عربي21:
2025-03-03@00:43:26 GMT

السعار الترامبي بوصفه تهديداً للعالم

تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT

لا تكفي مقاربة مسلك الرئيس الأمريكي السياسي وخطابه انطلاقاً من نظريات علم السياسةِ التي تحلّل خصائص القيادة الشعبوية وبحثها عن إثارة الغرائز وادّعائها التميّز والمعرفة والقدرة على الإجابة عن الأسئلة جميعها وفق ما يُرضي ميول مريديها، بمعزل عن الوقائع والحقائق.

ذلك أن الرجل تخطّى كلّ هذا منذ سنوات ولايته الأولى العام 2017.

فهو امتهن الديماغوجية والمراوغة، وحوّل الأرقام الاقتصادية والمعطيات العلمية إلى وجهة نظر، ودافع عن محاولات رفض النتائج الانتخابية وتداول السلطة حين خسر، وبرّر عنف الشرطة ضد المواطنين السود. وهو فوق ذلك اعتمد خطاباً رسمياً شديد التبسيط، قال الألسنيون إن قاموس مفرداته فقير لدرجة أن «عمره اللغوي» لا يتخطّى عمر المراهقة، جاعلاً السوقية في الكلام ركيزة من ركائز تصريحاته تجاه كلّ من لا يوافقه الرأي داخلياً وخارجياً.

على أن دونالد ترامب لم يعد مجرّد ظاهرة رئاسية شعبوية انقضت، أو مسألة تطرّف مؤقّت في موقف أمريكا من قضايا العالم. ولم يعد رئيساً سابقاً متهوّراً فحسب، كبحت جموحه عقلنةُ المؤسسات ودولةُ القانون، فخسر بعد ولاية حكم بائسة ومضى. فهو رغم كل فضائحه الخاصة والعامة، والدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، عاد وفاز بولاية ثانية وبتصويت تفوّق فيه شعبياً على منافسته هذه المرة وليس فقط في المجمّع الانتخابي كما في الدورة السابقة. وصار بالتالي يُطلق العنان بثقة شديدة لمواقف وتصريحات ستتبع الكثير منها أفعالٌ في سنوات سنعيشها معه، يصعب اليوم تقدير مخاطرها وآثارها داخل أمريكا وعلى نظامها السياسي وعلى العالم بأسره.

فأن يستهل ترامب ولايته الثانية بشنّ حملات عدائية مليئة بالتهديدات ضد جنوب أفريقيا والمكسيك وبنما وكندا والدانمارك داعياً إلى السطو على مرافق وأراض وضمّ دول، وأن يوقف برامج الدعم المالي لهيئات أممية ويُنهي عقود منظمات إنسانية وتنموية تتعاون دولياً في مجالات الصحة والتعليم، وأن يستهدف بعض حقوق النساء الأمريكيات المنتزَعة بالكفاحات والتشريعات على مدى عقود، وأن يرفض التنوع في الهويات الجندرية ويعزّز المقولات حول التراتبيّات العنصرية ويعتبر طرد من يسمّيهم «المهاجرين غير الشرعيين» ناعتاً إياهم بالمجرمين و«المنحرفين» أولويّته، وأن يفصل عشرات الآلاف من الموظّفين المدنيين والمتعاقدين والضبّاط من مناصبهم على نحو جاء غالباً انتقامياً، وأن ينفي تكراراً الاحتباس الحراري وجدوى لقاحات الكوفيد، محيطاً نفسه بثلّة من أصحاب المليارات شديدي التوحّش تجاه المسائل الاجتماعية، ففي الأمر ما يُحوّل شعبوية ولايته الأولى وما عرفته بين الحين والآخر من عنف عنصري وعداء للعلم وللديمقراطية، إلى نهج يعتمده رئيس أكبر دولة في العالم بدعمٍ شعبي منحه تفويضاً لأربع سنوات إضافية. وتحليل هذا يتطلّب في جوانب كثيرة علوم نفس واجتماع لما يشي به نهجه المذكور من أعراضٍ وتشوّهات خطيرة.
ترامب لم يعد مجرّد ظاهرة رئاسية شعبوية انقضت، أو مسألة تطرّف مؤقّت في موقف أمريكا من قضايا العالم.
ولا شكّ أن الفيديو المصنوع بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي نشره ترامب نفسه على حسابه في وسيلة التواصل الاجتماعي التي يرعاها حول غزة ومشروعه لسرقتها وطرد معظم أهلها و«إعادة إعمارها»، وما فيه من بشاعة وشخصيات وضيعة أحاط نفسه بها لتماثل قيم وإعجاب متبادل (إيلون ماسك وبنيامين نتنياهو بخاصة)، تُوزّع نقوداً على من تبقّى من «سكّان أصليّين» مُستعبَدين، وتشرب الأنخاب أمام شاطئ المنطقة التي نفّذت فيها إسرائيل أفظع جرائم الإبادة الجماعية منذ الحرب العالمية الثانية، لا شكّ أن هذا الفيديو هو الأصدق تعبيراً عن تفكيره وعمّا يعدّه هدف سياسته «الشرق أوسطية» (والدولية): سطو على مناطق يكره سكّانها ويهجّرهم ثم يبني على أنقاض مساكنهم وحياتهم أبراجاً ومشاريع سياحية ربحية لأثرياء جدد معدومي الثقافة والذوق، وبذيئين في علاقتهم بالأمكنة التي يزورون أو يتملّكون.

