خولة علي (أبوظبي)
مع تطور العلم وتوسع آفاق الإنسان إلى ما وراء كوكب الأرض، أصبح الفضاء محطة جديدة للتجارب العلمية واستكشاف المجهول، وبينما يخطو الإنسان نحو هذه العوالم الجديدة، تظل تعاليم الدين الإسلامي حاضرة وموجهة لحياة رواد الفضاء المسلمين، ومن بين العبادات التي تثير تساؤلات في الفضاء، يأتي الصيام، الذي يتطلب الالتزام بمواقيت محددة وظروف معينة، ومدى قدرة رائد الفضاء على قضاء صيامه بطريقة صحية وآمنة.
توقيت الصيام
مع التقدم العلمي واستكشاف الإنسان للفضاء، برزت تساؤلات مهمة حول كيفية أداء العبادات الإسلامية ومنها الصيام في بيئة تختلف كلياً عن الأرض، حيث يقول تميم التميمي، عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك «على متن محطة الفضاء الدولية، يشاهد الرواد شروق الشمس وغروبها 16 مرة يومياً، مما يجعل من الصعب الاعتماد على ذلك لتحديد مواقيت الصيام، لذلك، يتم اعتماد توقيت مكة المكرمة باعتبارها مهبط الوحي ومرجعاً للمسلمين، كما يمكن اختيار توقيت بلد الانطلاق إذا دعت الحاجة لذلك».
ويوضح التميمي أن الجهد المبذول في الفضاء وظروف انعدام الجاذبية قد يؤثران على قدرة رائد الفضاء على الصيام، حيث يحق للمسلم الإفطار في حال وجود مشقة كبيرة أو خطر صحي، استناداً إلى القاعدة الشرعية التي ترفع الحرج وتقدم حفظ النفس، أما في حال كانت المهمة الفضائية تتطلب بذل طاقة عالية، فيتم الرجوع إلى أهل الفتوى لتحديد الحكم المناسب.
انعدام الجاذبية
أما عن تناول الطعام، فيذكر التميمي «يتم الإفطار والسحور باستخدام أدوات خاصة تمنع تناثر الطعام والسوائل في بيئة انعدام الجاذبية، وذلك من خلال تنظيم الوجبات بناءً على توقيت الإمساك والإفطار وفق المرجعية الزمنية المختارة»، وقد أصدرت المجامع الفقهية، فتاوى توضح كيفية أداء العبادات في الفضاء، مثل اتباع توقيت مكة المكرمة للصيام والصلاة، مما يعكس مرونة الشريعة الإسلامية في التعامل مع المتغيرات والظروف الخاصة.
ويرى عمران الشامسي، متخصص في علوم الفضاء والفلك، أن الصيام في الفضاء يتطلب تنظيماً دقيقاً لوقت الطعام والراحة البدنية، إذ إن البيئة الفضائية مختلفة تماماً عن الأرض، فلا يمكن الاعتماد على شروق وغروب الشمس كما يحدث على الأرض، وذلك بسبب سرعة دوران رواد الفضاء حول الأرض، لذا، يعتمد غالبية رواد الفضاء على التوقيت الأرضي لتحديد أوقات الصيام والإفطار، مثل توقيت مكة المكرمة، وهذا التنظيم يضمن التزامهم بالصيام خلال الرحلات الفضائية، رغم التحديات التي يواجهونها.
فسيولوجي وصحي
وعن التأثيرات الفسيولوجية للصيام في بيئة الفضاء، يشير الشامسي إلى أن الجاذبية الصغرى تؤثر على توزيع السوائل في الجسم، مما قد يتسبب في تغييرات في ضغط الدم والتمثيل الغذائي، كما أن عالم الفضاء قد يتسبب في انخفاض كثافة العظام وضعف العضلات، وهذا يستدعي ضرورة مراقبة تأثير الصيام على صحة رواد الفضاء بشكل دقيق، كما أن بيئة الفضاء قد تؤثر على الشهية، مما يزيد من صعوبة الحصول على الكميات الكافية من الغذاء أثناء الصيام، إلى جانب حدوث بعض الأضرار على الصحة مثل الجفاف نتيجة فقدان السوائل بسبب الجاذبية الصغرى، أيضاً، قد يؤثر الصيام على معدل الأيض، ما يستوجب تنظيماً دقيقاً لأوقات تناول الطعام والشراب، كما يمكن أن يسبب الصيام إجهاداً بدنياً وعقلياً، مما يؤثر على قدرة رواد الفضاء على أداء مهامهم بدقة وفعالية.
احتياجات إضافية
ويؤكد الشامسي أنه على الرغم من قلة الدراسات حول الصيام في الفضاء، فإن تأثير الصيام على الأداء البدني والعقلي قد يكون مشابهاً لتأثيره على الأرض، فالصيام قد يحسّن التركيز العقلي بفضل تنظيم مستويات السكر في الدم، لكنه في الوقت نفسه قد يسبب الإجهاد البدني والعقلي، ما يؤدي إلى ضعف الأداء في بعض الحالات، لافتاً إلى أن الجسم يحتاج إلى طاقة أقل في الفضاء مقارنة بالأرض بسبب قلة النشاط البدني والجاذبية الصغرى، وعلى الرغم من ذلك، قد تحتاج البيئة الفضائية إلى تغطية احتياجات إضافية من المغذيات مثل مضادات الأكسدة بسبب الإشعاعات الفضائية، مما يتطلب تنظيماً دقيقاً للسعرات الحرارية.
