لجريدة عمان:
2025-03-03@20:41:46 GMT

هل ستحبني إن تحولتُ لحشرة؟

تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT

قد يكون العنوان أعلاه سؤالاً طريفاً من أحد أفلام الروم-كوم الأمريكية، ولكن فرانز كافكا في روايته "التحول" التي ما زالت تلامس الكثيرين بعد ما يقارب الـ 100 عام من وفاته يناقش هذه الفكرة وغيرها من الأفكار المقلقة والملحّة التي تراودنا جميعاً في حياتنا اليومية. في أول مرة قرأت هذه الرواية أنهيتها وسط استغراب وصدمة أحداثها التي انتهت بسرعة وبقوة، وأدهشني طرح كافكا الفريد والجريء في مواجهة المشاعر الإنسانية العارية.

ظلت أحداث الرواية تتردد في ذهني لعدة سنوات ولطالما استحضرتها في مواقف حياتية مختلفة، حيث أصبحت تلامسني رغم اختلاف الموقف، وزاويتي من الحدث.

تبدأ الرواية باستيقاظ جريجور سامسا مندوب المبيعات المتجول يوماً ما ليجد نفسه قد تحوّل إلى حشرة عملاقة، ولكنه لا ينصدم بل يقلق بشأن وصوله إلى العمل في الوقت المناسب خوفاً من طرده من العمل وخذلانه لعائلته التي تعتمد عليه لإعالتها، ووسط استغراب عائلته وخوفهم، يحاول جريجور التأقلم مع كونه حشرة وفقدانه للقدرة على الكلام وبالتالي طمئنة عائلته ورب عمله.

تناقش الرواية بعداً مجتمعياً حيث يفشل جريجور في تأدية دوره المجتمعي تجاه عائلته مما يشعره بالكثير من الخزي والعار، فجريجور الذي كان يكسب احترام عائلته بإعالته لهم وسداد دين والده الكبير في السن بعد مشروعه الفاشل، أصبح مسخاً مخيفاً لا يغادر غرفته، شيئاً فشيئاً يلاحظ بعقله الذي ما زال بشرياً إقصاءهم له ونكرانهم لكل السنين التي بذلها في خدمتهم، حتى إنه يتذكر تقديرهم له وشكرهم حينما بدأ وظيفته، ولكن سرعان ما اعتادوا على استقبال دعمه المادي بغير اكتراث.

جريجور كان حبيساً لدور اتخذه بغير اختيار وحياة لم يعشها ودين لم يصرفه.

فكثيرٌ منا نتخذ أدواراً فرضها علينا المجتمع أو فرضناها على أنفسنا، ولكنها قد تكون مصدراً لجميع آلامنا.

ولكن أول فكرة طرحتها الرواية هي تجريد الإنسان من إنسانيته، فحينما تحول جريجور إلى حشرة تنفرت عائلته ورب عمله منه حتى أنه أغُلق عليه في غرفته وأصبحت تجلب له أخته التي يعدها المقربة والأحن إليه الطعام وتنظف له غرفته، توقف الجميع عن مخاطبته مباشرة وصار ذِكره يملؤهم بالقرف والاشمئزاز، لم ينظر أحدٌ في عينيه. كرهته عائلته بغير ذنبٍ منه، مما يجعلني أفكر كيف هو من السهل كره أحدهم عند نزع إنسانيته منه، تُذكرني الفكرة بحلقة من المسلسل المشهور "مرآه سوداء" والتي ناقشت حدوث حرب كان فيها محاربو أحد الأطراف يتعرضون لبرمجة دماغية تجعلهم يرون جنود العدو على شكل حشرات متوحشة بالتالي إبادتهم بسهولة بدون إعادة تفكير.

وكم في حياتنا جردنا آخرين من إنسانيتهم عند اختلافهم عنا، وأصبح انتقادهم اللاذع وإقصائهم سهلاً لاختلاف فكرهم أو لبسهم أو طريقتهم في العيش.

وكم تعرضنا للإقصاء في حياتنا للأسباب نفسها، يقول سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، "يتحول في بعض الأحيان الخوف المكبوت إلى غضب، حيث يعبر الشخص عن خوفه بطريقة عدوانية بدلًا من مواجهته بوعي" فعائلة جريجور كانت تكبت خوفها منه وخوفها من المجتمع ومن أن يحدث لهم ما حدث له، حتى أخته توقفت عن الاهتمام به وتحول حنانها إلى قسوة وغضب، وكان غضب الأب أكبر وغير مبرر حتى أنه أصبح يقذف جريجور بالأشياء لإبعاده حتى استقرت تفاحة قذفها الأب بغضب في ظهر جريجور والتي أدت في النهاية لموته.

وهنا أعرج إلى فرانز كافكا، متسائلة هل "التحول" تعكس شخصيته، لأجد في عدة مصادر أنه قد عاش تحت تسلط واستبداد وتقزيم والده الذي سبب له صدماتٍ كثيرة منذ طفولته، حيث لم يرض والده عن أي شيء فعله كافكا أو قاله، لم يرض حتى عن شكله وجسمه، حيث قال كافكا في رسالته إلى الوالد التي كتبها في عمر 36 قبل 4 سنوات من وفاته: "لقد كنتُ في حيرة من أمري على الدوام، فإما أن أطيع أوامرك، وهذا كان عاراً إذا لم تكن هذه الأوامر تنطبق علي، وإما أن أكون معانداً"، بالتالي نشأ بسبب هذه التربية قَلِقاً خائفاً عديم الثقة في نفسه والآخرين وبالأخص السلطة ما يبرز في روايته "المحاكمة".

بقي نوع الحشرة التي تحولها جريجور غامضاً وذلك بسبب صراع الهوية الذي لطالما عانى منه كافكا فيعكس الوالدان صورتنا عن أنفسنا في طفولتنا، أما كافكا صورته الذاتية ضائعة ومشوهة وانمساخه إلى حشرة لم يكن خيالاً بعيداً عن الواقع بل واقعاً استقاه من فم والده. "أنت خلف كل كتاباتي، لقد قلت فيها ما لا أستطيع قوله، وأنا على صدرك". ويصنف البعض رسالته إلى الوالد أعظم رسالة في التاريخ لأنها تسلط الضوء على تأثير الوصاية المبنية على الترهيب في العائلة والعمل والمجتمع والدولة على الفرد.

وأعود إلى بداية المقال، حينما أشرتُ إلى أن أعمال كافكا لا زالت تلامس الكثيرين، وهذه المعلومة إنما وردت في نقاش حول أعماله، ومن خلال بحثي عن كافكا لاحظتُ انتشار شعبيته في الآونة الأخيرة لدى الجيل زد (1996-2010) بشكلٍ مفاجئ، حيث رصد التيك توك 139 مليون مشاهدة لمحتوى تحت هاشتاج كافكا في عام 2023، وبعد التفكير لم أستغرب انتشاره لديهم، فقد ناقش كافكا في كل أعماله قسرة القلق الوجودي، والوحدة، وانعزالية الحياة العصرية وقلة الحيلة تجاه متطلبات العالم الرأسمالي وهو ما يقلق كاهل كل الأجيال الجديدة، هناك صراع بين تحقيق أهداف المجتمع (التطور الوظيفي، الزواج وتملك العقار) التي أصبحت أحلام صعبة التحقيق في عصرنا الحالي، وتحقيق الذات.

وعلى الرغم من سوداوية أعماله، إلا أنها تتصف بكوميديا سوداء صريحة وعبثية مشابهة جداً للحس الفكاهي لدى الجيل زد.

وبعد 100 عام على موته ما زال يعد من الأدباء الأكثر قراءة في العالم "إن مصير عمل كافكا وربما عظمته، هو أنه يقدم كل شيء ولا يؤكد شيئاً" هذا ما قاله ألبير كامو، أما أنت هل ستستمر في حب المقربين لديك إن تحولوا فجأة لحشرة؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کافکا فی

إقرأ أيضاً:

المطران عطالله حنا: نتمنى أن تزول المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، أنه سيبقى انحيازه دوما للشعب الفلسطيني واصفهم بالشعب المصابر والمرابط والمدافع عن حقوقه وثوابته وعدالة قضيته.

جاء ذلك في بيان رسمي عبر صفحته الرسمية على الفيس بوك.

وقال في بيانه: لسنا سياسيين ولن نكون ولا ننتمي إلى أي حزب أو فصيل سياسي ولكي تنحاز لعدالة القضية الفلسطينية أنت لست بحاجة لكي تكون سياسيا أو منتميا لأي حزب أو فصيل فيكفي أن تكون إنسانا متحليا بالقيم الإنسانية والروحية لكي تنادي بالحق والعدالة ونصرة المظلومين.

وأضاف المطران حنا: المسيحية لم تكن في يوم من الأيام منحازة للظالم على حساب المظلوم وإذا ما كان اليوم في عالمنا أشخاص أو جماعات يدعون الانتماء للمسيحية وهم يدافعون عن الظالم ويصفونه بأنه ضحية فإن هؤلاء لا يمثلون القيم والمبادئ المسيحية على الإطلاق.

وتابع: أن تكون مسيحيا هذا يعني أنك يجب أن تحب الجميع وتنادي بالعدالة والحرية والسلام للجميع فلا يوجد في قاموسنا إنسان يستحق الحياة وإنسان يستحق الموت فكل البشر هم خلائق الله وهم يستحقون الحياة بأمان وحرية وسلام.

وأردف المطران متسائلا: لماذا يظلم شعبنا الفلسطيني بهذه القسوة ويقتل أبناء شعبنا بدم بارد ويعاملون وكأنهم ليسوا بشر ، فما حدث في غزة وما يحدث في الضفة إنما يدل على الوحشية والهمجية المسيطرة على عقول عدد من السياسيين في هذا العالم والذي يغضون الطرف عن الانتهاكات الخطيرة التي ترتكب بحق إنسانا الفلسطيني.

وأشار قائلا: لن تقوم لنا قائمة في هذه الديار ولن يتحقق السلام الذي يتشدق به بعض السياسيين إلا من خلال العدالة ، والعدالة في مفهومنا هي إنهاء الاحتلال وإزالة الحواجز والأسوار العسكرية وتحقيق أمنيات وتطلعات وثوابت شعبنا الفلسطيني.

وأوضح “السلام لا يقوم على استسلام الفلسطينيين ولا يمكن أن يقوم سلام على حساب حقوق شعبنا ، فالفلسطينيون لم ولن يستسلموا وهم متشبثين ومتمسكين بحقوقهم وثوابتهم وانتماءهم لهذه الأرض المقدسة، لسنا دعاة حروب فالحروب كلها هي شر مطلق لان من يدفعون فاتورتها هم المدنيون الأبرياء ، ولا نؤمن بثقافة القتل والعنف والانتقام وما ننادي به دوما هو احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الانسان”.

واختتم رئيس الأساقفة :الفلسطينيون هم ضحية الوحشية الممارسة بحقهم ويجب أن تزول هذه المظالم لكي ينعموا بحرية طال انتظارها".

 

 


 

مقالات مشابهة

  • شكّل قرية صغيرة.. عائلة رجل من تنزانيا تتجاوز 200 ولد وحفيد!
  • بغداد.. منتسب أمني يُبيد عائلته بالكامل لأسباب مجهولة
  • شكّل قرية صغيرة من عائلته فقط.. رجل تنزاني لديه 104 أبناء و144 حفيدا!
  • ​ما هي الألوان التي ترمز إلى يوم المرأة العالمي؟
  • تفاصيل صادمة.. هكذا تسبب عميل للاحتلال في استشهاد عائلته بأكملها
  • الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!
  • هدده بخطف وقتل عائلته.. الأمن يوقف سوريًا ابتز طبيبًا بمبلغ كبير (صورة)
  • المطران عطالله حنا: نتمنى أن تزول المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون
  • هكذا تحولت المباحثات التي دارت بين ترامب وزيلينسكي إلى “كارثة”