بوتين مستعد لتقسيم العالم بسكين سلمها له ترامب
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
تعمل واشنطن وموسكو على إصلاح العلاقات بينهما بسرعة فائقة، لا تضاهيها إلا السرعة التي تعمل بها إدارة ترامب على التحطيم في الداخل. فبعد اجتماع مع وزير الخارجية ماركو روبيو في المملكة العربية السعودية في الثامن عشر من فبراير، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: إن الجانبين قررا «القضاء على العوائق» الحائلة دون تحسين العلاقات الثنائية، وهي عبارة بثت الرعب في أوصال المنفيين الروس -وأنا منهم- ممن سعوا إلى ما بدا لهم في حينه وكأنه ملاذ آمن في الولايات المتحدة.
بالطبع، ينصب اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما يفوق محض مجموعة من المنفيين السياسيين، كما أن مفاوضاته مع الرئيس ترامب بشأن أوكرانيا لا تتعلق بأوكرانيا فحسب، فما يريده بوتين لا يقل عن إعادة تنظيم العالم، كما فعل جوزيف ستالين بالاتفاقيات التي توصل إليها مع فرانكلين دي روزفلت وونستون تشرشل في مدينة يالطا بشبه جزيرة القرم في فبراير 1945. وبوتين يريد تقسيم العالم منذ فترة طويلة. والآن، أخيرا، يسلمه ترامب السكين.
كيف لي أن أعرف أن بوتين يريد هذا؟ لأنه قال ذلك بنفسه. ففي الواقع، هو ولافروف وكادر من مسؤولي الدعاية في الكرملين والمؤرخين المعنيين بإعادة كتابة التاريخ لم يسكتوا عن اتفاقية يالطا منذ أكثر من عقد من الزمان. فبعد ضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني في عام 2014، ألقى بوتين كلمة في تجمع للاحتفال بالذكرى السبعين للاتفاقية، وتوج ذلك بإزاحة الستار عن نصب تذكاري لقادة الحلفاء الثلاثة.
ويتجاوز احترامه لاتفاقية يالطا تمجيد الاتحاد السوفييتي العظيم الغابر وزعيمه ستالين، إذ يعتقد أن الاتفاقية التي توصل إليها الزعماء الثلاثة ـ فاحتفظ الاتحاد السوفييتي بموجبها بثلاث دول ضمها من دول البلطيق إلى جانب أجزاء من بولندا ورومانيا، ثم ضمان الهيمنة على ست دول في شرق ووسط أوروبا وجزء من ألمانيا ـ هي الإطار الشرعي الوحيد للحدود والأمن الأوروبيين. وفي فبراير، بينما كانت روسيا تحتفل بالذكرى الثمانين للاتفاقية، وتستعد للجلوس مع إدارة ترامب، كرر لافروف والمؤرخون الرسميون في روسيا هذه الرسالة في مقال تلو الآخر.
ففي هذا الأسبوع، جلس ألكسندر دوجين، الذي يقدم نفسه باعتباره فيلسوفا، ويزود بوتين باستمرار باللغة الإيديولوجية لدعم سياساته، في مقابلة طويلة مع جلين جرينوالد، الصحفي الأمريكي اليساري السابق. فأوضح دوجين بلطف لماذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا، والسبب الذي طرحه هو أن روسيا أرادت وكان لزاما عليها أن تستعيد ممتلكاتها الأوروبية السابقة، ولم يمكنها واقعيا إلا محاولة احتلال أوكرانيا فقط. كما عرض مسارات محتملة لإنهاء الحرب. وقال إن روسيا سوف تطلب على أقل تقدير تقسيم أوكرانيا ونزع سلاحها ونزع طابع النازية عنها. وكان يستخدم عمدا اللغة التي استخدمها الحلفاء في يالطا لوصف ألمانيا.
