أعلنت شبكة تلفزيون سوريا عن إطلاق قناتها الجديدة "الثانية"، التي ستقدم محتوى درامياً وترفيهياً متنوعاً يلبي اهتمامات المشاهدين في سوريا والوطن العربي، إذ تأتي القناة في إطار توسيع آفاق الإعلام السوري بعد عقود من السيطرة الأحادية في عهد النظام المخلوع، لتكون نافذة جديدة تعكس واقع السوريين وتروي قصصهم بطريقة مختلفة.

في عالم تتغير فيه الحكايات وتُعاد كتابتها، تأتي "الثانية" كمشروع إعلامي يهدف إلى تقديم محتوى متجدد يجمع بين الترفيه والدراما، إلى جانب فقرات اجتماعية ودينية متنوعة.

محتوى درامي متنوع

تبدأ "الثانية" مسيرتها مع باقة من المسلسلات والبرامج الترفيهية، أبرزها أعمال درامية مثل تحت الأرض، البطل، ونسمات أيلول.

وتسعى القناة إلى تقديم إنتاج درامي يعكس التحولات المجتمعية، ويبرز قصص السوريين من زوايا مختلفة. هذا التوجه يعكس الرغبة في كسر الحواجز وتقديم محتوى ينافس على مستوى المنطقة، مع التركيز على الجودة الفنية والطرح الموضوعي.

 

ويؤكد مدير عام تلفزيون سوريا، الدكتور حمزة مصطفى، أن إطلاق "الثانية" يأتي في سياق مرحلة جديدة تعيشها البلاد، حيث يتطلع السوريون إلى تجربة إعلامية متحررة من القيود السابقة.

وأشار إلى أن القناة تمثل امتداداً لمسيرة تلفزيون سوريا، الذي حرص منذ تأسيسه على مواكبة الحدث السوري، والحفاظ على السردية الوطنية رغم التحديات السياسية والإعلامية.

وقال مصطفى، إن تراجع الاهتمام بالمحتوى السياسي في بعض الفترات دفع القناة إلى توسيع نطاق برامجها، حيث لطالما قدم تلفزيون سوريا محتوى متنوعاً بجودة عالية، دون الانزلاق إلى الطابع الشعبوي. 

وأوضح أن المرحلة السابقة، التي تخللتها أحداث سياسية معقدة، دفعت القناة للتركيز على الجانب الإخباري، مما استوجب التفكير في منصة جديدة تحمل طابعاً ترفيهياً، كانت تُخطط تحت اسم "سوريا كليك"، إلا أن تسارع الأحداث السياسية حال دون إطلاقها.

وأشار إلى أن المشهد الإعلامي السوري يفتقر إلى قنوات متنوعة، مما يمنح تلفزيون سوريا دوراً محورياً في تقديم محتوى بديل. 

وأكد المصطفى أن القناة الثانية ستبث برامج ثقافية واجتماعية إلى جانب عرض أهم الأعمال الدرامية، بهدف تقديم محتوى ينسجم مع السياق الاجتماعي السوري، بعيداً عن تقليد القنوات الأخرى.

كما أشار إلى أن توجه بعض وسائل الإعلام نحو تقديم محتوى غير رصين سعياً لجذب المشاهدات، دفع تلفزيون سوريا إلى تبني استراتيجية تقوم على تقديم محتوى يحافظ على قيم المهنية والجودة.

وكشف عن أن العمل على القناة الثانية بدأ في 11 فبراير/شباط، وخلال فترة قياسية، لم تتجاوز أسبوعين، أصبحت القناة جاهزة للبث، معرباً عن شكره للفريق العامل في المشروع، ومشيداً بالجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل قسم الجرافيك، السوشيال ميديا، والتشغيل، إضافة إلى المؤسسة الأم "فضاءات"، التي ساهمت بخبراتها في التخطيط والتسويق.

