غزة- "كان نفسي أنام ليلة شبعان"، بهذه الكلمات يختصر محمد فلنة ظروف الحياة البائسة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وزادت قساوة بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فلنة (60 عاما) من سكان رام الله بالضفة الغربية، وهو أحد الأسرى المبعدين للقطاع، وتحرر في إطار صفقات التبادل مع المقاومة الفلسطينية ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، التي انتهت منتصف الليلة الماضية.

دخل السجن شابا يافعا وحكم عليه الاحتلال بالمؤبد، ليخرج منه وقد اشتعل رأسه شيبا، ويقول للجزيرة نت إن "كل سنوات السجن من معاناة وألم وفراق عن الأهل والأحبة، أقل بكثير مما عايشناه خلال شهور الحرب على غزة بما فيها شهر رمضان الماضي".

فلنة أكد أن رمضان الماضي كان الأصعب طوال 34 عاما قضاها بسجون الاحتلال (الجزيرة) تجويع الأسرى

كانت الـ 15 شهرا من الحرب على غزة "قطعة من جهنم"، بحسب وصف فلنة، "وجاء شهر رمضان ولم تأت معه الرحمة، فهذا العدو المجرم لا يعرف الرحمة، وضاعف من تعذيبنا، حتى أنني كنت أتمنى أنام ولو لمرة واحدة شبعانا طوال شهور الحرب".

خلال سنوات سجنه الطويلة، قضى فلنة 34 رمضانا متنقلا بين سجون مختلفة، لا يتذكر أنه عانى خلالها مثلما عانى ورفاقه الأسرى خلال شهر رمضان الماضي، الذي جاء في خضم العدوان المروع على غزة، ويقول "إننا كأسرى لم نسلم من هذه الحرب، وذقنا ويلات من التعذيب الجسدي والنفسي".

ولم تعد السجون ما قبل 7 أكتوبر كما بعده، فكل شيء اختلف، و"الاحتلال كان يعاملنا وكأننا من نفذنا عملية طوفان الأقصى"، بحسب المحرر فلنة.

إعلان

وعلى مدار سنوات اعتقاله، شارك في فعاليات احتجاجية وإضرابات انتزع بفضلها الأسرى "جزءا من حقوقهم الإنسانية"، ويقول إن "كل هذه الحقوق تبخرت بعد حرب غزة، وصادرت قوات الاحتلال كل شيء، حتى الأغطية والملابس وملاعق الطعام، وكثير من الأسرى كانوا ينامون على الأرض بلا فرشة".

ويتابع "في شهور رمضان قبل اندلاع الحرب كانت لنا كأسرى طقوس، نخرج للفورة (ساحة السجن) من الصباح وحتى قبيل موعد أذان المغرب، ومن بعد العصر تبدأ كل مجموعة في إعداد طعام الإفطار من سلع وخضار توفرها مصلحة السجون في الكانتينا (مقصف السجن)، ونشتريها من أموالنا بأسعار مضاعفة ولكنها كانت متوفرة".

ومع مغيب الشمس، يضيف فلنة "ندخل الغرف، وكل واحدة بها 6 أسرى، ونحضر مائدة الإفطار، ونصلي التراويح ونقرأ القرآن". وبعد لحظة صمت عابرة وتنهيدة، يضيف "كان هذا كله قبل أن يمنعونا من كل ذلك وحتى المصاحف سحبوها من الغرف".

عميد أسرى غزة ضياء الآغا: إن رمضان الماضي خلال الحرب كان الأقسى داخل سجون الاحتلال (الجزيرة) رمضان الحرب

بعد الحرب على غزة انقلبت حياة الأسرى الاعتقالية رأسا على عقب، وفق فلنة، وأطلقت دولة الاحتلال العنان لمصلحة السجون لتعذيبهم بصنوف غير مسبوقة. وبينما الواقع على هذه الحال، حل عليهم شهر رمضان المبارك من العام الماضي، وفيه ضاعف الاحتلال من معاملته الوحشية، إلى جانب الاقتحام، وكان يتعمد تأخير الطعام لساعتين وأكثر بعد موعد الإفطار.

ماذا كان إفطاركم داخل السجون؟ سألته الجزيرة نت، فأجاب بكثير من الحزن والغضب "لم يكن إفطارا، كان أي شيء إلا أكلا يصلح للإنسان. قليل جدا من الطعام السيئ وكان السجانون يتعمدون أن يقدم لنا غير مطبوخ جيدا".