وفي موقع (إكس)، الذي شهد نشاطا مفرطا من دوجين في الأسابيع الأخيرة، كان أجرأ من ذلك. ففي الفترة السابقة لانتخابات الأسبوع الماضي في ألمانيا، كتب يقول: «صوّتوا لحزب (البديل من أجل ألمانيا) وإلا سنحتل ألمانيا مرة أخرى ونقسمها بين روسيا والولايات المتحدة». (وقد أرسل لي صديق صحفي ألماني صورة للمنشور يسألني عما إذا كان حقيقيا - فالصحفيون الألمان أقل اعتيادا من الصحفيين الروس على ما لا يمكن تصوره).
يدرك الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي ضخامة التهديد، لا لبلده فقط ولكن لأوروبا، التي تمثل لها أوكرانيا منطقة عازلة مميتة. ولكن يوم الجمعة، عندما حاول التحدث عن هذا التهديد خلال اجتماع في المكتب البيضاوي، غضب ترامب ونائبه جيه دي فانس غضبًا شديدًا. وصاحا فيه، مطالبين إياه بالاعتراف بعجزه والانحناء امتنانًا. وانهارت المحادثات.
فماذا يحدث لأوكرانيا الآن؟ قبل زيارة زيلينسكي لواشنطن، كان السيناريو الأفضل هو أن توافق روسيا على وقف إطلاق النار في مقابل ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها حاليًا. ومن شأن هذا أن يترك ملايين المواطنين الأوكرانيين ـ ممن يعيشون في الأراضي المحتلة وممن نزحوا شرقًا ـ تحت الحكم الروسي. والآن يبدو أن هذه النتيجة، التي كانت غير مرجحة أصلا، شبه مستحيلة. فنحن الآن في عالم أسوأ السيناريوهات، حيث من الممكن أن نتخيل بوتين يشن هجوما متجددا ضد أوكرانيا، ساعيا إلى الهيمنة الكاملة، وهذه المرة بمساعدة نشطة من الولايات المتحدة.
ولا يريد بوتين العودة إلى القرن العشرين فحسب. فهو هناك بالفعل، وعلى كل من يبحث عما قد يحدث بعد ذلك أن يلجأ إلى هذا الموضع، وتحديدًا إلى عام 1938 حينما توسط رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين ـ الذي كان يتصور نفسه مفاوضًا عبقريًا وخبيرًا في كل شيء ـ في اتفاقية أعطت سودتنلاند لهتلر، وهي منطقة من تشيكوسلوفاكيا. وفي المقابل، تصبح بقية أوروبا في ظاهر الأمر آمنة من العدوان الألماني، وبعد عام من توقيع اتفاقية ميونخ المترتبة على ذلك، قامت ألمانيا بغزو بولندا وبدأت الحرب العالمية الثانية رسميا.
فعندما هدد ترامب الغاضب زيلينسكي باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، ربما كان يعقد مقارنة تاريخية أدق كثيرًا مما كان يدرك.
ولكن، ما الذي سيحدث إذا أطلقت روسيا عدوانها ضد أوروبا، دون رادع من الولايات المتحدة بل حتى بمساعدة منها؟ من المستحيل التنبؤ بالخطوط العريضة الدقيقة للكارثة الوشيكة، فلن يبدو العالم شبيها بالعالم ثنائي القطب في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن المؤكد أيضًا أنه لن يبدو شبيها بالعالم الذي نعيش فيه وتشعر فيه شعوب معظم دول العالم الغنية بالأمان.
أتذكر أنني قرأت عن حياة المنفيين في باريس في ثلاثينيات القرن العشرين. حيث مضى اليهود والشيوعيون الألمان -الذين فروا بحياتهم- يراقبون العالم وهو يعيد ترتيب نفسه. انقلبت الأحزاب السياسية التي كانت مناهضة للفاشية بين عشية وضحاها، واتخذت مواقف تتراوح بين الاسترضاء والاحتضان الكامل.
