المسلة:
2025-04-30@07:40:17 GMT

قمة ترامب ـ بوتين.. يالطا جديدة؟

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

قمة ترامب ـ بوتين.. يالطا جديدة؟

4 مارس، 2025

بغداد/المسلة:

محمد صالح صدقيان

يترقب المجتمع الدولي قمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين المقررة في الرياض من دون تحديد موعد نهائي حتى الآن، وعلى جدول أعمالها مناقشة امكانية اخماد الحروب والأزمات والتوترات بين البلدين.لم تأتِ القمة الموعودة من فراغ. هي نتاج مسار دشّنه وصول ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير 2025.

تواصل رئيسا الولايات المتحدة وروسيا للمرة الأولى في الثاني عشر من شباط/فبراير المنصرم على مدى أكثر من تسعين دقيقة وكان اتصالهما “إيجابياً جداً”، حسب الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. أعقب ذلك لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي ماركو روبيو في الرياض في 18 شباط/فبراير الماضي. لم يرشح شيء نوعي عن مكالمة الرئيسين الهاتفية التي دشّنت مسار بحث الملفات الملتهبة وأبرزها أوكرانيا والشرق الأوسط وملفات أخرى مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي “وقوة الدولار والعديد من الموضوعات الأخرى”، حسب بيسكوف.

كان ترامب واضحاً عندما أعطی أحقية للمطالب الروسية ولا سيما لجهة عدم قبول عضوية أوكرانيا في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، ووصفه الرئيس الأوكراني فولودیمیر زيلنیسكي بـ”الديكتاتور” ومطالبته بانتخابات أوكرانية مبكرة، ما يعني أنه قرّر رفع الغطاء السياسي الأمريكي عن زيلينسكي ارضاءً لبوتين وانهاءً لحرب دشّنت عامها الرابع بكل تداعياتها الأمنية والإقتصادية والعسكرية والسياسية المربكة وخصوصاً للقارة الأوروبية.

في هذا السياق، جاءت زيارة سيرغي لافروف إلى طهران، قبل أيام قليلة، واجتماعه بنظيره الإيراني عباس عراقجي والرئيس مسعود بزشكيان حيث كانت ملفات الشرق الأوسط علی طاولة البحث لكن المباحثات تمحورت حول الملف الإيراني.

زيارة لافروف إلى طهران كانت مهمة جداً للروس والإيرانيين في آنٍ معاً، بدليل أن بعض ما تسرب عن اتصال الرئيسين الأمريكي والروسي أدخل القلق في نفوس كثيرين، وهذه عادة الكبار عندما يلتقون، فتكون النتيجة مصدر قلق للآخرين، وثمة تاريخ يُحدّثنا عن لقاءات مهمة تحصل بعد الحروب، ليتم بعدها توزيع وتقاسم المغانم والمناطق، كما حدث في مؤتمر يالطا عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ينبري السؤال هنا: هل العالم الآن أمام يالطا جديدة؟ لا أحد يملك جواباً حاسماً. لكن يجب توقع الأسوأ لأننا أمام صقور يبحثون عن غنائم حتی وإن كانت بين الأشلاء. لا أريد التشكيك في النوايا، لكن التجارب علّمت شعوب الأرض أنّها كالديك الرومي تذبح في الأعراس وفي ولائم الموتی!

كانت أوروبا أول القلقين من مآلات التقارب الروسي الأمريكي، وذكر مسؤول أوروبي رفيع المستوی لوكالة “رويترز” أنّه “منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تمكنت أوروبا من الوقوف بوجه روسيا بمساعدة شقيقتها الكبرى أمريكا، لكنها الآن تواجه نهجاً وأشخاصاً مختلفين في البيت الأبيض والكرملين، وأية مقاومة ضدهما تتطلب المال والإرادة والوحدة السياسية”. مثل هذا التصور جاهر به أكثر من مسؤول أوروبي، بعدما وجدوا أنفسهم ريشة في مهب الريح في ضوء تعامل ترامب مع فولوديمير زيلينسكي.. وصولاً إلى تحقيره وطرده من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي!

في ظل هذه الأجواء، يتم طرح سؤال فيه نوعٌ من السذاجة والبساطة: عندما قرّر ترامب القبول بالأمر الواقع الروسي في أوكرانيا وتثبيته وتقديمه علی طبق من ذهب لبوتين وبالتالي انهاء الحرب الأوكرانية وفق المقاسات الروسية، ما هو الثمن المقابل؟ وعلى ماذا حصل ترامب التاجر الذي لا يُعطي قبل أن يضمن المقابل.

