نابلس- ليست نتيجتها مقتل مستوطنة وإصابة إسرائيلي آخر فقط، بل "حساسية المكان" أيضا هي ما وسمت العملية الفدائية بمدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) صباح الاثنين الماضي، ووضعها مقابل سلسلة الهجمات الفلسطينية المقاومة في شمال الضفة الساخن منذ عامين، والتي أدت منذ بداية العام الجاري إلى أرقام قياسية في عدد القتلى الإسرائيليين.

وعملية الخليل -التي جاءت بعد أقل من 48 ساعة على هجوم فلسطيني مسلح ببلدة حوارة قرب نابلس (شمال) وقُتل فيه مستوطنان- رفعت أعداد القتلى الإسرائيليين إلى 34 منذ بداية العام الجاري، حسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

وإثر هذه الحصيلة، وصف الإعلام الإسرائيلي عام 2023 بأنه "الأصعب" منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2006، والأعلى في عدد القتلى الإسرائيليين منذ عام 2015 (شهد عشرات عمليات المقاومة بالطعن والدهس خاصة).

وأضافت عملية الخليل لسجل المقاومة بالضفة الغربية بُعدا جديدا بتوسّع رقعتها الجغرافية وأهدافها؛ مما أربك الاحتلال وجعله يدفع بمئات الجنود للبحث عن المنفذين إلى أن أعلن اعتقالهم فجر الثلاثاء.

لكن ما الذي صعَّد أعمال المقاومة في الضفة الغربية وأثّر على أدائها بشكل أدى إلى زيادة القتلى الإسرائيليين؟ سؤال طرحته الجزيرة نت على محللين ومختصين فلسطينيين.

الاستيطان مقابل جيل جديد من المقاومين

يقول الصحفي والمحلل السياسي الفلسطيني نواف العامر إن الاحتلال هو المعضلة؛ فهو جاثم على صدور الفلسطينيين وأرضهم. ويأتي "جنون الاستيطان" وما يرافقه من عدوان وإذلال الفلسطينيين عبر مصادرة أرضهم وقتل كل أشكال الحياة فيها في المرتبة الثانية.

ويأتي ثالثا -كما يقول العامر- الجيل المقاوم الجديد من مواليد "الألفية الثانية"، الذين شبّوا على مشاهد عنف المستوطنين وحكوماتهم المتطرفة، ولم يعيشوا الانتفاضات الفلسطينية السابقة، ولا يرون أي أفق لحل سياسي أو حتى حياتي لمستقبلهم.

ويضاف إلى ذلك امتعاض الحالة الفلسطينية بشكل عام من السلطة الفلسطينية، التي باتت تشكل بوضعها الحالي وسلوكها "عبئا" على الشعب الفلسطيني.

ويتابع العامر "السلوك العام للسلطة أسهم في ضغط الناس، فلم يعودوا يرون غير الموت فداء لأرضهم، وفقدوا ولادة حلول عادلة لقضيتهم وليست حلولا كما يريدها الأميركيون والإقليم العربي، قائمة على تركيع الفلسطيني".

وكل ذلك -حسب العامر- لم يترك أمام "الجيل الجديد" إلا المواجهة التي تعززت بفعل الانتشار الكثيف للمقاومين الفرادى، أو مَن تسميهم إسرائيل "الذئاب المنفردة"، الذين أثبتت هجماتهم نجاعتها، وكانت بأساليبها وشخوصها ملهمة لغيرهم، خاصة في استهدافهم جنود الاحتلال والمستوطنين في الشوارع الالتفافية المخصصة للمستوطنين، وأيضا بمهاجمتهم داخل المستوطنات أو على حدودها.

عمليات حرق واسعة نفذها مستوطنون بحق ممتلكات فلسطينية في قرية ترمسعيا شمال رام الله بالضفة الغربية (رويترز) الاحتلال وممارساته

من جهته، يقول خبير الاستيطان والمسؤول السابق لهيئة مقاومة الاستيطان في السلطة الفلسطينية وليد عساف إن المقاومة الفلسطينية رد فعل طبيعي على إجرام الاحتلال. وتوقع أن هذه الردود ستتدحرج بتدحرج "الأعمال الشيطانية والعدائية" للاحتلال، خاصة في ظل إحساس الفلسطيني بالخذلان وإخفاقه في تحقيق حلم التحرير وإقامة دولته التي تباعدت آمالها.

