بـ79 أمراً في 40 يوماً.. ترامب يهز النظام القائم بأمريكا
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
بغداد اليوم- متابعة
وقّع دونالد ترامب 79 "أمراً تنفيذياً" منذ عودته إلى الرئاسة الأمريكية في 20 يناير كانون الثاني 2025، وهو عدد يوضح رغبته في هز النظام القائم ويعادل ما أصدره سلفه الديمقراطي جو بايدن خلال عامه الأول بأكمله في البيت الأبيض، وفق إحصاء لوكالة "فرانس برس".
ويشكّل هذا السيل من المراسيم رقماً قياسياً تاريخاً، فلم يسبق لرئيس أمريكي أن وقع على مثل هذا العدد الكبير من الأوامر التنفيذية في بداية ولايته منذ العام 1937، وفق السجل الاتحادي الأمريكي الذي ينشرها منذ ذلك التاريخ.
كذلك، يعكس هذا تسارعاً قوياً مقارنةً بالولاية الأولى لدونالد ترامب (2017-2021)، فخلال الفترة نفسها كان قد وقع على خمسة عشر أمراً تنفيذياً فقط.
ويشمل ذلك بعض أسس التجارة الحرة وتشريعات تحمي الأقليات العرقية فضلاً عن تقليص أو حتى إلغاء خدمات اتحادية. ويظهر الرئيس الأمريكي بانتظام في مكتبه مسلحاً بقلمه ومؤكداً طموحاته لاستعادة عظمة أمريكا، ومتبنياً وجهة نظر معاكسة للإدارة السابقة.
حوالي ثلث الأوامر الموقعة حتى الآن تعدل أو تلغي قوانين سنتها إدارة بايدن، بحسب ما خلص إليه تحليل أجرته وكالة "فرانس برس".
لكن هذه الرغبة في التغيير تواجه مقاومة: فحتى 27 فبراير، جرى الطعن أمام القضاء في 16 من هذه الأوامر، وفق موقع "حاست سيكيورتي" المتخصص التابع لكلية الحقوق بجامعة نيويورك.
في ما يأتي نظرة على الموضوعات الرئيسية لأوامر الرئيس الأمريكي:
الاقتصاد والتجارة
الاقتصاد هو محور الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب، إذ تناول 27 منها الرسوم الجمركية ودعم الوقود الأحفوري، بحسب تعداد لوكالة "فرانس برس".
ويتعلق 12 أمراً بالتجارة والرسوم الجمركية التي زادها بنسبة 25% على المنتجات من كندا والمكسيك، وبنسبة 10% على المنتجات الصينية. وقال ترامب الخميس إنه يعتزم فرض ضريبة إضافية بنسبة 10% على الصين، لكنه لم يصدر أمراً بشأنها حتى الآن.
وأعلن الرئيس الأمريكي أيضاً "حالة طوارئ في مجال الطاقة" للوفاء بوعده الانتخابي بشأن تعزيز إنتاج المحروقات محلياً.
كذلك، وقع ترامب، الذي يصف التحول في مجال الطاقة بأنه "عملية احتيال"، عدة أوامر غير مواتية لمشاريع السيارات الكهربائية وطاقة الرياح، وأمراً آخر يلغي هدف القضاء على مصاصات الشرب البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة.
التنوع والنوع الاجتماعي
يتناول حوالي 14 أمراً تنفيذياً قضايا التنوع والنوع الاجتماعي، ما يعكس موقف ترامب من المتحولين جنسياً وسياسات "التنوع والمساواة والإدماج".
ومن بين النصوص التي تم التوقيع عليها: الاعتراف بوجود جنسين فقط هما الذكر والأنثى، وحظر "أيديولوجيا التحول الجنسي" في الجيش بهدف استبعاد الأشخاص المتحولين جنسياً، وتقييد إجراءات التحول الجنسي لمن هم دون سن 19 عاماً. وتواجه هذه القرارات جميعها طعوناً أمام القضاء.
ويحظر أمران آخران على الوكالات الحكومية والجيش اتخاذ أي إجراء إيجابي في التوظيف على أساس العرق أو الجنس.
الهجرة
يتناول 16 أمراً تنفيذياً بشكل مباشر وغير مباشر هذا الموضوع المركزي للحملة الانتخابية.
ويورد نص وقعه ترامب في نهاية يناير أن برنامج قبول اللاجئين "يضر بمصالح" الولايات المتحدة.
وبعد ذلك جمدت إدارة ترامب التمويل للمنظمات المرتبطة بهذا البرنامج، لكن قاضيا اتحادياً علّق تنفيذ هذا الأمر.
ووقع ترامب أيضاً أمراً تنفيذياً يقلص حق الحصول على الجنسية بالولادة، المنصوص عليه في التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي. وقد علّق عدة قضاة اتحاديين تطبيقه، ما ينذر بمعركة قد تصل إلى المحكمة العليا ذات الغالبية المحافظة.