وأضاف أن القناة الثانية انطلقت بالتزامن مع شهر رمضان، وحرصت على اقتناء أهم المسلسلات التي تحظى بجماهيرية، إلى جانب فقرات وبرامج متنوعة، أبرزها برنامج "صباح سوريا"، الذي يُنظر إليه كبرنامج عائلي بامتياز.

وأشار إلى أن إطلاق القناة الثانية سيساهم في تحديد هوية القناة الأولى، التي ستتحول إلى قناة إخبارية بامتياز، مع الإبقاء على بعض الفقرات الإخبارية في القناة الثانية.

كما لفت إلى أن تأسيس قناة إخبارية في المنفى شكّل تحدياً كبيراً، غير أن توسع نطاق عمل تلفزيون سوريا جغرافياً يوفر اليوم بيئة أفضل لتحقيق هذه الرؤية، مؤكدا على أن الهدف النهائي هو أن يصبح تلفزيون سوريا شبكة إعلامية رائدة، تدعم المنافسة الإيجابية في المجال الإعلامي، مشيراً إلى أن حرية الإعلام تظل البارومتر الأساسي لقياس صحة المجتمعات والدول.

 

تلفزيون "الثانية": محتوى درامي متنوع ومسلسلات مميزة في رمضان

من جانبه، أعرب مدير إطلاق مشروع تلفزيون الثانية، عمر الفاروق، عن أمله في أن تكون القناة الجديدة إضافة مميزة للمشهد الإعلامي، خاصة للمشاهدين داخل سوريا.

وأوضح الفاروق أن أول عمل درامي يُعرض على القناة سيكون الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي "ما اختلفنا"، الذي يتناول قضايا اجتماعية بأسلوب ساخر، مشيراً إلى أن الموسم الجديد يشهد مشاركة نجوم بارزين مثل سامية الجزائري وغيرهم.

وأضاف: "بعد انتهاء عرض المسلسل، ستنتقل القناة إلى نقل فترة الإفطار من الجامع الأموي في دمشق، وهي خطوة وصفها الفاروق بأنها "حلم دام 50 عاماً"، مشيراً إلى أن القناة ستنقل أيضاً فترة السحور من المسجد طوال شهر رمضان.

دراما رمضان 2025.. نجوم وأعمال متنوعة

كشف الفاروق عن قائمة المسلسلات التي ستُعرض خلال "الوقت الذهبي" على تلفزيون الثانية، بين الساعة 9 و12 مساءً، حيث تتضمن باقة من الأعمال الدرامية السورية المميزة لهذا العام:

"البطل" (الساعة 9 مساءً): مسلسل من إخراج الليث حجو، وبطولة محمود نصر وبسام كوسا، مقتبس من رواية للكاتب ممدوح عدوان، ويتناول صراعاً طبقياً معقداً بأسلوب درامي مشوّق.

"تحت سابع أرض" (الساعة 10 مساءً): بطولة تيم حسن وكاريس بشار، وهو مسلسل بوليسي تدور أحداثه حول ضابط جنائي يكتشف تورط شقيقه وشقيقته في تزوير العملة، ليجد نفسه في صراع داخلي لحمايتهما.

"تحت الأرض موسم حار" (الساعة 11 مساءً): من بطولة مكسيم خليل، وتدور أحداثه خلال عام 1900 في ظل الحكم العثماني، حيث ينشب صراع بين تاجرين في خان التتن، ليكتشفا لاحقاً أنهما شقيقان.

"نفس" (الساعة 12 منتصف الليل): قصة حب مستحيلة بين عابد فهد، معتصم النهار، ودانييلا رحمة، تدور أحداثه حول عالم المسرح، مما يجعله عملاً مختلفًا عن المسلسلات التقليدية.

