ينظر الشيخ خالد عليان الذي يقف على عتبة (59) عامًا بحزن، على ركام مسجد سعد الأنصاري الذي كان يعمل فيه مؤذنًا في بيت لاهيا، يحاول رفع بعض الركام الممتد إلى الشارع ويقول: «يُقدر عمر المسجد قبل أن يُقصف بأكثر من ثلاثين عامًا، كان أبي المؤذن الأول له، ثم أصبحت أنا المؤذن بعد أن تدهورت صحة والدي، كان المسجد بمثابة بيت لي أقضي فيه جّل وقتي لكن في يوم السابع من أكتوبر عام 2023م تعرض المسجد للتدمير من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد صلاة العشاء مباشرة وبعدها تعرضنا للتهجير القسري إلى جنوب قطاع غزة».

يُذكر أن أكثر من مليون و900 ألف شخص قد نزحوا من شمال مدينة غزة إلى منطقة جنوب ووسط قطاع غزة في منطقة حُددت على أنها منطقة آمنة واستمر هذا النزوح القسري لأكثر من عام ونصف العام بعدها سُمح للنازحين في العودة إلى ديارهم مع دخول الهدنة إلى حيز التنفيذ بتاريخ 20 يناير الماضي، فترة عانى خلالها النازحون ويلات دمار وقتل وتشريد وتجويع.

ويستذكر الشيخ خالد التجهيزات التي كانت تحدث للمساجد قبل دخول شهر رمضان المبارك: «كنا نقوم بتنظيف المسجد وتجديد السجاد، ونجهز المكتبة بالكتب الدينية والمصاحف ونفتح المُصلي النسائي، ونضع جدولا للخُطباء والوعاظ الذين يحضرون لصلاة التراويح ولخطبة الجمعة من كل أسبوع، كانت الابتهالات تملأ المكان، أجواء جميلة يشارك فيها الصغار والفتيان وشباب الحي، لكن للأسف لقد حرمنا الاحتلال الإسرائيلي من ممارسة أبسط حقوقنا الدينية عندما قام بتدمير معظم المساجد في قطاع غزة بشكل متعمد وممنهج، اليوم لا تجهيزات للشهر الفضيل ولا أماكن للصلاة، سنضطر للصلاة في العراء في ظل أجواء البرد».

أما الحاج أبو محمد الطويل (60) عامًا وهو مقيم في مخيم النصيرات فقد تحدث عن الليلة التي قُصف فيها مسجد القسام الكبير بالنصيرات قائلًا: «مع اقتراب الساعة العاشرة مساء قبل شهرين تقريبًا قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالاتصال بأهل الحي يطالبهم بضرورة إخلاء المنطقة المحيطة على وجه السرعة من أجل نية الجيش لقصف المسجد بالطائرات الحربية».

واكمل حديثه قائلًا: «بالفعل أخلينا الحي المكتظ بالسكان خلال المهلة التي حددها الاحتلال، خرج جميع من بالحي إلى المناطق المجاورة تحت الظلام الدامس والبرد الشديد والقصف القريب من المنطقة، بعدما قطعنا عدة أمتار عن منازلنا، فوجئنا بقصف المسجد مباشرة، وتضرر العديد من المنازل المجاورة له بشكل كبير، عند الصباح شاهدت حجم الدمار الذي حل بالمسجد ورأيت كيف أنه أصبح أثرا بعد عين، شعرت حينها أن قطعة من روحي قد دُمرت، لقد كنت أصلي في مسجد القسام منذ طفولتي، وقبل الاستهداف كنت أذهب برفقة أبنائي وأحفادي أصطحبهم في شهر رمضان لأداء صلاة التراويح كل يوم، الآن قام شباب الحي بإنشاء خيمة متواضعة للصلاة عليها تكفي فقط لحوالي مائتى مصلى، يأتي رمضان هذا العام وقد فقدت أبنائي الثلاثة وأحفادي السبعة أثر القصف الإسرائيلي الذي دمر منزلنا قبل أربعة أشهر».

تعيش إقبال صلاح البالغة (43) عامًا، في منزل أهلها في مدينة بيت حانون المدمرة التي أصبحت خالية من العديد من سكانها ومليئة بالمنازل المدمرة، بما في ذلك منزل عائلتها.

وأشارت إلى أن زوجها قام بتوزيع باقي أفراد العائلة في عدة أماكن للأقارب بعد أن قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل زوجها المكون من ثلاثة طوابق في مخيم جباليا شمال غزة.

وقالت إقبال: «عدنا مع بدء سريان الهدنة إلى شمال غزة، لكننا وجدنا منزلنا والحي بأكمله عبارة عن ركام فوق ركام، تشتت عائلتنا وتفرقت نتيجة للدمار الذي حل بمنزلنا واليوم نستقبل شهر رمضان لكننا نفتقد قضاء وقت ممتع في التجمعات العائلية المفعمة بالحيوية، لا أعلم كيف سنقضي هذا الشهر الكريم بعد المعاناة التي كانت العام الماضي فقد كان شهر رمضان قاسيا داخل مخيمات النزوح وقد تزامن مع الحرب القاسية وحرب الجوع والتعطيش، أما هذا العام فليس لدينا ما يجعلنا نشعر بأننا في شهر رمضان، لقد فقدت اثنين من أبنائي الصغار بعد أن قتلوا بدم بارد من قناص إسرائيلي كان موجودا بالقرب من مدرسة خليفه التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في بيت لاهيا».

