عربي21:
2025-03-04@07:04:15 GMT

هل تحالف ترامب مع بوتين ضد أوروبا؟

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

هناك قول معروف ومُكرر كثيرا وهو، لا توجد في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة. وقد بات على الأوروبيين أن يفهموا هذا القول جيدا وأن يتصرفوا على أساسه، لا أن يكرروه فقط ثم يتوسلّون بالقول إنهم أهم شريك تجاري للولايات المتحدة الأمريكية، بحجم تبادل يصل إلى نحو 1500 مليار دولار سنويا، وأنها لن تتخلى عنهم لهذا السبب.



هذا محضُ هراء لا يستقيم مع السياسة الترامبية الجديدة. نعم كانت هنالك توقعات ذات مصداقية عالية، بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوف ينسحب من الجهود الغربية لدعم أوكرانيا، وأخرى بأنه سيذهب للتحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن العجز الذي تمر به أوروبا جعلها تستبعد هذه الخيارات الأمريكية. كما قاد هذا الوهم الأوروبيين إلى عدم الفهم طوال العشر سنوات الماضية، بأن الولايات المتحدة تضع مصلحتها في المقدمة على حساب أقرب حلفائها.

ففي الولاية الأولى للرئيس ترامب خدعوا أنفسهم بالقول، إن الرجل حديث عهد بالسياسة وهو رئيس غير تقليدي، وأن ما يصنعه من سياسات رثة هي ليست سياسات أمريكية بحتة، فالمؤسسات الأمريكية الحاكمة قادرة على إصلاحها وإعادة العربة إلى السكة الصحيحة، لكن الحقيقة كانت غير ذلك. فعندما وصل الديمقراطيون إلى سدة الحكم وتولى الرئيس السابق جو بايدن مقاليد السلطة في البيت الأبيض، تسبب هو الآخر بالضرر للأوروبيين ربما أكثر بكثير مما سببه ترامب في ولايته الأولى. فقد ذهب بايدن إلى إنشاء تحالف (فوكس) بين الولايات المتحدة، وكل من بريطانيا وأستراليا، وفي ضوء ذلك تم إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية إلى أستراليا، فكانت ضربة اقتصادية وسياسية موجعة لفرنسا. وفي عهده أيضا كان قد وقع ضرر بالغ على أوروبا، بسبب صفقة التحوّل الأخضر لدعم الشركات الأمريكية على حساب الشركات الأوروبية، بل حتى في الحرب الروسية على أوكرانيا، وضع الأمريكيون الأوروبيين في الصف الأول من المواجهة مع موسكو، بينما تمترسوا هم خلفهم. وعليه فإن الضرر الأمريكي على أوروبا لا يأتي من سياسة طرف أمريكي واحد، بل من الحزبين معا الجمهوري والديمقراطي. لذا بات على أوروبا أن تعي أن الولايات المتحدة لن تكتفي بوضع مصالحها مع روسيا قبل مصالحها مع أوروبا، بل ربما ستضع مصالحها مع الصين مستقبلا، على حساب الأوروبيين. فهي تبدو مطمئنة أن الأوروبيين لن تكون لديهم ردة فعل، مهما كان الضرر الذي تتسبب به الولايات المتحدة لهم. وما يؤكد هذا التحليل، هو كلمة نائب الرئيس ترامب في مؤتمر الأمن في ميونخ مؤخرا، التي اتهم فيها الأوروبيين بالتخلي عن القيم المشتركة مع الأمريكيين، لذلك لم يعد مُبررا بقاء التحالف بين ضفتي الأطلسي، على القواعد السابقة نفسها قائما.

