يومًا بعد يوم، تتزايد "حدّة" الانقسام السياسي في البلاد، بعدما أعلنها جزء من المعارضة "مواجهة مُعلَنة" مع "حزب الله" في استعادة لسرديّة "لا للسلاح غير الشرعي"، التي خبرها اللبنانيون جيّدًا في مرحلة "8 و14 آذار"، "مواجهة" وجدت في حادثة كوع الكحالة الشهيرة منطلقًا لها، لكنها تُرجِمت على خط المبادرة الفرنسية، "شبه إسقاط" لما وُصِفت بـ"الفرصة الأخيرة" للإنقاذ، على يد الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان.


 
ومع أنّ الرسالة التي وجّهها لودريان إلى مجموعة من النواب، بينهم رؤساء كتل، ومستقلّون، قوبلت باستغراب "في الشكل" من الفريقين المتنازعين، فإنّ ردود الفعل عليها جاءت متفاوتة، بين فريق يمثله "حزب الله" وحلفاؤه، إضافة إلى "التيار الوطني الحر"، ارتأى تلقّفها بـ"إيجابية"، باعتبارها "متناغمة" مع مطلب الحوار الذي يطرحه منذ اليوم الأول، وفريق آخر يزداد في تشبّثه رفضًا للجلوس على طاولة واحدة مع الحزب، بل للحوار بصفة عامة.
 
وبين هذا الفريق وذاك، تُطرَح علامات استفهام حول تموضع "الحزب التقدمي الاشتراكي" تحديدًا في هذه "المعمعة"، هو الذي "يتقاطع" مع المعارضة في خياراتها "الرئاسية" من ميشال معوض إلى جهاد أزعور، فهل "يتقاطع" معها أيضًا في رفض رسالة لودريان، وبالتالي التحفّظ على مبدأ الحوار بشكل عام؟ هل يتموضع في "الوسط" التي لطالما تمسّك بها، أم أنّ خياراته باتت مختلفة اليوم تحت قيادة تيمور وليد جنبلاط؟!
 
مع الحوار "بالمُطلَق"
 
يقول العارفون بأدبيّات "الحزب التقدمي الاشتراكي" إنّه بمعزل عن الأقاويل الكثيرة التي يتمّ تداولها بين الفينة والأخرى، فإنّ انتقال القيادة "الجنبلاطية" من الأب وليد إلى الابن تيمور لا تعني بأيّ شكل من الأشكال "الانقلاب على الثوابت"، وفي مقدّمها مبدأ الحوار، الذي لطالما آمن به "الحزب" بوصفه أفضل وسيلة لمقاربة الاستحقاقات، والوصول إلى الحدّ الأدنى من التفاهم، بعيدًا عن منطق التحدي والنكاية والمواجهة.
 
يتفهّم هؤلاء موقف المعارضة "المبدئي" بوجوب الاحتكام إلى صندوق الاقتراع إن جاز التعبير، أي إلى الآليات الدستورية التي يُنتخَب الرئيس بموجبها، لكنّهم يلفتون إلى أنّ واقع الحال ليس بهذه "المثالية"، بدليل جلسات الانتخاب التي كانت تعقد دوريًا، قبل أن تتحوّل إلى "مهزلة" في ضوء تلويح الفريقين بتعطيل النصاب، ما يجعل الانتخابات مفتوحة على المجهول، ولو عقدت جلسات مفتوحة ومتتالية، من دون أيّ حوار يقطع الطريق على التعطيل.
 
من هنا، يشدّد العارفون بأدبيّات "الاشتراكي" على أنّ الحوار ضروريّ في هذه الحالة، بغياب أيّ "بديل" عنه، لا تطرحه المعارضة أصلاً، ويلفتون إلى أنّ "التقاطع" معها في مرحلة ما على الخيارات الرئاسية، لا يعني "التصديق" على كلّ مواقفها، علمًا أنّ "الاشتراكيين" يبدون ممتعضين من فتح البلاد على "الفوضى"، لا برفض الحوار فحسب، ولكن بالوقوف في وجه محاولات ملء الفراغ، عبر التشريع والتعيين، ما يثير الكثير من الريبة برأيهم.
 