 

"نسمات أيلول".. دراما اجتماعية في وقت الإفطار

وأشار الفاروق إلى أن مسلسل "نسمات أيلول" سيُعرض يومياً في الساعة 7 مساءً وقت الإفطار، وهو عمل اجتماعي تدور أحداثه في قرية ريفية، حيث تواجه جدة سبعينية (تجسدها صباح الجزائري) تحديات مع أبنائها وحفيدتها القادمة من الغربة.

وأكد عمر الفاروق أن هناك خطة لتحديث المحتوى شهرياً بعد رمضان، بحيث يتم تقديم تجربة جديدة للمشاهدين كل شهر، وذلك من خلال مسارين رئيسيين: "الأول المسار البرامجي بقيادة مدير البرامج في تلفزيون سوريا، والثاني المسار الدرامي الذي سنعمل عليه بعناية فائقة".

وفي ختام حديثه، أشاد الفاروق بفريق العمل الذي أنجز المهام المطلوبة لإطلاق القناة في وقت قياسي، مشيراً إلى أن القناة تم إطلاقها خلال أقل من 20 يوماً، وهو إنجاز كبير نظراً لحجم العمل المطلوب، من شراء حقوق المسلسلات إلى تطوير البرامج وتنفيذ الجرافيك.

واختتم الفاروق حديثه بالتأكيد على أن تلفزيون الثانية يسعى لتقديم محتوى مختلف يجمع بين الترفيه والدراما الهادفة، متمنياً أن تحقق القناة تفاعلاً واسعاً لدى الجمهور العربي.

خطوة جديدة في مشهد الإعلام السوري

قناة "الثانية"، المتخصصة في الدراما والترفيه، جاءت لتلبية احتياجات الجمهور السوري المتعطش للمحتوى المتنوع. هذه الخطوة جاءت استجابةً للواقع المتغير في البلاد، الذي يتطلب إعلاماً أكثر شمولاً وتنوعاً.

القناة الجديدة جاءت استجابةً لحاجة المشاهد السوري إلى مساحة إعلامية تلبي اهتماماته المتنوعة بعيداً عن المحتوى الإخباري الصرف. وبحسب الدراسات، فقد شهدت السنوات الماضية تحولاً في تفضيلات المشاهدين، حيث توجه كثيرون إلى متابعة القنوات اللبنانية، العراقية، والخليجية لمشاهدة الدراما والبرامج الثقافية، وهو ما دفع "تلفزيون سوريا" إلى تقديم بديل محلي يواكب هذه التغيرات.

  

وتهدف "الثانية" إلى تقديم محتوى متزن يجمع بين الثقافة والترفيه، بعيداً عن الانحدار نحو البرامج الشعبوية أو الترفيه السطحي. فقد شهدت الساحة الإعلامية، سواء في سوريا أو على المستوى العالمي، تراجعاً في المحتوى الرصين لصالح البرامج التي تسعى فقط لجذب المشاهدات. ومن هنا، جاء قرار "تلفزيون سوريا" بتقديم قناة متخصصة تقدم محتوى درامياً وترفيهياً متوازناً، قادراً على استقطاب الجمهور السوري والعربي.

بدأت خطة العمل على القناة منذ مطلع شباط الماضي، وتمكنت الفرق الفنية والتشغيلية من إطلاقها خلال فترة زمنية قياسية. ويشير القائمون على المشروع إلى أن "الثانية" كانت ثمرة جهود متواصلة من فرق الإنتاج، التخطيط، والتسويق، فقد أسهمت العديد من الفرق في بناء هوية القناة وتجهيزها للانطلاق.

في ظل هذا الزخم، تسعى القناة إلى تقديم إنتاجات درامية خاصة بها خلال الفترة المقبلة، إلى جانب اقتناء حقوق عرض أبرز الأعمال الدرامية التي تتناسب مع ذائقة المشاهد السوري. كما ستحتوي القناة على برامج ثقافية واجتماعية تتماشى مع القيم المجتمعية السورية، بهدف خلق منصة إعلامية قريبة من الناس، تعكس حياتهمهمومهم، وتسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية.

