هل حققت التعاونيات طموح رائدات الأعمال في المغرب؟
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
مراكش– في فناء منزل واسع في مدينة بنجرير المغربية تجلس الشابة ابتسام بن الشفعي رئيسة تعاونية "الابتسامة" في ركنها الخاص منهمكة في مراجعة فواتير، في حين تواصل نساء عملهن في تنقية حبوب الشعير في الجهة المقابلة.
وتعلو ابتسامة ممزوجة بالرضا محيا ابتسام وهي تنظر إلى الأرقام، تقول وهي تغلق صفحة الحسابات "الحمد لله، الأمور تسير على ما يرام".
ويبدو أن جهود المتعاونات قد أتت أكلها، لكن بالهن ما زال منشغلا باقتحام أسواق جديدة.
وتقول ابتسام (32 عاما) وهي تنظر إلى الأفق "العمل مع النساء في إطار تعاوني ممتع، بدأنا بمجموعة صغيرة وواجهنا تحديات جمة، لكننا لم نستسلم، بل عملنا بجد وإصرار، وتعلمنا كيف ندير المشروع بنجاح".
وتضيف للجزيرة نت "التحديات لن تتوقف، لكننا نؤمن بقدرة النساء على تحقيق ما نصبو إليه، وأن عملنا يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به".
تتكون تعاونية "الابتسامة" من 9 نساء، أغلبهن شابات، ورجلين يعملون في إنتاج الكسكس وفي مستحضرات التجميل، ولكل مجال علامة تسويق مسجلة ومحمية قانونيا اقتحمت بها عددا من المدن معتمدة على منصتها الرقمية وعلى مواقع التواصل.
إعلانوقد نالت التعاونية الجائزة الوطنية "لالة المتعاونة" في نسختها الثالثة إلى جانب 29 تعاونية أخرى، وبمشاركة نحو 500 متبارية.
ولم تكن ابتسام تتوقع الفوز، إذ جاءت مشاركتها في إطار تقييم ذاتي للوقوف على مكامن قوتها لتطوير أنشطتها.
وتشيد هذه المقاولة الشابة بالفكرة التي أطلقتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومكتب تنمية التعاون (حكومية) سنة 2020 بهدف دعم وتأهيل التعاونيات النسائية.
وتشترط المسابقة أن تكون فكرة المشروع رائدة ومبتكرة، وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية واضحة وقابلة للقياس، وتحصل التعاونيات الفائزات على دعم مالي قدره 50 ألف درهم (5 آلاف دولار).
وشاركت ابتسام أيضا في جائزة "تميز" الخاصة بالمنتجات الفلاحية، وجائزة الأميرة للا مريم للابتكار والتميز، وتضع نصب عينها جائزة عالمية بعدما أعلن عام 2025 سنة عالمية للتعاونيات خلال مؤتمر عالمي انعقد في نيودلهي الهندية.
تطورمن يتابع عمل التعاونيات في المغرب، يجدها قد قدمت أفكار مشاريع ملهمة أبرزت ولوجها لمجالات جديدة وواعدة مثل تثمين النفايات والسياحة البيئية والطاقات المتجددة والخدمات.
وتطور عدد التعاونيات على مدى العقدين الماضيين، خاصة بعد إقرار القانون الجديد سنة 2016 بمعدل تأسيس 4 آلاف تعاونية جديدة سنويا، وأصبح الآن يناهز 60 ألف تعاونية، تُشغل أكثر من 760 ألف شخص.
وتشير أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) إلى أن التعاونيات ساهمت سنة 2013 بنسبة 1.5% بالناتج الداخلي الخام. في حين تهدف الحكومة حسب فاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى أن تصل هذه المساهمة إلى 8% خلال عام 2035، مقارنة مع 2% حاليا، وإيجاد 50 ألف منصب شغل سنويا.
إعلانوتشكل التعاونيات النسائية نسبة 13% من مجموع التعاونيات، بينما تمثل النساء 34% من إجمالي العاملين، وهذا يظهر -حسب الوزيرة- تعزيز وجود المرأة في العمل التعاوني ومساهمته في التمكين الاقتصادي لها.
يعرف المشرع المغربي التعاونية بكونها مقاولة مستقلة محدثة بين أشخاص ذاتيين أو اعتباريين اتفقوا بشكل إرادي على تسويق منتجاتهم أو خدماتهم بشكل جماعي.
