د. أحمد بن موسى البلوشي
المجتمع هو النسيج الحي الذي يتكون من أفراد مختلفين في فهمهم وفكرهم، وفي نظرتهم للحياة، يجمعهم المكان والزمان، ويؤثر فيهم كما يؤثرون فيه. ومنذ الأزل، يحلم الإنسان بمفهوم المجتمع المثالي الذي يحقق العدالة والمساواة والرفاهية للجميع، لكن، هل من الممكن فعلاً وجود مجتمع متكامل ومثالي تمامًا؟
المجتمعات بطبيعتها تتسم بالتنوع والتعددية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تطابقًا تامًا بين قيم وأفكار أفراده، لأن كل شخص يحمل رؤيته وفكرته الخاصة ويعيش تجارب مختلفة؛ فالتوازن بين الحقوق الفردية والمصالح الجماعية هو ما يشكل تحديًا دائمًا، وبالتالي من الصعب إيجاد مجتمع متجانس بالكامل؛ إذ إن التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تُعد سمات حتمية في أي تجمع بشري، في كل مجتمع، نجد الغني إلى جانب الفقير، والمتعلم بجوار الأمي، والقوي مقابل الضعيف، نجد المثقف والفيلسوف، نجد المنتقد الإيجابي والسلبي، هذا التنوع لا يُعتبر بالضرورة عيبًا، بل يمكن أن يكون مصدرًا للقوة، حيث يُتيح فرصًا للتعاون والتكامل بين أفراد المجتمع.
والسعي نحو تحقيق مجتمع مثالي خالٍ من التحديات قد يكون أمرًا غير واقعي. حتى أكثر المجتمعات تقدمًا تواجه قضايا مثل الفقر والبطالة والفجوات الطبقية والاختلافات الفكرية. ومع ذلك، فإن وجود هذه المشكلات لا يعكس فشل المجتمع، بل يُظهر طبيعة الحياة البشرية التي تتميز بالديناميكية والتغير المستمر.
والبعض يسعى لإيجاد مجتمع يتوافق تمامًا مع قيمهم وأفكارهم، ويكونون قادرين على التحكم في تصرفات أفراده، لكنَّ هذا الأمر غير ممكن عمليًا؛ فالمجتمعات تتشكل من أفراد يتفاوتون في خلفياتهم، ويحملون رؤى وتجارب مختلفة، ويعكسون تنوعًا في أفكارهم. وهذا التنوع هو ما يجعل التعايش المشترك ضرورة حتمية، وليس مجرد خيار، قد يستطيع بعض الأفراد التأثير في مجتمعاتهم والمساهمة في تحسينها، ولكنهم لن يتمكنوا من تشكيلها وفق مواصفاتهم الخاصة بالكامل، لأن كل فرد في المجتمع يمتلك حرية التصرف وفق إمكانياته الشخصية ورؤيته للحياة. ففي النهاية، المجتمع هو مساحة مشتركة تتلاقى فيها الأفكار، ولا يمكن فرض نمط واحد يطغى على باقي الأنماط، أو فكر معين على باقي الأفكار المختلفة.
من المهم أن ندرك أن قوة المجتمعات تكمن في قدرتها على احتضان هذا التنوع، وتحقيق التوازن بين حرية الأفراد ومسؤولياتهم تجاه الآخرين، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومتفاهم رغم اختلافات أفراده وأفكارهم، وبدلًا من البحث عن مجتمع مثالي، قد يكون الحل في تعزيز قيم التعايش والقبول بالاختلافات؛ فالمجتمع المتوازن هو ذلك الذي يسعى لتوفير العدالة الاجتماعية، دون أن يعني ذلك تطابق جميع أفراده في الظروف والتوجهات، فالتكافل والتضامن بين الفئات المختلفة هو ما يجعل المجتمع أكثر إنسانية وقوة. والمجتمع المثالي -كما نتصوره- قد يكون مجرد حلم، ولكن المجتمع القابل للتحسين والتطوير هو واقع يمكن تحقيقه. بدلًا من البحث عن مجتمع خالٍ من العيوب، يجب العمل على تعزيز قيم التعاون والاحترام والعدالة الاجتماعية؛ فالتكامل لا يعني التطابق؛ بل يعني القدرة على العيش المشترك رغم الاختلافات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تواصل الإجتماعات لإعداد ميثاق الشركات الناشئة
استمرارًا للجهود التي تقوم بها المجموعة الوزارية لريادة الأعمال والتي تترأسها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، لتعزيز بيئة عمل الشركات الناشئة ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار، تواصل مجموعات العمل التابعة للمجموعة الوزارية لريادة الأعمال، اجتماعاتها وأنشطتها مع الجهات المعنية من القطاع الحكومي ومجتمع الشركات الناشئة، من أجل صياغة التوصيات النهائية بشأن “ميثاق مجتمع الشركات الناشئة في مصر"، فضلًا عن إعداد حزمة من التسهيلات المرتقبة للقطاع.
