سواليف:
2024-11-24@05:02:22 GMT

جلال برجس يكتب …هل تجعل القراءة منك كاتبًا؟

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

جلال برجس يكتب …هل تجعل القراءة منك كاتبًا؟

جلال برجس

حين وجدتُني أستغرق بالقراءة في تلك المرحلة المبكرة من عمري، وأدمنها على صعيد الفعل السلوكي، لم أكن أفكر بأن أصبح كاتبًا؛ كنت فقط أنتمي لذلك الإحساس الطاغي من الانتقال من عالم الواقع المحدود بالمعنَيين البصري والملموس بكل ما يتوفر فيه من احتمالات القسوة، إلى عالم الخيال الفسيح الهانئ، والحميمي.

كانت ممارسة روحية لشكل فريد من أشكال السفر إلى بلدان، وأناس، وأفكار، وأحداث، وأزمنة جديدة. لكي يحلم المرء -كما يقول ميشيل فوكو- فهو ليس بحاجة إلى أن يغمض عينيه، بل عليه أن يقرأ. ولكي يكون صادقًا مع نفسه -كما قال الكاتب الأمريكي سالينجر- يحتاج على الأقل إلى ساعة من الكتابة. أتذكر أني بعد قراءتي لأول كتاب في حياتي وكان رواية (البؤساء) لـ (فيكتور هوغو) وكنت صغيرًا في العمر آنذاك، صعدت إلى رأس شجر سرو أريد أن أرى (باريس)، كان ذلك في زمن القرية التي كنت أعتقد أنها هي العالم وما بعدها لا شيء.

ومع مرور الأيام اكتشفت أن الغرض الذي كان يقف وراء انخراطي اليومي في عالم القراءة كان مختلفًا عن غرضي من الكتابة التي أتت لاحقًا، رغم تقاطعهما ببعض الدوافع الذاتية والموضوعية. إذن هل يمكنني القول إن القراءة لم تساهم على نحو ما بتشكيلي كروائي؟ لقد كان لها ذلك من حيث اللغة، والأسلوب، وطريقة صياغة الأفكار، وكثير من عناصر الكتابة، لكنها ليست المحرك الأوحد لفعل الكتابة الذي يفكك التجربة الذاتية ويعيد صياغتها وفق رؤى جديدة، وليست اليد الوحيدة التي لها أن تؤدي بالكاتب إلى إعادة تشكل الواقع بناء على ما اكتسب من مفاهيم خاصة تشكلت عبر الزمن، الحاضن التفاعلي للتجارب الإنسانية بكل أبعادها، ومستوياتها.

الكتابة ردة فعل على خلل في واقع ذاتي، وآخر موضوعي، وهي بطبيعة الحال ليست فعلًا ترفيهيًا إنما رؤية قادمة من عدم الرضى عن السائد. من هنا يمكن الحديث عما يسمى بالموهبة التي ترتبط بقوة بالدرجة العالية من الحساسية في رؤية الكون والذات؛ إذ أن الموهبة برأيي هي هذه الحساسية بدرجاتها العالية؛ وبالتالي تغدو الكتابة وسيلة علاجية ذاتية تنظر إلى حياة الكاتب وعلاقتها بكل ما يحيطه على مختلف الصعد. هل يعني هذا أن الكاتب كائن عصابي، أو لديه خلل نفسي؟ بطبيعة الحال لا يمكننا الجزم بهذا؛ فعلم النفس بكل مدارسه لم يصل إلى حقيقة ثابتة في هذا الشأن. لكن يمتاز من ذهبوا إلى عالم الكتابة بقدرتهم الفائقة على الاحتفاظ بالكثير من التفاصيل الشخصية، والتفاصيل التي يرونها أثناء حركتهم في مجتمعاتهم وبيئاتهم، وهذا يؤدي إلى تراكم يجعل من صاحبه كاتبًا، وفي الوقت نفسه يجعله متأذيًا. من هنا أرى أن الكتابة بالإضافة إلى كونها وسيلة للتعبير عن الذات والخروج بها على السائد غير المقنع؛ فهي عملية تفريغ للنتائج السلبية للتراكمات الحسية. في هذا الشأن يرى الكاتب والمعالج النفسي الأمريكي (فيليب كيني) أن علم النفس والإبداع والروحانية ليست مجالات منفصلة، بل أنها مرتبطة بشكل وثيق بالقوة التي تتحرك من خلالنا جميعًا. ويرى (كيني) أن الكتابة يمكن أن تكون علاجًا للاكتئاب، بل وبديلًا لمضاداته. ومن هذا المنطلق أصدرَ رواية عام 2012 بعنوان (إشعاع) صنفت على أنها واحدة من روايات أدب الاعتراف.