أشاح القادة الفرنسيون والبريطانيون أنظارهم بعيدا بينما كان هتلر يختبر قوته خارج ألمانيا. ومع تهميش مناهضة الفاشية، أصبحت معاداة السامية هي السائدة. وانصب اللوم على ضحايا هتلر في سوء حظهم. في معظم الأيام الآن، أتواصل مع أصدقاء من روسيا أو بيلاروسيا في المنفى يعانون من نوع مرعب من شعور (الدجا فو). فلعل صدمة أكبر من صدمة أصدقائنا الأمريكيين من السرعة التي أصبح بها الأثرياء والأقوياء، مثل: جيف بيزوس مالك صحيفة واشنطن بوست، داعمين للترامبية، وكيف أن الهواء نفسه يبدو وكأنه يتغير، حتى يصبح زيلينسكي فجأة، برؤيته الواضحة ومبادئه الثابتة، وكأنه الشاذ عن الطبيعي.
لقد رأينا كل هذا من قبل، وهذا من أسباب شعورنا بالصدمة: فقد رأينا إلام انتهت الأمور. ومن الأسباب أيضا أننا لم نتوقع أن يحدث هذا في الولايات المتحدة. فقد كنا نعتقد أن بلادنا عرضة بشكل خاص للتشويه السياسي بسبب تاريخها الطويل من الحكم الشمولي. وقد عبرت عن ذلك المنفية الروسية الشابة كسينيا ميرونوفا بقولها إنه «كان من الجيد أن نعرف أن هناك بلدًا واحدًا مسؤولوه، قد لا يكونون محبوبين، لكنهم على الأقل عقلاء». وأهم من ذلك أنه كان من الجيد الاعتقاد بأن المجتمع نفسه عاقل.
ميرونوفا صحافية تبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا، اضطرت إلى الفرار من روسيا في منتصف الليل قبل ثلاث سنوات، وخطيبها مسجون في مستعمرة يقضي عقوبة مدتها اثنان وعشرون عاما بتهمة الخيانة العظمى، وقد عبرت بست دول قبل أن تجد مأوى في نيويورك ضمن برنامج سينمائي، وقد كانت تحسب أن ولادتها في روسيا محض حظ سيئ. والآن، يبدو على نحو متزايد أن العالم كله مكان سيء أينما كان مولدك فيه. ففي بداية الفصل الدراسي الربيعي، تلقت ميرونوفا رسالة بريد إلكتروني تبلغها بإيقاف تمويلها نتيجة لأحد أوامر ترامب التنفيذية. فإلى أين تذهب؟ ليس العودة إلى روسيا خيارًا مطروحًا. وفي حال انحياز ترامب لبوتين، لن تكون الولايات المتحدة خيارًا مطروحًا هي الأخرى.
«وحتى المريخ سوف يستعمره ماسك» حسبما قالت ميرونوفا.
ماشا جيسن صحفي روسي من كتاب الرأي في نيويورك تايمز
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
بعد الملاسنة الحادة بينه وترامب في البيت الأبيض.. زيلينسكي يتراجع: مستعد لتوقيع اتفاق المعادن
البلاد – جدة
منذ “اللقاء الصعب” المتضمن مشادة كلامية على الهواء بين الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي، يجري تداول تساؤلات بشأن المرحلة المقبلة، ومصير صفقة المعادن الأوكرانية، بل ومآلات دعم واشنطن لكييف والحرب الروسية الأوكرانية، خاصة مع ما ذكرته “وول ستريت جورنال” أمس (السبت)، عن طلب ترامب من مسؤولي الأمن القومي دراسة إمكانية وقف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا.