ويأتي ذلك في إطار ما تقوم به المجموعة الوزارية لريادة الأعمال، من جهود تهدف إلى تعزيز قدرة الشركات الناشئة وبيئة ريادة الأعمال لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ومتسارع قائم على التنافسية والمعرفة ويسهم في خلق فرص عمل لائقة.
وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الشركات الناشئة في مصر تقوم بدور محوري لدعم الابتكار وتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ولذا تعمل المجموعة الوزارية لريادة الأعمال على التنسيق المستمر مع مختلف الجهات الوطنية ومن خلال مجموعات العمل التي تضم ممثلين من مجتمع الشركات الناشئة، من أجل وضع الإجراءات التي تحفز نمو تلك الشركات، وتمكنها من زيادة مساهمتها في الاقتصاد القومي، والتوسع في الأفكار المبتكرة لمواجهة تحديات التنمية.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين عقدت مجموعات العمل، والأمانة الفنية للمجموعة الوزارية لريادة الأعمال، عددًا من الاجتماعات مع وزارات المالية، والتعليم العالي والبحث العلمي لمناقشة أكثر من ٣٥ توصية، كما تستهدف عقد اجتماعات مع عدة جهات أخرى من أجل دراسة التوصيات الصادرة عن مجتمع الشركات الناشئة لإدراجها في "ميثاق مجتمع الشركات الناشئة في مصر" والمقرر إطلاقه قريبًا، ليكون بمثابة خارطة طريق واضحة لسياسات تعزز من بيئة ريادة الأعمال عبر تحديد حوافز محددة، وأُطُر قانونية، وإجراءات مبسّطة للشركات الناشئة العاملة في القطاعات ذات الأولوية.
من جانب آخر، عقدت المجموعة، جلستين نقاشيتين بالتعاون مع شركة "انطلاق" لدعم ريادة الأعمال، ومجموعة متنوعة من أكثر من ٣٠ شركة ناشئة في مجالات تكنولوجيا الطاقة والمياه والنقل المستدام والمدن الذكية، وذلك بهدف تحديد السياسات التي من شأنها تعظيم الاستفادة من ربط الشركات الناشئة مع التحديات التنموية الملحة، وذلك باعتبارهم من القطاعات ذات الأولوية لتنمية الاقتصاد المصري.
ومن المقرر أن يتبع ذلك عددًا من الجلسات في قطاعات أخرى، من بينها قطاع السياحة التكنولوجيا الصناعية والزراعية، من أجل التركيز على الاستفادة من قدرات الشركات الناشئة في تلك القطاعات التنموية الحيوية والتي تأتي ضمن أولويات الدولة.
وفي سياق آخر، نظمت المجموعة الوزارية لريادة الأعمال، ورشة عمل مع برنامج "سيجما" التابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD والاتحاد الأوروبي وبالشراكة مع مبادرة إصلاح مناخ الأعمال في مصر (إرادة) حول "معايير تسهيل إجراءات تسجيل ونهو إجراءات التراخيص للشركات الناشئة"، وذلك بحضور عدد كبير من رواد الأعمال من أكثر من ٥ محافظات، بالإضافة إلى مُمثلي الجهات الوطنية المعنية من وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، الهيئة العامة للاستثمار، مركز تحديث الصناعة، جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والبنك المركزي المصري، وعدد من الجهات الحكومية الأخرى والمعنيين بقطاع الشركات الناشئة.
جدير بالذكر أن المجموعة الوزارية لريادة الأعمال، عقدت عدة اجتماعات منذ تشكيلها، كما وضعت إطارًا تنظيميًا ومجموعات عمل تضم مختلف ممثلي مجتمع الشركات الناشئة وصناديق استثمار رأس المال المخاطر، حيث وقعت المجموعة عدة مقترحات من المقرر إطلاقها من بينها "ميثاق مجتمع الشركات الناشئة في مصر"، الذي يعدُ خطة عمل حكومية ببرنامج زمني لتعزيز قدرات الشركات الناشئة ودعمها لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
كما تم وضع مقترح مبادرة تمويلية موحدة لدعم الشركات الناشئة من المقرر أن يستفيد منها نحو 5000 آلاف شركة، في قطاعات تنموية متعددة، كما تم وضع تعريف موحد للشركات الناشئة وتيسيرات على مستوى الحوافز المالية والتسجيل والتراخيص يجري دراستها في الوقت الحالي.