يبدأ الفيديو بطفل يبحث بين أنقاض غزة بينما يقف مسلح فوقه يرمقه بنظرات تهديد. وتظهر بركة دماء من العدم.
 ثم تظهر كلمتان بأحرف كبيرة هما "ما التالي؟"، ثم مشهد مرعب يجسد رؤية دونالد ترمب لغزة، على صورة فيديو مكون من لقطات مصنوعة بالذكاء الاصطناعي، شاركه الرئيس بنفسه.
يتغير المشهد في غضون ثوان قليلة ليجسد فكرة ترامب عن الجنة، أي شواطئ وفنادق جديدة ومطاعم وسيارات رياضية.

ونرى بعد ذلك إيلون ماسك مبتسماً وهو يلتهم نوعاً من المقبلات، ودونالد ترامب يداعب راقصة شرقية، ثم بصورة غير مفهومة، يظهر عاري الصدر مستلقياً على كرسي للتشمس إلى جانب بنيامين نتانياهو.

ويظهر اسم ترامب وصورته مراراً في سلسلة المشاهد المذهلة على الفنادق والهدايا التذكارية وحتى في صورة تمثال ذهبي عملاق، كما اعتاد أن يفعل.

بعدها نرى أوراقاً نقدية تتساقط بكثرة كيفما اتفق على مراحل، ويلتهم ماسك مزيداً من المقبلات الغامضة، بينما يحمل طفل بالوناً ذهبياً يمثل رأس ترمب، وتتمايل راقصات شرقيات ملتحيات على الشاطئ، وتسمع موسيقى تصويرية غريبة ثم نسمع إعلاناً بصوت روبوتي عن أن "غزة التي تصورها ترامب تحققت أخيراً".

الفلسطينيون الذين عاشوا في غزة لأجيال لا تعد ولا تحصى لا يظهرون من جديد بعد تلك اللقطات الأولى، أي أن من المفترض أنهم جُرفوا مع الأنقاض إلى مكان غير معروف. ويبدو أن قبور عشرات الآلاف ممن قتلوا جراء القصف الإسرائيلي المكثف للقطاع سُويت بالأرض واستُبدلت المطاعم بها.
ونشر ترامب شريط الفيديو على شبكته للتواصل الاجتماعية "تروث سوشيال" ليلة الثلاثاء الماضي، ما أثار موجة من الغضب والسخرية والارتباك.
لم تصل مقاطع الفيديو المنتجة بالذكاء الاصطناعي بعد إلى درجة من التطور تجعلها منطقية، بل تبدو كحمى هذيانية حيث لا شيء يبدو حقيقياً، المنطق معلق وأكواد البرمجة العشوائية تنتج تشوهات سوريالية. والأمر ذاته ينطبق على رؤية ترامب لغزة.
وبعد المحاولة الفاشلة التي قام بها من أجل شرح خطته المروعة للقطاع المدمر من طريق الكلام، لجأ الآن إلى استعمال هذيانات خوارزمية غير معروفة، ربما حثه على استخدامها مراهق شعر بالملل في مكان بعيد من العالم، لترجمة فكرته نيابة عنه.
وهذا أسوأ إلى حد ما حتى من جهوده السابقة لتسويق الفكرة. ويوحي شريط الفيديو بأن غزة في تصور ترامب ستكون مبهرجة للغاية إلى درجة أنها قد تجعل دبي تبدو "فقيرة ومملة" مثل مدينة غاري بولاية إنديانا. إنه تطهير عرقي مغلف في إعلان ترويجي عقاري فاخر.
يستغرق الفيديو 30 ثانية فحسب، لكنه يتجاهل تماماً الخطوات التي يجب أن تحدث بين غزة اليوم ورؤية ترامب النهائية، وأهمها الترحيل القسري لما يقارب مليوني فلسطيني، وربما حرب أخرى أكثر تدميراً من السابقة.
ودأب حلفاء ترامب على بذل جهود كبيرة لشرح تغريداته المكتوبة كلها بأحرف كبيرة عندما كان يحاصرهم المراسلون في أروقة الكونغرس. وبات عليهم الآن أن يفسروا دلالات تماثيله الذهبية الخيالية وشهية ماسك التي لا يمكن إشباعها لتناول الغميس. كما أن الإعلام بات مضطراً للتعامل مع مراهقته الاستفزازية وكأنها سياسة جادة.
اعتاد خصوم أمريكا أن ينفقوا مليارات الدولارات من أجل معرفة ما كان يفكر فيه رئيس الولايات المتحدة حقاً. بيد أنهم الآن لا يحتاجون إلا للدخول إلى موقع" تروث سوشيال" خلال الساعات الأولى من الصباح للتأكد من أن أسوأ ما يخشونه تحقق.
ويقدم الشريط نظرة ثاقبة مرعبة إلى عقل الرئيس. فبينما لا يزال الفلسطينيون داخل غزة ينتشلون الجثث من بين الأنقاض، وفيما يتجمد الأطفال حتى الموت في البرد القارس لأن منازلهم دُمرت، ينشغل ترامب بأحلام تتراءى له حول الطرق التي ستزيده ثراء فوق هذه الأنقاض.