وتتميز التعاونية في المغرب بمميزات كما حددتها الأمم المتحدة، أهمها:
حرية الانخراط. التسيير الديمقراطي والاستقلال الذاتي. المساهمة الاقتصادية للأعضاء. الالتزام نحو المجتمع والتعاون بين التعاونيات.ويتكون رأس مال التعاونية من مجموع الحصص النقدية والعينية لجميع الأعضاء على ألا يقل مبلغ رأس المال عن ألف درهم، وألا تقل قيمة الحصة الواحدة عن 100 درهم.
وتعفى التعاونيات من الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة، بالنسبة لتعاونيات تسويق المواد غير المحولة، لكن تعاونيات تحويل المواد تخضع لهاتين الضريبتين إذا تجاوز رقم معاملاتها السنوي 10 ملايين درهم (مليون دولار) في سنتين محاسبيتين متتاليتين.
ويمكن أن تتحول التعاونية الى شركة إذا تجاوز رقم معاملاتها السنوي 5 ملايين درهم (500 ألف دولار)، وهو طموح عدد من رائدات الأعمال في المغرب.
تلم ابتسام بكل هذه التفاصيل وأكثر من ذلك وأصبحت جزءا من حياتها وتفكيرها، ولتطوير مشروعها تتسلح بتكوينها الأكاديمي، فهي حاصلة على الباكالوريا (الثانوية العامة)، وعلى 4 دبلومات تقنية في الكتابة والمكتبيات، وفي المحاسبات، وفي الإعلاميات، وفي تسيير المقاولات، وتتابع عن كثب كل تطورات مجالها.
تعديلتطمح ابتسام الى تطوير التعاونية، وتعمل جاهدة على استعمال وسائل جديدة من أجل تطوير منتجاتها، والاستجابة لعدد من الشروط الوطنية، لولوج الصفقات العمومية، وإبرام اتفاقيات شراكة وتعاون مع مؤسسات وطنية ودولية.
إعلانوتؤكد أستاذة قانون الأعمال في جامعة الحسن الأول في مدينة سطات فاطمة الزهراء أبا تراب أن ابتسام مثلها مثل عدد مهم من رائدات الأعمال المغربيات تقدم نموذجا للتفكير الفعال والمبدع، تساير التطور وتقدم الحلول الجديدة.
وتشرح للجزيرة نت أن التعاونيات التي كانت تعتمد في السابق على وسائل تقليدية لإنتاج وتسويق منتجاتها، قد شهدت تطورا ملحوظا، فبعد أن كانت تعمل بأساليب بسيطة وتقتصر على تطوير المنتجات التي يقدمها أعضاؤها، أصبحت اليوم تمتلك قيمة إنتاجية عالية وتساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني.
ولا يقتصر تأثيرها على السوق المحلي فحسب، بل تجاوز ذلك لتصبح منتجاتها معروفة ومرغوبة على المستوى العالمي، وفق ما تضيف المتحدثة.
وتبرز أن التطور الملحوظ الذي شهدته التعاونيات في الآونة الأخيرة كان دافعا رئيسا للمشرع المغربي لتعديل القانون المنظم لها.
مع ذلك يواجه تنظيم التعاونيات في المغرب تحديا تشتت التشريعات ذات الصلة.
وتبرز الأكاديمية المغربية أبا تراب أنه رغم وجود القانون 112.12 المنظم للتعاونيات، إلا أن هناك العديد من النصوص التشريعية الأخرى لها ارتباط بأنشطتها، سواء كانت مؤسساتية أو غير مؤسساتية.
وتشمل هذه التشريعات مجالات متنوعة مثل العلاقات التعاقدية، وحماية المستهلك والتقييس وشهادة المطابقة والاعتماد، والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والعلامة المميزة للمنشأ وجودة المواد الغذائية، وتنظيم مهنة المستشار الفلاحي.
وترى الأكاديمية أن تجميع هذه التشريعات المتفرقة في مدونة واحدة سيكون خطوة ضرورية لتسهيل عمل التعاونيات وتعزيز تطويرها.
بينما يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع ضمانات قانونية لحماية التراث الجماعي للتعاونيات التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطور بفضل المجهود الجماعي لأعضائها.
ويرى أهمية وضع نظام وطني للتجارة المنصفة، والذي من شأنه توفير ضمانات منصفة لمجموع حلقات سلسلة القيم، كما يؤكد على أهمية هذا النظام في تعزيز الهوية المغربية للتجارة المنصفة والتضامنية، وتعزيز التربية على الاستهلاك المنصف.