هل يتغيّر موقف "الاشتراكي"؟
 
هكذا، تُسمَع في أروقة "الاشتراكي" انتقادات واضحة، او ربما مبطنة، للمعارضة، فإذا كان التطبيع مع الفراغ مرفوضًا، فإنّ المطلوب برأي أوساط الحزب، مقاربة أكثر "واقعية" مع هذا الفراغ، بما يسمح بـ"تصريف أعمال الناس" بالحدّ الأدنى، في ضوء الأزمات المتفاقمة التي يرزح تحتها البلد، علمًا أن أحد الاستحقاقات الأساسية برأيها يكمن في تعيين رئيس للأركان، وهو استحقاق ما عاد بالإمكان تأجيله مع اقتراب انتهاء ولاية قائد الجيش.
 
لكن، هل يعني ذلك أنّ "الاشتراكي" يستعدّ للانقلاب على "تقاطعه" مع المعارضة، وربما الانتقال إلى "تقاطع" آخر مع مؤيدي الحوار، تمهيدًا لتبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية؟ ينفي "الاشتراكيون" أيّ توجّه من هذا القبيل حتى الآن، ويشدّدون على أنّ الموقف العام لا يزال على حاله، والتوجّهات لم تتغيّر، لكنّهم يشدّدون على أن كل شيء يبقى قابلاً للبحث والنقاش في الحوار، وهذا هو الهدف المنشود منه أصلاً.
 
برأي "الاشتراكي"، فإنّ الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للتوافق، ومثل هذا التوافق يجب أن يشمل أكبر شريحة من القوى السياسية، انطلاقًا من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم، إلا إذا كان البعض يفضّل الذهاب إلى "مواجهة" قد يعرف كيف تبدأ، لكنّ أحدًا لا يستطيع التكهّن بالشكل الذي ستتخذه "نهايتها"، علمًا أنّ الحوار المطلوب يجب أن يكون شاملاً، وبدون شروط مسبقة، سوى "الاتفاق على الاتفاق"، وهنا بيت القصيد.
 
يتمسّك "الاشتراكي" بموقعه "في الوسط" إذاً، تحت قيادة تيمور جنبلاط تمامًا كما كان في أيام رئاسة وليد جنبلاط للحزب. مع المعارضة، "يتقاطع" على الأسماء، مرحليًا ربما. لكنه "يفترق" عنها إلى الصميم في "الثوابت"، خصوصًا الحوار، حيث يجد نفسه أقرب إلى معسكر "حزب الله"، من دون أن يتبنّى مرشحه. وبين هذا وذاك، ثمّة من يسأل عمّا إذا كان "الاشتراكيون" قادرين على إحداث "الخرق"، واستعادة دور "بيضة القبان" الذي أتقنوه! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

المعارضة وأخواتها في التقاليد السياسية العربية

 

د. عبدالله الأشعل **

شاع بين العامة أن الذي لا يُنافق الحاكم مُعارض، وهذه المقالة هدفها شرح فكرة المعارضة وما التبس بها من مصطلحات.

أولًا: المعارضة

المعارضة عنصر أساسي في النظام الديمقراطي فلا توجد ديمقراطية بلا معارضة لسبب بسيط وهو أنَّ جميع المرشحين يراهنون على موافقة الناخبين عليهم في انتخابات حرة تديرها الحكومة وفقًا للقانون وفي بعض النظم الديمقراطية يتم تشكيل حكومة خاصة لإجراء الانتخابات تحوطًا في النزاهة. لن نقارن بين النظم الديمقراطية والنظم الأخرى حتى يستقيم المعنى، وحتى نقتصر في حديثنا على الجانب الأكاديمي، مفهوم على أنه يلتقي مع الملاحظة والدراسات التجريبية وليس كما يفهمه السطحيون من الناس فهم يفهمون الأكاديمي بمعنى النظري المنفصل عن الواقع وأن النظريات شيء والواقع شيء آخر. وهذا المفهوم السطحي ناجم عن الجهل بحقائق الموضوع الأكاديمي؛ فالذي فاز بالانتخابات يتولى تشكيل الحكومة والذي هُزم يتولى المعارضة، والمعارضة في هذه الحالة ليست انتقامًا من الذي فاز، وإنما فرصة لإظهار الذي فاز من خلال سلوكه العملي بأنه التزم أو لم يلتزم بمصالح الوطن، وليس هناك شخص في المعارضة أو في الحكم فوق القانون وإنما تشكل المجالس النيابية من مرشحين يعرف الناخبون عنهم كل شيء.