السؤال الآخر: ماذا سيتناول لقاء القمة بين ترامب وبوتين؟ أوكرانيا انتهت.. إنّها لروسيا. وماذا بعد؟ أي الملفات سيئة الحظ ستكون علی طاولة القمة؟ وأيُّ ملف “وافر الحظ” (بالمعنى السلبي للكلمة) سيستقر به المطاف بين الرئيسين؟

تتمنی طهران أن لا يكون الملف النووي الإيراني هو “المحظوظ” على تلك الطاولة، لا سيما وأن روسيا وقّعت مع إيران قبل يوم من دخول ترامب إلى البيت الأبيض علی اتفاقية استراتيجية للتعاون بين البلدين لمدة 25 عاماً، وذلك في أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى المخاطر المحتملة التي تنتظرها طهران لمخرجات اللقاء الأمريكي الروسي.

وكان لافتاً للانتباه أن صحيفة “جمهوري إسلامي” المستقلة التي تتبنی أفكار وتصورات الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني دعت إلی عدم تجاهل التطورات التي تحدث في المنطقة وإلى اتخاذ التدابير المناسبة لضمان عدم تخلف إيران عما يحدث في الشرق الأوسط، وبالتالي مراقبة تصرفات روسيا في كيفية تفاعلها مع الولايات المتحدة.

وتوقع مالك الصحيفة ورئيس تحريرها مسيح مهاجري، في افتتاحية له، أن تؤدي المفاوضات خلف الكواليس بين سكان الكرملين والمقيمين الجدد في البيت الأبيض “إلى صفقة كبرى بين روسيا بوتين وأمريكا ترامب، وربما حدث ذلك بالفعل”، علی حد تعبير الصحيفة الايرانية .

وحسب العارفين، فإن الزيارة التي قام بها لافروف إلى طهران، لم يتخللها نقل رسائل بين واشنطن وطهران، كما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لكن تخللها استكشاف الموقف الإيراني من المفاوضات الروسية مع الجانب الأمريكي إضافة إلی الموقف من التطورات في الشرق الأوسط، في سياق محاولة روسية لطمأنة طهران أن موسكو لا تريد أن تتفاوض أو تتفاهم مع أحد علی حساب المصالح الإيرانية. ولكن إذا دقّقنا يتبين لنا أنه من الطبيعي أن يُضحي ترامب بأوكرانيا لمصلحة روسيا بما في ذلك التخلي عن أجزاء من الأراضي الأوكرانية، في مقابل أن يمنح بوتين نظيره الأمريكي حرية التصرف في الشرق الأوسط وصولاً إلى قيام “شرق أوسط جديد” بدور محوري “إسرائيلي”، على أن يشمل لبنان وسوريا والعراق وفلسطين.. وفي هكذا حالة، لن تكون إيران بعيدة عن هذه الخارطة.

لقد سعت إيران منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الأمني الإقليمي الذي كان سائداً إبّان الحرب الباردة إلی لعب دور فاعل ومؤثر سعياً إلى خلق نظام أمني إقليمي جديد ركيزته دول المنطقة بعيداً عن “إسرائيل” التي تعتبرها الولايات المتحدة “أولاً”. ودفعت إيران من أجل ذلك الكثير من الأثمان الباهظة وهي الآن لا تُريد أن تكون ضحية أية تفاهمات كبرى تأتي على حسابها وحساب مصالحها في المنطقة. هل هذا ممكن؟ ربما نعم.. وربما.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: البیت الأبیض الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

هندسة الانتصار الرمادي: صراع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل

في الأدبيات التقليدية للعلاقات الدولية، ارتبط مفهوم النصر بالقدرة على تحقيق تغيير جوهري في ميزان القوى عبر الوسائل العسكرية أو الاقتصادية المباشرة، إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدها الصراع الإيراني-الأمريكي-الإسرائيلي تفرض إعادة التفكير في هذا المفهوم.

لقد استطاعت إيران، بقيادة هيكل سياسي مركب، أن تحقق مكاسب استراتيجية صلبة دون أن تدخل حربا مباشرة أو أن تتعرض لانهيار داخلي. لم ينتج هذا الإنجاز من "مواجهة" كما تفترض الأدبيات الكلاسيكية، بل من عملية أعقد وهي هندسة مستمرة للبيئة الاستراتيجية بطريقة جعلت الحرب خيارا مكلفا أكثر من أي تسوية أخرى.