مقالات ذات صلة شعراء يستحضرون عرار والمرأة والأرض في ختام فعاليات مهرجان سمر الثاني للثقافة والفنون 2023/08/22

إن أكثر الكتّاب عمقًا –برأيي- هم أولئك الذين يبذلون جهدًا مضاعفًا لمكاشفة أنفسهم سواء بشكل مباشر أو من خلال الشخصيات في الروايات على سبيل المثال، وبالتالي ممارسة شكل قاسي من النقد المقترن بالحرية وعدم الانصياع للمثاليات الزائفة. بالإضافة إلى ما هو متعلق بالطبيعة السيكولوجية، فإن التأمل، والخبرة الحياتية المتنوعة، والرغبة بالتعبير عن الذات هي دوافع للكتابة، وهي التي بالإضافة إلى القراءة والممارسة الحثيثة للكتابة تصنع من الإنسان كاتبًا، رغم عدم انفصال تلك العناصر عن الواقع السيكولوجي للإنسان الكاتب؛ إلا إنها عناصر مترابطة بشكل مذهل. من دون القراءة لا يمكن لتلك الأدوات التي يعبر الكاتب فيها عن ذاته، وعما حوله أن تستمر، ولا يمكن أن ينجح بتفريغ تراكماته. في هذه الحالة ستذوي مثل الأشجار التي غرست في أرض صحراوية أمطارها شحيحة، وبالتالي هي بحاجة يومية للماء.

التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا السياق: هل يمكن لإنسان أن ينجح في أن يكون كاتبًا من دون قراءة؟ ربما يحدث هذا لكن في نطاق ضيق جدًا، بل ونادر حتى. أما النسبة التي هي خارج هذا النطاق وخاصة أولئك الذين يوهمون وسائل الإعلام، والقراء بأنهم يقرأون باستمرار فإنهم ينتجون أعمالًا أدبية على الأغلب تشبه بعضها بنسبة عالية، أي أنها امتدادًا للعمل الأول الذي ولد اتكاء على جملة التراكمات الحسية، وبالتالي تصبح الأعمال اللاحقة مجرد دوران في حلقة مفرغة، وتشبه عزفًا على آلة موسيقية وترية ناقصة وترًا.

القراءة بمفردها لا تصنع كاتبًا، لكن غيابها ستقتل هذا الكاتب؛ إذ لا يكفي أن تشق قناة قصيرة في إحدى ضفاف النهر، بل عليك أن تستمر بشق هذه القناة، ليصل الماء إلى جذوع الأشجار فيحييها.

صحيفة اثير

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: کاتب ا

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. في بيتنا تلفزيون

#في_بيتنا_تلفزيون

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 2 / 5 / 2010

الاسبوع قبل الماضي اتصلت بي الزميلة العزيزة بسمة النسور.. وأخبرتني ان تلفزيونا محلياً، ينوي انتاج برنامج يسلط الضوء على حياة ومسيرة بعض مبدعي الوطن- ولسوء أو حسن حظّي وقع الاختيار عليّ لأكون ضيف الحلقة الأولى- وقبل ان تنهي الزميلة «بسمة» المكالمة قالت : لا بدّ من تصوير 3 دقائق تظهر جانباً من حياتك الطبيعية مع عائلتك. .لذا سنزورك يوم الأحد..

مقالات ذات صلة كيف يمكن لنتنياهو الالتفاف على قرار “الجنائية الدولية”؟ خبراء يجيبون 2024/11/23

من اجل تصوير 3 دقائق من حياتي الطبيعية: انقلبت حياتي الى غير طبيعية، مثلاً بعد سبع سنوات من الزواج اكتشفت أنني لم اشتر في جهاز عرسي طاولة سفرة ..مما اضطرني الى شراء طاولة بلاستيك دائرية من المؤسسة العسكرية بــعشرة دنانير و35 قرشا..

