يُحتذى به في بناء مجتمع مزدهر يقوم على العدل والنزاهة والتسامح.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير السياحة يهنئ القيادة الرشيدة بما تحقق من إنجازات في رؤية المملكة 2030 ومن بينها القفزات القياسية للقطاع السياحي بالمملكة

المناطق_واس

رفع معالي وزير السياحة الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب، أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله –، بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030 لعام 2024، بالتزامن مع العام التاسع لإطلاق الرؤية الطموحة، مثمنًا ما تحقق من إنجازات نوعية في مسيرتها المباركة، ومنها القفزات القياسية التي حققها القطاع السياحي في المملكة.

وأكّد معاليه أن هذه الإنجازات، التي جعلت المملكة واحدة من أبرز الوجهات السياحية نموًا عالميًا خلال عام 2024م، ما كانت لتتحقق بعد توفيق الله إلا بالدعم الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة -أيدها الله- لقطاع السياحة، إيمانًا بدوره المحوري في تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، مشيدًا بالمضامين السامية لكلمات خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد – أيدهما الله – بمناسبة صدور التقرير.

أخبار قد تهمك وزير السياحة يزور بينالي الفنون الإسلامية 2025 19 مارس 2025 - 9:42 مساءً وزير السياحة يزور المعالم الإسلامية والتاريخية والتراثية بالمدينة المنورة ويلتقي بمديري الفنادق والكوادر الوطنية العاملة في القطاع السياحي 19 مارس 2025 - 2:37 صباحًا

وأوضح معالي الوزير الخطيب، أن المملكة تصدرت دول مجموعة العشرين في نسبة نمو أعداد السياح الدوليين خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024م مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2019م، حيث سجل عدد الزوار الدوليين ارتفاعًا بنسبة 69%، مما وضع المملكة في المركز الثاني عالميًا في نسبة نمو أعداد السياح الدوليين، إضافةً إلى تحقيق المركز الأول عالميًا في نمو إيرادات السياحة الدولية بنسبة 148% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024م، في دلالة واضحة على جودة التجربة السياحية وتطور الخدمات والبنية التحتية بالمملكة.

وأشار معاليه إلى أن نجاح المملكة في تحقيق مستهدف 100 مليون سائح قبل سبع سنوات من الموعد المحدد أسهم في رفع السقف إلى 150 مليون سائح بحلول عام 2030م، موضحًا أن المملكة تجاوزت حاجز 100 مليون سائح للعام الثاني على التوالي، حيث بلغ إجمالي عدد السياح المحليين والدوليين لعام 2024م نحو 115.9 مليون سائح، مما يعكس الزخم الكبير والنمو المتسارع الذي يشهده القطاع السياحي.

واختتم معالي وزير السياحة تصريحه بالتأكيد على أن ما تحقق من إنجازات يمثل ترجمة عملية لنجاحات رؤية المملكة 2030، ومؤشرًا واضحًا على أن المملكة تمضي بثبات نحو تحقيق طموحاتها الوطنية، بفضل ما تحظى به القطاعات الحيوية من دعم وتمكين مستمر من القيادة الرشيدة – حفظها الله –.

مقالات مشابهة

  • هيئة شؤون الأسرى توضح لـعربي21 الانتهاكات التي يتعرض لها الأسير عبد الله البرغوثي
  • وزارة الخارجية: المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بما في ذلك استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
  • المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية
  • “الخارجية”: المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية
  • نوّه بتحقيق الوزارة مستهدف 100 مليون سائح.. وزير السياحة يهنئ القيادة الرشيدة بما تحقق من إنجازات في رؤية المملكة 2030
  • وزير السياحة يهنئ القيادة الرشيدة بما تحقق من إنجازات في رؤية المملكة 2030 ومن بينها القفزات القياسية للقطاع السياحي بالمملكة
  • محافظ الهيئة العامة للتطوير الدفاعي يهنئ القيادة بمنجزات رؤية المملكة 2030
  • محافظ الطائف يهنئ القيادة بما تحقق من مستهدفات رؤية المملكة 2030
  • غرب كردفان.. الأضرار التي لحقت بالمشروعات والبنى التحتية
  • كبار المواطنين: «بركتنا» تعكس حرص القيادة على جودة حياتنا