فهذا أوان فتح آفاق جديدة من قبل الأوروبيين، وأن يجدوا لهم مكانا وعنوانا بمعزل عن الولايات المتحدة
إن من الغريب حقا أن تكون الذاكرة الأوروبية ضعيفة إلى هذا الحد، فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها إلى الإذلال من جانب الولايات المتحدة، ففي عام 2009 حصل اجتماع بين وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في سويسرا، وقد سعيا إلى إعادة إنعاش وإحياء العلاقات الأمريكية الروسية على حساب الاتحاد الأوروبي وأمنه، حيث تم التخلي عما يُعرف بـ(القبة الصاروخية) التي كانت تحمي الجانب الشرقي من أوروبا، في عهد الرئيس الأسبق أوباما. آنذاك علت أصوات في أوروبا تقول إن هذه خطوة أولى في طريق تقديم المصلحة الأمريكية على أوروبا، مثلما يفعل ترامب حاليا. وحتى في عام 2010 ذهب الأمريكيون في قمة الناتو في لشبونة إلى وضع أيديهم في يد الكرملين، فكانت خطوة في طريق ما يُعرف بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية الروسية. لكن يبدو الآن أن بعض الوعي قد عاد إلى العقل الأوروبي، وبدأوا يصفون الولايات المتحدة بالمنافس الشرس والخطير على مصالحهم، من منطلق أن هذا التقارب الروسي الأمريكي الحالي هو تقارب مصالح اقتصادية بامتياز، حيث يسمح لبوتين بوضع يده على بعض الأراضي الأوكرانية، ما يعني وضع استراتيجية الاقتصاد الأخضر الأوروبي في خطر. فالاتحاد الأوروبي بنى كل استراتيجيته لتنويع وتأمين الطاقة، على مناجم المعادن والأتربة النادرة والثمينة الموجودة في الأراضي الأوكرانية.

بالتالي ومن هذا المنطلق هناك اختلاف في المصالح من جهة بين ترامب والاتحاد الأوروبي، وهناك تلاق بين موسكو وواشنطن حول مصالح اقتصادية. وهذه نقطة خطيرة جدا إذا ما تمت مقارنتها بعام 2009، على اعتبار التقارب الأمريكي الروسي آنذاك كان على أساس جيوسياسي، حيث كان هناك إرهاب وأعمال تخريبية. أما اليوم فلا حديث عن مصالح وتقاطع مصالح جيوسياسية، إنما مصالح اقتصادية وهو ضربة في الصميم توجه إلى الأوروبيين.


ورغم كل هذا الجو المُعتم الذي يُخيّم على أوروبا هذه الأيام، والذي دفع البعض للاعتقاد بأنها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من خسارة مكانتها الجيوسياسية، لكن كل ذلك مرهون بإرادة أوروبا نفسها، وبرد الفعل المقبل منها. فقد تكون السياسات الترامبية دافعا للشركاء الأوروبيين لرص صفوفهم أمام مرحلة مهمة جديدة لا تتعلق بترامب فقط، بل بكل السياسات الأمريكية بشكل عام.

فهذا أوان فتح آفاق جديدة من قبل الأوروبيين، وأن يجدوا لهم مكانا وعنوانا بمعزل عن الولايات المتحدة. وأن يحرصوا على أن يكون لهم تأثير في الأزمات الدولية، كي لا تفقد أوروبا سمتها الجيوسياسية. وقبل هذا وذاك عليهم أن ينزعوا ثقل التاريخ في الوجدان السياسي الأوروبي. فلحد اليوم لا يوجد أي بلد أوروبي يقبل بأن تكون هناك قيادة أركان أوروبية موحدة يقودها بلد أوروبي، بسبب الخوف الراكد في النفوس من أحداث الماضي. فكل بلد يريد السيطرة على هذه القيادة. لذلك نرى الفرنسيين يستعينون بالبريطانيين في مسألة الأمن، في حين بالمقابل نجد بولندا تسعى مع دول ما يُعرف بحلف الأخوة في الشمال إلى السيطرة على هندسة الأمن القومي الأوروبي.

يقينا أن سياسات ترامب تجاه أوروبا باتت بشكل واضح عمليات استهداف حقيقية لها، فنرى الحزب الجمهوري في عهده قد أصبح عرّاب الأحزاب اليمينية الأوروبية، ومنها من يوصف بالفاشية. وللتذكير فإن ترامب منذ ولايته الأولى حاول توحيد الأحزاب اليمينية في أوروبا، وكان قد أرسل مساعده ستيف بانون إلى أوروبا، ونجح في القيام بهذا الفعل. فترامب يمارس السياسات اليمينية نفسها، اقتصاديا وسياسيا وحتى في مسألة الهجرة. فهل سيبقى الاتحاد الأوروبي يتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى من الجمهوريين ومن الديمقراطيين، أم أن كل ما يحدث للأوروبيين اليوم سيكون دافعا لهم لبناء استقلاليتهم الدفاعية والعسكرية والاقتصادية؟

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الترامبية بوتين أوروبا أوروبا بوتين ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة على أوروبا على حساب

إقرأ أيضاً:

ماكرون يدعو لمناقشة الردع النووي الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداده لبدء مناقشات حول تعزيز الردع النووي الأوروبي، وذلك ردا على التهديدات التي تشكلها روسيا في ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة.

