الاستعلاء والذكاء الاجتماعي بين أمريكا وأوكرانيا
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
في عصرنا الراهن تزايد الحديث عن الذكاءات المختلفة، فمن الذكاء العاطفي الذي عرفه الدكتور دانييل جولمان عالِم النفس والصحفي المختص بالعلوم السلوكية، «Emotional intelligence» والمعروف اختصاراً بـ (EI) في كتابه «الذكاء العاطفي»، معرّفاً إيّاه: «هو قدرة الشخص على إدارة مشاعره، إذ يكون التعبير عن تلك المشاعر بشكلٍ مناسب وفعال» إلى الذكاء الاجتماعي المشير إلى مدى قدرة الشخص على امتلاك الوعي الذاتي، والتعايش مع الآخرين وفهمهم والتفاعل معهم، بالإضافة إلى امتلاك الكفاءات والسلوكيات الاجتماعية القوية، التي تؤثر على الآخرين لتشعرهم بالتقدير والثقة والاحترام، غالبًا ما يتصف الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء الاجتماعي بالود واللطف، والقدرة على التواصل والإقناع بشكل عام، يعرّف الذكاء الاجتماعي بأنهُ مزيج من الفهم الأساسي للآخرين، كما عرفه أستاذ عم النفس توني بوزان: «أن تكون قادرًا على الارتباط بالناس، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات صغيرة أو حتى في التجمعات الأكبر عددًا، فأنت مشترك في عملية تواصل بين العقول بعضها البعض» لا يمكن بلوغ الذكاء اللغوي والذكاء الدبلوماسي وحتى الذكاء الاصطناعي وكل تلك الذكاءات دون توافر مهارات وكفاءات تمكن وجودها وتحفز تفعيلها، لكن استحضار تلك الذكاءات في مقالة اليوم ما هو إلا تعبير عن استغراب غيابها في حوار رئاسي ساده الاحتقان المتراكم ولغة التفوق والاستعلاء.
حديث هذه المقالة عن لغة الحوار بين رئيسين في جلسة كانت معدة لتوقيع اتفاقية تعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، اللقاء الذي دار في البيت الأبيض متضمنا توترا حادا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونائبه جيه دي فانس، من جهة، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى، لقاء كان حديث وسائل الإعلام العالمية لأيام، خلال اللقاء قال دونالد ترامب لفولوديمير زيلينسكي إنه غير مستعد للسلام، وإن بلاده في ورطة وإنها لا تنتصر في الحرب، وإن عليه أن يكون ممتنا ويوافق على وقف لإطلاق النار، أما نائبه جيه دي فانس، فقد قال إن من قلة الاحترام أن يأتي زيلينسكي إلى البيت الأبيض ويجادل أمام وسائل الإعلام الأمريكية.
كان واضحا هدف الجانب الأمريكي من هذا الاجتماع المتمثل في اتفاقية كان مقررا أن يوقعها الرئيس الأمريكي، مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تمكّن الولايات المتحدة من اقتسام ثروة كييف من المعادن، وهي صفقة يعدها ترامب بمنزلة ردّ الجميل للمساعدات التي قدمها دافعو الضرائب الأمريكيون إلى الدولة التي مزقتها الحرب، ولم تتضمن مسودة الاتفاق، التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، سوى إشارات غامضة إلى حماية أوكرانيا، وتنص مسودتها على دعم الولايات المتحدة جهود أوكرانيا «للحصول على ضمانات أمنية ضرورية لإرساء سلام دائم».
الرئيس الأوكراني المنهك من الحالة غير المستقرة لبلاده لم يقبل اللغة الاستعلائية لأمريكا، خصوصا مع إصرار ممثليها على تذكيره بضعف موقفه وحاجته لهم لتحقيق السلام، لكن هذا السلام المؤمل لن يأتي دون ضريبة والضريبة هي حصة كبيرة من ثروة أوكرانيا من المعادن، ولعل الأمر على تعقيده من جهة وارتفاع قيمة جزائه من جهة أخرى كان لينتهي بتوقيع الاتفاق خاصة مع محدودية البدائل لدى أوكرانيا المستنزفة المنهكة عسكريا وأمنيا، إلا أن لغة الحوار من الجانب الأمريكي التي لم تقترب من الذكاء الاجتماعي إلا إن تخيلنا أن «الاستغلال الواضح» هو ذكاء اجتماعي بمعنى فرض الرأي الواحد على الأضعف مواردَ وقوة استراتيجية، ولكان الأمر هيّنا لو تم بعيدا عن وسائل الإعلام، أما أن يؤتى بالرجل لاستعراض ضعفه ثم إهانته بتكرار ضرورة الامتنان وشكر أمريكا وكأن المقصد أن جئنا بك لتهذيبك ثم لتوقيعك صاغرا لبلاد ستنقذك من أزماتك، ولا يوجد لهذه الإنقاذ المؤمل أي ضمانات بعد توقيع اتفاقية مشاركة المعادن.