لقاء زيلنسكي والفضيحة الدبلوماسية
إضافة إلى كل ما ورد، شكّل اللقاء في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني زيلنسكي في 28 شباط (فبراير) المنصرم، محطّة إضافية في مسار تظهير شخصية ترامب (ونائبه جي دي فانس). فما حصل خلاله لم يكن قرارات أو تصريحات أو فيديو شنيعاً أو توقيعاً على فصل موظفين من خلف المقعد البيضاوي أو استثارة لغرائز عنصرية سبق لترامب أن استثارها. كان مزيجاً من سلوك بلطجة وساديّة ورغبة في إذلال «ضيف» أجنبي أمام وسائل الإعلام الوطنية والعالمية وخروجاً عن كلّ ما كرّسته الدبلوماسية في تاريخها الطويل. وكان أيضاً تظهيراً واضحاً للذات المتضخّمة التي يصعب عليها القبول بأي علاقة سوية أو بأيّ ندّية ولو ظاهرياً، على ما يفترض بروتوكول الدبلوماسية المعهود.

الأخطر، أن ما جرى أكّد في السياسة ما كان قد رشح من ولاية ترامب الأولى عن ميل الرئيس الأمريكي وجزءٍ من مستشاريه إلى البوتينية، بما هي حالة شبيهة بالترامبية، ولو في سياق ثقافي وسياسي مختلف تماماً عن السياق الأمريكي. كما أكّد على كونه ينظر إلى حرب كبرى في أوروبا انطلاقاً حصرياً من كلفتها المالية ومن إمكانية الاستفادة من مجرياتها للحصول على معادن ثمينة (الليثيوم بخاصة) بمعزل عن أي عناصر جيو-استراتيجية أو سياسية أو حقوقية أو أمنية حيوية، وبمعزل عن انعكاساتها على التوازنات الدولية وعلى المنحى التوسّعي الروسي الذي يهدّد أوروبا، حليف أمريكي التاريخي.

والأرجح أن ترامب وبوتين، إضافة إلى ما في شخصيهما من قواسم مشتركة بأسلوبَي سلوك متبايِنين في العلن، يُجمعان على كراهية ما مثّلته أوروبا الغربية تحديداً بعد ستينات القرن الماضي، ويلتقيان مع تيارات اليمين المتطرّف الأوروبي الذي يريد تغيير وجه القارة وجعله أقل قبولاً بالتنوّع والتعدّد وأقلّ احتراماً للحريات وحقوق الإنسان. ويمكن ضمّ رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو إليهما، وهو القريب في السياسة وفي الشخصي من كليهما، ومعه رئيس الأرجنتين ورئيس الوزراء الهندي وعدد من المسؤولين في دول كثيرة تحتقر المواثيق الحقوقية الدولية والمؤسسات المنبثقة منها وتحتقر بشكل خاص فلسفة المساواة بين البشر.

علاقات دولية جديدة
يصعب التكهّن الآن في ما سيُفضي إليه الحكم الترامبي من تبدّلات في تحالفات العالم وديناميّات علاقاته الدولية. فأوروبا المرتبكة في ما خصّ الموقف من روسيا ومن ترامب، والفاقدة جوانب عديدة من مصداقية مؤسساتها الحقوقية بسبب استسلام بعض نخبها في العقد الأخير لعنصرية اليمين المتطرّف المتفشيّة من جهة وبسبب تغطية عددٍ من حكوماتها لمذابح إسرائيل المتواصلة في غزة من جهة ثانية، لا تبدو قادرة على فرض إيقاع آخر أو منع الاختلالات الكبرى في العلاقات الدولية.

ودول قوية اقتصادياً مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، متباعدة ومتباينة الأولويات والهواجس تجاه الترامبية. والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وجنوب أفريقيا، التي يستهدفها بشكل خاص ترامب وإيلون ماسك (الجنوب أفريقي الأصل)، غير مؤثّرة كفايةً لجذب عشرات الدول إليها، إضافة إلى كون علاقاتها السياسية بروسيا والصين إشكالية وغير متماسكة على أكثر من صعيد.

والصين التي تراقب كلّ هذا من بعيد، تحاول الاستمرار في تعزيز نفوذها الاقتصادي وتمتين تعاونها مع دول أفريقية وآسيوية وجنوب أمريكية تحضيراً لمواجهة مقبلة مع ترامب.

أما روسيا، القادرة على التفاوض مع جميع الأطراف، بلا شروط، فقد تكون لفترة المستفيد الأول من الترامبية ومن الفوضى الدولية التي قد يُحدثها تصدّع تحالفات غربية قديمة أو أقلّه توتّر علاقات وتصاعد خلافات بين مكوّناتها.

نحن إذاً أمام مرحلة كثيرة الأسئلة وقليلة الأجوبة. وتسارع الأمور يشي بأن سنوات الولاية الترامبية الثانية ستحوّل أمريكا والعالم إلى مسرح أحداث دراماتيكية، من المرجّح أن تكون أوكرانيا وفلسطين والمنطقة العربية وبعض الدول الأفريقية أبرز المتضرّرين منها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب زيلنسكي امريكا ترامب زيلنسكي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الرئيس الأوكراني يصل إلى أمريكا للتباحث مع ترامب بشأن اتفاق المعادن

الرئيس الأوكراني يصل إلى أمريكا للتباحث مع ترامب بشأن اتفاق المعادن

مقالات مشابهة

  • 16 دولة تشارك في بطولة «العين الدولية» للطيران اللاسلكي
  • ترامب وحلفاء أمريكا!
  • شاهد | تلاسن البيت البيضاوي بين ترامب وزيلنسكي حديث العالم.. أمريكا تهين الحلفاء
  • مودي: لم نعد مجرد قوى عاملة وأصبحنا قوى عالمية
  • تداعيات المشادة.. ميلوني تدعو لقمة أوروبية أميركية وكالاس تطالب بزعيم جديد للعالم
  • الكشف عن المبالغ التي ستحصل عليها أندية مونديال أمريكا
  • أخبار العالم| ترامب: نجري محادثات جيدة بشأن غزة.. الرئيس الأوكراني يصل أمريكا.. وكوريا الشمالية تختبر صاروخ استراتيجي تحت إشراف كيم
  • الرئيس الأوكراني يصل إلى أمريكا للتباحث مع ترامب بشأن اتفاق المعادن
  • لغة ترامب التي يجيدها!