فتحي أبو النصر

أن تموت الأسماء العظيمة في هامش النسيان، فتلك فضيحة وطنية وثقافية مكتملة الأركان.

أن يرحل شاعر بحجم الغريب عبد الله قاضي، دون أن تنعاه وزارة الثقافة، أو يكترث له اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، أو يخصص له مركز الدراسات والبحوث اليمني – الذي طالما استند إلى أعماله – مجرد بيان، فتلك ليست مجرد خيانة، بل سقوط أخلاقي وفكري يليق تماما بالمتهافتين على مناصبهم الفارغة.

الغريب عبد الله قاضي لم يكن شاعرا عاديا، بل أحد الأصوات الأكثر فرادة في المشهد الشعري اليمني المعاصر .صوت يتردد بين أصالة الأرض اليمنية واغتراب الإنسان عنها.

شاعر عاش قصيدته كما عاش اسمه—غريبا بين قومه، حتى في رحيله.

لكن، كيف نتوقع من مؤسسات ثقافية فارغة، لا تجيد سوى مجاملة المتنفذين والتصفيق للرداءة، أن تلتفت إلى شاعر بحجمه؟

ثم ما هي وزارة الثقافة؟ هل هي كيان معني بالإبداع والمبدعين أم مجرد حقيبة وزارية زائدة، يتناوب عليها موظفون لم يقرأوا كتابا في حياتهم؟ بل كيف يمكن لوزارة يُفترض بها أن ترعى الثقافة أن تتجاهل رحيل شاعر بحجم الغريب عبد الله قاضي؟ أين بياناتها الرسمية؟ أين وفودها؟ أين واجبها الأخلاقي والمهني؟ أم أن الوزارة أصبحت مجرد ناد للعلاقات العامة والتقاط صور للوزير مع السفارات؟

أما اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فلم يعد أكثر من يافطة فارغة، لا تعني سوى المنتفعين منها. مؤسسة أصابها الوهن منذ سنوات، وانكشفت تماما حين باتت عاجزة حتى عن تقديم أبسط الواجبات تجاه أعضائها.

الغريب عبد الله قاضي لم يكن مجرد عضو عابر في الاتحاد، بل كان صوتا حقيقيا، لم يهادن ولم يساوم. فهل كان هذا هو سبب تجاهله؟ هل بات الاتحاد مؤسسة لتكريم المطبلين فقط، وإقصاء الأسماء التي لا تتودد للأسياد؟

وإذا كانت الوزارة غائبة، والاتحاد بائسا، فإن موقف مركز الدراسات والبحوث اليمني يُعد الأكثر انتهازية. هذا المركز الذي طالما اعتمد على أعمال الغريب عبد الله قاضي، ونهل من جهوده، اختار أن يلوذ بالصمت عند رحيله. يا له من نكران! ألا يستحق منكم الرجل حتى كلمة وفاء؟ أم أنكم لا تجيدون سوى استغلال الأحياء وإهمالهم عند موتهم؟

في الحقيقة فإن ما حدث ليس مجرد تجاهل لشاعر واحد، بل هو عَرَض لمرض ثقافي متفش في المشهد اليمني. نعم ، نحن أمام مؤسسات ثقافية أصبحت أدوات فارغة، خاضعة لحسابات السياسة والمصالح الضيقة، لا تعترف بالمبدعين الحقيقيين إلا إذا كانوا نافعين لمشاريعها الصغيرة.

ومع هذا التجاهل المخزي يُسائل الجميع: لماذا تتعامل الدولة ومؤسساتها مع المثقف باعتباره كائنا هامشيا؟ ولماذا يتعيّن على المبدعين أن يموتوا وهم في انتظار اعتراف لم ولن يأتي؟

بينما في المقابل، نرى حفلات التكريم تُنظم على مدار العام لأشباه المبدعين، وتُوزع الأوسمة على شخصيات بلا قيمة حقيقية.

على إنه ليس من المستغرب أن يرحل الغريب عبد الله قاضي دون أن ينعاه أحد من الرسميين، لكن من المخزي أن تظل الأوساط الثقافية صامتة. وإن لم يكن هذا دليلا على الانحطاط، فماذا يكون؟ على الأقل، نحن – من نعرف قيمة الغريب عبد الله قاضي – سنكتب عنه، وسنحفظ صوته من النسيان، رغم كل الصغار الذين حاولوا وأد ذكراه.