ليست المرة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البعد عن لغة الدبلوماسية وأقنعة الساسة في بلوغ مآربهم، فطالما عبّر مباشرة عن خططه لاستنزاف ثروات الدول مقابل حلم تحالفها مع أمريكا بأسلوب لا يمكن إلا أن يوصف بالمتعالي الفظ، وهو تحديدا ما استنفر الكثير من المسؤولين الأوروبيين لدعم موقف الرئيس الأوكراني الذي وافق رغم كل شيء على توقيع الاتفاقية، لكنه يطلب ضمانات أمنية بعد إعلان وقف إطلاق النار مع روسيا.
ختاما: اجترار الحديث عن اللغة الدبلوماسية والذكاء الاجتماعي في الاجتماعات الرئاسية للقوى العظمى، لن يجعل اجتماع البيت الأبيض بالرئيس الأوكراني أحد أمثلتها العملية يقينا، حتى وإن تحققت نتائجه المتمثلة في توقيع اتفاقية لمصلحة أمريكا، وكان الأجدى تفعيل لغة الحوار العاطفية والذكاء الاجتماعي لتحقيق ذات النتيجة بأسلوب حضاري يتناسب ومعطيات المرحلة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاجتماعی الرئیس الأوکرانی من جهة
إقرأ أيضاً:
ترامب يعلنها ويجدد المخوف.. العد التنازلي بدأ للدول التي لم تتوصل لاتفاق تعرفة مع أمريكا
(CNN)-- صرح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، بأنه قد يعيد فرض رسوم جمركية "متبادلة" على بعض الدول خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وهو ما قد يُمثل تصعيدًا جديدًا كبيرًا للحرب التجارية العالمية التي أثارت بالفعل مخاوف من ركود اقتصادي أمريكي وعالمي.
وقال ترامب في المكتب البيضاوي: "في النهاية، أعتقد أن ما سيحدث هو أننا سنحصل على صفقات رائعة، وبالمناسبة، إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع شركة أو دولة، فسنحدد الرسوم الجمركية.. أعتقد أنه خلال الأسبوعين المقبلين، أليس كذلك؟ أعتقد ذلك، خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع القادمة".
وفي 9 أبريل، علّق ترامب ما يُسمى بالرسوم الجمركية الضخمة، والتي لا تُعتبر متبادلة من الناحية الفنية، وكان من المفترض أن تكون هذه المهلة 90 يومًا للسماح للدول بالتفاوض مع الإدارة، وصرح مسؤولو ترامب بأن ما بين 90 و100 دولة عرضت التفاوض على صفقات.
وبدون هذه الصفقات المتفاوض عليها، قد يفرض ترامب رسومه الجمركية على دول تصل نسبتها إلى 50% - باستثناء الصين، التي حددتها إدارة ترامب بنسبة فلكية بلغت 145%.
وليس من الواضح ما هي الرسوم الجمركية الجديدة التي سيفرضها ترامب على الدول التي تعجز عن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة، وما إذا كانت هذه الرسوم ستحل محل الرسوم الجمركية المتبادلة المتوقفة بشكل دائم، أم أنها ستكون مجرد رسوم مؤقتة ريثما تستمر المفاوضات، في غضون ذلك، تُبقي الولايات المتحدة على رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة تقريبًا إلى أمريكا، بالإضافة إلى رسوم أعلى على سلع معينة.
وأثار موقف ترامب المتردد بشأن الرسوم الجمركية حالة من عدم اليقين الشديد لدى الشركات والمستهلكين. كما هزّ الأسواق، مما أدى إلى انخفاض حاد في الأسهم والأصول الأمريكية. ورغم انتعاش السوق لمدة يومين، لا يزال مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يفقد 7 تريليونات دولار من قيمته منذ أن بلغ أعلى مستوى له في منتصف فبراير/ شباط.