طموحتسعى ابتسام إلى توسيع نشاطها في مقر جديد يستجيب لطموحاتها. ولا تتوانى في مواصلة التدريب في ميدانها، بل باتت مرجعا في تخصصها وباتت تحمل صفة مدربة معتمدة في مجال إدارة التعاونيات.
إعلانولتحقيق قفزة نوعية في أداء التعاونيات المغربية، تقدم الباحثة أبا تراب مجموعة من المقترحات العملية لتعزيز الهوية البصرية وضمان السلامة والجودة، وتوفير التأهيل والمواكبة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
اعتماد "الرمز الجماعي" الذي أطلقته وكالة التنمية الفلاحية، كأداة فعالة لتسويق وترويج المنتجات المجالية التي تنتجها التعاونيات الفلاحية، وهذا يضمن جودتها ويعزز ثقة المستهلك. تقنين وتنظيم استخدام عبارة "المنتوجات المجالية المغربية" من قبل التعاونيات الفلاحية والإنتاجية، لضمان الشفافية والمصداقية. اتخاذ تدابير وقائية صارمة من قبل التعاونيات لتجنب أي مخاطر محتملة في المنتجات التي تصنعها أو تسوقها. ضرورة اعتماد التعاونيات المغربية لآليات متسلسلة لتأهيل منتجاتها، بدءا بالإنتاج والتثمين، مرورا بالتسويق والترويج، وصولا إلى المستهلكين داخل وخارج المغرب. توفير دعم ومواكبة مجانية لجميع أنواع التعاونيات، لتمكينها من النمو والازدهار.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی المغرب
إقرأ أيضاً:
إطلاق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس
أطلق، اليوم الأحد، في جامعة القدس الفلسطينية، كرسي الدراسات المغربية، بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها بين وكالة بيت مال القدس الشريف، وجمعية المركز الثقافي المغربي -بيت المغرب في القدس- وجامعة القدس، بحضور وفد أكاديمي مغربي وعمداء الكليات ومراكز البحوث التابعة للجامعة.
ووفق بيان صادر عن جامعة القدس، يندرج إحداث هذا الكرسي، الذي تم توطينه في جناح خاص في كلية الهندسة بحرم الجامعة في بلدة أبو ديس، شرقي المدينة المقدسة، بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها بين الأطراف الثلاثة، لتسليط الضوء على تاريخ المغرب وموروثه الحضاري.
وأشاد رئيس جامعة القدس حنا عبد النور، بخطوة إطلاق كرسي الدراسات المغربية، وقال إنه "يأتي توطيدًا للعلاقات الثقافية والأكاديمية والبحثية بين الشعبين الفلسطيني والمغربي، وإحياءً للعلاقة التاريخية واللحمة القائمة بين الشعبين منذ مئات السنين".
من جهته، قال المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، محمد سالم الشرقاوي، إنه من خلال الإعلان عن هذا الكرسي، تضع الوكالة والجامعة لبنة جديدة في ترسيخ ارتباط المغاربة بهذه الأرض المباركة، وتعزيز الحضور المغربي، متعدد الأوجه، في القدس وفلسطين، من خلال أعمال البحث العلمي والأكاديمي.
إعلانوأشار إلى أن "وكالة بيت مال القدس الشريف، تواصل عملها في القدس، تحت الإشراف المباشر للعاهل المغربي الملك محمد السادس لدعم الفلسطينيين في القدس ودعم مؤسساتها".
وقدمت رئيسة الكرسي صفاء ناصر الدين، عرضًا قالت فيه، إن إحداث كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس "أداة فعالة للوصل بين الأكاديميين والمثقفين المغاربة والفلسطينيين".
وتابعت أن أهداف الكرسي "تنصب في تشجيع الطلبة والباحثين الفلسطينيين على الكشف عن مزيد من أسرار العلاقة المغربية الفلسطينية الممتدة من الماضي والحاضر نحو المستقبل".
يذكر أن لوكالة بيت المال مساهمات عدة مع جامعة القدس عبر سنوات طويلة من منح دراسية ودعم مشاريع، والتي كان آخرها تدشين مشروع تهيئة فضاءات الحرم الجامعي في بيت حنينا، بتمويل من المملكة المغربية، لإعادة تصميم مداخل الجامعة التي حملت الطابع المغربي.