وفي أحد أحدث أوامره التي وقعها الجمعة، ثبّت ترامب الإنجليزية لغة رسمية للولايات المتحدة، وألغى نصاً يعود إلى عهد سلفه بيل كلينتون يهدف إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات العامة "للأشخاص ذوي الكفاءة المحدودة في اللغة الإنجليزية".
عملياً، لن تكون الوكالات الاتحادية ملزمة بتقديم الخدمات بلغات أخرى غير الإنجليزية، والكثير منها يفعل ذلك حالياً وخصوصاً باللغة الإسبانية.
إدارة الكفاءة الحكومية
فصّل ترامب في ستة أوامر تنفيذية صلاحيات إدارة الكفاءة الحكومية التي تعرف اختصاراً باسم "دوج"، وهي مؤسسة غامضة يشرف عليها إيلون ماسك ومهمتها خفض الإنفاق العام.
ويوجّه أحد الأوامر فرق "دوج" بإعداد قائمة باللوائح التنظيمية غير الضرورية، بهدف "البدء في تفكيك الدولة البيروقراطية الساحقة والمرهقة".
اقتصاد
حتى الآن، أصدر ترامب 13 أمراً تنفيذياً بشأن الصحة تنص خصوصاً على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وتعليق الوصول إلى موقع معلومات حكومي حول الحقوق الإنجابية، وإلغاء أوامر بايدن التنفيذية التي تضمن الوصول إلى حبوب الإجهاض وتحمي البيانات الشخصية للنساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض.
ووقع ترامب أيضاً مراسيم لإعادة تعيين أفراد القوات المسلحة الذين تم تسريحهم لرفضهم لقاح كوفيد، وحظر التمويل الاتحادي للمؤسسات التعليمية التي تتبنى إلزامية التطعيم ضد كوفيد.
التكنولوجيا
وقع دونالد ترامب، المقرب من إيلون ماسك رئيس شركتي "سبيس إكس" و"تسلا"، على 10 أوامر تنفيذية تتعلق بالتكنولوجيا: ثلاثة بشأن الذكاء الاصطناعي، واثنان بشأن العملات المشفرة.
كذلك، أصدر أمراً بإنشاء "المجلس الوطني للهيمنة في مجال الطاقة"، المسؤول خصوصاً عن تطوير إنتاج الكهرباء من أجل التفوق على الصين في مجال الذكاء الاصطناعي في ظل استهلاك مراكز البيانات الكبير للطاقة.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: فی مجال
إقرأ أيضاً:
انتهى السلام الأمريكي وما يليه سيكون أسوأ
على مدى نحو ثمانية عقود، استفادت الإنسانية من النظام الدولي الذي بنته القوة الأمريكية وحافظت عليه.
تايوان معرضة لخطر أكبر من الصين
كتب نيكولاس كريل في موقع "ذا هيل، أن "السلام الأمريكي" الذي تميّز بعلاقات دولية مستقرة، وبتوسع التجارة العالمية، وبازدهار غير مسبوق، وبغياب النزاع بين القوى العظمى، انتهى فجأة، وما سيليه سيصدم كل الذين تعودوا على مكاسبه.
لم يكن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية مثالياً، لكنه حقق نتائج ملحوظة. أنتجت القيادة الأمريكية أطول فترة دون حرب كبرى بين القوى العظمى في التاريخ الحديث. وتراجع الفقر العالمي بشكل كبير، حيث انخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع من أكثر من نصف سكان العالم في الخمسينيات، إلى أقل من 10%.
"The tragedy is that many Americans, frustrated by the costs of global leadership, fail to recognize the many indirect benefits they’ve received from it."https://t.co/HhKsAm4MZ6
— Sebastian Huluban (@HulubanS) March 1, 2025وتوسع الحكم الديمقراطي إلى مستويات غير مسبوقة. وأنشأت المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية، منتديات لحل النزاعات سلمياً. وحدث كل هذا تحت مظلة التفوق العسكري الأمريكي والالتزام بالنظام الدولي القائم على القواعد. إن تلك الحقبة انتهت، ليس بحدث حاسم، لكن بالتخلي الأمريكي عنها عمداً.
ولفت الكاتب إلى أن المطالب الأخيرة للرئيس دونالد ترامب، من محاولة شراء غرينلاند من الدانمارك رغم إرادتها، والتهديد بفرض تعريفات عقابية ضد الحلفاء والجيران، إلى إجبار أوكرانيا على تسليم الثروة المعدنية مقابل استمرار الدعم الأمريكي، تشير إلى تحول جوهري. وتتخلى أمريكا عن دورها مسؤولة عن النظام لمصلحة التحول إلى مجرد قوة عظمى أخرى لا تهتم إلا بمصالحها. وستكون العواقب واسعة النطاق وشديدة.