ومثلما خسر فلنة نحو 30 كيلوغراما من وزنه خلال شهور الحرب على غزة، يؤكد الأسير المحرر ضياء الآغا الملقب بـ "عميد أسرى غزة" وقضى نحو 33 عاما في الأسر، أن كل أسير داخل سجون الاحتلال في فترة الحرب خسر ما بين 30 إلى 50 كيلوغراما من الوزن، بسبب ما وصفها بـ "سياسة التجويع" التي تمارسها مصلحة السجون، حيث الطعام قليل وردئ.

إعلان

ويتفق الآغا، الذي تحرر من سجنه في الدفعة الأخيرة قبل نحو أسبوع، مع فلنة في وصف رمضان من العام الماضي بأنه "الأصعب"، ويقول للجزيرة نت "الاحتلال مارس ضدنا فنونا من التعذيب سواء باقتحام الغرف والاعتداء علينا بالضرب المبرح، أو بالحرمان من الطعام والشراب وحتى الاستحمام".

وفي ليلة عيد الفطر الماضي، يقول فلنة إن "قوات القمع اقتحمت غرفتنا، وقيدت أيادينا من الخلف، واعتدى الجنود علينا بالضرب وهم يصرخون ويتضاحكون ويستهزئون بنا، هذا هو احتفال العيد.. كل عام وأنتم بخير".

الردايدة: إن أكثر ما يؤلم خلال رمضان داخل سجون الاحتلال هو الشوق للعائلة (الجزيرة) ذكريات رمضانية

من جانبه، يقول الأسير المحرر المبعد إلى غزة إسماعيل الردايدة للجزيرة نت "نحن لا نفقد الأمل وسط ظلام الزنزانة، الأسير الفلسطيني يعيش على أمل الحرية ليستطيع مجابهة جبروت السجن والسجان، ونعلم أننا إذا استسلمنا لليأس فإننا نحقق للعدو غايته ونتحول إلى بقايا بشر داخل مقابر، ومجرد أشباح بلا روح".

يبتسم الردايدة، وهو يتذكر أنه كان ينام إلى جوار جدار الغرفة في سجن رامون ويطيل النظر بها ويتخيلها، صحنا من الدوالي (ورق العنب محشو بالأرز)، الذي كان المفضل بالنسبة له، خاصة في شهر رمضان، وخصيصا تعده له والدته التي وافتها المنية بعد اعتقاله ولم يحظ بفرصة إلقاء نظرة الوداع عليها.

أكثر ما كان يشتاق إليه الردايدة في سجنه خلال شهر رمضان هي "لمة الأهل والعيلة". وعلى مدار ربع قرن قضاها محكوما بالسجن المؤبد، يقول "كانت شهور رمضان الأشد قسوة من بين شهور العام، ففي رمضان تستعيد ذكريات الطفولة والشباب، ومائدة الإفطار مع الأهل، والسهرات بعد صلاة التراويح".

ويضيف "مع مرور الزمن تأقلمنا على أجواء رمضان داخل السجون، غير أن رمضان الماضي كان قاسيا، نصوم ساعات طويلة ونفطر ولا نشبع بسبب سياسة التجويع، والغرف مظلمة طوال الوقت، وتعمدت قوات الاحتلال مضاعفة أعداد الأسرى داخلها من 6 إلى 12، وربما أكثر، وسحبت المصاحف والفرش والأغطية وأدوات الطعام البسيطة".

إعلان

من ناحيته، يقول مدير دائرة التوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة -للجزيرة نت- إن إدارة سجون الاحتلال "لا تحترم قدسية شهر رمضان ولا تراعي طقوسه الدينية، ولا تتيح للأسرى حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، بل تعرقل ذلك عمدا وتفرض قيودا على قراءة القرآن جهرا والصلاة الجماعية.

ويعاني الأسرى الأمرين في شهر رمضان، ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل، وسندان ظروف الاحتجاز الصعبة وما يتعرضون له من تعذيب قاسٍ واعتداءات وضرب وتنكيل، إضافة إلى سوء الطعام وقلته، كما ونوعا، وتردي الأوضاع الصحية مع استمرار سياسة الحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد، يضيف فروانة.