لقد وعد ترامب الالتزام بشفافية لا مثيل لها في ولايته الثانية، إلا أن أحداً لم يتوقع أن يتعلم كل هذا القدر عن كيفية تفكيره.
كما أن شريطه يوحي ببعض مواصفات الضخ الإعلامي المدمر الذي يتابعه ترامب بانتظام. خلال ولايته الأولى، كان يجلس أمام شاشة التلفزيون على مدى ساعات في اليوم ليشاهد قناة "فوكس نيوز"، ومن ثم يوجه رسائل مدوية بغرض الرد على فتات أية قصص إخبارية غير مهمة يمكنه رؤيتها. أما اليوم، فإنه يستهلك الجوانب الأقل اتزاناً للمحتوى الموجود على شبكة الإنترنت.
يفضل أقوى رجل في العالم أن يشاهد النسخ المعدلة التي يعدها معجبوه على أفكاره الأكثر جنوناً، وذلك بدلاً من قراءة إحاطات استخباراتية صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية.
محتوى الفيديو بحد ذاته مزعج بما يكفي، لكن ما يمثله لمكانة أمريكا في العالم أكثر سوءاً.
ويعتقد كثر أن الانتشار المتزايد لمقاطع الفيديو هذه هو علامة على ما يسمى "تتفيه" الإنترنت، تدهور المحتوى الرقمي. وهذا مصطلح صاغه الناقد التكنولوجي كوري دوكتورو، ويستخدم عادة لوصف عملية تدهور المنصات الموجودة على شبكة الإنترنت وتحولها إلى توافه عديمة الجدوى. وغالباً ما يُساق "فيس بوك" مثال رئيس على هذا التتفيه، وذلك في المقام الأول لأنه أصبح مليئاً بنفايات الذكاء الاصطناعي المشابهة للفيديو الذي شاركه ترامب.
إن هذه الفيديوهات عادة ما تتم مشاركتها من قبل مستخدمين من فئة عمرية معينة عبر منصة مارك زوكربيرغ، وكثر منهم لا يدركون بسذاجة أن ما يشاركونه صنع بواسطة الذكاء الاصطناعي. لقد أصبحت المنصة الآن فيضاً من الوهم والتزييف. وترامب البالغ من العمر 78 عاماً ليس بمنأى عن هذا الاتجاه.
من خلال مشاركة هذياناته الخامة من دون تعديلات، مع العالم، يبشر ترامب بحقبة تتفيه لمنصب الرئاسة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب

إقرأ أيضاً:

الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن

اليوم أعلن ترمب الحرب الأقتصادية علي جميع دول العالم وفرض جمارك باهظة علي صادراتها للولايات المتحدة، وهي أكبر سوق في العالم. هذه الجمارك تهز الأقتصاد العالمي، وتربك سلاسل الإمداد وتضرب أسواق أمال العالمية. واهم من ذلك إنها تهدد بتدمير معمار النظام الإقتصادي العالمي الذى ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكل هذا ستترتب عليه تحولات جيوسياسية جديدة وتسريع لديناميات أخري ولدت قبل إعلان ترمب الحرب الأقتصادية علي الجميع.