وربط عساف بقاء فتيل المقاومة مشتعلا بعدة عوامل:

أولا- التهجير المستمر للفلسطينيين وضم إسرائيل أراضيهم وتشريدهم، خاصة في مناطق "ج" (حسب تصنيف اتفاق أوسلو) لمنع إقامة دولتهم. ثانيا- تصاعد تطرف المستوطنين وعنف عصاباتهم المدعوم من جيش الاحتلال وحكومته. ثالثا- ما يجري بالقدس والعمل على تقسيم المسجد الأقصى مكانيا كما قسموه زمانيا. فضلا عن الملاحقة اليومية للفلسطينيين، ومنها الاعتقالات والاقتحامات والقتل والهدم والتجريف ومنع البناء بشكل طبيعي.

وارتفعت وتيرة الاستيطان وفق تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان العام الماضي بشكل غير مسبوق منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، وبات نحو 750 ألف مستوطن ينتشرون في أكثر من 360 مستوطنة وبؤرة استيطانية، وتحتل هذه أكثر من 9.6% من مساحة الضفة الغربية المقدرة بـ5800 كيلو متر مربع.

ويقول عساف إن 20 بؤرة استيطانية رعوية (أقيمت بدعوى رعي الماشية) شُيِّدت منذ بداية العام الجاري فقط، وكل واحدة منها تسيطر على أرض أكبر من مساحة "أريئيل" التي تعد أكبر مستوطنات الضفة.

ولم تكتفِ إسرائيل بسيطرتها الكاملة على مناطق "ج" -والمقدرة بـ62% من مساحة الضفة الغربية- فصارت تلاحق الفلسطينيين بمناطق سيطرة السلطة الفلسطينية بالضفة (مناطق "أ" و"ب" حسب اتفاق أوسلو) والبالغة 38% فقط من مساحتها، ويعيد الاحتلال نفوذه عليها.

نتائج غير مسبوقة منذ سنين

وحسب أحدث حصيلة عقب عملية الخليل الاثنين الماضي، فإن 34 إسرائيليا قُتلوا منذ بداية عام 2023؛ وهي الحصيلة الأعلى منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في حين قتل 29 إسرائيليا عام 2022 كاملا.

وبينما أحبط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) 350 عملية إطلاق نار نفذها فلسطينيون منذ بداية العام الحالي، تلقى الجهاز ذاته 200 تحذير من عمليات فدائية محتملة، وهذا رقم "غير مسبوق"، وفق الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان.

ويقول أبو علان للجزيرة نت إن السبب الرئيسي للخوف الإسرائيلي من عملية الاثنين هو "دخول الخليل على خط المقاومة" كمدينة تُعد "الأكبر جغرافيا وديموغرافيا بالضفة، وبها بنية تحتية قوية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)"؛ وبالتالي سيحتاج ذلك عددا أكبر من جنود الاحتلال للسيطرة على الوضع؛ وهو ما سينعكس على قدراتهم العسكرية.

ولهذا -كما يضيف أبو علان- فإن عدد القوات الإسرائيلية العاملة بالضفة الغربية حاليا غير مسبوق منذ 15 عاما، كما فقد الجيش الإسرائيلي 30% من أيام تدريبه بسبب مهام ميدانية نتيجة الوضع الأمني، وكل ذلك نتيجة تصعيد المقاومة.

نتائج عمليات المقاومة وأسلوب عملها شكلا عاملا ملهما أدى إلى انتشارها وتصاعدها (الجزيرة)

ويقول أبو علان إن المقاومة أمست لديها القدرة على التخطيط الجيد للعمليات واختيار الزمان والمكان، وأصبحت تملك موارد ودعما لوجيستيا؛ مما أمكنها من تنفيذ أعمالها بدقة عالية جدا.

ولا يهمل أبو علان كذلك عامل تصعيد الاحتلال والمستوطنين تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين وقتلهم واعتقالهم وهدم منازلهم بوصفه سببا رئيسا يخلق رد الفعل المقاوم بالضرورة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منذ بدایة العام الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

تفاصيل خطة المليون مستوطن بالضفة

نابلس- كحال جميع أهالي بلدة قراوة بني حسان قرب مدينة سلفيت شمالي الضفة الغربية، يرقب فوزي ريان بأم عينه التمدد الاستيطاني على أراضيهم في مستوطنة "كريات نتافيم" الآخذة بالتوسع في أنماط جديدة من البناء، بينما يحرم والأهالي هناك من أبسط حقوقهم في التوسع بمساكنهم والبناء بأرضهم أو إعمارها بزراعتها والاستفادة منها منذ عشرات السنين.

