أثار عجبي وأسفي أن محلاً للفول في حارتنا بجدة، أغلق أبوابه قبيل شهر رمضان الحالي. وددت لو كان عندي رقم جوال صاحب المحل، أو أحد العاملين من الجنسية البخارية، الذين كانوا يعملون في ذلك المطعم. لكن لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. ورمضان هو الموسم الأول لبيع الفول على اختلاف أنواعه. ولذلك تجد محلات الفول والتميس مزدحمة قبل المغرب، بل وتنشأ مماحكات، وربما مضاربات بين الزبائن المتسابقين للحصول على هذا الإدام، إلا إذا كان الفوَّال حازماً، فلا يسمح لأحد الزبائن أن يغتصب مكاناً في الطابور متقدماً عن مكانه.
وقد انتقلت محبة الفول إلى المناطق الأخرى، حتى لقد قيل أن شاباً سافر إلى الرياض ليعمل هناك، وكان له حاسد، يشكوه إلى أبيه في البادية كلما لقي مسافراً. وفي آخر رسالة قال الحاسد: وإن كنت لا تصدقني ترى ابنك صار يفطر على الفول. تعجب الوالد وقرر أن يزور ولده في الرياض. وهناك قدم الولد لأبيه الفطور فأكل منه وأعجبه. فسأل ابنه: ما هذا؟ فقال له: هذا يسمونه الفول. فقال الأب: إذا كان هذا هو الفول فأطعمنا منه كل يوم.
والفول طعام الفقراء بسبب رخصه، إذ لا تسمح لهم ظروفهم المادية بشراء اللحم أو حتى الدجاج. وكان طلبة الجامع الأزهر الفقراء يعيشون عليه ليلا ونهارا. وقال اللغوي الكبير الأستاذ أبو تراب الظاهري -رحمه الله-: إن الفول هو الذي يساعد هؤلاء الطلبة المعدمين على تفكيك معضلات المتون والحواشي التي يطالعونها. ولولا الفول ما نجحوا في فهمها لأن الفول يفتق الأذهان كما قال.
وقد نظم الشيخ السوري محمد الحامد رحمه الله قصيدة طريفة في هذا المطعوم الشهي اخترت منها قوله:
ألا يا محبّ الفولِ أصغِ لقولتي
فقد صار هذا الفولُ موضعَ فتنتي
يسيلُ لعابي إن شممْتُ عبيره ويخذلُني صبري وتضعفُ قوتي
وعينيِ قرّتْ مذ رأتْنيَ مقبلا
عليه بقلب صـــــادق وبهمّـــــة
ففولٌ فؤولٌ فاحترس من تشاؤمٍ فإن اسمه يقضي بحسن المظنةِ
فكُلهُ بليمونٍ وزيت طحينـــة وثوم وفجل واصطحبه بشــطةِ
ألا ليت شعري هل أدوم مصاحبا له
إن بُعدي عنه يسفك عبرتي
عسى قدرة الفوال يعبق ريحها فيظهر فضل الفول في كل بقعةِ
لقد أحببت الترويح عن القراء في شهر التراويح. لكن المهم أن نتفقد بعين المرحمة إلعاجزين عن توفير اللحم أو حتى الفول لأهليهم في هذا الشهر الكريم، فنكرمهم ممّا أفاء الله علينا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
معجزة إرجاع البصر .. الكنيسة تحتفل اليوم بـ«أحد المولود أعمى»
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الأحد، الموافق 28 برمهات وفق التقويم القبطي، بـ«أحد المولود أعمى» المعروف أيضا باسم أحد التناصير، وهو الأحد قبل الأخير في الصوم الكبير الذي يستمر لمدة 55 يوما.
وتقرأ الكنيسة في قداس هذا اليوم إنجيل قداس الأحد السادس “أحد التناصير”، وهو إنجيل يروي معجزة إرجاع المسيح البصر للمولود أعمى، بحسب الاعتقاد المسيحي، ووضعت الكنيسة هذه القصة ضمن قراءات الصوم الكبير، إذ ربطت الكنيسة العصور الأولي ربطت بين إنجيل المولود أعمى وبين طقس المعمودية ربطًا شديدًا، وتوجد في سراديب روما من القرن الثاني نقوش بالفريسكو لإنجيل المولود أعمى تحت عنوان: «المعمودية» كشرح لعملها السري، وكذلك يربط الآباء جميعا بين إنجيل المولود أعمى وطقس المعمودية في عظاتهم.
وينتهي الصيام بترؤس البابا تواضروس الثاني قداس عيد القيامة المجيد يوم السبت 19 أبريل، لتحتفل الكنيسة بالعيد يوم الأحد 20 أبريل.
وينقطع الأقباط خلال أيام الصوم الكبير عن الطعام من الساعة 12 ليلا وحتى غروب الشمس وانتهاء القداسات بالكنائس، وذلك فيما عدا أيام السبت والأحد والتي يمتنع فيها الصوم الانقطاعي، ثم يتناولون الطعام النباتي، وتبدأ القداسات في الكنيسة خلال الـ55 ظهرا.
ويعد الصوم الكبير من أصوام الدرجة الأولى والتي لا تسمح فيها الكنيسة للأقباط بتناول الأسماك ويصام انقطاعيا، وتضم أصوام الدرجة الأولى:
صوم يالصوم الكبير.صوم يومي الجمعة والأربعاء.برمون عيد الميلاد والغطاسالصوم المقدس صامه السيد المسيح بنفسه.
وتصوم الكنيسة الصوم الكبير، حيث يحمل معنى الفداء والشركة في آلام السيد المسيح، وتمتاز ألحانه بالخشوع والعمق، بحسب الاعتقاد المسيحي.
ويشمل الصوم الكبير ثلاثة أصوام، هي: الأربعين المقدسة في الوسط، يسبقها أسبوع إما يعتبر تمهيدا للأربعين المقدسة، أو تعويضيًا عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الانقطاع عن الطعام، يعقب ذلك أسبوع الآلام، وكان في بداية العصر الرسولي صومًا قائمًا بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير.
وتعتبر أيام الصوم الكبير هي أقدس أيام السنة، ويمكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي، لأن يسوع المسيح قد صامه، وهو صوم من الدرجة الأولي، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات، وله ألحان خاصة، وفترة انقطاع أكبر، وقراءات خاصة، ومردات خاصة، وطقس خاص في رفع بخور باكر، بالإضافة إلى مطانيات خاصة في القداسات.
ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس خاص، كما أنه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم، وهكذا يكون له جو روحي خاص.