وفي مجتمع مفتوح تنساب فيه المعلومات ولا يحتكرها أحد وليس هناك سرية ودرجات السرية المبتكرة في أماكن أخرى ولا شك أن موقف المعارضة من الحكم فيه مسحة من الانتقام وتلك طبيعة بشرية، ولكن المعيار الذي يحكم به على الحكم والمعارضة في مجتمع مستنير هو مصالح الوطن والمصلحة العليا يقررها كل الشعب وكل الأجهزة ولا ينفرد بها أحد وليست حكرًا على أحد.

والمعارضة لها تقاليد، فإذا فازت في الانتخابات القادمة انتقلت السلطة بسهولة إليها وينظم القانون عملية التغيير وعملية انتقال السلطة ويفصل القضاء المستقل والذي يتمتع بالنزاهة والكفاءة في أي نزاع يتعلق بهذه المسألة ولا نريد حتى أن نضرب أمثلة تجنبًا للحساسيات وتركيزًا على النظرية العامة.

أما سيادة القانون؛ فهي مُطبَّقة بالفعل في النظم الديمقراطية ويراقب حسن تطبيقها القضاء ونلاحظ أن كل كلمة في القوانين أو في الدساتير الديمقراطية تعرف طريقها إلى التطبيق وليس هناك فرق بين النص والواقع.

وفي الأسبوع الأخير من نوفمبر 2024، رفعت منظمات حقوق الإنسان دعوى أمام المحكمة العليا في هولندا لإبطال القانون الذي أصدره البرلمان ويسمح للحكومة بتوريد السلاح لإسرائيل، ودفعت الحكومة بأنَّ هذا الأمر من أعمال السيادة، لكن المحكمة العليا الهولندية ردّت الحكومة وأفصحت عن تأكيد التطبيق السليم لنظرية أعمال السيادة في النظم الديمقراطية؛ فقالت المحكمة العليا الهولندية إنه عندما يُصدر البرلمان قانونًا بتوريد الأسلحة لإسرائيل وهي تقوم بأعمال الإبادة فإن البرلمان والحكومة يعتبران شريكًا في أعمال الإبادة، لكن المحكمة العليا الهولندية اقتصرت على إبطال القانون أصلًا؛ لأنه يؤدي في النهاية إلى مخالفة أحكام القانون الدولي الإنساني.

والحق أن هولندا التي تحتضن محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية في قصر السلام في لاهاي ومعهما أكاديمية القانون الدولي، حريصةٌ على التطبيق السليم للقانون الدولي، وقد تتاح الفرصة لنا في المستقبل لكي نقدم دراسة وافية عن موقف القضاء الهولندي المشرف انسجامًا مع القانون الدولي. وفي نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1899، شُيِّد قصر السلام خصيصًا لكي يجتمع فيه مؤتمر السلام الأول الذي أعقبه مؤتمر السلام الثاني 1907، وفي المؤتمر الأول تم إقرار أعراف وقوانين الحرب التي عرفت بلوائح لاهاي، وفي المؤتمر الثاني تم إنشاء المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي التي بدأت عملها عام 1909.

ولا يُمكن أن نتصور المعارضة إلّا في النظام الديمقراطي، وهي ليست منحة للمعارضين وإنما هي ركن أساسي من أركان الديمقراطية. والمعارضة لا توجد خارج النظام الديمقراطي؛ ولذلك ليس صحيحًا أن الذي لا يؤيد الحاكم خارج النظام الديمقراطي يُعد معارضًا؛ بل إن المعارضة التزام أساسي في الدستور الديمقراطي، وهكذا تطورت بنية النظام الديمقراطي الأوروبي عبر القرون.

 وإذا كان الملك الفرنسي قد قال في القرن الرابع عشر أن "الدولة هي أنا"، فإن ذلك القول سابق على نشأة فكرة الدولة في القرن السادس عشر، وكان لويس الرابع عشر في العصور الوسطى.

أما نشأة الدولة بعد "صُلح وستفاليا" فإنه يؤشر إلى بداية العصور الحديثة.

ثانيًا: المخالفة

ومعناها أن لا يؤيِّد المواطن السُلطة تأييدًا مطلقًا، وإنما يكون له رأي في سياسات الحكومة. وفي هذه الحالة، فإن المواطن جزء من الدولة والحكومة تقتصر مهمتها على إدارة هذه الدولة وأدائها عرضة للتقييم من جانب المواطنين؛ ولذلك فالذي لا يُؤيِّد الحكومة مخالفٌ، وليس معارضاً، أما المُنافق والمُنتفِع؛ فهو يصمت أو يُؤيِّد سياسات الحكومة تأييدًا مُطلقًا.