وفي أمر عسكري وقَّعه حديثا آفي بلوط قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يسمح للمرة الأولى بالتجدد الحضري في البناء المكثف أو المشبع (ذي الطبقات) داخل المستوطنات بالضفة الغربية، وذلك يعني زيادة في عدد الوحدات الاستيطانية في المكان الواحد ومن ثم ارتفاع أعداد المستوطنين، وليس البناء المنفرد الذي يمتد على مساحة واسعة وبعدد مستوطنين أقل.

ورغم أن القرار الإسرائيلي يعدّ جديدا لجهة السماح "بالاستيطان المكثف"، فإن العمل به سار من قبل صدوره، كما هو الحال في مستوطنة "نتافيم" وغيرها من مستوطنات الضفة الغربية، وهو ما رصدته الجزيرة نت.

يشعر المواطن فوزي ريان (53 عاما) بحسرة كبيرة كلما نظر صوب أرض "الطيارات" الخاصة به وأراضي "أبو زوير" و"خلة أبو حديد" التي يعرفها باسمها القديم وتعود لأهالي قريته حيث تجثم مستوطنة "نتافيم"، ويشيح بوجهه كي لا يزداد قهرا بفعل عجلة البناء المتسارعة.

إعلان

وذلك في حين يلاحق جيش الاحتلال والمستوطنون كل عملية تجريف أو بناء في بلدته، ويعتدون على المواطنين ويصادرون معداتهم.

استمرار أعمال إنشاء البناء المكون من طبقات متعددة في مستوطنة كريات نتافيم (الجزيرة) استيطان مزدهر

يروي ريان للجزيرة نت كيف عايش "أول إسفين"، حسب وصفه، دقّ بمستوطنة "نتافيم" عام 1978 عندما نشطت حركة الاستيطان بشمال الضفة الغربية آنذاك.

ويذكر حال المستوطنة وعمليات التوسع المتواصل بالبناء الطبقي، بينما يحرم وعائلته التي تعدّ 50 نفرا من الوصول إلى أرضهم وإعمارها رغم تحصيلهم قرارات من المحاكم الإسرائيلية تثبت ملكيتهم لها وأحقيتهم بالتصرف بها.

وعلى مرأى من أصحاب الأرض، انتقل المستوطنون من البناء المنفرد الباهظ الثمن إلى البنايات الطبقية المتعددة الوحدات السكنية في مستوطنة "نتافيم"، وأقيمت حوالي 6 بنايات حتى الآن منذ أن بدأ الاحتلال بتشييدها عام 2019، حسب إبراهيم عاصي رئيس بلدية قراوة بني حسان.

ويقول عاصي للجزيرة نت "في عام 2019 طالب المستوطنون بتوسيع المخطط الهيكلي لمستوطنتهم، لكنهم باشروا وما زالوا مستمرين بالبناء قبل الحصول على أي رد أو إذن من المحاكم، ولم تتعاط سلطات الاحتلال بالمقابل مع أي اعتراضات تقدم بها أصحاب الأرض رفضا للبناء الاستيطاني".

تكاليف البناء المستقل في مستوطنة كريات نتافيم بلغت حوالي 420 ألف دولار أميركي (الجزيرة) مخاطر تهدد الفلسطينيين

وهذا، وفق عاصي، من "أخطر" عمليات الاستيطان، كونه يصادر الأرض ويباشر بالبناء فوقها، كما يضاعف عدد المستوطنين ويكثف وجودهم بشكل كبير، وبالتالي النزول عند رغباتهم في المستقبل بضرورة التوسع وسلب مزيد من الأرض الفلسطينية لتغطية هذه الكثافة.

ويوفر الاستيطان المكثف على المستوطنين تكاليف البناء المستقل الباهظة التي وصلت، حسب عاصي، داخل "نتافيم" إلى مليون ونصف المليون شيكل للمنزل الواحد (حوالي 420 ألف دولار أميركي)، كما يجعلهم قريبين من بعضهم ومحصنين داخل أبنيتهم من أي خطر.

إعلان

وعلى الأرض، سيعمل البناء الجديد المكثف في "نتافيم" على ربطها بالمستوطنات المحيطة وخاصة مستوطنة بركان بشقيها الصناعي والسكاني وقطع الطريق على 40 ألف فلسطيني يقطنون قرى غرب سلفيت ومحاصرتهم فيها.

