كتاباتي: الشخصية الإمِّعة والطفيليّة: بين الضعف والانتهازية
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
في مجتمعاتنا، نواجه أنماطًا مختلفة من الشخصيات، بعضها يتسم بالتبعية المفرطة، والبعض الآخر يعتمد على استغلال جهود الآخرين لتحقيق مصالحه. وعلى الرغم من التشابه الظاهري بين الشخصية الإمِّعة والشخصية الطفيليّة، إلا أن هناك فروقًا جوهرية بينهما، تتعلق بالدوافع النفسية، والأساليب السلوكية، والتأثير على المحيطين بهما.
الشخصية الإمِّعة: ضعف الإرادة وغياب الاستقلالية
الشخص الإمِّعة هو ذلك الذي يفتقر إلى الرأي المستقل، ويتبع الآخرين دون تفكير أو تحليل. فهو يختار أن يكون في الظل، متجنبًا المواجهة واتخاذ القرار. وغالبًا ما تعود هذه السمة إلى ضعف الثقة بالنفس، أو التربية القمعية، أو الرغبة المفرطة في القبول الاجتماعي.
وقد ورد في الحديث النبوي:
“لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.” (رواه الترمذي).
وهذا تأكيد على أهمية بناء الشخصية المستقلة، التي تميز بين الصواب والخطأ، ولا تنساق وراء الجماعة لمجرد الرغبة في الانتماء.
الشخصية الطفيليّة: الذكاء الانتهازي واستغلال الآخرين:
أما الشخص الطفيلي، فهو لا يكتفي بالتبعية، بل يسعى لاستغلال جهود الآخرين لمصلحته الخاصة دون أن يبذل أي جهد حقيقي. هذه الشخصية تتميز بالانتهازية، حيث تعتمد على الآخرين لتحقيق أهدافها، سواء في الحياة الاجتماعية أو المهنية. وقد يبدو الطفيلي أكثر ذكاءً من الإمِّعة، لكنه يوظف هذا الذكاء لخدمة مصالحه فقط، دون اعتبار لقيم النزاهة أو الجهد الذاتي.
الجذور النفسية والاجتماعية للشخصيتين:
لكل من الإمِّعة والطفيلي أسباب نفسية واجتماعية تشكل سلوكياتهما:
• الشخصية الإمِّعة: غالبًا ما تنشأ نتيجة ضعف الثقة بالنفس، الذي قد يكون ناتجًا عن تربية صارمة أو بيئة متساهلة جدًا. كما أن الخوف من العزلة أو النقد قد يدفع الفرد إلى التبعية كوسيلة لتجنب المسؤولية.
• الشخصية الطفيليّة: تتشكل في بيئات تشجع الاتكالية أو تفتقر إلى القدوات الإيجابية، حيث يتعلم الفرد أن بإمكانه تحقيق المكاسب دون بذل جهد، خاصة إذا وجد من يسمح له بذلك أو لم يواجه أي عواقب لسلوكه.
أمثلة واقعية على الشخصيتين:
1. الشخصية الإمِّعة:
• في بيئة العمل، قد نجد موظفًا يوافق دائمًا على آراء مديره أو زملائه دون إبداء رأي مستقل، حتى لو كان مقتنعًا بخلاف ذلك.
• في الحياة الاجتماعية، قد يكون هناك شخص يتبع أصدقاءه في جميع قراراتهم، خوفًا من فقدان القبول بينهم.
2. الشخصية الطفيليّة:
• في الفريق الدراسي، قد يكون هناك طالب لا يشارك في العمل الجماعي، لكنه يظهر في النهاية ليطالب بنصيبه من التقدير والدرجات.
•في الحياة المهنية، قد نجد موظفًا يتسلق السلم الوظيفي عبر استغلال جهود زملائه أو الاحتيال على الأنظمة.
خاتمة: نحو شخصية مستقلة ومسؤولة:
في ختام هذا التحليل، يتضح أن الشخصية الإمِّعة والطفيليّة ليست مجرد سلوكيات فردية عابرة، بل هي انعكاس لعوامل نفسية واجتماعية وثقافية متشابكة. فالإمِّعة يُفرّط في حقه في التفكير واتخاذ القرار، بينما الطفيلي يعتاش على جهود الآخرين دون وازع أخلاقي، وكلاهما يشكلان عبئًا على أنفسهما ومجتمعاتهما.
لكن الوعي بهذه السمات هو الخطوة الأولى نحو التغيير. حين يدرك الفرد أثر تبعيته أو انتهازيته، يستطيع أن يسعى نحو التحرر من قيودها عبر تعزيز ثقته بنفسه، وتطوير حسّه النقدي، وتحمل مسؤولياته تجاه نفسه والآخرين. كما أن للمجتمع دورًا في غرس القيم التي تشجع على الاستقلالية والإنتاجية، بدلًا من تكريس ثقافة الاتكالية أو التبعية العمياء.
وفي النهاية، في عالمٍ يزداد تعقيدًا، نحتاج إلى أفرادٍ يمتلكون الوعي والشجاعة ليكونوا فاعلين لا مفعولًا بهم، ومبادرين لا متطفلين. فالمجتمع القوي لا يُبنى على ظلالٍ تتبع أو طفيلياتٍ تستغل، بل على أفرادٍ ينهضون بأنفسهم، ويتشاركون في بناء واقع أكثر عدلًا وكرامة للجميع.