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

بتشويه «فوضى الذكاء الاصطناعي» للواقع يمضي العالم إلى كارثة

تهيمن قناتان متوازيتان للصور على استهلاكنا البصري اليومي. في إحداهما، صور ولقطات حقيقية للعالم كما نعرفه، ففيها سياسة ورياضة وأخبار وترفيه. وفي الثانية، فوضى الذكاء الاصطناعي [أو ما يعرف بـ AI slop]، بمحتوى متواضع الجودة ليس فيه من الإسهام البشري إلا الحد الأدنى. بعض ما فيه تافه الشأن عديم المعنى، لا يعدو صورا كرتونية لمشاهير، ومناظر طبيعية خيالية، وحيوانات ذات سمات بشرية. وبعضه الآخر عرض خادش للحياء...ففيه تجد حبيبات افتراضيات لا يمكن أن تتفاعل معهن تفاعلا حقيقيا. ونطاق هذا المحتوى وحجمه مذهلان، فهو يتسرب إلى كل شيء، من صفحات التواصل الاجتماعي إلى الرسائل المتداولة على واتساب. فلا تكون النتيجة محض تشويش على الواقع، وإنما هي تشويه له.

وفي فوضى الذكاء الاصطناعي شيء جديد هو الخيال السياسي اليميني. فعلى موقع يوتيوب مقاطع فيديو كاملة ذات سيناريوهات مختلقة ينتصر فيها مسؤولو ترامب على القوى الليبرالية. وقد استغل حساب البيت الأبيض على منصة إكس صيحة إنشاء صور بأسلوب استوديو جيبلي، ونشر صورة لامرأة من الدومينيكان تبكي أثناء تعرضها للاعتقال على يد إدارة الهجرة والجمارك (ICE). والواقع أن السخرية السياسية باستعمال الذكاء الاصطناعي قد انتشرت على مستوى العالم.

فهناك مقاطع فيديو صينية من إنتاج الذكاء الاصطناعي تسخر من العمال الأمريكيين البدناء وهم يقفون في خطوط التجميع بعد إعلان التعريفات الجمركية، وقد أثارت هذه المقاطع سؤالا موجها للمتحدثة باسم البيت الأبيض الأسبوع الماضي وردا منها. فقد قالت المتحدثة: إن هذه مقاطع أنتجها من «لا يرون إمكانات العامل الأمريكي». ولإثبات مدى انتشار فوضى الذكاء الاصطناعي، كان علي أن أتأكد ثلاث مرات من أنه حتى هذا الرد نفسه لم يكن في حد ذاته محتوى ذكاء اصطناعي منفذا على عجل مختلقا خدعة أخرى لأعداء ترامب.

وليس الدافع إلى تسييس الذكاء الاصطناعي بالأمر الجديد، فهو ببساطة امتداد للبروباجندا المعهودة. ولكن الجديد هو مدى ديمقراطيته وانتشاره، وأنه لا يحتوي أشخاصا حقيقيين ويخلو من قيود الحياة الواقعية المادية، فيوفر بذلك ما لا حصر له من السيناريوهات الخيالية.

وانتشار محتوى الذكاء الاصطناعي عبر قنوات الدردشة الضخمة عظيمة الحضور، من قبيل واتساب، يعني غياب أي ردود أو تعليقات تشكك في صحته. فكل ما تتلقاه ينعم بسلطة من ثقتك في الشخص الذي أرسله إليك. لذلك أخوض صراعا دائما مع قريبة لي كبيرة السن، مطلعة على عالم الإنترنت، تتلقى سيلا من محتوى الذكاء الاصطناعي على واتساب بشأن حرب السودان وتصدقه. تبدو الصور ومقاطع الفيديو حقيقية بالنسبة لها، وترد إليها موجهة من أشخاص تثق فيهم. ويصعب على المرء حتى أن يستوعب قدرة التكنولوجيا على إنتاج محتوى يبدو حقيقيا إلى هذه الدرجة.