جانب من البناء المكثف الذي أصبح جاهزا للسكن في مستوطنة كريات نتافيم (الجزيرة)

ومن 9500 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) يملكها أهالي قراوة بني حسان، وهم حوالي 7 آلاف نسمة، يصنف الاحتلال 92% منها مناطق "ج" ويخضعها لسلطته الإدارية والعسكرية، منها نحو 200 دونم تسيطر عليها مستوطنة نتافيم، وتحاصر 6 مستوطنات أخرى القرية التي يرفض الاحتلال توسعة هيكلها التنظيمي البالغ 8650 دونما منذ عام 1993، ويلاحق أي بناء خارجه ويهدمه.

وحسب صحيفة إسرائيل هيوم، ستنطلق قريبا مشاريع التطوير الحضري التي ستشمل تسهيلات كثيرة تقوم على البناء المشبع بدلا من البناء الريفي في المستوطنات، وبالتالي زيادة الوحدات السكنية على الدونم الواحد، وذلك سيتيح زيادة كبيرة في أعداد المستوطنين.

وقالت الصحيفة "إذا كان بكل الضفة الغربية 115 ألف وحدة استيطانية، فهم يخططون في هيئة الاستيطان لبناء 10 آلاف وحدة خلال عام، أي ما يعادل 10% من حجم البناء بالضفة، وبالتالي مزيد من الاستيطان مع مرور الوقت".

الفلسطينيون في بلدة قراوة بني حسان ممنوعون من البناء في أراضيهم والتوسع في مساكنهم (الجزيرة) سعيا للمليون مستوطن

ورغم حداثة قرار القائد العسكري الإسرائيلي بالسماح بالبناء المكثف في المستوطنات، فإن الأمر ليس جديدا، حسب أمير داود مسؤول التوثيق بهيئة الجدار والاستيطان الفلسطينية (جهة رسمية)؛ فالبناء المكثف تمارسه إسرائيل على أرض الواقع فعلا، "ومعظم عطاءات البناء الاستيطاني في عام 2024 كانت بناء مكثفا".

وتكمن خطورة البناء المكثف أو المشبع، برأي داود، في أمور كثيرة، أهمها تسهيل إنشاء بنايات كبرى، إضافة للزيادة الديمغرافية للمستوطنين واستجلاب أكبر عدد منهم، في خطة تهدف لتوطين مليون مستوطن بالضفة الغربية، وهذا ما يفسر أيضا شق الطرق الاستيطانية وبشكل كثيف.

كذلك فإن خطر هذا البناء يكمن في تجاوزه محددات التخطيط المكاني عند المصادقة على المخطط الهيكلي للمستوطنة، ومن ثم زيادة مساحة الأرض المصادرة، وبذلك فهم يعملون على تسريع البناء دون تعقيدات إدارية وتعقيدات التخطيطات المكانية.

وتقدر إحصائيات هيئة الجدار والاستيطان عدد المستوطنين بالضفة الغربية ومدينة القدس بحوالي 780 ألف مستوطن، موزعين في 180 مستوطنة ونحو 240 بؤرة استيطانية تقريبا، ويسيطرون على 5% من مساحة الضفة الغربية، بينما يسيطر الاحتلال ككل على 42% من أراضي الضفة تحت مسميات مناطق عسكرية وأراضي دولة وشوارع التفافية وغير ذلك.

إعلان

مقالات مشابهة

  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 3 فلسطينيين من سلفيت في الضفة الغربية
  • تفاصيل خطة المليون مستوطن بالضفة
  • إصابة قائد إسرائيلي واستشهاد عشرات الفلسطينيين.. تصاعد العدوان في الضفة الغربية
  • استشهاد شاب فلسطيني جراء قصف الاحتلال بلدة طمون بالضفة الغربية
  • مقتل 6 مسلحين بعملية إسرائيلية في الضفة الغربية
  • طائرات سلاح الجو الإسرائيلي تقصف بلدة طمون شمال الضفة الغربية
  • إصابة ضابط إسرائيلي بعد انفجار عبوة ناسفة في طولكرم بالضفة الغربية
  • التربية الفلسطينية: 12,820 طالبا استُشهدوا و20,702 أصيبوا منذ بداية العدوان الصهيوني
  • WP: السلطة الفلسطينية تسعى لدور في غزة وتواجه مسلحين في الضفة الغربية
  • الاحتلال يشن حملة اعتقالات خلال اقتحامه مدنا وبلدات بالضفة الغربية