هل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام؟
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
لا شك أن السؤال عن هل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام ؟، يعد من الاستفهامات التي تشغل الكثيرون، ممن ينامون على جنابة ويؤخرون الاغتسال منها إلى طلوع النهار، وتزداد أهمية معرفة هل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام ؟، حيث إننا في هذه الأيام المباركة أيام رمضان الصيام فيها فريضة ، لا تهاون فيها، لذا ينبغي معرفة تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام أم لا؟ ، خاصة وأن هناك من ينامون من بعد الفجر وحتى الظهر وبالتالي فإنهم يؤخرون الغسل من الجنابة ، وهو ما يطرح السؤال عن صحة صيامهم وهل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر ؟.
قال الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه يجوز تأخير الغسل من الجنابة طالما لم يدخل وقت الصلاة مشيرًا إلى أنه يجب أن يحرص المسلم على ألا تفوته صلاة.
وأضاف « ممدوح » في إجابته عن سؤال « هل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام ؟»، أنه يجوز تأخير غسل الجنابة إلى ما بعد طلوع الفجر؛ إذ ليس من شروط صحة الصيام الطهارة من الجنابة، لكن عليه أن يغتسل ليصلي صلاة الفجر في وقتها وبقية الصلوات الأخرى لأن الطهارة من الجنابة من شروط صحة الصلاة، ويجوز لمن قام بغسل الجنابة أن يصلي مباشرة دون وضوء لأن الغسل يكفي عن الوضوء مع استحضار نية الوضوء أثناء الغسل.
وعن تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد طلوع الفجر ، هل يبطل الصيام؟ ، ورد في صحيح البخاري (1926) صحيح مسلم (1109) عن عَائِشَةَ، وَأُمّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ».
وأبان الحديث حكم الاغتسال من الجنابة بعد طلوع الفجر في الصيام، حيث إن المعنى الإجمالي للحديث، أنه كان الجماع في أول الإسلام محرَّمًا على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب، ثم أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر، ومعنى هذا أن الجماع بعد الفجر في رمضان يبطل الصوم، فعرضت مسألة من جامع قبيل الفجر ولم يغتسل من الجنابة حتى طلع الفجر، هل يصح صومه أو لا يصح؟، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا جامع زوجته قبل الفجر ثم لم يغتسل حتى طلع الفجر وهو صائم، فلا حرج عليه، وصيامه صحيح لارتفاع الحظر.
وورد أنه كان أبو هريرة رضي الله عنه يفتي الناس بحديث آخر سمعه من الفضل بن عباس بعدم صحة الصيام، لكن هذا الأمر قد نُسخ دون أن يعلم أبو هريرة، فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في حكاية صيام النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب صار إليه، وأصبح يفتي الناس بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك روي عن ابن المسيب أنه قال: رجع أبو هريرة عن فتياه فيمن أصبح جنبا أنه لا يصوم .
تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضانو قَالَ الإمام الْقُرْطُبِيُّ: «فِي هَذَا فَائِدَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ وَيُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إِلَى بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَيَانا للْجُوَاز، وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ لَا مِنَ احْتِلَامٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَلِمُ».
وجاء في صحيح مسلم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ، وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ» فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» .
وورد أن هذا الحديث أخبر عن عدم خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم في صحة صيام الجنب، وأنها رحمة ورأفة أرادها الله تعالى لعباده رفعًا للحرج، وتيسيرا للعبادة، وفي كل ما شرع الله رحمة وتيسيرا!، ومما يستفاد من الحديث، أولًا ترجيح رواية النساء فيما لهن عليه الاطلاع.
وجاء أن ثانيًا حرص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على نقل شرع الله تعالى للناس من خلال فعله صلى الله عليه وسلم، وثالثًا المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه، ورابعًا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية، وخامسًا الحجة بخبر الواحد، وأن المرأة فيه كالرجل، وسادسًا أن الإسلام دين الرحمة والرفق، وسابعًا رفع الحرج عن المسلمين.
هل يجوز الصيام بدون اغتسال من الجنابةوورد في مسألة هل يجوز الصيام بدون اغتسال من الجنابة ؟، يجوز الصيام بدون اغتسال من الجنابة ؛ لأن الغسل ليس بلازم للصيام ، ويلزم للصلاة وقراءة القرآن وغيره، فإن واقع الزوج زوجته من الليل أو أنزل المني في الليل، أو أصبح جنبًا من احتلام، فيصوم ولا يضره ذلك، وليس صحيحًا أن الاغتسال هو الذي يؤذن بالصوم أو عدمه ، نعم هو مؤذن بانتهاء الجنابة ، لكن إن لم تنته فالصوم معها صحيح، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أصبح جنبًا فصومه صحيح ولا قضاء عليه من غير فرق من أن تكون الجنابة من جماع أو من احتلام أو من فورة شهوة.
وورد أنه يجوز تأخير غسل الجنابة إلى ما بعد طلوع الشمس وحتى الظهر؛ إذ ليس من شروط صحة الصيام الطهارة من الجنابة ، لكن عليه أن يغتسل ليصلي صلاة الفجر في وقتها وبقية الصلوات الأخرى لأن الطهارة من الجنابة من شروط صحة الصلاة، ويجوز لمن قام بغسل الجنابة أن يصلي مباشرة دون وضوء لأن الغسل يكفي عن الوضوء مع استحضار نية الوضوء أثناء الغسل.
حكم تأخير الغسل من الجنابة في رمضان إلى الظهرورد أنه إذا صح الصوم بإذن الله فإنه ينبغي ألا تطول مدة الجنابة حتى لا يحدث بذلك تفويت للصلاة المفروضة، فمن أخر الغسل حتى صلاة الظهر فهو بالتأكيد فوّت صلاة الفجر ولم يؤديها في وقتها، فالواجب أن يبادر بالغسل في الوقت حتى تؤدى الصلاة في وقتها ويحضر جماعة المسجد ويقرأ القرآن إلخ. لأنه يحرم على الجنب الصلاة سواء أكانت فرضًا أم نفلًا؛ لأن الطهارة شرط صحة الصلاة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) ويشمل ذلك سجدة التلاوة وصلاة الجنازة .
وورد أنه يحرم عليه أيضًا مس المصحف بيده أو بشيء من جسده، سواء أكان مصحفًا جامعًا للقرآن، أم كان جزءًا أم ورقًا مكتوبًا فيه بعض السور، وكذا مس جلده المتصل به، وذلك لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر).
التهاون في الغسل من الجنابةونوهت لجنة الفتاوى الإلكترونية بدار الإفتاء، بأن الحديث الذي ورد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ» أخرجه أبو داود والنسائي في "سننيهما، المقصود بالجُنُب فيه هو من يتهاون في أمر الغسل.
وأوضحت في التهاون في الغسل من الجنابة ، أن الجنب من يتهاون في أمر الغسل ويتخذ تركه هذه العادة بحيث يؤخر الصلاة عن وقتها؛ قال العلامة السندي في "حاشيته على سنن النسائي" قَوْله: (لَا تدخل الْمَلَائِكَة) حملت على مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيره، وَحمل الْجنب على من يتهاون بِالْغسْلِ ويتخذ تَركه عَادَة لَا من يُؤَخر الِاغْتِسَال إِلَى حُضُور الصَّلَاة.
ونبهت إلى أن تأخير الغسل بحيث يترتب عليه تأخير الصلاة عن وقتها حرام شرعًا، وينبغي على المسلم الإسراع بالغسل من الجنابة حتى لا يؤدي عدم اغتساله إلى نفور ملائكة الرحمة والبركة من المكان الذي يكون فيه.