وبإضافة هذه القدرة إلى توافق المحتوى مع رغبات قريبتي السياسية، ستجد نفسك متعلقا به إلى حد بعيد، حتى لو اعتراك بعض من الشك فيه. فوسط الكم الهائل من القطط [في بعض الفيديوهات المختلقة]، يجري استعمال الذكاء الاصطناعي في خلق سيناريوهات سياسية، وتحسينها والوصول بها إلى درجة الكمال عبر تقديمها بلغة بصرية تؤجج الرغبة في الانتصار أو تعتمد على الشعور بالحنين.

يشير البروفيسور رولاند ماير، الباحث في الإعلام والثقافة البصرية، إلى «موجة حديثة من الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي لعائلات بيضاء شقراء، تطرحها حسابات إلكترونية فاشية جديدة بوصفها نماذج لمستقبل مشرق». وهو لا يعزو ذلك إلى اللحظة السياسية الراهنة فحسب، وإنما إلى أن «الذكاء الاصطناعي التوليدي محافظ بطبيعته، بل ويقوم على حنين إلى الماضي». فالذكاء الاصطناعي التوليدي يقوم على بيانات مسبقة أثبتت الأبحاث أنها بيانات متحيزة بطبيعتها ضد التنوع العرقي، والأدوار الجندرية والميول الجنسية التقدمية، فتأتي منتجات الذكاء الصناعي بتركيز كبير على هذه المعايير.

يمكن أن نرى الأمر نفسه في محتوى «الزوجة التقليدية» [“trad wife”]، الذي لا يقدم ربات البيوت الجميلات الخاضعات فحسب، وإنما يقدم عالما رجعيا كاملا لينغمس فيه الرجال. وتغص جداول موقع إكس بنوع من المواد الإباحية غير الجنسية، حيث تلمع على الشاشة صور الذكاء الاصطناعي لنساء يوصفن بالحسن والخصوبة والخضوع. ويجري طرح سيادة البيض والاستبداد وتقديس التراتبيات الهرمية في العرق والجندر بوصفها سلة متكاملة من الحنين إلى ماض موهوم. فبات الذكاء الاصطناعي يوصف بالفعل بأنه جمالية الفاشية الجديدة.

لكن الأمر لا يكون دائما على هذا القدر من التماسك. ففي معظم الأحيان، لا تعدو فوضى الذكاء الاصطناعي محتوى فيه بعض المبالغة أو الإثارة بما يغري على التفاعل، ويوفر لمبدعيه فرصة ربح المال من المشاركات والتعليقات وما إلى ذلك. وقد تبين للصحفي ماكس ريد أن فوضى الذكاء الاصطناعي على فيسبوك ـ وهي الفوضى الكبرى على الإطلاق ـ ليست «محض محتوى غير مرغوب فيه» من وجهة نظر فيسبوك، وإنما هي «ما تريده الشركة بالضبط: فهي محتوى شديد الجاذبية». والمحتوى بالنسبة لعمالقة التواصل الاجتماعي هو المحتوى، فكلما كان أرخص، وقلت فيه الحاجة إلى جهد بشري، فذلك أفضل. وتكون النتيجة أن يتحول الإنترنت إلى إنترنت الروبوتات التي تدغدغ مشاعر المستخدمين البشريين وتؤجج فيهم أي أحاسيس أو عواطف تبقيهم منشغلين.