وجاءت تصريحات ماكرون بعد طلب من فريدريش ميرتس، المرشح المحتمل لمنصب المستشار الألماني، بفتح حوار حول مشاركة الأسلحة النووية الفرنسية والبريطانية في حماية أوروبا.

وفي حديثه لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أكد ماكرون أن أوروبا بحاجة إلى مزيد من الاستقلالية في مجال الدفاع، وأن مناقشة إستراتيجية الردع النووي يجب أن تكون "مفتوحة" و"شاملة". وأضاف أن هذه المناقشة ستتضمن جوانب حساسة وسرية، لكنه مستعد لبدئها.

وتأتي تصريحاته في أعقاب تقارير أشارت إلى أن فرنسا قد تكون مستعدة لاستخدام ترسانتها النووية لدعم حماية أوروبا، خاصة في ظل الشكوك التي أثارها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وترك ترامب، الذي أشار مرارا إلى إمكانية انسحاب واشنطن من الحلف، أوروبا في حالة من عدم اليقين بشأن ضماناتها الأمنية.

ردود الفعل الدولية

علق مايكل ويت، أستاذ الأعمال الدولية والإستراتيجية في كلية كينغز لندن، على الموقف قائلا إن عرض فرنسا لتمديد مظلتها النووية إلى ألمانيا وبقية أوروبا يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتطبيق في ظل انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية.

إعلان

وأضاف ويت أن أوروبا بحاجة إلى تعزيز إنتاجها المحلي للطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، لتقليل اعتمادها على مصادر خارجية وتعزيز أمنها القومي.

من جهة أخرى، دعا بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، إلى منح أوكرانيا سلاحا نوويا لمواجهة التهديدات الروسية، واصفا ذلك بأنه "حالة أخلاقية" في ظل التصعيد المستمر من جانب موسكو.

ما الذي يعنيه هذا لأوروبا؟

رغم استعداد ماكرون لفتح النقاش، فإن التحديات لا تزال قائمة. ووفقا لمصادر دبلوماسية ألمانية، لم تبدأ المحادثات الرسمية بعد، خاصة مع استمرار المناقشات حول تشكيل حكومة ائتلافية في ألمانيا بعد الانتخابات الأخيرة.

كما أن أي نقاش حول الردع النووي الأوروبي سيحتاج إلى موافقة المملكة المتحدة، التي تمتلك أيضا ترسانة نووية. ومن غير الواضح ما إذا كانت لندن ستشارك في هذه الإستراتيجية أم ستظل متمسكة بتحالفها الأمني التقليدي مع الولايات المتحدة.

وتعكس تصريحات ماكرون تحولا جوهريا في التفكير الإستراتيجي الأوروبي، ففي ظل التهديدات الروسية المتزايدة وتراجع الضمانات الأمنية الأميركية، أصبحت أوروبا مضطرة إلى إعادة تقييم اعتمادها على الولايات المتحدة في مجال الدفاع.

وإذا نجحت أوروبا في بناء إستراتيجية ردع نووي مشتركة، فقد يمثل ذلك خطوة كبيرة نحو تعزيز استقلاليتها الأمنية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تجاوز الخلافات الداخلية وبناء إجماع بين الدول الأوروبية حول مستقبل الدفاع القاري.

وقال الرئيس الفرنسي "إذا كان الزملاء يريدون التحرك نحو مزيد من الاستقلالية وقدرات الردع، فإننا سنضطر لفتح هذه المناقشة الإستراتيجية العميقة جدا. لديها مكونات حساسة جدًا وسرية للغاية، ولكنني متاح لفتح هذه المناقشة".

مقالات مشابهة

  • ردا على ازمة أوكرانيا.. روبيو: الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح باستغلالها
  • مديرة الاستخبارات الأمريكية تهاجم الأوروبيين وتوجهاتهم بشأن أوكرانيا
  • خبراء عسكريون: الخلافات الأمريكية الأوروبية تهدد بتفكيك حلف الناتو
  • زيلينسكي يؤكد: بوسعي "إنقاذ علاقتي" مع ترامب ويشيد بالدعم الأوروبي
  • بعد لقاء ترامب وزيلينسكي.. ستارمر يحشد الأوروبيين في بريطانيا
  • إيلون ماسك يعلن دعمه لانسحاب الولايات المتحدة من الناتو والأمم المتحدة
  • ماكرون يدعو لمناقشة الردع النووي الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية
  • أول عقوبة من أوروبا ضد الولايات المتحدة
  • المجر تدعو الاتحاد الأوروبي لبدء محادثات سلام مع بوتين