تجربة رائد فضاء
يشير عمران الشامسي إلى تجربة رائد الفضاء الماليزي شيخ مظفر شكور، الذي صام في الفضاء خلال وجوده في محطة الفضاء الدولية عام 2007، وقد تمت استشارة العلماء المسلمين لإعداد إرشادات تتعلق بكيفية الصيام والصلاة في الفضاء، مع الالتزام بتوقيت مكة المكرمة، ورغم التحديات التي واجهها شيخ مظفر بسبب ضيق الوقت والجاذبية الصغرى، فقد تمكن من أداء الصيام بنجاح.
وجبات مجففة
للحفاظ على صحة رواد الفضاء وقت الصيام، يوضح عمران الشامسي، متخصص في علوم الفضاء والفلك، قائلاً: «تتمثل بعض الحلول المقدمة في توفير العناصر الغذائية اللازمة لرواد الفضاء في تصميم الوجبات المجففة والمحفوظة، التي تحتوي على جميع العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم، مثل الكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات، ومن الضروري أن تكون هذه الوجبات سهلة التحضير ومناسبة لبيئة الجاذبية الصغرى، كما يجب التركيز على توفير السوائل الكافية لتعويض الجفاف المحتمل».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: محطة الفضاء الدولية محطة الفضاء الصيام صيام رمضان الفضاء إفطار الصائم الإفطار الرمضاني الإفطار في رمضان رمضان شهر رمضان الجاذبیة الصغرى رواد الفضاء الفضاء على الصیام فی فی الفضاء
إقرأ أيضاً:
إعلان دول الساحل تأييد المبادرة الملكية الأطلسية.. ضربة معلم في توقيت دبلوماسي مدروس
زنقة 20 | الرباط
في إطار المبادرة الدولية التي أطلقها سنة 2023 لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ستقبل محمد السادس أول أمس بالرباط وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي الدول الثلاث المتحدة في تحالف دول الساحل.
خلال هذا اللقاء، قدم وزراء الخارجية الثلاثة المالي عبد الله ديوب، والنيجيري باكاري ياوو سانغاري، والبوركيني كاراموكو جان ماري تراوري، للملك محمد السادس تقريرا حول العملية المؤسساتية لاتحاد الساحل، الذي تم إنشاؤه في سبتمبر 2023 بهدف تعزيز ديناميكية جديدة للتعاون تكون أكثر مساواة وأقل اعتمادا على الشركاء الغربيين التاريخيين، وفي مقدمتهم فرنسا، في مواجهة التحديات المشتركة مثل الأمن والتنمية والاستقلال الطاقي.
وأعرب المسؤولين الأفارقة الثلاثة عن تقديرهم للملك محمد السادس على التزامه بدعم التنمية الإقليمية والمبادرات الرامية إلى تعزيز اقتصاد الساحل، مؤكدين التزامهم المشترك بدعم “المبادرة الأطلسية” للملك محمد السادس وهو مشروع يهدف إلى تسهيل الوصول إلى المحيط الأطلسي بالنسبة لدول الساحل الحبيسة، بما في ذلك تشاد، فضلا عن تعزيز التنمية الساحلية وتحسين التبادل التجاري بين هذه الدول.
وأكد هؤلاء التزامهم بالعمل بشكل منسق مع المغرب لتسريع تنفيذ المبادرة بروح الشراكة الاستراتيجية وتعزيز التكامل الإقليمي.
تم تقديم المبادرة الأطلسية لأول مرة من قبل الملك محمد السادس في ديسمبر 2023 ، و خلال اجتماع في مراكش، جمع وزراء الخارجية الثلاثة الأعضاء ونظيرهم من تشاد استعرض وزير الخارجية ناصر بوريطة المشروع وزود الدول الأربع بمعلومات حول البنية التحتية التي يتوفر عليها المغرب من طرق وموانئ (طنجة المتوسط، الداخلة الأطلسي) والسكك الحديدية، بهدف تسهيل وصولها إلى الأطلسي وتعزيز التنمية المتكاملة للمنطقة.
وأعربت الدول المشاركة عن دعمها لإنشاء “فرق عمل” مناسبة لتنفيذ المبادرة، حيث تحدد كل منها أولوياتها الخاصة، و بالتالي فإن اللقاء الذي عقد أمس الثلاثاء ، هو الثاني الذي يعقده المغرب حول هذا الموضوع، في إطار التقارب التدريجي مع دول الساحل و تعزيز نفوذ المملكة في المنطقة والحد من نفوذ الجزائر.
و اشارت تقارير الى أن النفوذ المغربي بدأ يتوسع شيئا فشيئا ، وهو ما ظهر حينما قاد المغرب مهمة إطلاق سراح أربعة ضباط استخبارات فرنسيين في ديسمبر الماضي، كانوا محتجزين منذ أكثر من عام في بوركينا فاسو، حيث اتهمهم الجيش الحاكم بالتجسس.
تحليلات ترى أن التقارب المغربي مع دول الساحل ، يستفيد من الأزمة المستمرة بين مالي والجزائر، والتي اندلعت في 24 أبريل الماضي، بعد أن أسقط الجيش الجزائري طائرة استطلاع مالية بدون طيار.
و قبل ذلك انهيار اتفاق الجزائر للسلام في يناير 2015، بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق بوساطة جزائرية.
و تتهم باماكو الجزائر باستضافة جماعات إرهابية مسلحة على أراضيها، وحتى في حالة حادثة الطائرة بدون طيار، حظي موقفها بدعم من أعضاء آخرين في تحالف دول الساحل – النيجر وبوركينا فاسو – الذين استدعوا سفراءهم من الجزائر. وأدت الأزمة أيضًا إلى إغلاق المجال الجوي بينهم.