مارس 2, 2025آخر تحديث: مارس 2, 2025

أ.م. بسمة خليل نامق الأوقاتي

أستاذ مساعد في العلاقات الدولية

تشكل العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران محطة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات الإقليمية ذات الأثر العميق، ليس فقط على إيران نفسها، بل على الدول المجاورة، وفي مقدمتها العراق. إذ جاء القرار الأمريكي الأخير بفرض مزيد من العقوبات على صناعة النفط الإيرانية ليزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ويضع العراق أمام تحديات جسيمة، لكن ربما أيضًا أمام فرص غير متوقعة.

العراق بين المطرقة والسندان: تعمق نقاط الخلاف والتحديات

العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران ليست عادية، فهي تمتد إلى مجالات حيوية كإمدادات الطاقة والتبادل التجاري الذي تجاوز 12 مليار دولار سنويًا. كما يعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، مما يجعل أي اضطراب في تدفق هذه الواردات تحديًا يهدد الاستقرار الداخلي، خاصة في فصل الصيف عندما تصل ذروة الطلب على الكهرباء.

إضافة إلى ذلك، تُستخدم البنوك العراقية كقناة أساسية لتدفق العملات الأجنبية إلى إيران، مما جعل المصارف العراقية تحت رقابة مشددة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. العقوبات الأخيرة لم تقتصر على الشركات الإيرانية فقط، بل شملت عددًا من البنوك العراقية التي وُجهت إليها اتهامات بتسهيل تحويل الأموال إلى طهران. هذا التطور يضع العراق أمام معضلة حقيقية؛ فإما أن يمتثل بالكامل للعقوبات الأمريكية، مما قد يضر بعلاقته مع إيران، أو يحاول التملص، وهو ما قد يعرّضه لعقوبات أمريكية مباشرة.

1-  تبعات العقوبات المالية والمصرفية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمسة مصارف عراقية في 2025، مما أدى إلى تراجع السيولة المالية في السوق المحلية، وزيادة الضغوط على القطاع المصرفي.

انخفاض تدفقات الدولار إلى العراق أدى إلى تقلبات حادة في سعر صرف الدينار العراقي، حيث ارتفع سعر الصرف في السوق الموازية بنسبة 10% خلال الأسابيع الأولى من فرض العقوبات.

هذه العقوبات أثرت أيضًا على علاقات العراق التجارية، حيث باتت الشركات الأجنبية أكثر ترددًا في التعامل مع المصارف العراقية خشية العقوبات الثانوية.

2- تداعيات على قطاع الطاقة

العراق يعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل 40% من محطاته الكهربائية، مما يعني أن أي عرقلة في الإمدادات ستؤدي إلى انقطاعات واسعة في الكهرباء.

العقوبات دفعت العراق إلى تراكم الديون لإيران، حيث بلغت المستحقات غير المسددة عن استيراد الغاز والكهرباء أكثر من 11 مليار دولار.

الخيارات البديلة كشراء الغاز من قطر أو استيراد الكهرباء من تركيا تتطلب بنية تحتية جديدة وتأخذ وقتًا طويلًا لتنفيذها، مما يعقّد الموقف.

3- التأثيرات الاقتصادية الأوسع

التبادل التجاري بين العراق وإيران يتركز في المنتجات الغذائية ومواد البناء، مما يعني أن فرض قيود جديدة على هذه القطاعات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل العراق.

قطاع الزراعة العراقي قد يتأثر بسبب العقوبات على الأسمدة والمبيدات القادمة من إيران، مما يزيد من صعوبة تحقيق الأمن الغذائي.

ارتفاع أسعار النفط الناتج عن خفض الإنتاج الإيراني يمثل سيفًا ذا حدين، فمن جهة يوفر للعراق إيرادات إضافية، لكنه أيضًا يزيد من تكلفة استيراد المنتجات النفطية المكررة.

فرص العراق في ظل الأزمة: حلول ومعالجات استراتيجية

رغم أن العقوبات تبدو كعائق خطير، إلا أنها قد تشكل فرصة للعراق للتحرر جزئيًا من الاعتماد على إيران وبناء اقتصاد أكثر استقلالية. ارتفاع أسعار النفط، الناجم عن انخفاض المعروض الإيراني، يمكن أن يمنح بغداد هامشًا ماليًا يسمح لها بإعادة هيكلة اقتصادها وتعزيز استثماراتها في قطاعات مثل الزراعة والصناعة.

1- تعزيز استقلالية قطاع الطاقة

الإسراع في استثمارات الغاز المحلي، حيث تمتلك حقول غاز ضخمة يمكن أن تساعد في تقليل الاعتماد على إيران، خاصة مع مشاريع تطوير حقل عكاز.

إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة وتحسين أداء محطات الكهرباء للحد من الهدر في التوزيع.

التوسع في الطاقة المتجددة، حيث يمكن أن توفر مشاريع الطاقة الشمسية والرياح بدائل مستدامة للكهرباء دون الحاجة إلى استيراد الغاز.

عقد اتفاقيات جديدة مع دول الخليج لاستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وهو حل أكثر استدامة مقارنة باستيراد الغاز عبر الأنابيب من إيران.

2-  تحصين النظام المصرفي والاقتصاد المحلي

تعزيز الرقابة على تحويلات العملات الأجنبية، ليس فقط لتجنب العقوبات الأمريكية، ولكن أيضًا لمنع تسرب العملة الصعبة خارج البلاد.

التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على استثناءات لبعض القطاعات الحساسة، مثل الغذاء والطاقة، لتجنب التأثيرات السلبية على الاقتصاد العراقي.

تشجيع الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على البضائع الإيرانية، خاصة في قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية.

3- تبني سياسة خارجية متوازنة

العراق بحاجة إلى إدارة علاقاته مع الولايات المتحدة وإيران بحكمة وحذر، بحيث لا يكون مجرد تابع لأي طرف بل لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الإقليمية، لتجنب التصعيد السياسي أو الاقتصادي.

يمكن لبغداد تبني نهج الحياد الإيجابي والعمل كوسيط دبلوماسي في تخفيف التوترات بين الطرفين، خاصة وأنها تتمتع بعلاقات قوية مع كليهما.

البحث عن تحالفات اقتصادية جديدة مع الدول العربية والخليجية يمكن أن يوفر للعراق بدائل استراتيجية بعيدًا عن الاعتماد

المفرط على إيران، عبر الانضمام إلى المبادرات الاقتصادية الإقليمية التي لا تتعارض مع العقوبات الأمريكية، مثل مشاريع التعاون العربي أو الاستثمارات الصينية ضمن “الحزام والطريق”.

4- الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط

إدارة الإيرادات النفطية بحكمة: العقوبات على إيران قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يوفر للعراق إيرادات إضافية. ينبغي استثمارها في مشاريع البنية التحتية والإصلاح الاقتصادي بدلاً من الإنفاق العشوائي. توسيع الاستثمارات في قطاع الطاقة: تعزيز الإنتاج النفطي والغازي لتصدير المزيد للأسواق العالمية، مما قد يعوض أي خسائر اقتصادية بسبب العقوبات على إيران.

الخلاصة:

إذا تمكنت الحكومة العراقية من تطبيق هذه الإجراءات بفعالية، يمكنها تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز استقلالها الاقتصادي وتخفيف التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية على إيران. الاستراتيجية الناجحة تعتمد على تنويع مصادر الطاقة، تحصين القطاع المصرفي، دعم الاقتصاد المحلي، وإدارة علاقاتها الخارجية بذكاء. العراق أمام مفترق طرق، فإما أن يكون ضحية للصراع الأمريكي-الإيراني، أو أن يستخدم هذه التحديات كدافع لبناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا واستقلالية.

 

bassma.col@copolicy.uobaghdad.edu.iq

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: العقوبات الأمریکیة ارتفاع أسعار النفط استیراد الغاز العقوبات على على إیران یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ضغوط على بغداد لوقف استيراد الغاز الإيراني.. والعراق يتمسك بالتوازن

2 مارس، 2025

بغداد/المسلة: تضغط واشنطن على بغداد لوقف استيراد الغاز من إيران وتقليل نفوذ طهران، بينما تؤكد الحكومة العراقية تمسكها بسياسة التوازن في علاقاتها الخارجية.

وناقش وزير الخارجية الأميركي مع رئيس الوزراء العراقي ضرورة استقلال بغداد في مجال الطاقة واستئناف تشغيل خط الأنابيب العراقي-التركي.

وتتداول الأوساط السياسية العراقية أنباء عن عقوبات أميركية محتملة قد تستهدف شخصيات ومؤسسات مالية.

