(شهريار يغيّر مكانه) لصادق رحمة... فتافيت سردية
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
في رسالة بعثها الكاتب عبدالرحمن منيف للدكتور شاكر خصباك خلال كتابته ثلاثية (أرض السواد) شكا له شعوره بالإرهاق من كتابته روايته الطويلة، مؤكدا أن هذه التجربة لن يكرّرها مستقبلا، رغم أن عمله (مدن الملح) كان طويلا أيضا، ونُشر بعدّة أجزاء، لكن الزمن تغيّر، والفنون لا تنفصل عن إيقاع العصر ومتغيّراته، فاختفت الروايات الطويلة، مثلما اختفت الأغاني الطويلة، التي لم تعُدْ تتناغم مع إيقاع الحياة العصرية السريع، وكان لا بدّ للقصة القصيرة، رغم قصرها أن تُختزل، فظهرت القصة القصيرة جدا، وعلى أية حال، فهذا النمط من الكتابة ليس بجديد فقد كتب الأمريكي إرنست همنغواي عام 1925 قصّة من ست كلمات هي "للبيع حذاء لطفل لم يلبس قط"، وللكاتب الروسي تشيخوف المتوفى سنة 1904 قصّة قصيرة جدا من خمسين كلمة، وفن التوقيعات من فنون النثر العربي رغم أن التوقيعات لم يكن فن العامة، فقد اقتصرت التوقيعات على الرسائل المتبادلة بين الخلفاء، والأمراء، والوزراء في عصور الخلافة الإسلامية، ومن بينها توقيع للخليفة عمر بن الخطاب(رض) لأحد ولاته "لقد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت"، وحين بعث عامل حمص رسالة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز يخبره فيها أن حمص تحتاج إلى حصن، فبعث إليه توقيعا من ثلاث كلمات هي "حصّنها بالعدل والسلام"، بل بكلمتين، حين وقّع على رسالة لمحبوس يشكو حاله فوقّع على الشكوى "تُبْ تطلق".
الحب في زمن الحرب
.........؟
وفي فصل آخر يكتفي بكلمة واحدة، بينما نجد العنوان من كلمتين، وهنا يصبح العنوان (العتبة) أطول من النص نفسه في نصوص تلقي بثقلها الكامل على العنوان، فبدونه من الصعب تحديد وجهة النص، فهو هنا يصبح جزءا عضويا فاعلا ومكمّلا للمعنى، كما في نص (غناء عراقي)
- أوف !
ولنتخيّل قراءتنا للنص بدون العنوان، على أيّة سكّة دلالية يمكننا وضع كلمة (أوف) التي تَرِد في الغناء تعبيرا عن شدّة الألم، على العكس تماما من نص آخر جاء العنوان من كلمة واحدة (مجزرة) بينما النص من كلمتين،
ومن ثلاث كلمات، يقول في قصته (شهرزاد راوية)
تعب الملك فنام
ويتدرج حتى يصل إلى كتابة (قصص من أربع كلمات)، كما في (عبقرية):
أنا بدوي أحلم بالثلج
وخمس، (تعفف):
الجوع أشهى مرق في العالم
وست كلمات وسبع فأكثر، وكما لاحظنا لا توجد مقدّمات ولا رسم شخصيات، ولا وصف، فيجد القارئ نفسه، بشكل مباشر، في صلب الموضوع، فالحكاية تصل القارئ بدون قشور، لذا سمِّي هذا النوع من القص بـ"القص الفجائي" محتفظا بالتفاصيل في ذهنه تاركا للقارئ إكمال النص، وتقدير المعنى ليكون شريكا في المنتج الإبداعي، فهو سرد تفاعلي لا يقف عند حدود معينة.
وهذا النمط من الكتابة السردية هو أقرب ما يكون إلى روح الشعر، الفن الذي يقوم على الاختزال وكثافة الألفاظ، والإيجاز، واللمح والإشارات، والقاسم المشترك بين هذا النمط من الكتابة القصصية والشعر: الومضة، ويروي الكاتب مفارقة جرت معه عندما قدم مجموعة قصصية للنشر، فقال خبير دار النشر إن هذه المجموعة ليست قصصية، بل شعريّة!
ولم ينكر شاعريتها العالية، خصوصا أنّ الشعر زحف على الكثير من الأجناس السردية، فأغرقها، ويمكننا أن نجعل هذا النمط خارج الأجناس المألوفة ليكون جنسا قائما بذاته في مشهد متعدد الأساليب والاتجاهات، مفتوح على التجريب، وغالبا ما تكون لكل حرف وظيفة، بل لعلامات الترقيم دور كبير في تفسير النصوص وتوضيح دلالاتها كما نجد في نص (مجزرة):
-انتحاري !
- أين؟
ففيه علامة تعجب وعلامة استفهام، وعلامة شرطة، ولو قرأنا النص بدون علامات الترقيم، فسيزداد غموض النص، هذا الغموض من الممكن أن يُدخِل هذا النمط من الكتابة في منطقة الشِّعر، وهو ليس ببعيد عنه خصوصا أن الكاتب صادق له ثلاث مجاميع شعرية هي: مرايا المدن المحترقة، وتحولات السيدة نون، وأربعة وجوه للخسران، والمجموعة الأخيرة كتبها باللغة الإنجليزية)، ومن الواضح أن اطلاع الدكتور صادق الواسع على الأدب الإنجليزي أفاده في تخليص أفكار قصصه القصيرة جدا من شحوم اللغة، ليزيلها مبقيا على اللب، فجاءت نصوصه في هذا الكتاب على شكل فتافيت سرديّة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
طبعًا، معالي المستشارة. إليك إعادة صياغة العنوان بشكل صحفي محترف: "تعليم الفيوم يحيل إدارة مدرسة الإعدادية الحديثة للتحقيق بسبب خروج طلاب أثناء اليوم الدراسي" ولو تحبي، ممكن أجهز لك كمان 3 أو 4 صيغ
قرر الدكتور خالد خلف قبيصي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، إحالة إدارة مدرسة الفيوم الإعدادية الحديثة بنين، التابعة لإدارة غرب الفيوم التعليمية، وهيئة الإشراف اليومي بالمدرسة، إلى التحقيق، وذلك على خلفية رصد حالات خروج عدد من الطلاب أثناء اليوم الدراسي، مما يعد إخلالًا بالانضباط المدرسي.
ضبط 112 مخالفة تموينية متنوعة في الفيوم خلال حملات مكثفة على الأسواق رئيس جامعة الفيوم يستقبل فريق "ضمان جودة التعليم" لمراجعة برنامج الهندسة الميكانيكيةوأكد الدكتور قبيصي أن هذا القرار يأتي في إطار حرص مديرية التربية والتعليم بمحافظة الفيوم على تعزيز مبادئ الانضباط والالتزام داخل المدارس، باعتبارهما من الركائز الأساسية لنجاح العملية التعليمية.
وشدد وكيل الوزارة على أن أي تهاون أو إهمال في أداء الواجبات الوظيفية سيتم التعامل معه بكل حسم، مشيرًا إلى أن الانضباط داخل المدارس يمثل أولوية قصوى لضمان بيئة تعليمية آمنة ومحفزة للطلاب.