وبعد سبع سنوات من التأهل ..تذكّرتْ «بسلامتها» ان طقم أكواب العصير غير لائق وبعض حوافه متآكلة، كما قمت بشراء دزينة ملاعق، وقشاطة للحمام، ودوّاسة للصالون، وزوج «شبّاحات رجالي» ماركة نواف، لماذا؟ لا ادري ولكن فرصة للتجديد..

كما قامت ام العيال بكنس الساحات القريبة من الدار، وشطف الدرج، وتلييف الشبابيك، وتعزيل السدّة، كما قمت شخصياً بنصب كمائن «بلزّيق الفيران» لاجتثاث بعض عناصر «البريعص» من أوكارها في بيت الدرج..ثم أخرجت طاولة مستطيلة من المطبخ كانت تحمل قطرميزات الزيتون والمخلل والجبنة البيضاء..ووضعت عليها دروعي التكريمية التي تزيد عن 30 درعاً والتي جمعتها طوال 15 عاما من الكد والمجاكرة.

اووف تذكّرت ان البوم صوري فقير جدّاً ومعظم ما احتفظ به من صور كان يخص «طهوري».. فبادرت وتصوّرت صوراً حديثة باوضاع مختلفة تحت الدالية: «مقرمز»، واقف، ماشي، متبطح، وذلك لأثري الألبوم استعداداً لعرضه على التلفزيون .

ثم ذهبت الى عامل المقهي الذي ارتاده وأخبرته عن قصة مجيء التلفزيون الى الرمثا وقلت له ربما سيأتون الى هنا ويصورون بعض المشاهد في مقهاك، تماما في هذه الزاوية ..فقام هو الآخر بتلييف النافورة القديمة، وغسل «البترينة» وتشييش «الاراجيل» بسيخ وخرقة..

وفي الليل قمت ببعض العروض التجريبية مع بعض افراد العائلة : أين سأجلس، كيف سأتكلم، هل امشي محدودب الظهر وأتناول كتاباً من مكتبتي كما يفعل الراحلون في البرامج الثقافية!! ثم انه ليس عندي مكتبة بمعنى المكتبة يا ناس!!..كيف سأحضن عبود لتبدو «العبطة» طبيعية يمين، يسار ،وجهاً لوجه ..الخ..

ثم تذكّرت ان «حمزة» ابني الثاني يردد دون تفكير بعض الألفاظ النابية كلما رأى غريباً أو أزعجه أحد مثل» انقلع»و»واحد حيوان» فاضطررت الى مسح دماغه من غبار المفردات..وأغريته «بقمع ايمه ابو الـ10»..

لم استطع النوم ليلة التصوير ..وانا اتخيل…المخرج يضع كاميراته وأسلاكه ويصيح في الصالون : ثري، تو، ون،..اكشن…

*

صبيحة الأحد اتصلت بي الرائعة بسمة النسور وقالت: نعتذر عن المجىء..يا الله ما أجمل هذه العبارة…وما اجمل الحياة دون «تسجيل»…

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#145يوما

#أحمد_حسن_الزعبي

#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • الاستثمار المركب: كيف تجعل 100 ألف ريال تتحول إلى 5 ملايين؟
  • الكتابة بين الملكية الفكرية والقسم الطبي
  • كتب الأطفال تتصدر اهتمامات زوار مهرجان العين للكتاب
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. في بيتنا تلفزيون
  • الأهرام: عودة «النصر للسيارات» تجعل مصر قلعة عملاقة لصناعة السيارات في الشرق الأوسط
  • دعاء الفجر لزوجي وأولادي.. أفضل ما تردده الزوجة الصالحة
  • القراءة في عقل الأزمة
  • “قلب أبو سليمان وقادي” تجعل وزير السياحة يشارك سامري ⁧‫حائل‬⁩ .. فيديو
  • ورشة عمل في "بنات عين شمس" عن الكتابة العلمية المتقدمة
  • الكتابة في زمن الحرب: التنمية المستدامة لقرية ما بعد الحرب