المخالف يجب أن يخالف سياسات الحكومة بطريقة سلمية وبطريقة مهذبة وعادة يعرف المخالف بأنه ليس من الجوقة التي تؤيد الحكومة تأييدًا مُطلقًا، مع ملاحظة أن هذا المخالف في النظم غير الديمقراطية لا يستطيع أن يُعبِّر عن رأيه بأي طريقة ولا تُفتح أمامه وسائل الإعلام وتتم مقاطعته؛ بل واضطهاده. وبهذه المناسبة يختلط مفهوم المُخالِف مع مفهوم المُعارِض، فليس هناك معارضة داخلية إلّا في النظم الديمقراطية، ولا يضطر المعارض للهجرة للخارج لكي يُعارض، كما لا توجد معارضة مسلحة، وهذا خطر شائع في الإعلام العربي. والخلط بين المخالف والمعارض هو كالخلط بين الحكومة والدولة، عن جهل أو عن عمد، ولكن أوضحنا الفرق بين المعارض القانوني والمعارض الوهمي كما في الاستخدام الشائع في العالم العربي.

أما المُعارِض المُسلَّح ليس له وجود؛ لأن المُعارَضة دائمًا سلمية وسياسية وداخلية؛ فليس هناك معارضة مُسلحة أو خارجية؛ لأن طرق التغيير السلمي وتداول السلطة مكفولة في الدستور الديمقراطي.

ثالثًا: المناهضة أو التربص بالسلطة

وفي هذه الحالة يكون أحد أطراف الصراع فائزًا بالسُلطة ويعتقد الطرف الآخر أنه أحق منه بها، وفي العادة هذه الحالة نجدها في البيئات المتخلفة والصراع فيها مفتوح؛ فالأقوى ينتزع السلطة من الأضعف ويكون المناهض فهمه للسلطة ضيقًا؛ إذ يعتبر السلطة كسبًا خاصًا له وليست متداولة وفق الدستور والقانون.

ويترتب على ذلك أن المُناهِض ليس معارضًا ولا مخالفًا لأنه يريد السلطة لينتزعها ممن يتولى السلطة بأي طريق ويكون دافعه هو الانتقام، وكلا الطرفين يعتقدان أن الحصول على السلطة هو لصالح الوطن، ولذلك فإن الذي انتزع السلطة يظل دائمًا هدفًا للمناهض؛ فيتربص به ويصطاد أخطاءه ويخرج في هذه الحالة عن الموضوعية في ترصد الممسك بالسلطة.

رابعًا: المقاومة

وهذه في حالة المُحتَل للبلاد، ولا يُمكن تصوُّر المقاومة لحكومة قائمة في داخل البلاد، مهما كان انحرافها؛ فالمقاومة دائمًا متصورة للعدو؛ ولذلك في فلسطين المحتلة نُفرِّق بين المخالَفة للسلطة الفلسطينية والمقاوَمة للاحتلال الإسرائيلي. والمشكلة في فلسطين أن السلطة الفلسطينية تعتبر المقاومة للاحتلال إخلالًا بالأمن، ولذلك تشتبك معها في جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية تحت ستار التنسيق الأمني بين السُلطة وإسرائيل ضد المقاومة، وهذا أمر مُستهجَن كثيرًا ولن يغفره التاريخ للسُلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي الختام، نرجو أن نكون قد وضعنا النقاط على الحروف بالنسبة للمعارضة وأخواتها الثلاثة.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • المعارضة وأخواتها في التقاليد السياسية العربية
  • لجان المقاومة بتنسيقية «تقدم»: تشكيل حكومة في ظل الحرب يعمّق الانقسام ويطيل أمد الأزمة
  • الاجتماع السنوي لشبيبة الحزب الشعبي الأوروبي يؤكد من الرباط على مركزية الشباب كفاعل أساسي في التنمية الشاملة
  • الرباط تحتضن الإجتماع السنوي لشبيبة الحزب الشعبي الأوروبي لأول مرة خارج أوروبا.. السعدي: مكسب دبلوماسي
  • هل تنجح المعارضة في تفجير الخلاف بين الثنائي والعهد؟
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • المشري يهاجم الدبيبة: يستقبل منتحلي الصفة ويتجاهل أحكام القضاء
  • القوى المعارضة لـحزب الله… إضعافه هدف كاف!
  • لغز وجهي المريخ المتناقضين.. هل كشف العلماء السبب؟
  • الإدارة السورية: حل حزب البعث العربي الاشتراكي