مما لا شك فيه أن مراعاة مشاعر الغير أصبحت عملة نادرة الوجود الآن، أن يؤذيك أحدهم بكلمةٍ أو نظرةٍ أو تلميحٍ بات منتشرا بين معظم العلاقات من أبعدها حتى أقربها، فنجد زملاء العمل عادة يتنمرون ويتلامزون بين بعضهم البعض، نجد الأصدقاء فيما بينهم، بل الأشقاء وأحيانا الأزواج، هذا الزوج يتعمّد مضايقة زوجته بالكلام، وهذه الزوجة تداوم إغضاب زوجها، علاقات مضطربة وبنية اجتماعية هشّة تحتاج لإعادة بناءٍ وترميم.
بالتأكيد لن نجد طريقة لدعم هذا البناء وترميم هذه العلاقات أفضل من منهج المصطفي صلى الله عليه وسلم، الذي رسم لنا من خلال حياته أفضل الخُلُق وأجّل الصفات.
نعم كانت حياته دائما مصباحا ينير لنا كل شيء، وما ضاقت حياتنا وانتشرت بها كل تلك الصفات الذميمة إلا بسبب البعد عن هذا المصباح والاختباء عن نوره الوهّاج. بالطبع كي أتكلم عن حسن خلُق المصطفي وكرم أخلاقه ومراعاته لشعور الآخرين لن يسع ذلك مجرد مقال واحد بل علينا كتابة عشرات أو مئات المقالات، لذا سأذكر فقط موقفا من كرم أخلاق خاتم النبيين وسيد الخلق عامة.
بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا، بدأ الناس يتوافدون عليه كي يعلنوا إسلامهم، وممن تشفعت له زوجته كان عكرمة بن أبي جهل الذي استأذن للدخول بين يدي المصطفي يعلن إسلامه، وقبل دخول عكرمة أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي الصحابة.
ولكن!! ما هي تلك الوصية التي أخذ يؤكد عليها الرسول وهو قائد المسلمين جميعا، وهو الفاتح المنتصر الذي دانت له الآن أهم فصائل الجزيرة العربية وقلبها النابض، بماذا أوصى المصطفي أصحابه قبل دخول عكرمة؛ وقد عانى الأمرَّيْن منه في الماضي ولم يمض أصلا عما فعله في نقض الهدنة مع قبيلة خزاعة إلا فترة قليلة والتي بسببها فُتحت مكة؟
هل سيوصي صحابته الذين يأتمرون بأمره أن يلوموا عكرمة عما كان منه؟
هل سيوصيهم أن يذكّروه بما فعل مع المسلمين سابقا؟
هل سيتم فتح ملف الماضي قبل الدخول في الإسلام؟
لا والله لم يحدث ذلك، هذا يحدث من أي أحدٍ إلا أكرم الخلق وأبرّهم، فقد قال لهم بالنص: "سيدخل عليكم الآن عكرمة مسلما، فلا تذكروا أباه بسوء".
والله هذه الرواية إن لم تكن في أدق درجات الصحة لما صدّقتُ، أي طراز من البشر كان محمدا، وأي أخلاقٍ كانت عند هذا الرجل؟!
لقد تعدى الأمر مرحلة العفو عن عكرمة، بل وصلت إلى أن يطلب من أصحابه عدم ذكر أبيه بسوءٍ أمامه مراعاة لشعوره!!
من هو أبوه؟ هو أبو جهل، فرعون الأمة وأحد أكبر طغاتها. هو من عذَّب المسلمين أشد العذاب في الماضي بمن فيهم المصطفى نفسه، هو من أشد صناديد قريش حقدا وغلا على المسلمين، هو من مات على كفره وحربه للإسلام في بدرٍ.
ولكن مع كل هذا يرفض ذو الخلُق الكريم إيذاء وافدٍ جديدٍ لدين الإسلام في أبيه.. مع كل هذا يتناسى المصطفى كل ما فعله هذا الهالك من أجل شعور ابنه والمحافظة على حالته النفسية، لم يجعل الأمر متروكا للصحابة حتى يتكلموا عن كفر أبيه، فعكرمة ما زال حديث عهدٍ بالإسلام ولا يعرف قواعده ولكن قال لهم قولا واحدا هو والله أفضل من كل محاضرات التنمية البشرية ودورات علم النفس، قولا يجب أن يُدرّس في منظمات حقوق الإنسان ويوضع على لافتات الأمم المتحدة التي تدّعي الإنسانية والمثالية، وذلك حين قال:
"سيدخل عليكم عكرمة الآن مسلما فلا تؤذوه في أبيه".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات أخلاقه النبيين اسلام أخلاق النبي مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
جزيرة أرواد حصن المسلمين في المتوسط
ويؤكد سمير بهلوان -وهو مؤرخ أروادي- أن الجزيرة بناها الفينيقيون، ومرت عليها أحداث كثيرة، من حروب وفتوحات طويلة، وقال إنها كانت مملكة من "نظام المدينة الدولة"، ويقول إن اسم "أرواد" مشتق من كلمة فينيقية وتعني الملجأ. وتجدون الحلقة كاملة في هذا الرابط.
ورغم صغرها فإن الجزيرة شهدت صراعات ضخمة بين العديد من الإمبراطوريات عبر التاريخ، إضافة إلى تحولات كبيرة إلى أن دخلها المسلمون.
وتوجد في أرواد العديد من المساجد، منها جامع القلعة الذي بني في عصر المماليك بعد انتزاع الجزيرة من أيدي فرسان الهيكل.
وتتميز الجزيرة بطيبة أهلها وبشوارعها وأحيائها الضيقة، مما يجعل السير فيها متاحا على الأقدام فقط.
كما توجد في الجزيرة آثار قديمة عدة، وأيضا يوجد فيها سجن أرواد الذي سجن فيه الكثير من الأحرار السوريين مثل هاشم الأتاسي، ويقول المؤرخ سمير بهلوان إن هذا السجن كان عبارة عن مستودع لكن الفرنسيين حولوه إلى سجن.
ويشتغل معظم أهالي الجزيرة في صناعة السفن، وهي مورد أساسي لأهلها، ويتم صناعة نماذج عدة من السفن، منها الخاص بالركاب وبالصيد وبالسياحة والتجارة.
ويعشق سكان جزيرة أرواد البحر واستخراج كنوزه، ويعلّمون أطفالهم منذ صغرهم السباحة.
إعلان 2/3/2025