ووفقا له فقد "اشتد كل هذا وأكثر بعد 7 أكتوبر، ما جعل حياة المعتقلين جحيما"، ويرجح أن رمضان هذا العام، سيكون مختلفا من حيث اشتداد الظروف قساوة وفظاعة المعاملة، مع استمرار التحريض الإسرائيلي الرسمي على الأسرى؛ في ظل انقطاع زيارات الأهل والقيود المفروضة على زيارات المحامين وعدم السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون ورفض الاحتلال تزويده بأعداد معتقلي غزة وأسمائهم، ما جعل الآلاف منهم خلال الحرب في عداد المختفين قسرا.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات داخل سجون الاحتلال الحرب على غزة رمضان الماضی للجزیرة نت شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

عائلات الأسرى الإسرائيليين: الوقت ينفد وأبنائنا مهددون بالبقاء في غزة للأبد

دعت عائلات الأسرى الإسرائيليين لدي حركة حماس في قطاع غزة إلى تحرك عاجل من قبل المستوطنيين الإسرائيليين وقادة الاحتجاجات، لضمان إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين من غزة. 

وأكدت العائلات في بيانها أن الوقت لم يعد في صالح الأسرى الإسرائيليين، وأن إبعاد قضيتهم عن أجندة حكومة بنيامين نتنياهو سيؤدي إلى إبقائهم في قبضة التنظيمات المسلحة في غزة إلى الأبد.

كما أضافت العائلات أن حياة أبنائهم مرهونة بجهود حكومة حكومة نتنياهو لإعادتهم، مع التأكيد على أن قضية الأسرى يجب أن تظل أولوية لا يجوز تجاهلها.

 ولفتت إلى أنه في ظل الظروف الحالية، يجب أن الإسرائيليين موحدين لتحقيق هدف واحد، وهو إعادة 59 أسير، حتى لو كان الثمن هو إنهاء العدوان على قطاع غزة.

وأكدت العائلات أن أي تأخير أو تهاون في هذا الملف سيكون له عواقب وخيمة على حياة الأسرى، داعية الجميع للعمل بشكل عاجل لضمان عودتهم إلى أحضان أسرهم في أقرب وقت ممكن.

وأفادت وسائل إعلام فلسطينية اليوم السبت بأن حصيلة الشهداء في غزة ارتفعت إلى 50,669، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن مصادر طبية قولها إن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 115,225، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأشارت إلى أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة 60 شهيدا و162 إصابة خلال الساعات الـ 24 الماضية، فيما أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار 1,309 شهداء، و3,184 إصابة.

وكشفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، اليوم السبت أن نحو 1.9 مليون فلسطيني بينهم عشرات آلاف الأطفال نزحوا قسرياً بشكل متكرر منذ بدء حرب الإبادة في غزة بأكتوبر 2023.

وأضافت وكالة الأونروا في تصريح صحفي أن انهيار وقف إطلاق النار في غزة تسبب في موجة نزوح أخرى، شملت أكثر من 142 ألف شخص بين 18 و23 مارس، بحسب ما أوردته وكالة الصحافة الفلسطينية.

واستأنفت جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ 18 مارس الجاري، حرب الإبادة على غزة، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير 2025، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • في ختام الجولة 26 من دوري” روشن”.. الشباب يتغلب على الوحدة.. والخليج يعمق جراح الرائد
  • أهالي الأسرى الإسرائيليين بغزة لترامب: نتنياهو يكذب عليك
  • غضب في إسرائيل.. دعوات لوقف الحرب ولابيد يطالب باستقالة نتنياهو
  • خبير: أمريكا تعيق عمل المؤسسات الدولية وتكيل بمكيالين
  • قائد عسكري إسرائيلي: الضغط العسكري لم ولن ينجح في إعادة الأسرى من غزة
  • الآلاف يتظاهرون ضد نتنياهو في “تل أبيب” / شاهد
  • في يوم الطفل الفلسطيني.. الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أكثر من 350 طفلًا
  • مؤسسات الأسرى: 350 طفلا فلسطينيا في المعتقلات الصهيونية
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين لترامب: نتنياهو يكذب عليك
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: الوقت ينفد وأبنائنا مهددون بالبقاء في غزة للأبد