ولكن بغض النظر عن نوايا مبتكريه، يؤدي هذا السيل من محتوى الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الإحساس بالواقعية وإرهاق الحواس البصرية. والتأثير العام لدوام التعرض لصور الذكاء الاصطناعي، ما كان منها تافها أو مهدئا أو أيديولوجيا، هو أن كل شيء يبدأ في اتخاذ مسار مختلف. ففي العالم الواقعي، يقف الساسة الأمريكيون خارج أقفاص سجن الترحيل. وتنصب الأكمنة لطلاب الجامعات الأمريكية في الشوارع ليجري إبعادهم. ويحترق أهل غزة أحياء. وتمضي هذه الصور والفيديوهات مع سيل لانهائي من الصور والفيديوهات الأخرى التي تنتهك القوانين المادية والأخلاقية. فتكون النتيجة ارتباكا عميقا. ولا يعود بوسعك أن تصدق عينيك، ولكن ما الذي يمكن أن تصدقه إن لم تصدق عينيك؟ فكل شيء يبدو حقيقيا للغاية وغير واقعي بالمرة، في آن واحد.

أضف إلى هذا ما نعرفه من التبسيط الضروري والإيجاز المستفز في (اقتصاد الانتباه)، وإذا بك في سيرك ضخم من التجاوزات. فحتى عندما يكون المحتوى شديد الجدية، يجري تقديمه بوصفه ترفيها، أو فاصلا، أشبه بنسخة مرئية من موسيقى المصاعد. فهل أفزعك هجوم دونالد ترامب وجيه دي فانس على زيلينسكي؟ حسنا، إليك رسم مصمم بالذكاء الاصطناعي لفانس في هيئة رضيع عملاق. تشعر بالتوتر والإرهاق؟ فها هو بلسم للعين في كوخ فيه نار موقدة والثلج يتساقط في الخارج. ولسبب ما، قرر فيسبوك أنني بحاجة إلى رؤية تيار مستمر من الشقق الصغيرة اللطيفة مع تنويعات من التعليقات التوضيحية مفادها أن «هذا هو كل ما أحتاج إليه».

وتؤدي التحورات السريعة للخوارزميات إلى إمداد المستخدمين بمزيد مما حصدته لهم معتبرة أنه مثير لاهتمامهم. والنتيجة هي أنه يستحيل ترشيد ذلك الاستهلاك حتى لأكثر المستخدمين اتزانا. لأنك تزداد انغماسا في عوالم ذاتية بدلا من الواقع الموضوعي. فتكون النتيجة انفصالا شديد الغرابة. ويضعف الشعور بالقلق والحاجة إلى العمل الذي ينبغي أن يوحي به عالمنا الممزق، وذلك بسبب طريقة عرض المعلومات. وإذن فها هي طريقة جديدة لكي نسير نياما نحو الكارثة وهي طريقة لا تقوم على نقص المعرفة، وإنما تنشأ بسبب الشلل الناجم عن تمرير كل شيء من خلال هذا النظام المشوه، فهو محض جزء آخر من العرض البصري المبالغ فيه.

مقالات مشابهة

  • بتشويه «فوضى الذكاء الاصطناعي» للواقع يمضي العالم إلى كارثة
  • الشرع: سوريا الجديدة تخطّ طريقها نحو الاستقرار وسط مفاوضات دولية
  • الشرع يكشف للإعلام الأمريكي عن الاطراف التي سوف تتضرر في حال وقعت في سوريا أي فوضى
  • شعبة مستحضرات التجميل تطلق المرحلة الثانية من مبادرتها لتمكين رواد الأعمال
  • المحطة الجوية الجديدة بمطار الدارالبيضاء.. الأشغال تبدأ في يونيو و نظام أوتوماتيكي لتسليم الأمتعة
  • عاجل | الرئيس السوري لنيويورك تايمز: أي فوضى في سوريا ستضر بالعالم أجمع وليس دول الجوار فقط
  • شاهد | سوريا تعتقل الثورة الفلسطينية.. سقوط دمشق للمرة الثانية
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاعرة وصانعة محتوى سودانية: (الكرشة أو “التنة” التي أمتلكها تعتبر من علامات الجمال وتساعدني على ربط التوب)
  • الهيئة الإدارية الجديدة لنادي الاستقلال الأردني تبدأ عملها بقرارات هامة
  • «تويوتا» تطلق نسختها الجديدة ياريس GR موديل 2026