في هذا الإطار، يتحتم علينا أن نقرأ ما جرى كـ"انتصار رمادي"، ليس انتصارا عسكريا صريحا ولا هزيمة سياسية واضحة لخصوم إيران، بل حالة وسطى تميزت بقدرة طهران على إعادة تعريف حدود اللعبة دون الحاجة إلى كسر القواعد القائمة. ما نفعله هو معرفة محددات السياسة الخارجية الإيرانية في الأزمات وليس تمجيدها، وهذا ما يجعلنا قادرين على تفسير المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط من التهديدات الإسرائيلية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية إلى طاولة المفاوضات التي يقودها ترامب مع الإيرانيين.

من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية
من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية.

لم تتصرف إيران كفاعل يسعى إلى الصدام، لكنها في ذات الوقت لم تقدم مؤشرات استسلام أو انكسار. كل عملية (مثل إسقاط الطائرة المسيرة أو الرد على اغتيال قاسم سليماني أو العمليات التي عرفت بالوعد الصادق ضد إسرائيل) كانت مصممة لإبقاء هامش الشك مفتوحا؛ هل سترد إيران برد شامل أم محسوب؟ هل ستغلق مضيق هرمز أم لا؟

هذا التردد المنهجي لم يكن علامة ارتباك، بل أداة استراتيجية أضعفت قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة، حيث إن الخيارات باتت تقوم على تخمينات لا على معطيات صلبة. بالتالي، الانتصار الإيراني هنا لم يكن في امتلاك القوة، بل في إدارة إدراك الخصم لهذه القوة.

وبدلا من الرضوخ للعقوبات القصوى، اتبعت إيران سياسة تقوم على استثمار الزمن لإضعاف فاعلية العقوبات ذاتها. من خلال الصبر المدروس، سمحت إيران بأن تظهر التكاليف الثانوية للعقوبات (التضخم في الغرب من ارتفاع أسعار الطاقة، تآكل شرعية الحصار دوليا، نمو المقاومة الاقتصادية محليا).

مع مرور الوقت، لم تعد العقوبات أداة ضغط فاعلة، بل تحولت عبئا على من فرضها، مما أجبر بعض القوى الأوروبية على التراجع التدريجي أو البحث عن قنوات خلفية للحوار مع طهران. بكلمات أخرى، لم تسعَ إيران لإسقاط العقوبات فورا، بل لجعل استمرارها أكثر كلفة من رفعها، وهو منطق مختلف جذريا عن نماذج "المواجهة المباشرة" أو "التفاوض التقليدي".

وفي مقابل الرغبة الإسرائيلية في حسم عسكري سريع، والإصرار الأمريكي على فرض اتفاق استسلام اقتصادي، اتبعت إيران استراتيجية "التآكل البطيء"، فهي لم تهدف إلى كسر أعدائها بضربة مفاجئة بل إلى إنهاك إرادتهم على مدى زمني طويل عبر مجموعة مركبة من الضغوط النفسية، والدبلوماسية، والعسكرية المحدودة، والاقتصادية.

وهكذا، لم تحقق إيران نصرا عسكريا كلاسيكيا، لكنها فرضت تحولا استراتيجيا؛ خصومها وجدوا أنفسهم يتراجعون عن سقوفهم القصوى دون تحقيق أي مكسب جوهري.

بعيدا عن التصورات التقليدية للصراع، نجحت إيران خلال فترة المواجهة مع إدارة ترامب في إدارة بيئة معقدة من القوى المتنافسة، مستغلة ما يمكن تسميته بتشظي الأولويات الإقليمية. فقد كانت الأطراف المحيطة بالصراع تتباين في حساباتها بشكل حاد، إسرائيل تدفع باتجاه الحسم العسكري السريع مهما كان الثمن، مدفوعة بمخاوف وجودية، بينما بدا أن دول الخليج، رغم خصومتها التقليدية مع طهران، أكثر ميلا إلى تجنب سيناريوهات الحرب الشاملة التي قد تهدد استقرار أنظمتها الاقتصادية والسياسية. في الوقت ذاته، كانت أوروبا، من موقع مختلف، ترى أن الحفاظ على الاتفاق النووي، رغم تعثره، لا يزال الخيار الأقل كلفة لمنع الانزلاق إلى فوضى إقليمية أوسع.

هذا التباين في أولويات اللاعبين الأساسيين لم يمر دون أن تستثمره إيران ببراعة محسوبة، بل سعت ضمن استراتيجية مدروسة إلى إبراز التناقضات القائمة وتعميقها بطريقة تمنع بناء جبهة معادية موحدة. فبينما استمرت طهران في إرسال رسائل تطمينية لبعض دول الخليج عبر القنوات الخلفية، فإنها عمدت إلى توظيف التصعيد الإعلامي ضد إسرائيل بشكل مدروس، مما وضع الأخيرة في موقف المتشدد الوحيد أمام عواصم دولية باتت أكثر حذرا من مغامرات عسكرية مفتوحة. أما مع أوروبا، فقد حافظت إيران على الارتباط بالحد الأقل، مستخدمة الخطاب الدبلوماسي الرسمي كوسيلة للإبقاء على فكرة أن طهران ما تزال تؤمن بالحلول الدبلوماسية، ما وفر غطاء سياسيا ساعد في كبح جماح الضغوط التصعيدية الأمريكية.

رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته
في موازاة ذلك، برز سلوك إيران في إعادة تعريف معادلة القوة بعيدا عن النماذج التقليدية للردع. فعوضا عن الاعتماد على الحشود العسكرية التقليدية أو عرض عضلات مكشوف، لجأت إيران إلى ممارسة نوع من استعراض القوة الرمزية، قوامه الكشف التدريجي عن عناصر قوة غير مرئية بالكامل. بناء المدن الصاروخية تحت الأرض، والحديث عن برامج أسلحة متقدمة مثل أنظمة البلازما، كانا موجهان ليس لإشعال الحرب، بل لصناعة بيئة إدراكية مشوشة تجعل من حسابات الخصوم مليئة بالثغرات والاحتمالات غير المؤكدة. هذا التكتيك المدروس زاد من صعوبة بناء نماذج حاسمة للرد العسكري ضد إيران، مما ساعد في ترسيخ حالة ردع غير متوازن ولكن فعّال.

ولعل الأهم من ذلك، أن إيران استطاعت أن تحول هذه البيئة التي تتصف بالضبابية إلى منصة تفاوضية متقدمة. لم تذهب طهران إلى أي مفاوضات بوصفها الطرف المهزوم الباحث عن مخرج، بل دخلت المفاوضات غير المباشرة، وكأنها شريك قادر على فرض شروطه أو على الأقل التمسك بثوابته الأساسية. فلم يكن شعار العودة إلى الاتفاق النووي مجرد محاولة للعودة إلى الوراء، بل كان وسيلة لدفع الخصم إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة التي فرضها صمود إيران: أن العقوبات لم تسقط النظام، وأن التهديدات العسكرية لم تكسر إرادته، وأن الجبهة الداخلية رغم كل الضغوط ما تزال قادرة على التكيف مع تحدياتها في الاقتصاد والمجتمع.

بهذه الطريقة، استطاعت إيران أن تتحول من موقع الدفاع إلى موقع الفعل. فعلى عكس الرهانات الغربية التي اعتبرت أن الضغوط القصوى ستدفع النظام الإيراني إلى تقديم تنازلات حيوية، بدا أن من اضطر إلى مراجعة حساباته هي الأطراف الأخرى، بدءا من واشنطن وانتهاء ببعض العواصم الأوربية.

هنا بالضبط تتجلى عبقرية الانتصار الرمادي الذي حققته طهران. لم يكن هذا الانتصار واضح المعالم بالمعنى الكلاسيكي؛ لم يرفع أحد رايات النصر، ولم ينهزم طرف بشكل معلن، ولكن في أعماق بنية القوة والسياسة في المنطقة، فرضت إيران نفسها لاعبا لا يمكن تجاهله أو فرض الإملاءات عليه. تحولت الحرب من خيار قائم إلى خيار مستبعد، وتحول الضغط الأقصى إلى ورقة مفاوضات بأثمان متناقصة.

في النهاية، ما أنجزته إيران لا يمكن اختزاله في مفردات "الصبر الاستراتيجي" أو "الممانعة"، بل هو حالة متقدمة من إدارة ديناميات القوة في بيئة معادية متعددة الأقطاب، قائمة على استثمار الزمن، والتلاعب بالإدراك، وصناعة الشكوك، وتكريس مفهوم أن التغيير الإقليمي لا يمكن أن يتم دون أخذ مصالح طهران بعين الاعتبار.

بهذا الإنجاز، رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته.

x.com/fatimaaljubour

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • هندسة الانتصار الرمادي: صراع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل
  • إيران ترد على تهديدات نتنياهو: أي مغامرة ستواجه برد ساحق
  • وزير الخارجية ونظيره الإيراني يستعرضان مستجدات المحادثات التي ترعاها سلطنة عمان
  • نتنياهو: ينبغي اختفاء البرنامج النووي الإيراني بأكمله
  • ترامب: سنتوصل لاتفاق مع إيران دون إسقاط القنابل
  • في تصريح جديد.. نتنياهو: يجب تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل
  • نتنياهو: يجب تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل
  • التفاوض بين إيران وأميركا.. دوافعه وتحدياته ومآلاته المتوقعة
  • وزيرة الصناعة تصل طهران للمشاركة في منتدى التعاون الاقتصادي الإيراني الأفريقي