ولكن سياسات ترمب أيضا سيكون لها أثار سلبية باهظة علي الإقتصاد الأمريكي مثل إرتفاع معدلات التضخم، وازدياد العزلة الدولية لأمريكا وتراجع أهمية الدولار حول العالم.

فيما يختص بالسودان، قرارات ترمب لا تاثير لها لانه فرض جمارك علي صادرات السودان جمارك بنسبة ١٠% ولن تؤثر هذه النسبة لا في حجم الصادرات ولا علي أسعارها لان تلك الصادرات أصلا قليلة القيمة في حدود ١٣،٤ مليون دولار في العام السابق، أكثر من ٩٠% منها صمغ لا بديل له والباقي حرابيش حبوب زيتية . كما أن السلع المصدرة لا توجد بدائل لها بسعر أرخص إذ أنها أصلا رخيصة ولا تتمتع بمرونة في السعر ولا الطلب.

كما أن إهتزاز أسواق المال والبورصات وقنوات التمويل الدولي لا تاثير لهم علي السودان لانه أصلا خارج هذه الأسواق وخارج سوق المعونات.

ولكن هذه ليست نهاية القصة لان توجهات ترمب الأقتصادية والسياسية تدفن النظام العالمي القديم وتسرع من وتائر تحولات جديدة في غاية الأهمية. وبلا شك فان موت النظام القديم وميلاد نظام جديد وفوضى الإنتقال سيكون لها تاثير سياسي وإقتصادي علي السودان بسبب تبدل البيئة الدولية التي يعمل فيها السودان السياسي والاقتصادي. ولكن هذه التحولات المضرة لن يتأذى منها السودان مباشرة بل ربما يستفيد منها لو أحسن قادته.

علي سبيل المثال النظام الجديد سيكون متعدد الأقطاب وستنتهي فيه الهيمنة الغربية الأحادية وستزداد مجموعة البريكس أهمية وستزداد أهمية تكتلات أقتصادية أخري أخري في الجنوب العالمي مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وفي أمريكا اللاتينية السوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور)، وفي المستقبل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية . وجود كل هذه البدائل كشركاء أقتصاديين/تجاريين/سياسيين محتملين يتيح للسودان هامش للمناورة وإمكانية الحصول علي شروط أفضل في تعاطيه الأقتصادي والسياسي مع العالم الخارجي.

ولكن الإستفادة من هذه التحولات يحتاج لرجال ونساء يجيدون صنعة الدولة ولا يقعون في فخاخ ألحس كوعك علي سنة البشير ولا الانبطاح غير المشروط كما حدث في الفترة الإنتقالية التي أعقبت سقوط نظام البشير.

معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خدعة أبريل التي صدّقها الذكاء الاصطناعي
  • الأضخم حتّى الآن.. ميتا تطرح أحدث نسخ نماذج «الذكاء الاصطناعي»
  • إلهام أبو الفتح تكتب: وماذا نحن فاعلون؟!.. فيديو
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • ذا سيمبسون يتنبأ بوفاة ترامب .. ما حقيقة الفيديو؟
  • في هذا الفيديو بدا عبد الرحيم دقلو أشبه بشخصية “الواد محروس بتاع الوزير”
  • تقرير أممي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الوظائف
  • "ذا سيمبسونز" يتنبأ بوفاة ترامب 12 أبريل.. حقيقة الفيديو المثير للجدل
  • غيتس يحدد المهن التي ستبقى خارج سيطرة الذكاء الاصطناعي
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن