الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (1)
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
بقلم : محمد صالح البشر تريكو
علاقتي بحزب الأمة القومي وكيان الأنصار علاقة قائمة على جداري التاريخ والبيئة ، إذ أول ما تفتحت عيناي في بيتنا ، على صورة معلقة في غرفة والدي ، لشخص ذي لحية مهذبة لا تشبه لحى الجبهجية -أولئك لهم ذقون تشبه ترتار الخَنْبَة -المرأة المهملة التي لا تبالي ، لهذا سيكون سور بيتها مبني بصورة عشوائية بتفاوت بين مواد البناء (القش)
في وجه الرجل أنف قوادة وعينان تضيق مساحتهما ،الأنف القواد وصغر العينين من مؤشرات الوسامة عند أهلي البقارة في غرب السودان .
عمي ووالدي يقدسان جميع عائلة المهدي ما عدا مبارك الفاضل الذي يسبانه .
صاحب الصورة هو - الصادق المهدي بل يعتقد والدي إن الصورة في مقدورها حماية البيت من الحريق ، كلما زرت عمي يوسف قبل وفاته وفي الأيام الأخيرة يحدثني عن تكرار زيارات الصادق المهدي له في المنام ،فهمت ما يشير اليه عمي بأن الصادق يطلب أن يكون عمي إلى جانبه في الرفيق الأعلى.
نعم علاقتي بالحزب علاقة تاريخ استناداً على نزول الخليفة عبدالله التعايشي ،في إحدى قرانا -منطقة الجبارات- التابعة لوحدة أبي سنيدرة بمحلية الفردوس بولاية شرق دارفور في سبيل بحثه عن مهدي منتظر ،تقول الروايةالشفوية ، بعد مكث ما شاء من الزمن عندنا ، تحرك التعايشي من منطقة الجبارات إلى منطقة ديم زبير بالقرب من راجا بجنوب السودان ، هناك التقى بالزبير ود رحمة كبير النخاسين ،ما دعا الخليفة الذهاب إلى الزبير إلا انتصاراته الباهرة في جميع المعارك التي خاضها بما في ذلك انتصار على قبيلة الرزيقات التي أجمع كتاب التاريخ الأجانب والسودانيين بأنها لم تهزم طوال المائتين عام ، هكذا كتب سلاطين باشا ونعوم شقير والفرنسي روبرت كولنيز ،هؤلاء أشهر من سطر عن تاريخ السودان الحديث .
يبرر قادة الزريقات هزيمة الشيخين منزل وعليان وأتباعهما من قبل الزبير بأن الحرب وقعت من غير ما يتخذ قرارها جماعياً.
لسبب ما اختلف منزل وعليان مع الزبير باشا ربما حول استحقاقات تأمين تجارة الزبير أو بسبب اعتداء منهما وقعت على قوافل للزبير .
سعى التعايشي لاقناع الزبير باشا بأنه المهدي المنتظر دون أن يدري وان انتصاراته ما هي إلا بسبب وقوف السماء معه ،لكن رد الزبير كان حسب الرواية لا يخلو من جلافة ، رفض الزبير فكرة المهدية قائلاً مهدي شنو انا تاجر رقيق .
تنامي الى مسامع الخليفة خبر الحوار الذي اختلف مع شيخه في الجزيرة ، حول حفلات صاخبة لمناسبة ختان أنجال الشيخ ، تلك الأخبار دفعت بالخليفة بأن يهاجر نحو الجزيرة .
الشائع عما جرى بين الإمام المهدي والخليفة في أول لقاء بينهما بأن المهدي أسر الخليفة بمهديته ، ليعلن الخليفة إيمانه في الحال ولكن في رواية أخرى غير مذاعة تقول إن الخليفة هو من أوحى للمهدي بأنه محرر البلاد ومقيم العدل في البلاد بعد أن ملأت جوراً ، لما اختلف الخليفة مع آل بيت المهدي في وقت لاحق ،حاول الأشراف التزييد على التعايشي برؤى منامية للمهدي تأتيهم تتحدث عن الواقع ، رد عليهم الخليفة بقوله (شغلنا مع المهدي حكم ما دين )
في الإسلام الشعبي المهدي ولي صالح ،ملهم يأتي بعد كل مائة عام ليحارب الشرك ويعيد الاسلام الى أصله ، لكن في واقع الدين إن حكاية المهدي المنتظر الذي يجدد الدين بعد كل مائة سنة وهو شخص شكله كذا واسمه محمد واسم ابيه عبدالله تدخل ضمن الخزعبلات ، إذ جميع الأحاديث عنها ظنية غير مسندة للنبي عليه السلام .