وفي هذا السياق أضاف حاتم البكري، وزير الشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية: «إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب أبشع أنواع القصف والتدمير في غزة، مستهدفا المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المساجد والكنائس العريقة التي كانت ولا تزال تحمل في طياتها جزءا من ذاكرة وتاريخ الشعب الفلسطيني، وخلال فترة الإبادة لم ينجُ مكان للعبادة سواء للمسلمين أو المسيحيين من هجمات جيش الاحتلال، وكانت تلك الأماكن المقدسة هدفا مباشرا للضربات الجوية والمدفعية، ما أسفر عن دمار مروع وخسائر بشرية فادحة.

ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بالاعتداء على المباني الدينية، بل تجاوزت ذلك إلى ارتكاب جرائم قتل بحق علماء الدين وأئمة المساجد».

أما المتحدث باسم وزارة الأوقاف في قطاع غزة الشيخ إكرامي المدلل فقد صرح قائلًا: «إن صواريخ وقنابل الاحتلال سوّت 738 مسجدا بالأرض، ودمرتها تدميرا كاملا من أصل نحو 1244 مسجدا في قطاع غزة، بما نسبته 79%».

وأضاف أيضًا: «إن 189 مسجدا تضررت بأضرار جزئية، ووصل إجرام الاحتلال إلى قصف عدد من المساجد والمصليات على رؤوس المصلين الآمنين، كما دمرت آلة العدوان الإسرائيلية 3 كنائس تدميرا كليا جميعها موجود في مدينة غزة.

وأوضح أن استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي في سياق استهداف الرسالة الدينية، فالاحتلال يُدرك أهمية المساجد ومكانتها في حياة الفلسطينيين، وهي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب.

كما أكد المدلل أن استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي ضمن حربه الدينية، وهو انتهاك صارخ وصريح لجميع المحرمات الدينية والقوانين الدولية والإنسانية.

وأضاف: يسعى الاحتلال لمحاربة ظواهر التدين في قطاع غزة ضمن حربه الدينية الرامية لهدم المساجد والكنائس والمقابر.

ولم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بتدمير المساجد، بل قتل 238 من العلماء والأئمة والموظفين التابعين لوزارة الأوقاف، واعتقل 26 آخرين».

وفي سياق متصل فقد صرحت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» في بيان لها يأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المقدسات الدينية تندرج على أنها حرب إبادة جماعية تهدف إلى محو التراث الإنساني والهوية الفلسطينية، وإعادة تشكيل قطاع غزة ديموغرافيا.

وأكدت الهيئة أن استهداف المساجد، والكنائس، يمثل انتهاكا واضحا للقانون الدولي الذي يمنح الأماكن الدينية حماية خاصة باعتبارها ممتلكات مدنية، كما أن ما يحدث يندرج في نطاق جرائم الحرب وفق القانون الدولي.

وأضافت الهيئة: إن الجهود الأممية ما زالت قاصرة عن وقف هذه الجرائم، بالرغم من التحقيقات الدولية والإدانات.

وشددت الهيئة على أن هذه الجرائم تُعتبر خرقا صارخا لاتفاقية جنيف الرابعة والقوانين الدولية المتعلقة بحماية الممتلكات المدنية في النزاعات المسلحة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی جیش الاحتلال فی قطاع غزة شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة

المناطق_متابعات

استشهد 12 فلسطينيًا وأصيب عدد آخر بجروح مختلفة في قصف الاحتلال الإسرائيلي اليوم منازل وخيامًا للنازحين في مناطق متفرقة من قطاع غزة.

وأفادت مصادر طبية فلسطينية باستشهاد 10 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال مدرسة تؤوي مئات النازحين بحي التفاح شرق مدينة غزة، واستشهد فلسطيني وأصيب خمسة آخرون في قصف مسيّرة إسرائيلية خيمة تؤوي نازحين بمنطقة مواصي خان يونس جنوب القطاع.

أخبار قد تهمك استشهاد سبعة فلسطينيين في قصف إسرائيلي جنوب قطاع غزة 21 أبريل 2025 - 8:36 صباحًا ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 51.201 شهيدٍ 20 أبريل 2025 - 3:00 مساءً

وأشارت المصادر الطبية إلى استشهد فلسطيني وإصابة عدد آخر في قصف استهدف خيمة للنازحين شرق المدينة، ترافق ذلك مع قصف مدفعي وإطلاق نار كثيف تجاه المناطق الشمالية من مخيم النصيرات وسط القطاع.

مقالات مشابهة

  • المفوضية الأممية للشؤون الإنسانية: حصار غزة متعمد والغارات تستهدف خيام النازحين
  • أونروا تكشف عن أزمة إنسانية مروعة في غزة
  • استشهاد عائلة كاملة خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة
  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 51305 شهداء
  • الرئيس الفلسطيني: يجب رفع حصار الاحتلال عن قطاع غزة والسماح ودخول المساعدات
  • الأمم المتحدة: 92% من المنازل بغزة مدمرة جراء الحرب الإسرائيلية
  • استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة
  • السيسي: الإيمان بالله شرف عظيم.. وعلينا استثمار المساجد في بناء الإنسان وتعزيز الهوية الدينية
  • حماس: قطاع غزة بات يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة
  • حماس تصرخ: قطاع غزة يواجه كارثةً إنسانيةً غير مسبوقة