توصلت دراسة حديثة إلى أن تعرض الشخص للعنف يؤدي إلى تغييرات في جيناته تنتقل لأبنائه وأحفاده والأجيال القادمة.

وقد قام باحثون من جامعتي فلوريدا وييل بالولايات المتحدة، والجامعة الهاشمية في الأردن، بهذه الدراسة التي نشرت يوم 27 فبراير/شباط الماضي في مجلة تقارير علمية.

وعام 1982، حاصر نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مدينة حماة، وارتكب فيها مجزرة مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من مواطنيها.

ووجد الباحثون أنه بالإضافة لمقتل الآلاف، فقد تركت المجزرة آثارا مخفية عميقا في جينات الأسر السورية. إذ تبين أن أحفاد النساء اللاتي كن حوامل أثناء الحصار ــالأحفاد الذين لم يختبروا مثل هذا العنف قط- يحملون علاماته في جينوماتهم. وهذه البصمة الجينية، التي تنتقل عبر أمهاتهم، تقدم أول دليل بشري على ظاهرة لم يتم توثيقها من قبل إلا في الحيوانات: الانتقال الجيني للإجهاد (ضرر وتلف) عبر الأجيال.

وقالت كوني موليجان، أستاذة الأنثروبولوجيا ومعهد علم الوراثة جامعة فلوريدا والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة "إن فكرة أن الصدمة والعنف يمكن أن يكون لهما تداعيات على الأجيال القادمة من شأنها أن تساعد الناس على أن يكونوا أكثر تعاطفا، وأن تساعد صناع السياسات على إيلاء المزيد من الاهتمام لمشكلة العنف. بل وقد تساعد حتى في تفسير بعض الدورات التي تبدو غير قابلة للكسر بين الأجيال من الإساءة والفقر والصدمات التي نراها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة".

إعلان

تجارب الحياة

وفي حين لا تتغير جيناتنا بتجارب الحياة، فإنه يمكن ضبطها من خلال نظام يعرف باسم علم الوراثة فوق الجينية. وفي الاستجابة للإجهاد أو الأحداث الأخرى، يمكن لخلايانا إضافة علامات كيميائية صغيرة إلى الجينات التي قد تهدئها أو تغير سلوكها. وقد تساعدنا هذه التغييرات على التكيف مع البيئات المجهدة، على الرغم من أن التأثيرات غير مفهومة جيدا.

وكانت المؤلفة الرئيسية للدراسة وفريقها يبحثون عن هذه العلامات الكيميائية في جينات العائلات السورية. وفي حين أظهرت التجارب المعملية أن الحيوانات يمكن أن تنقل التوقيعات الجينية للإجهاد إلى الأجيال القادمة، فإن إثبات نفس الشيء في البشر كان مستحيلا تقريبا.

وعملت موليجان مع الدكتورة رنا دجاني عالمة الأحياء الجزيئية في الجامعة الهاشمية بالأردن، وعالمة الأنثروبولوجيا كاثرين بانتر بريك من جامعة ييل، على إجراء الدراسة الفريدة. واعتمد البحث على متابعة 3 أجيال من المهاجرين السوريين إلى البلاد. وعاشت بعض العائلات هجوم حماة قبل الفرار إلى الأردن. وتجنبت عائلات أخرى حماة، لكنها عاشت الثورة السورية ضد نظام بشار.

وقد جمع الفريق عينات من الجدات والأمهات الحوامل أثناء الصراعين، وكذلك من أطفالهن. ويعني تصميم الدراسة هذا أن هناك جدات وأمهات وأطفالا تعرضوا للعنف في مراحل مختلفة من النمو.

وهاجرت مجموعة ثالثة من العائلات إلى الأردن قبل عام 1980، متجنبة عقود العنف في سوريا. وعمل هؤلاء المهاجرون الأوائل كعنصر تحكم حاسم للمقارنة بالعائلات التي عانت من ضغوط الحرب الأهلية.

وعملت دجاني، وهي ابنة لاجئين، بشكل وثيق مع مجتمع اللاجئين في الأردن لبناء الثقة والاهتمام بالمشاركة في القصة. وفي النهاية جمعت عينات (مسحات من الخد) من 138 شخصا من 48 عائلة.

وقالت موليجان "تريد العائلات أن تُروى قصتها. يريدون أن تُسمع تجاربهم. أعتقد أننا عملنا مع كل عائلة مؤهلة للمشاركة في الدراسة".

إعلان

وفي فلوريدا، قام مختبر موليجان بمسح الحمض النووي بحثا عن تعديلات وراثية وعن أي علاقة بتجربة العائلات للعنف.

وفي أحفاد الناجين من حماة، اكتشف الباحثون 14 منطقة في الجينوم تم تعديلها استجابة للعنف الذي تعرضت له جداتهم. وتثبت هذه التعديلات الـ14 أن التغيرات الجينية الناجمة عن الإجهاد قد تظهر بالفعل في الأجيال القادمة، تماما كما يمكن أن تظهر في الحيوانات.

