تحالف «تأسيس» ينتقد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ويصف موقفه بالمنحاز لـ «حكومة بورتسودان»
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
أعرب تحالف «تأسيس» الذي يضم قوى سياسية و حركات مسلحة بالإضافة إلى الدعم السريع، عن استنكاره لما وصفه بالانحياز المتزايد للمبعوث الخاص للأمم المتحدة رمطان لعمامرة بشأن «خارطة الطريق» التي أعلنتها القوات المسلحة السودانية.
الخرطوم ــ التغيير
وقال التحالف في بيان، إن تأييد الأمم المتحدة لمبادرة أحادية الجانب من طرف الجيش بدلاً من تعزيز عملية شاملة ومحايدة يعرض مصداقيتها كوسيط محايد للخطر، وأن انحياز مبعوثها الخاص يثير شكوكا جدية حول قدرته على أداء دوره كميسر محايد، مشيراً إلى أن الحكومة في بورتسودان ليست شرعية ولا تمثل القوى السياسية والاجتماعية المتنوعة داخل البلاد.
وقال تحالف السودان التأسيسي أنه أطلع على التغريدة الأخيرة التي نشرها المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى السودان، والتي أشار فيها إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يرحب بما يسمى “خارطة الطريق” التي أعلنتها “حكومة السودان” المزعومة، وأضاف “إذا تأكد هذا الموقف، فإنه يشكل دلالة واضحة ومقلقة على الانحياز المتزايد للمبعوث الخاص للأمم المتحدة في الصراع السوداني”.
وشدد التحالف على أن هذا الموقف مقلق للغاية بالنظر إلى أن ما يسمى بـ”الحكومة” في بورتسودان ليست شرعية ولا تمثل القوى السياسية والاجتماعية المتنوعة داخل البلاد، وقالت “إنها مجرد مجرد فصيل صعّد العنف، وارتكب الفظائع، ورفض باستمرار أي مفاوضات جادة”.
و أعتبرت أن قيام الأمم المتحدة بمنح هذه الجهة شرعية ضمنية لمبادرتها الأحادية، مع دعوتها جميع السودانيين إلى إثرائها، يعد تخلِّياً عن أبسط مبادئ حل النزاعات—العدالة، والشمولية، واحترام الحقائق على الأرض.
و أعتبر التحالف أن هذا التطور يكشف فشل المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى السودان، وقالت إنه بات يظهر انحيازاً متزايداً في تعاملاته، و انحرف عن دوره كوسيط محايد واصطف إلى جانب أحد أطراف النزاع. إن أفعاله، و أضافت “البيان المنسوب إلى الأمين العام يجعله غير مؤهل للاستمرار في دوره كميسر محايد. ولا يمكن للشعوب السودانية، لا سيما تلك التي تعرضت تاريخياً للتهميش والاضطهاد، أن يثقوا في عملية يتم توجيهها بشكل واضح لصالح طرف واحد”.
ونوهت إلى أن الأمم المتحدة، وكذلك السعودية وقطر وتركيا والكويت، التي أبدت مؤخراً دعمها لبورتسودان، إذا كانوا جادين في تسهيل عملية السلام في السودان، فعليهم تصحيح م اعتبرته انحياز خطير من خلال الدعوة إلى حوار شامل وتمثيلي حقيقي.
وقال التحالف في بيانه “بدلاً من إضفاء الشرعية على مجموعة إقصائية، لا تؤمن إلا بالعنف، يجب أن يكون التركيز على تعزيز عملية تعكس بحق الواقع السياسي والاجتماعي المتنوع في السودان”، وأشارت إلى أن الشعوب السودانية تستحق عملية قائمة على العدالة والإنصاف والمصالحة الحقيقية وليس محاولة مفروضة خارجياً لإعادة فرض هيمنة نموذج دولة فاشل وقمعي بحسب البيان.
وقطع تحالف السودان التأسيسي بأمه يرفض أي محاولة لتقييد إرادة السودانيين أو فرض حلول لا تنبع من الواقع الحقيقي للأزمة، و أنه يجب أن يكون الحل المستدام للأزمة السودانية شاملاً، يعترف بجميع القوى الفاعلة، ويضمن العدالة لكافة مكونات السودان، بعيداً عن أي تدخلات خارجية منحازة.
و دعا التحالف جميع الأطراف الدولية، بما في ذلك السعودية وقطر وتركيا والكويت، إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي، والاعتراف بحقوق جميع السودانيين في تقرير مصيرهم، دون انحياز أو تدخل يهدد العدالة والحرية والاستقرار في السودان.