وعقب حديث ترامب عن “عدم امتنان” أوكرانيا لأمريكا، ليّن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موقفه بتأكيده أمس أن الحوار في واشنطن كان صعباً، لكنه أضاف: “مستعد لتوقيع اتفاقية المعادن”. وقال في بيان نشره عبر سلسلة منشورات عبر حسابه الرسمي على “إكس”، “نحن ممتنون للغاية للولايات المتحدة على كل الدعم”، معبراً عن امتنانه لترامب وللكونغرس وللشعب الأمريكي خاصة خلال السنوات الثلاث من الغزو الروسي.
اعتبر زيلينسكي أن مساعدة واشنطن كانت حاسمة في مساعدة أوكرانيا على البقاء على قيد الحياة، وطالب الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانب كييف بشكل أقوى، مضيفاً: “على الرغم من أن الحوار في واشنطن كان صعباً، فإننا لا نزال شركاء استراتيجيين. ولكننا بحاجة إلى أن نكون صادقين ومباشرين مع بعضنا البعض لفهم أهدافنا المشتركة بشكل حقيقي”.واقتبس زيلينسكي مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، قائلاً: “السلام العادل ليس مجرد صمت للحرب”. واستطرد: “نحن نتحدث عن سلام عادل ودائم للجميع”.
وشدد على أن توقيع اتفاقية المعادن سيكون مرهوناً بضمانات أمنية، موضحاً: “لا يمكننا وقف القتال إلا عندما نعلم أن لدينا ضمانات أمنية وسيكون ذلك صعباً من دون الدعم الأمريكي”.
ويخشى زيلينسكي، كما حلفاؤه الأوروبيون، دفع ثمن التقارب المتسارع بين ترامب وبوتين، فيما يسعى بشدة للحصول على ضمانات أمنية في حال وقف الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما ترفض الولايات المتحدة منحه إياه حتى الآن، بصورة مباشرة على الأقل، إذ تتحدث فقط عن الرغبة في أوكرانيا آمنة.
وهناك معادلة تحكم الحرب الروسية الأوكرانية وهي: لا حرب بلا دعم أمريكي ولا سلام دون موافقة أوكرانيا، فاستمرار أوكرانيا في الحرب دون الدعم الأمريكي غير ممكن، أيضًا السلام يتطلب موافقتها.
وبحسب بيانات صادرة عن “متتبع دعم أوكرانيا”، فإن الولايات المتحدة تصدرت قائمة الدول الأكثر تقديمًا للمساعدات لأوكرانيا خلال الفترة من 24 يناير 2022 إلى 31 ديسمبر 2024، بإجمالي 119.2 مليار دولار. وقد شكلت المساعدات العسكرية الجزء الأكبر من هذا الدعم، تلتها المساعدات المالية والإنسانية.
وجاءت مؤسسات الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بإجمالي 52.1 مليار دولار، وركزت بشكل أساسي على المساعدات المالية، مع مساهمات أقل في الجانبين العسكري والإنساني، وجاءت ألمانيا في المركز الثالث بمساعدات بلغت 18.1 مليار دولار، أغلبها عسكرية، وقدمت المملكة المتحدة 15.4 مليار دولار، أغلبها معدات عسكرية، وقدمت فرنسا مساعدات بقيمة 5.1 مليار دولار.
ويقدر الرئيس ترامب أن بلاده قدمت مساعدات إلى أوكرانيا بقيمة 350 مليار دولار. وتُظهر تلك البيانات التزام واشنطن في عهد بايدن بدعم كييف عسكريًا، لتعزيز موقفها الدفاعي، في الوقت الذي تركز فيه أوروبا على الدعم المالي بشكل أوسع.
وينتهج الرئيس ترامب سياسة رفع السقف للوصول إلى أفضل صفقة، لذلك جعل الباب مواربًا لزيلينسكي، بالقول إنه يمكن أن يعود للقائه في البيت الأبيض عندما يعتزم المضي في طريق السلام، وبالطبع عندها سيوقع صفقة المعادن، في شكلها الجديد المتمثل في صندوق استثماري مشترك لاستخراج واستغلال المعادن الأوكرانية.