سقفٌ من ريح.. قصائد عن مصائر الصداقات والبشر
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
القدس "العُمانية": تُوسّع الشاعرة نسرين مصطفى في مجموعتها "سقفٌ من ريح" زاوية التقاطها لتضيء مناطق في الوعي والتجربة تتسم بالعمق والشمول.تغطّي نصوص المجموعة الصادرة عن دار راية للنشر والترجمة، مواضيع برؤية جديدة تعيد فيها الشاعرة مَوْضَعةَ ذاتها في خضمّ تحديات الحياة ومعيقاتها؛ بدءًا من التأمّل في مصائر الصداقات والبشر، مرورًا بقصائد الحبّ، وصولًا إلى "نصوص البيت" بنبرتها الخافتة وإضاءتها على تفاصيل اليومي، حتى تبدو القصائد محطاتِ إشراق في رحلة اكتشاف مزدوجة؛ سفر نحو الداخل، القصيّ، واكتشاف للعالم في آنٍ معًا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إن أعادوا لنا الأماكن .. من يعيد لنا تلك الدرر الثمينة ؟؟
إن أعادوا لنا الأماكن ..
من يعيد لنا تلك الدرر الثمينة ؟؟
في تلك الغرفة كان يمضي الوالد “يوسف حمد” عليه رحمة الله ورضوانه الساعات الطوال ومن حوله صناديق الكاسيت المتنوعة وأوراق متناثرة.. واقلام الباركر والتروبين وأحبار ال كوينك “Quink” فيها الكحلي والاسود والاحمر ..ومجموعة من مسجلات الكاسيت المتميزة من شركات سوني واكاي وناشونال .. بجانب اجود الأنواع من مسجلات الاشرطة المدورة “reel tapes” ماركة جروندينق وفيلبس ..
يستمتع بنسخ الاشرطة و تصنيفها ..
ويكتب علي أغلفتها بخط جميل يشبه كتابة وخطوط ذاك الجيل الخطاط ..
تجد عنده مجموعة المدايح النبوية تتصدرها أصوات ود كريته وأولاد جاه الرسول في مدحة السفينة للشريف يوسف الهندي ..وهناك حاج الماحي وصالح الأمين من منطقة الجعليين ومدحته الشهيرة شوقك شواني .. وعلي الشاعر والأمين قرشي وبشير الحضري يمدحون قصايد احمد ود سعد ..تسجيلات نقية عليها مؤثرات صوتيه وواضحة الكلمات ..توضع في صناديق كرتونيه تصنف حسب انواع المديح وازمانه من بداية الخمسينات حتي زمن الجيلي الشيخ واولاد البيت والاصائل ومدائح البرعي ..وبين النوادر عنده تجد تسجيلات مديح وإنشاد لعبدالعزيز ابوداؤود وصلاح بن البادية.. والكابلي يتجلي في ليلة المولد لمحمد المهدي المجذوب ..
وأعنـِّي يا إلهي بمثابِ أكبرِ
فزماني ولِعُ بالمنكرِ
أيكون الخيرُ في الشرِ إنطوي
والقوي خرجت من ذرةِ
هي حبلي بالعدم
أتـُراها تكفلُ الحربَ
وتنجو بالسـَّـلـَم
وتستمر المدحة الروعة حتي تصل ذروتها في الوصف ويبدع الكابلي في الأداء..
وهنا حلقةُ شيخِ يرجحِـنُّ
يضرب النوبة ضرباً
فتئـنُّ وتـرنُّ
ثم ترفضُّ هديـراً أو تـُجـَنُّ
وحواليـها طبولُ
صارخاتِ في الغـُبارِ
حولها الحلقة
ماجت في مـدارِ
تجده جالسا مستمتعا غارقا في المعاني واللحن والأداء مردداً معهم “فتئنٌُ .. وترنٌُ” ..
هؤلاء التتر لم يستمعوا من قبل لمثل هذا الكلم واللحن العذب الشجي بل دُمغت آذانهم بشحنة من الغل والحقد والكره لما كل هو جميل بدعاوي مزيفة عن التهميش ودولة ٥٦ ..
كان عاشقا لشعراء الحقيبة ومتابعا لعطائهم يسمع الاغنية باداء اكثر من مغني ..ينقل كلماتها في كراسة يحتفظ بها ..أكاد أجزم بأن كل اغاني حقيبة الفن كانت ممهورة بخط يده في تلك الكراسة ..لا يكتفي بذلك بل يقرض بعض القصيد مجاراة لبعضها .. وتغني له أكثر من مطرب..
تجد تسجيلات اغاني فيها اولاد بري ومعهم صديقه إبن العيلفون الجاغريو ..حكي لي ذات مرة بأنه كانت هنالك حفلة زواج في بري الدرايسة فرقصت حسناء بينهن فنالت إعجاب الجاغريو وسأل عن اسمها في أثناء الغناء فقيل ليه اسمها الجودلية فما كان والا ارتجل بيتا في الاغنية..
إسمك قرن بالجود ..
و بي النظرة جودي ليٌَ ..
لديه تشكيلة من أشرطة لخلف الله حمد وبادي محمد الطيب وحسون الله جابو من بري اللاماب وعوض شمبات وميرغني المامون واحمد حسن جمعة وعوض الكريم عبدالله ..معظمها تتميز بالنقاء والجودة ..أما عبدالله البعيو كان يقيم معسكرا مع فرقته بمزرعتنا بسوبا لتجويد الاغاني والتمرن علي الاغاني الجديدة وتلك موثقة في أشرطة ..
كان يمكنك متابعة مراحل الاغنية الحديثة وتطورها في التسجيلات النادرة لمجموعة من الفنانين اولهم صديقه عبدالحميد يوسف.. فأغنيه غضبك جميل زي بسمتك كانت اغنيته المفضلة ..مازارنا مطرب والا طلب منه ترديدها فلديه تسجيل لها من عاصم البنا وفرفور ومصطفي السني وحسن محجوب واخرين ..يتغنون ويردد معهم واصفا الكلمات بيديه:
على كل حال شكلك بديع
غضبك جميل زي بسمتك
حكم الغرام بي تذللي
وحكم الغرام بي تذللك
الابتسام والإنسجام والحسن لك
والإشتياق والإحتراق والوجد لي
عجبا تكون قاسي ووديع
علي كل حال شكلك بديع
وغضبك جميل زي بسمتك
ذلك كان غضب الحبيب وعلي كُلٍ شكله بديع و وديع..
ولكن انظر الي الغضب الذي زرعه في نفوسنا هؤلاء الاوباش قساة القلب منزوعي الرحمة الذين يرددون كالببغاوات جملة دولة الديمقراطية..
بربكم اي ديمقراطية تنشدون ؟؟
وانتم سارقين و قتلة ومغتصبين ومخربين ومتوحشين امام العزل الأبرياء ومعردين وهاربين وجبناء وخالعي ملابسكم في مواجهة المسلحين ..
تلك الغرفة المحروقة كانت تحتوي كل تلك الدرر والذكريات ..
تسجيلات صديقه إبراهيم الكاشف الذي صمم ونفذ غرفة نوم زواج عمي الأمين حمد التي كانت قابعة بمنزل الأسرة ببري اللاماب حتي يوم هجوم المغول الجنجويد ..بينها رحلة بين طيات السحاب ..والحب والريد في لمسة ايد وانت عارف انا بحبك وبحلف بك ولا ماك عارف..وحجبوه من عيني الا من قلبي ما حجبوه وأغنية اسمر جميل عاجبني لونه تجدها بصوت الكاشف وتارة بصوت السورية زينة افتيموس ..
اما الكابلي وزيدان ابراهيم..ومني الخير وزوجها الطيب سمسم ..وقريبنا محمد وردي وصديقنا محمد الامين فتلك حكايا يمتد الحديث عنها ..تسجيلات بالعود واخري بمصاحبة الفرقة الموسيقية..
وكذلك تجد بدايات كثير من المطربين منهم علي سبيل المثال لا الحصر..
عبدالمنعم الخالدي..الطيب مدثر .. عثمان الاطرش ..حسين شندي..سيف الجامعة .. صلاح كوستي ..علي السقيد..عمر احساس..عبداللطيف عبد الغني وردي الصغير ..خالد محجوب .. جمال فرفور ..طه سليمان ..محمود عبدالعزيز ..وآخرين..
كلهم لديهم معه تسجيلات في بداياتهم واصواتهم نضرة ..
قولوا لي بربكم كيف لنا استعادة هذا التراث الذي كتبت لكم جزء يسير وطفيف منه ..
لقد احرقوه ولم يرتجف لهم جفن ..تحول الي رماد وسكن اسود بين طياته زفرات حري من أنفسنا وارواحنا..
بعدما فعلته أياديكم القذرة بشعبنا وتراثنا ..
تاه الله ..
لو نقاتلكم بأضافرنا لن نسمح لكم بالوجود بيننا ..
حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم ..
Ahmed Yousif