تحالف السودان التأسيسي
الوسومالسعودية الكويت تحالف السودان التأسيسي تركيا قطر مبعوص الأمين العام للأمم المتحدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السعودية الكويت تحالف السودان التأسيسي تركيا قطر
إقرأ أيضاً:
قراءة في نص “تأسيس” نيروبي: الأصولية العلمانية (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
علمانية الدولة
بدا أن جائزة عبدالعزيز الحلو التي أغرته بـ"تأسيس" هو قبولها بغير شيء من ضرب الأخماس في الأسداس أن تنص وثيقتها صريحاً على مطلب "علمانية الدولة" (في الديباجة) كما لم يفعل عهد سوداني من قبل. وعلمانية الدولة عقيدة مؤثلة للحلو اضطر أحياناً إلى استبدالها بـ"فصل الدين عن الدولة" في وثائق وقعها مع طيف واسع من الأحزاب السودانية وحتى مع الفريق ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة عام 2021. وطالما هبت الريح علمانية ناحيته جاء الحلو إلى الوثيقة بمطلب أذاعته حركته وهو أن ينص الدستور القادم على "مبادئ فوق دستورية" مثل العلمانية وهي التي لا تخضع للتعديل مثل غيرها التي ينص الدستور على إجراءات تعديلها. فهذه المبادئ فوق الدستورية في الحفظ والصون ومتى أراد أحد تغييرها صار من حق الجماعات السودانية المتضررة نفض يدها عن البلد بممارسة حق تقرير المصير (الباب الأول المادتان 3 و7).
ومع اقتناع كثر بأن فصل الدين عن الدولة بصورة أو أخرى أزف بدليل أنه ورد مكرراً تكراراً مزعجاً في وثيقة "اتفاق سلام جوبا" إلا أن إصرار الحلو على "توثين" علمانية الدولة، توثيناً يعتزل بها الصراع السياسي الذي قد ينال من العلمانية وحتى الديمقراطية، فهو حال استثنائية في عبادة مبدأ سياسي خلت منه المبادئ. وبدا من الحلو من فرط هذا التوثين أنه مصاب بـ"الأصولية العلمانية" التي حذرنا منها جون إسبسيتو الأستاذ بجامعة "جورج تاون"، تحذيره من الأصولية الدينية. فمعرفتنا الراهنة بالدين في رأيه هي "بنت ضغينة علمانية تمكنت من الصفوة الحديثة". فغالباً ما جرى التعامل مع الدين بلا مبالاة أو بعداء صريح. ويقع تحذير "إسبسيتو" من الأصولية العلمانية في سياق مراجعة لعلاقة الدين بالعلمانية انعقدت منذ عقود. فالأكاديمي الأميركي كريق كالهون من المراجعين، صرف من اعتقد أن العلمانية حال خالصة خلت من الدين بالكلية. فقال "غالباً ما أخذنا العلمانية كحالة غياب عما عداها. فهي في اعتقادنا ما يتبقى لنا متى تلاشى الدين لا من السياسة فحسب، بل من الوجود" كما كان مطلب الثورة الفرنسية وممارستها في أول عهدها حتى بدلت الفرنسيين، وإلى حين، ديناً أحسن من دينهم في رأيها.
ونبه نيكلوس كريستوف الصحافي في "نيويورك تايمز" في أعقاب ذيوع العبارة الدينية في عهد الرئيس جورج بوش الابن إلى القطيعة القائمة بين الصحافة الليبرالية و"المهتدين الجدد" من الأميركيين. فيؤمن، إحصائياً، 48 في المئة من الأميركيين، في قوله، بخلق الله للعالم في سبعة أيام بينما يؤمن 28 في المئة منهم بمبدأ داروين. ويعتقد الأميركيون بنسبة الثلثين أو يزيد بوجود الشيطان بأكثر من صدقية نظرية داروين. وتعيش هذه الجماعة المهتدية بمعزل عن الليبراليين في ثقافتها المستقلة. فمن بين أكثر الكتب مبيعاً سلسلة كتب مسيحية عن نهاية الكون وزعت 50 مليون كتاب. ومن بين أكثر مقدمي برامج التلفزيون شهرة داعية إنجيلي يشاهده الناس داخل 190 قطراً في العالم. ومن يرى ليومنا طي خيام الليبرالية بيد إدارة الرئيس ترمب صدق قول من سمى تدين الدولة في عهد بوش بـ"الصحوة الدينية الرابعة" خلال الـ300 عام من عمر أميركا. فاللدين طرائق قدداً في الأوبة بعد الغيبة.