شيخوخة جينية

كما كشفت الدراسة عن 21 موقعا جينيا في جينومات الأشخاص الذين تعرضوا للعنف بشكل مباشر في سوريا. وفي اكتشاف ثالث، أفاد الباحثون أن الأشخاص الذين تعرضوا للعنف أثناء وجودهم في أرحام أمهاتهم أظهروا أدلة على شيخوخة جينية متسارعة، وهو نوع من الشيخوخة البيولوجية التي قد ترتبط بقابلية الإصابة بأمراض مرتبطة بالعمر.

وأظهرت معظم هذه التغيرات الجينية نفس النمط بعد التعرض للعنف، مما يشير إلى نوع من الاستجابة الجينية المشتركة للإجهاد، والتي لا يمكن أن تؤثر فقط على المعرضين للإجهاد بشكل مباشر، بل وأيضا على الأجيال القادمة.

وقالت موليجان "نعتقد أن عملنا ذو صلة بالعديد من أشكال العنف، وليس فقط اللاجئين. العنف المنزلي، والعنف الجنسي، والعنف المسلح: كل أنواع العنف المختلفة.. إننا نواجه أنواعا من العنف في الولايات المتحدة، ويجب علينا دراستها، ويجب أن نأخذها على محمل الجد".

وليس من الواضح ما إذا كانت هذه التغيرات الجينية تؤثر على حياة الذين يحملونها داخل جينوماتهم. لكن بعض الدراسات وجدت رابطا بين التغيرات الجينية الناجمة عن الإجهاد وأمراض مثل السكري.

وأشارت إحدى الدراسات الشهيرة -التي أجريت على الناجين الهولنديين من المجاعة أثناء الحرب العالمية الثانية- إلى أن ذريتهم تحملوا تغيرات جينية تزيد من احتمالات إصابتهم بالسمنة في وقت لاحق من حياتهم. وفي حين أن العديد من هذه التعديلات يمكن ألا يكون لها أي تأثير، فمن المحتمل أن يؤثر بعضها على صحتنا، كما قالت موليجان.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان التغیرات الجینیة الأجیال القادمة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

“الشبة الرمضانية” في الحدود الشمالية.. دفء التقاليد وجسر التواصل بين الأجيال

تُعدّ “الشبة الرمضانية” من أبرز التقاليد الاجتماعية التي تميز منطقة الحدود الشمالية خلال شهر رمضان المبارك، ويجتمع كبار السن والشباب حول نار الشبة في ليالي الشهر الفضيل، في لقاءات يملؤها الدفء والمودة، وتمتزج فيها الأحاديث الودية باسترجاع الموروث الثقافي للمنطقة.

وتحظى هذه المجالس الرمضانية بمكانة خاصة في المجتمع، وتعزز الروابط الأسرية والجيرة، وتوفر مساحة لتبادل القصص والتجارب، إلى جانب مناقشة الموضوعات التي تهم الأهالي في أجواء يملؤها الألفة والمحبة.

وأوضح مروي السديري أن الشبة ليست مجرد تجمع حول النار، بل هي رمز للكرم والتآخي بين أفراد المجتمع، ويتبادلون الأحاديث عن الماضي والتطورات التي شهدتها المنطقة، مما يجعلها جزءًا أصيلًا من التراث المحلي.

اقرأ أيضاًالمجتمعأمير تبوك يستقبل مديري الشرطة والمرور بالمنطقة

من جهته، أشار كريم الذايدي إلى أن هذه الجلسات تسهم في توطيد العلاقات الاجتماعية، كما تظل المجالس مفتوحة للجميع، ويشارك الحاضرون في إعداد القهوة وتبادل الأخبار، مؤكدًا أن التمسك بهذه العادات يربط الأجيال بماضيها العريق.

وأوضح رئيس مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بمنطقة الحدود الشمالية، جزاء مرجي، أن الشبة الرمضانية كانت ولا تزال جزءًا من تراثنا، فقد نشأنا عليها، وهي تجمع الأجيال، وتمنح فرصة لاستعادة الذكريات ومشاركة التجارب مع الشباب، وأن رمضان يمثل الوقت المثالي لإحياء مثل هذه العادات، لما تعكسه من روح المحبة والتواصل وتعزيز القيم الاجتماعية بين الأجيال.

ورغم التغيرات الحديثة، لا تزال “الشبة الرمضانية” حاضرة في العديد من منازل الأهالي بمنطقة الحدود الشمالية، ويحرصون على إحيائها في ليالي رمضان، وسط أجواء دافئة تجسد أصالة التقاليد الاجتماعية في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ترامب يعلن قرارًا غير مسبوق يغير سوق العملات المشفرة
  • كيف يغير الـ AI الأسواق في العالم؟
  • «حماية المرأة».. إنجازات في دعم المعرّضات للعنف
  • “الشبة الرمضانية” في الحدود الشمالية.. دفء التقاليد وجسر التواصل بين الأجيال
  • مجزرة في أول أيام رمضان بالفيوم: تفاصيل مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين في مشاجرة دامية
  • “نُعلِّم و نتعلَّم لحاضر الأجيال ومستقبلها”
  • مدفع رمضان بين الماضي والحاضر.. صدفة تاريخية أسهمت في انتشاره عبر الأجيال
  • اللجنة الأولمبية تدين أحداث العنف التي سبقت مباراة الرويسات والحراش
  • احداث اذربيجان بعيون عراقيةخوجالي .. مدينة عاصرت المجزرة وحرب التحرير