هو شهر القرآن وشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو شهر الهداية والتوبة، وشهر الصبر وموسم العبادة ورفع رصيد الآخرة.
إنه بحق فرصة لمن وعى أنه كذلك، وإنه محطة لمن أراد التأسيس لبداية جديدة يغادر فيها مطامع الأنانية ومنزلقات التبرير لكل السلوكيات العبثية في حياته، وإلا فإنه يضاف إلى سلسلة من الفرص الضائعة للجاهل الغافل.
وهو فرصة لتجديد العلاقة مع الله سبحانه، وفيه تتوفر الانعطافة الأهم في حياة العبد المسلم، حيث يصير العنوان الأبرز في سلوكه هو الالتزام، ومتى تحقق ذلك كان التوفيق في الحياة الدنيا والاقتراب من جنة الآخرة.
يهدر الكثير من المسلمين للأسف هذه الفرصة منذ اللحظة الأولى لدخول الشهر المبارك، حيث يغيب عنهم عقد العزم بأن يكون شهر الصوم بداية جديدة لحياة تجعل من العمل في مرضاة الله عنوان ما تبقى من العمر، ثم يتجسد الإهدار في التعامل مع الشهر كسلوك يقتصر غالباً على الامتناع عن الطعام والشراب وحسب، فيغيب عنهم الشعور بروحانيته والاتصال بالله برغبة وأمل، ليبقى اليوم الرمضاني كباقي أيام العام باستثناء الصوم. مثل هذا المسلم غالباً لا يغير الشهر شيئاً في سلوكه، وهذه مسألة مؤسفة تنُم عن غفلة قد تودي بصاحبها إلى الهلاك.
يأتي ذلك بطبيعة الحال من عدم إدراك لقيمة هذه الفرصة وأثر استغلالها على النحو الصحيح، وعدم الإدراك بدوره يأتي من إهمال التأمل، ويكفي التأمل لما جاء عن هذا الشهر وأثره في القرآن الكريم حيث يبين لنا مفاتيح التغيير لحياتنا ويقودنا إلى طريق كسب رضا الله والنجاة من عذابه، ليرتقي العبد المسلم بسلوكه وتفاعله مع الشهر الاستثنائي الذي يصبّ إجمالا في خير ومنفعة المسلمين…
وانتهاز فرصة الشهر لكسب رضا الله، لا يقتصر على الصيام، فكل منظومة الأعمال الصالحة يترجم الالتزام بها الحرص على بلوغ مزايا الشهر وما بعده، من آثار تظهر في الدنيا وتُسجل في الآخرة.
فحُسن التعامل مع الآخرين والمواساة والقيام بأعمال الإحسان وهي من أعظم القربات والصبر، من مظاهر هذا الشهر، وهي في الوقت ذاته مؤشرات على تطور أرواحنا بحيث تصير بعدها أقرب إلى فعل الخير والتزام تلك الأخلاقيات الحميدة التي علمنا إياها ديننا الإسلامي.
البعض للأسف الشديد يتعامل مع هذا الشهر كموسم لجني المال لما يوفره الشهر من فرصة للحصول على المال سواء من خلال الأعمال الاستثنائية المرتبطة به، أو من خلال المساعدات، فيصير فيه التزامهم جزءاً من الروتين المتغير المصاحب لهذا الشهر، وهو إهدار لا يُحسد عليه صاحبه.
والبعض يدخل الشهر بنفسيته المريضة ويخرج منه على نفس الحال، ثم تراه يُصر على أنه قد قام الشهر بالشكل الذي أراد الله، إلا أن النتيجة تتجلى مع اللحظة الأولى لانتهاء الشهر، حيث يصير مجرد محطة اعتيادية يأتي كل عام بخصائصه كفصول السنة. كيف لا وهو الذي لم يستغل الفرصة لتهذيب روحه ولمراجعة نفسه وترويضها على التزام سلوك الإنسان الراجي لعفو الله ومغفرته.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
6 فوائد عظيمة يجنيها المسلم بعد صيام شهر رمضان.. تعرف عليها
أكدت الدكتورة هبة النجار، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الصيام في رمضان عبادة شرعها الله لحكم عظيمة، وليس فقط للحصول على الحسنات، مشيرة إلى أن الأسئلة التي يطرحها بعض الأطفال والشباب حول الحكمة من الصيام طبيعية، ومن المهم توضيحها لهم بأسلوب سهل.اختلاف كبير.. الفرق بين "أتى" و"آتى" في آيات القرآن الكريم
شكل الكون وكائناته.. أسرار مذهلة يكشفها علي جمعة
صلاة التراويح في البيت.. اعرف حكمها وعدد ركعاتها
حدث في ثاني يوم رمضان.. اعرف أهم الأحداث التاريخية التي وقعت فيه
وأوضحت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في تصريحات تلفزيونية اليوم، الأحد، أن العبادات في الإسلام تقوم على مبدأ السمع والطاعة، فكما أمرنا الله بالصلاة والزكاة، أمرنا بالصيام، وهو تكليف إلهي نمتثل له طاعةً لله، مشيرة إلى أن هناك أيضًا حكمًا عظيمة يدركها العقل من وراء هذه العبادة.
وأضافت أن من أبرز مقاصد الصيام تحقيق التقوى، حيث قال الله تعالى: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183)، مما يعني أن الصيام يزكي النفس ويهذبها ويقوي الإرادة، كما أنه يشعر الإنسان بجوع الفقراء والمحتاجين، فيحرك بداخله مشاعر الرحمة والتضامن.
وأكدت أن الصيام أيضًا اختبار لقوة الإرادة، حيث يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب والشهوات رغم أنها حلال له في الأصل، لكنه يفعل ذلك امتثالًا لأمر الله، مما يعزز قدرته على مواجهة المغريات وضبط النفس.
وشددت على أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب، بل وسيلة لتربية النفس، وتعويدها على الصبر والانضباط، والاستعداد لمواجهة التحديات بالحكمة والقوة.