إعادة تأسيس
اتفق لـ"تأسيس" إعادة تأسيس كل القوى العسكرية والأمنية والخدمية المدنية من أول وجديد. فسينشأ بمقتضى وثيقتها جيش جديد مهني وقومي يمثل الطيف السوداني وتحت قيادة مدنية. وهو جيش خلا من الولاءات السياسية والجهوية والإثنية ولا تداخل له في السياسة والاقتصاد. وستكون إعادة الـتأسيس هذه حين يغلب حلف "تأسيس" ويمسك بزمام الدولة (الباب الأول 14). وحتى ذلك اليوم ستحتفظ الجماعات المسلحة الموقعة على "تأسيس" بقواتها العسكرية، أو ما وصفته الوثيقة بالاستمرار في "الكفاح المسلح كوسيلة من الوسائل المشروعة للمقاومة والنضال من أجل التغيير وبناء السودان (الباب الأول 20). فصاروا في حال بخلاء الجاحظ. جلسوا حول قدر ماء يغلي رمى فيه كل واحد منهم بقطعة لحمه مشدودة إلى الخيط لتنضج، فتفرق طعامهم بينما القدر واحد.
وبدا من نص "تأسيس" أن رهاب الإسلاميين "الكيزان" هو ما أوحى حصرياً به. فلم تكتف "تأسيس" بحل حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وتفكيكهما (الباب الأول 32) بل نصت على تحريم قيام أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني. وربما أبعدت الوثيقة النجعة هنا لاعتقادها أن "الكيزان"، الذين أقاموا بالحق نظاماً سياسياً كئيباً، هم آخر من يرغب أن تؤوب الدولة للدين. فلا استنفاد لرغائب أمة من المسلمين ولا لعزائمهم في أن يحكموا دينهم فيهم هم، لا في غيرهم، مما ساحته التشريع المنتظر، أي القنطرة البعيدة لا تزال. وهي القنطرة التي جاءت في الوثيقة بدعوتها الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي في السودان الجديد على "أسس وقواعد ومبادئ النظام الديمقراطي والشرعية الدستورية" (الباب الأول 19). وبالطبع سارعت الوثيقة في نصها هنا لتجريم "استغلال الدين لأغراض سياسية". وهذا بلا مراء خرق للديمقراطية التي جاءت في النص والتي تقوم على المنافسة من فوق برامج سياسية على مرأى من ناخبين ومسمع. فجذم آصرة الدين عن السياسة هو ما أوقعتنا فيه عبارة "الإسلام السياسي" التي ناسبت خصوم المشروع الإسلامي ليقولوا إن ثمة إسلام آخر غير سياسي، وكفى به.
وساق هذا الرهاب من الإسلام إلى نوع هوس، فلم تكتف "تأسيس" بتحصين العلمانية كمبدأ فوق دستوري يأذن للجماعة المتضررة كما رأينا بالطلاق من الأمة متى جرى انتهاكه، بل سارعت بتجريم حتى قيام الحزب الذي يدعو لغير العلمانية. ولو صح أن تكون المظالم من "نظام الإنقاذ" هي مبلغ علمنا في تدبير شأننا السياسي لجرمت "تأسيس" قيام الأحزاب على أساس إثني. فهول الإثنية والسلالية على السودان ليس أقل من هول الحزب الديني عليه. ولكن لم يطرأ لواضعي "تأسيس" منع قيام الحزبية على الإثنية والقبائلية لأنه ما اجتمع في نيروبي إلا كل ذي عصبية منهما. ويكفي أن بين الموقعين على "تأسيس" ممثل لـ"مؤتمر البجا" وهو شعب في شرق السودان.
تَطَيُر الصفوة من حلف نيروبي وشفقتهم من أن يؤدي إلى تقسيم السودان وظيفة لاكتفائها من الواقعة دون نصها. فمن قرأ "تأسيس" في سياقاته التاريخية وملابساته المعاصرة أشفق على أهله قبل السودان لأنهم صدروا فيه عن غبائن من "الكيزان" كأن نجاة السودان في إلغائهم. فرهنوا بذلك أنفسهم لعادة معارضة الكيزان أو اللوثة بهم، لا يزال، بينما استحق السودان جرأة في تخيله تضع "دولة الإنقاذ" حيث هي في ذمة التاريخ مهما بدا من انتفاش منها يحاكي صولة الأسد. فمن شأن قراءة مثل "تأسيس" أن تزيل في قول أحدهم "المحق الدارج والمفازع المبالغ فيها".
ibrahima@missouri.edu