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشخصیة الإم
إقرأ أيضاً:
منصة رقمية وشفافية مع الشكوى.. تعديلات لائحة نظام حماية البيانات الشخصية
طرحت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي تعديلات جديدة على اللائحة التنفيذية لنظام حماية البيانات الشخصية، عبر منصة ”استطلاع“ بهدف إضفاء مزيد من الوضوح على الإجراءات والضوابط التنظيمية.
تأتي هذه المبادرة امتدادًا لجهود المملكة في حماية حقوق الأفراد وضمان أعلى مستويات الأمان في التعامل مع بياناتهم، ضمن رؤية شاملة تضع تعزيز الثقة بالخدمات الرقمية أولوية وطنية.
أخبار متعلقة تأكيدًا لأهميتها.. تفعيل اليوم العالمي للغة الإنجليزية في الظهرانالداخلية لـ "اليوم": عقوبات مخالفي تعليمات الحج تبدأ اليوم وتصل 100 ألف ريالمنصة رقمية لدعم الالتزام
شملت التعديلات إنشاء منصة إلكترونية تابعة للجهة المختصة، تهدف إلى تقديم خدمات مساندة وأدوات تطبيقية تسهم في تنفيذ أحكام النظام واللائحة، بما في ذلك الربط مع السجل الوطني لجهات التحكم. هذه المنصة ستمثل نافذة موحدة تسهل الإجراءات على الجهات والأفراد، وتسرع وتيرة الامتثال للمعايير الجديدة.
وبحسب التعديلات، يتعين على جهة التحكم تقديم المعلومات بلغة مبسطة ومفهومة، لتسهيل استفادة أصحاب البيانات من حقوقهم المنصوص عليها، ومن أبرزها حق الحصول على نسخة واضحة ومقروءة من بياناتهم، وفق الضوابط المحددة.التزامات دقيقة في سياسة الخصوصية
ركزت التعديلات الجديدة على رفع معايير إعداد سياسة الخصوصية، حيث ألزمت جهات التحكم بصياغتها بلغة واضحة، تراعي مستويات الفهم المختلفة بين فئات المستفيدين، مع ضرورة توافقها مع اللغة المستخدمة في الخدمات أو المنتجات المقدمة. هذه الخطوة تعزز قدرة الأفراد على فهم كيفية التعامل مع بياناتهم وتزيد من الشفافية في العلاقة بين مقدمي الخدمات والمستهلكين.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تعديلات جديدة على اللائحة التنفيذية لنظام حماية البيانات الشخصية تنظيم دقيق للمواد الدعائية والتسويقية
أولت التعديلات عناية خاصة بتنظيم إرسال المواد الدعائية والتسويقية، حيث اشترطت الحصول على موافقة صريحة وحرة من المتلقي، مع حظر استخدام الوسائل المضللة. كما ألزمت التعديلات الجهات المرسلة بتمكين الأفراد من تخصيص اختياراتهم الدعائية، وتوثيق موافقتهم بوسائل قابلة للتحقق مستقبلاً.
وفي حال قرر صاحب البيانات التراجع عن موافقته على المعالجة لأغراض تسويقية، يلزم جهة التحكم التوقف الفوري دون تأخير غير مبرر، ما يعزز احترام رغبة الأفراد وإرادتهم في التحكم ببياناتهم.دور حيوي لمسؤول حماية البيانات
ومن أبرز ملامح التعديلات كذلك، الإلزام بتعيين مسؤول لحماية البيانات الشخصية داخل كل جهة تحكم، مع ضرورة توثيق بياناته لدى الجهة المختصة عبر المنصة الإلكترونية. يتولى هذا المسؤول أدوارًا محورية، تشمل متابعة الالتزام بالنظام، تلقي الطلبات والشكاوى، الإشراف على سجلات أنشطة المعالجة، ومعالجة المخالفات، إضافة إلى تنفيذ إجراءات تقويم الأثر وإعداد تقارير التدقيق الدوري.
فرضت التعديلات وجوب تسجيل جهات التحكم في السجل الوطني لجهات التحكم، في حالات محددة أبرزها: إذا كانت الجهة عامة، أو كان نشاطها الرئيس معالجة البيانات الشخصية، أو في حال نقل البيانات خارج المملكة، أو معالجة بيانات حساسة أو بيانات قاصرين.
خصص لكل جهة تحكم سجل خاص ضمن المنصة، يتضمن بيانات أنشطة المعالجة، وغيرها من المعلومات والوثائق ذات الصلة. كما شمل الإلزام الأفراد الذين تتجاوز معالجتهم للبيانات الاستخدام الشخصي أو العائلي، ما يعزز الإحاطة الشاملة بحركة البيانات في كافة القطاعات.آلية التعامل مع الشكاوى: سرعة وشفافية
لم تغفل التعديلات عن تعزيز آليات التعامل مع الشكاوى، حيث نصت على استقبالها عبر وسائل محددة، مع قيدها في سجل رسمي، وفحصها بدقة، والتواصل مع المشتكين حسب الحاجة. ويُطلب أن تتضمن الشكوى بيانات واضحة عن المخالفة، وهوية مقدمها، والجهة المشتكى ضدها، مع المستندات الداعمة.
وأكدت اللائحة أن الجهة المختصة تلتزم بمعالجة الشكاوى بإجراءات سريعة وفعالة، مع إشعار مقدم الشكوى بالنتائج النهائية، ما يعزز ثقة الأفراد في جدية الاستجابة لانتهاكات بياناتهم.
فرضت التعديلات على جهات التحكم الاستجابة للطلبات الصادرة عن الجهة المختصة خلال فترة لا تتجاوز عشرة أيام عمل، مما يضمن الرقابة الفعالة على التزام الجهات بتطبيق النظام واللائحة.