على خلفية البيئة والتاريخ أعلاه عندما عتبت سلم الجامعة في أول يوم ، وجدت ركن نقاش للطلاب الأنصار حزب أمة ، تخللت الركن نداءات حماسية (كولنيق) منها : عهدنا معاك كنداب حربة ما بتسلخ ، صرة عين جمل ملوية ما بتتفلخ ، من المسكة كان ايدينا يوم تتملخ ، السماء يتكئ وجلد النمل يتسلخ ، شعر آخر يقول مقطع منه (دقناً ضلالية فجرة وحراميه ،تقتل باسم الدين تسرق باسم الدين)
شخص من بيئة فيها راتب صباح ومساء وصور الإمام ، طبيعي ينضم في الجامعة إلى حزب الأمة.
من ناحية لغوية يرد البعض كلمة انسان إلى النسيان أي ينسى بسرعة ويقول أهلنا شراب النسية نسيان والنسية هي خلط الماء بالروب ، تشرب كوجبة سريعة حال عدم توفر أكل آخر للضيف المستعجل ،أما خلط اللبن والروب في آنٍ واحدٍ ، فتلك تسمى بالرتية ، تعد وجبة دسمة.
بدأ المرحوم الصادق المهدي السياسة بنظرة حداثوية ، برفض الجمع بين الأختين امامة الأنصار ورئاسة الحزب بل دخل مع عمه الهادي المهدي في نزاع حاد رفع الصادق شعار مصرع القداسة في أعتاب السياسة ، ما إن قتل عمه أو استشهد حسب موقفك من الحزب ، نسي الصادق كل شعاراته تلك وتقلد رئاسة الحزب وامامة الأنصار، لكي يعطي الأمر مسحة قداسية ،طفق يتحدث عن كراماته في أكثر من محفل ويمكن الرجوع إلى حلقات برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة ، الذي استضاف من خلاله الصحفي أحمد منصور الإمام الصادق المهدي قال بعظمة لسانه عن سيرة حياته وانا خجلان مما أشاهد واسمع : لما كان هو جنين في بطن أمه يشير عمه يحى إلى البطن باستمرار ويقول إن مهاجراً سيصل يوم الأربعاء ، عندما يسأل من أين يأتي، يجيب يحى من كبكابية -حارة كبكابية دي مش - لشخص رافع شعار سودان جديد يتقدم ، سودان قديم يتحطم ،
بالفعل ولد يوم الأربعاء 25ديسمبر الذي يصادف ميلاد المسيح ،لحظة صراخه بعد استنشاق الأوكسجين أول مرة ، حطت طائر القمرية على كتف جده السيد عبدالرحمن المهدي .
فعلاً هولاء الناس ولدوا في بيئة مليئة بالميثولوجية (علم الأساطير )
في اللغة الأساطير جمع المفرد أسطورة وهي القصة الرمزية ذات الدلالة القدسية ويقول الله (لقد وُعِدْنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الاوليين )
نواصل ....
trikobasher@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الصادق المهدی
إقرأ أيضاً:
العيد مناسبة يحتفي بها الشعراء في كل زمان ومكان
شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوت أحاسيسهم بها قوة وضعفُا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات، مناسبة العيد، هذه المناسبة التي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد تمر بالشاعر خاصة أو تمر بالأمة الإسلامية عامة، ويعتبر مفهوم “العيد” أحد العناصر المؤثرة في تشكيل شعر أغلب قصائد شعراء العربية، وبخاصة في شعر المناسبات والتهنئة، حيث ارتبط العيد بمظاهر البهجة والسرور، والفرحة والحبور، وأشكال التضامن الاجتماعي، وكان توظيف هذه المعاني التي يشتمل عليها “العيد” بمظاهره الجميلة.
وقد تفاعل الشعراء خلال القرون السابقة وحتى عصرنا الحاضر مع الأعياد تفاعلاُ قويًا ظهر في أغراض شعرية منوعة نرصد منها:
تحري رؤية الهلال
يستبشر المسلمون بقدوم العيد ويتحرون رؤية هلال العيد ويستبشرون به وقد قال الشاعر ابن الرومي في ذلك:
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
وأما الشاعر ابن المعتز فيقول عن عيد الفطر:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه
فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ
قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
ويقول الشاعر يحيى توفيق في قصيدته «ليلة العيد»، حيث يرى في العيد مصدرا للبشر والفرح والسعادة، حيث يقول فيها:
بشائر العيد تترى جمة الصور
وطابع البشر يكسوا أوجه البشر
وموكب العيد يدنو صاخباً طرباً
في عين وامقة أو قلب منتظر
حقيقة معنى العيد
الكثير من المسلمين يغفلون عن المعنى الحقيقي للعيد فيظنوه في لبس الجديد واللهو واللعب فقط، وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك أمورًا أخرى ينبه إليها أبو إسحاق الألبيري حول حقيقة معنى العيد يقول الأبيات التالية:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك
كم من جديد ثيابٍ دينه خلق
تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع
بكت عليه السماء والأرض حين هلك
وهو قول ينم عن عمق معرفة بحقيقة العيد، وكونه طاعة لله وليس مدعاة للغرور والتكبر.