 

 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الشعر عبدالله القاضي

إقرأ أيضاً:

متخصصون في أدب الطفل: الخيال قوة سحرية تعزز قدرات الصغار

الشارقة (الاتحاد) أكد كتّاب وأكاديميون متخصصون في أدب الطفل أن الخيال يشكل قوة سحرية أساسية في عالم الطفولة، إذ يسهم في بناء شخصيات قصصية قادرة على التغلب على الصعاب، ويشجع الأطفال على الإيمان بقدراتهم وتقديم التضحيات لتحقيق أحلامهم، مشددين على أهمية دمج العناصر الواقعية بالخيالية لإثراء القصص وإثارة فضول القراء الصغار. جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «أبعد من الخيال»، استضافها ملتقى الثقافة ضمن جلسات الدورة الـ 16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل، المقام في مركز إكسبو الشارقة. وشارك في الجلسة كل من الكاتبة والرسامة والمدرّبة الإماراتية ميثاء الخياط، والكاتبة الإماراتية المتخصصة في أدب الطفل حصة المهيري، والدكتورة فاطمة الزهراء بن عراب الكاتبة والأكاديمية الجزائرية المهتمة بأدب الطفل، وثروت تشادا الكاتب الأميركي من أصل هندي المهتم بالأساطير الهندية وحكايات ألف ليلة وليلة، وأدارت الحوار الدكتورة لمياء توفيق. الكاتبة ميثاء الخياط، أكدت أن أفكار قصصها تأتي على شكل عناوين رئيسية متواترة مثل عناوين الأخبار، لتبدأ بالنمو، وبعد ذلك توازن الشخصيات ونقاط الضعف والقوة في حضورها، مبينة أهمية القوة السحرية للخيال في عالم الطفل، مقدمة نماذج من قصصها وشخصياتها، مثل شخصية ابنة غواص اللؤلؤ، وهي شخصية مغامرة، موضحة أنها تدمج بين الرسم والكتابة وتتبع طريقة خاصة في بناء الشخصيات تعتمد على كتابتها على ملصقات حتى لا تنساها، وتتخيل الحوار لشد انتباه القارئ، وتستخدم كل هذه العناصر الخيالية حتى تكون القصة جذابة. بدورها، أوضحت حصة المهيري أن الشخصية لكي تكون قابلة للتصديق لا بأس أن تكون هشة، حتى لا يتصور القارئ أنها خارقة ومطلقة، كما أشارت إلى تناظر الشخصيات وتعدد الأصوات وأهمية ذلك في بناء الشخصيات لتقديم صور واضحة للخير والشر، لأن الخيال منصة للتعبير، ويقدم إمكانات شيقة، حيث يتيح دمج العناصر الفلكلورية والأساطير المحلية في قصص خيالية تجذب الأطفال. من جهتها، أشارت الدكتورة فاطمة الزهراء بن عراب إلى أنها تترك الأحداث تسير بانسيابية، كما تترك الشخصيات تعيش وتكبر داخل القصة لتعبر عن نفسها، ووصفت ذلك بالتطور والتسلسل المنطقي في بناء السرد، حيث تنوع الجوانب في الشخصيات كما تعدد الأصوات والصور في الخيال القصصي. أما ثروت تشادا فتحدث عن بداية القصة الذهنية، ورسمه للشخصيات على مخطط، ووسط كل هذه الفوضى البصرية يحاول لملمة جوهر الموضوع لنسج قصة منطقية، يحاور شخصياتها كثيراً، ويدخلها في صراعات عديدة. كما تحدث عن لحظات التركيز العميقة خلال بناء عوالم خيالية آسرة، مشيراً إلى ضرورة دمج العناصر الواقعية مع الخيالية بطريقة تثير دهشة القراء وتحفز فضولهم، عبر عوالم فانتازية غنية بالتفاصيل.
 

أخبار ذات صلة «الشارقة القرائي للطفل» يستعرض التفكير النقدي وأدب الطفل والروايات المصورة جلسات حوارية في «الشارقة القرائي للطفل»

مقالات مشابهة

  • تعرف على المواجهات .. الكوفة تحتضن منافسات دوري الاربعة الكبار لدوري الطائرة
  • العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
  • متخصصون في أدب الطفل: الخيال قوة سحرية تعزز قدرات الصغار
  • زي أفلام الخيال العلمي.. ما سر السلاح الغريب في جنازة البابا فرانسيس؟
  • الجديد يهنئ منتخب ليبيا لفئة الصغار المشارك في بطولة VEX Robotics
  • انهيار الريال اليمني… تدهور حاد وخطر على القدرة الشرائية
  • آل قاضي وآل غزولي يحتفلون بقران صالح
  • تحمل 4600 طن… بدء عمليات تفريغ ناقلة غاز منزلي في مصب بانياس النفطي
  • ما سر السلاح الغريب الذي حمله جنود إيطاليون خلال جنازة البابا فرانشيسكو؟
  • قاضي التحقيق يأمر بإحضار إبنة الوزير الأول الأسبق