Pax Americana: deposing leaders, seizing turf, redrawing borders—all while two powers carved up the world /2https://t.co/nXRun8i5wh
— Brandon Zicha (@ProfBZZZ) March 1, 2025يرى الكاتب أن الضمانات الأمنية التي منعت نشوب الصراعات المسلحة، ستضعف.وطيلة عقود ردع المعتدون المحتملون عند معرفة أن مهاجمة حلفاء أمريكا من شأنه أن يؤدي إلى تدخلها. ومع تآكل هذه المصادقية، فإن القوى الانتهازية ستختبر الحدود. فتايوان معرضة لخطر أكبر من الصين، ودول البلطيق والدول الأخرى المتاخمة لروسيا أكثر عرضة للخطر.
وستتحول الدول الأصغر، على نحو متزايد، بيادق في منافسات القوى العظمى. فخلال "السلام الأمريكي"، كان بوسع الدول الصغيرة أن تمضي في علاقاتها الدولية باستقلالية معقولة، محمية بالمعايير الدولية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي النظام الناشئ متعدد الأقطاب، ستواجه هذه البلدان الإكراه من القوى الإقليمية التي تسعى إلى إنشاء مناطق نفوذ.
ونحن نشهد فعلاً هذه الديناميكية مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواقف العدوانية المتزايدة من الصين في بحر الصين الجنوبي. ومثلها كمثل أسماك القرش التي تشم رائحة الدم في الماء، تستعد القوى المعادية للعودة إلى عالم حيث، كما كتب ثوسيديديس الشهير "الأقوياء يفعلون ما في وسعهم، والضعفاء يعانون ما وجب عليهم". ستصبح الحروب الكبرى بين الدول أكثر شيوعاً مما كانت عليه خلال العقود الماضية.
وغير بعيد، سيصبح اختلال توازن القوى بين الدول النووية وغير النووية أكثر وضوحاً وخطورة. خلال فترة "السلام الأمريكي"، حمت المظلة النووية الأمريكية الحلفاء، ما أدى إلى تقليل حوافز الانتشار النووي. وبما أن هذه الحماية باتت غير جديرة بالثقة، فستواجه البلدان خياراً صارخاً، إما تطوير أسلحة نووية، أو قبول الضعف. ومن المرجح أن تكون النتيجة انتشاراً للنووي، ما يزيد خطر سوء التقدير والحوادث واندلاع سباقات التسلح الإقليمية.
وسيعاني الازدهار الاقتصادي مع تفكك الاقتصاد العالمي المتكامل. لقد خلق النظام الذي تقوده الولايات المتحدة الظروف المثالية للعولمة، بممرات شحن آمنة، وقواعد يمكن التنبؤ بها، وتجارة حرة نسبياً. ودون قوة عظمى تعمل على فرض هذه المعايير، سترتفع النزعة الحمائية، وستتمركز سلاسل التوريد، وتتراجع الكفاءة الاقتصادية.
إن الدول الأكثر فقراً، التي استفادت بشكل كبير من الاندماج في الأسواق العالمية، ستعاني أكثر من غيرها مع تراجع الاستثمار إلى ملاذات أكثر أماناً. وستشهد الدول الأكثر ثراءً انخفاضاً في مستوى معيشتها بسبب منع الوصول إلى الأسواق التي توفر عمالة أرخص.
والمأساة هي أن الكثير من الأمريكيين، الذين يشعرون بالإحباط من تكاليف القيادة العالمية، يفشلون في إدراك الفوائد غير المباشرة العديدة التي حصلوا عليها منها. صحيح أن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية لم يكن حراً، ولكن بتحمل تلك التكاليف، تمكنا من الحفاظ على عالم يفضي بشكل ملحوظ إلى صون مصالح الولايات المتحدة. إن عصر الأسواق المستقرة للصادرات، والقدرة على الوصول إلى الموارد بشكل موثوق، والقليل من التهديدات الأمنية المباشرة، يقترب من نهايته، مع ابتعادنا عن دور القوة المهيمنة الخيّرة نسبياً.
ومن شأن الفوضى المقبلة أن تلحق الضرر بالأمريكيين أكثر مما يدركون، وذلك بالتهديدات العسكرية المتزايدة والاضطرابات الاقتصادية. إن الذين يحتفلون بتراجع أمريكا عن القيادة العالمية، سيدركون قريباً أن أمنيتهم قد تحققت على مخلب قرد. إن العالم الذي سيتبع "السلام الأمريكي" سيكون أكثر فقراً، وأكثر خطورة، وأقل حرية، وهو درس قاس عن مدى تحسن النظام المنقوص، الذي تقوده الولايات المتحدة مقارنة مع البدائل التي يقدمها التاريخ.