كيفية الاغتسال من الجنابةوأفاد الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، بأن الغُسْل من الجنابة فرض؛ وكان مِن سُنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يفعله بطريقة معينة ينبغي لنا أن نتعلَّمها، وهى كما روى مسلم عَنْ عائشة "رضى الله عنها"، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
وبين في كيفية الاغتسال من الجنابة أن الترتيب النبوي لعملية الغُسل من الجنابة هو : فأولًا غسل اليدين، ثم ثانيًا غسل الفرج، ثم ثالثًا الوضوء دون غسل الرجلين، ثم رابعًا إدخال الماء بالأصابع في أصول الشعر، ثم خامسًا صبُّ ثلاث غُرَفٍ من الماء على الرأس، ثم سادسًا صبُّ الماء على الجسد كله.
وتابع في كيفية الغسل من الجنابة : يُفَضَّل في غسل الجسد أن يغسل الجانب الأيمن أولًا ثم يتبعه بالأيسر؛ وذلك لما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلاَثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ". ثم سابعًا وأخيرًا غسل الرجلين.
هل يغني الغسل عن الوضوءقالت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، إن النية في الاغتسال لصلاة الجمعة أو للطهارة من الجنابة، لا تُعد ركنًا من الأركان، حيث يمكن للشخص الجُنب الاغتسال لصلاة الجمعة، دون نية التطهر من الجنابة.
وأوضحت «البحوث الإسلامية» في إجابتها عن سؤال : « هل يغني الغسل عن الوضوء ؟»،وجاءت في الإجابة أن هذا الاغتسال الذي تم صحيح ويحل محل غسل الجنابة وهذا على رأي الأئمة الأحناف، منوهة بأن العلماء لم يعتبروا النية في الغُسل ركنًا من الأركان الضرورية للطهارة ، واستشهدت بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا ).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: كيفية الاغتسال من الجنابة تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان المزيد النبی صلى الله علیه وسلم الغسل من الجنابة غسل الجنابة طلوع الفجر عن الوضوء فی وقتها الفجر فی رضی الله بعد طلوع ی الله ع ى الله ع
إقرأ أيضاً:
الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
اجابت دار الافتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: "المراد بالنصيحة في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؟".
لترد دار الافتاء موضحة: ان المراد بالنصيحة في حديث النبي عليه السلام «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، التَّناصُح بين الناس من الأمور المهمَّة التي حرص الإسلامُ على ترسيخها بين أفراد المجتمع، فهو ضرورةٌ اجتماعيةٌ لما فيه من الحرص على الإصلاح، ولا سيما إذا كان نابع من حرصٍ وإخلاصٍ؛ فالنَّاصِح يُخلِص القولَ لمن يَنْصحُه ويسعى في هدايتِه وصلاحِه، جاء عن سيدنا تميم الدَّاريِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قلنا -أي الصحابة-: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.
ولعظم شأن النصيحة في الإسلام؛ كانت محل اهتمام العلماء ببيان حقيقتها وسعة مدلولها، فهي تعني إرادة الخير للمنصوح له.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 125-126، ط. المطبعة العلمية): [النصيحة كلمة يعبر بها عن جملةٍ: هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمةٍ واحدةٍ تحصرها وتجمع معناها غيرها، وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحت العسل إذا خلصته من الشمع] اهـ.
كما أنَّها تعني أيضًا: صحة إخلاص القول والفعل والاجتهاد بتقديم ما فيه الخير والمصلحة للمنصوح له، وذلك بإرشاده لكل صالح، ونَهْيه عن كلِّ طالح.
ولزوم أدائها على المسلم: مقيدٌ بقدر جهده واستطاعته، وذلك لا يكون إلا بأمنه على نفسه من وقوع ما يؤذيه، وتيقنه بالطاعة فيما يقول من نُصْحٍ، وأما إن خشي أن يَجُرَّ عليه ذلك مكروهًا؛ فحينها يُرفع عنه لزومها. يُنظر: "سبل السلام" للصنعاني (2/ 696، ط. دار الحديث).