تهاني الشعراء للملوك
ويلاحظ المتتبع لموضوع العيد في الأدب العربي أن المدائح بمناسبة العيد قد شغلت حيزاً كبيراً من أشعار العيد، وأن بعضها يعتبر من غرر الشعر العربي. ومن هذه القصائد رائية البحتري التي يهنئ بها الخليفة العباسي (المتوكل) بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيداً إنه
يوم أغر من الزمان مشهر
فيما قال المتنبي مهنئًا سيف الدولة عند انتهاء شهر رمضان:
الصَّوْمُ والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُر
منيرةٌ بكَ حتى الشمسُ والقمرُ
ويهنئه بالعيد فيقول:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده
وعيد لكل من ضحى وعيدا
ولازالت الأعياد لبسك بعده
تسلم مخروقاً وتعطي مجددا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى
كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا
هو الجد حتى تفضل العين أختها
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
الشكوى والمنغصات
لا يخلو العيد في كثير من الأحيان من منغصات قد يتعرض لها الشاعر خاصة في نفسه أو أهله وقد عبر عن ذلك كثير من الشعراء في قصائد خلدها التاريخ، يكاد من يقرأها يشارك الشاعر معاناته ويلامس صوره وأحاسيسه، ولعل أشهر ما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها:
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ
بما مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم
فليـت دونـك بيـداً دونهـم بيـدُ
وما شكوى الشاعر المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه في (أغمات) بخافية على أي متصفح لكتب الأدب العربي، حين قال وهو يرى بناته جائعات حافيات في يوم العيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ
فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً
في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ
يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه
ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَـجٌ
فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا
وقال الشاعر الأمير “أبو فراس الحمداني” وهو أسير ببلاد الروم وقد أتى عليه العيد:
يا عيد ما جئت بمحبوب
على معنى القلب مكروب
يا عيد قد عدت على ناظر
عن كل حسن فيك محجوب
يا وحشة الدار التي ربها
أصبح في أثواب مربوب
قد طلع العيد على أهلها
بوجه لا حسن ولا طيب
ما لي وللدهر وأحداثه
لقد رماني بالأعاجيب
ويبث الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولي في قصيدة رائعة قال فيها:
العيدُ أقبلَ تُسْعِـدُ الأطفـالَ ما حملتْ يـداه
لُعَباً وأثوابـاً وأنغامـاً تَضِـجُّ بهــا الشِّفاه
وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن (نِداه)
فيعـودُ في أهدابه دَمْعٌ، وفي شفتيـه (آه)
ويقول في قصيدة أخرى:
هـذا هـو العيـدُ أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ
ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!
وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم
مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟!
حال الأمة
لم تعرف الأمة في عهودها السابقة حالة الاستضعاف التي شهدتها في عصرنا الحاضر، لذلك كثر وصف الشعراء لمآسي الأمة وأحزانها خصوصًا كلما عاد العيد ومن ذلك قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـاً
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً
ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
فيما يشكو الشاعر عمر أبو الريشة:
يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد
فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ
لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ؟
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثياً حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:
أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة
على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان؟
من أين نفرح والأحداث عاصفة
وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان؟
العيد والقضية الفلسطينية
ثم ينتقل العشماوي إلى الجرح الذي لم يندمل، والذي يؤرق الأمة الإسلامية ألا وهو جراحات مقدساتها العظيمة التي سلبها عدوّها لما نام عنها راعيها من المسلمين فقال:
من أين والمسجد الأقصى محطمة
آمالـه وفؤاد القـدس ولهـا؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
دروبنا جدر قامـت وكثبـان؟
وتتفاعل الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان مع أخواتها اللاجئات الفلسطينيات بين الخيام لتصور مأساتهن وما يعانينه من آلام التشرد واللجوء في يوم العيد فتقول:
أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ
أختاه، مالك إن نظرت إلى جموع العابرينْ
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفينْ
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطيرُ
العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرورُ
أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفينْ؟