و في المقابل، تحاول الحكومة العراقية إعادة تصدير النفط من إقليم كردستان رغم الخلافات مع الشركات العاملة هناك.

يأتي ذلك في سياق أوسع من الضغوط الأميركية ضمن سياسة “الضغط القصوى” ضد إيران.

وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن الولايات المتحدة طرحت على بغداد مسألة وقف استيراد الغاز من إيران، في خطوة تعكس ضغوطًا متزايدة على الحكومة العراقية للحد من الاعتماد على الطاقة الإيرانية.

واعتبر حسين، في تصريحات متلفزة، أن العراق يسعى للحفاظ على توازن علاقاته مع كل من واشنطن وطهران، في إشارة واضحة إلى رفض بغداد الانصياع الكامل للمطالب الأميركية.

تصريحات الوزير العراقي جاءت بعد أيام من طلب أميركي رسمي للحد من ما وصفته الخارجية الأميركية بـ”النفوذ الإيراني..” في العراق. وشدد بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، عقب محادثة بين الوزير ماركو روبيو ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على ضرورة استقلال العراق في مجال الطاقة واستئناف تشغيل خط الأنابيب العراقي-التركي، إلى جانب الالتزام بشروط تعاقد الشركات الأميركية العاملة في العراق.

وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس أن النقاشات بين الطرفين تطرقت أيضًا إلى أهمية تحجيم نفوذ طهران، في حين تجنبت الحكومة العراقية الإشارة إلى هذه النقطة في بيانها الرسمي حول الاتصال. هذه اللهجة الأميركية المتشددة ليست جديدة، لكنها تأتي في سياق إقليمي ودولي حساس، حيث تسعى واشنطن لتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني عبر الدول المجاورة.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقًا، إن العراق بات جزءًا من سياسة “الضغط القصوى” التي تنتهجها واشنطن ضد إيران. وفي منتدى أربيل، أوضح شينكر أن الإدارة الأميركية لا تنظر إلى العراق بمعزل عن استراتيجيتها الأشمل في مواجهة طهران، بل تعتبره ساحة رئيسية في هذه المواجهة.

هذا التصريح يعيد إلى الأذهان قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في شباط الماضي، حينما وقع مذكرة تعيد فرض سياسة الضغط القصوى على إيران، مؤكدًا أن القرار يأتي لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي واحتواء نفوذها الإقليمي.

وفي بغداد، تتداول الأوساط السياسية معلومات عن عقوبات أميركية جديدة قد تستهدف شخصيات وكيانات ومصارف عراقية، مع سعي الحكومة إلى تهدئة الموقف ومحاولة تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إدارة ترامب. ويرى مراقبون أن العراق يجد نفسه في موقف معقد، حيث يحاول تجنب التصعيد مع واشنطن دون خسارة علاقته الاستراتيجية مع طهران.

وفي سياق متصل، كثفت الحكومة العراقية جهودها لإعادة ضخ النفط من إقليم كردستان، بعد توقف دام عامين، في خطوة تأتي أيضًا ضمن المطالب الأميركية بفك ارتباط بغداد الاقتصادي بطهران. وقالت وزارة النفط العراقية إن الاستئناف سيكون بمعدل أولي 185 ألف برميل يوميًا، مع زيادة تدريجية للوصول إلى الطاقة المحددة بالموازنة الاتحادية.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية ترحب بالنظام الجديد في سوريا وتدعو لإنهاء النفوذ الإيراني والروسي
  • ضغوط على بغداد لوقف استيراد الغاز الإيراني.. والعراق يتمسك بالتوازن
  • الطاقة النيابية: لا كهرباء للعراق بدون إيران!
  • العراق يتحدث عن آخر تطورات قضية توقف «إمدادات الغاز» الإيراني
  • إيران:العراق سيحصل على إعفاء وقتي لإستيراد الغاز الإيراني!
  • نائب إطاري:لا حياة للعراق ولا كهرباء بدون إيران !
  • طهران: العراق سيحصل على تصاريح مؤقتة لاستيراد الغاز الإيراني
  • كيف ستناور بغداد؟.. العقوبات القصوى قد تشمل العراق: الحكومة والحشد تحت وطأة الضغوط الأمريكية
  • كيف ستناور بغداد؟.. العقوبات القصوى قد تشمل العراق: الحكومة والحشد تحت وطأة الضغوط الأمريكية - عاجل