والنصيحة لكتابه: الإيمانُ به وتعظيمه وتنزيهه، وتلاوته حقَّ تلاوتِه والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهُّم علومِه وأمثالِه، وتدبر آياته، والدعاء إليه، وذَبُّ تحريف الغالين وطعنِ الملحدين عنه. والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم قريب من ذلك: الإيمان به وبما جاء به وتوقيره وتبجيله، والتمسك بطاعته، وإحياء سنته واستثارة علومها ونشرها ومعاداة من عاداه وعاداها، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبة آله وصحابته، ونحو ذلك.
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك.
والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلَّاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم، ومجانبة الغش، والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وما شابه ذلك] اهـ. وينظر أيضًا: "شرح صحيح مسلم" للإمام النووي (2/ 38-39، ط. دار إحياء التراث العربي)، و "تعظيم قدر الصلاة" للإمام المروزي (2/ 691-694، ط. مكتبة الدار)، و "معالم السنن" للإمام الخطابي (4/ 126)، و"النصيحة الكافية" للشيخ زروق (ص: 15-16، ط. مكتبة الظلال).
الضوابط والآداب التي ينبغي مراعاتها عند إرداة النصح
للنصيحة ضوابط ينبغي مراعتها، منها: ألا تكون على الملأ، وإنما من أدب النصيحة أن تكون على انفرادٍ؛ لكيلا تورث العداوة والبغضاء بين المنصوح والناصح، إلا أن يكون المنصوح لا يفهم إلَّا بالتصريح والجهر، فيجوز ذلك ما لم يترتب عليه ضرر للناصح، مع الأخذ في الاعتبار ألَّا يكون النصح على شرط القبول للنصيحة.
قال الإمام ابن حزم في "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" (ص: 45، ط. دار الآفاق الجديدة): [وإذا نصحتَ فانصح سرًّا لا جهرًا، وبتعريضٍ لا تصريحٍ، إلا أنْ لا يفهم المنصوح تعريضك فلا بد من التصريح، ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالمٌ لا ناصحٌ، وطالب طاعةٍ وملكٍ لا مؤدي حق أمانةٍ وأخوةٍ، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة] اهـ. وينظر أيضًا: "جامع العلوم والحكم" ابن رجب الحنبلي (1/ 225، ط. مؤسسة الرسالة).
ومن الضوابط أيضًا: أن تكون النصيحة بغير تعيينٍ؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «ما بال أقوام»؛ ومن ذلك ما جاء عن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: أتتها بريرة تسألها في كتابتها، فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكَّرته ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اشْتَرِيهَا، فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، فقال: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» متفق عليه.
كذلك من ضوابط النصيحة: ألَّا تؤدي إلى مفسدة أعظم أو إلى منكر أشد، وقد أصَّل لهذا المعنى الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 257، ط. عالم الكتب) حيث قال: [شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ما لم يؤد إلى مفسدة هي أعظم، هذه المفسدة قسمان: تارة تكون إذا نهاه عن منكرٍ؛ فَعَلَ ما هو أعظم منه في غير الناهي، وتارة يفعله في الناهي بأن ينهاه عن الزنا فيقتله -أعني الناهي، يقتله المُلابِسُ للمنكر-، والقسم الأول: اتفق الناس عليه أنه يحرم النهي عن المنكر، والقسم الثاني: اختلف الناس فيه، فمنهم من سواه بالأول، نَظَرًا لعظم المفسدة، ومنهم من فَرَّق] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فالنصيحة بها قوام الدين، وحديثها من جوامع كَلِم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعناها يختلف باختلاف المنصوح، وبيان معناها واسع باتساع الحقوق الواجبة على المكلف تجاه الخالق سبحانه وتعالى، وكتابه العظيم، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعامة الأمة وخاصتهم، مع ضرورة مراعاة أن تكون النصيحة بالتعريض لا التصريح، وبالتعميم لا التعيين، وألَّا تؤدي إلى مفسدةٍ أو منكرٍ أشد.