البرهان.. مخاطر الرقص على رؤوس الأفاعي

صلاح شعيب

منذ ظهوره في المشهد السياسي ظل البرهان يعتمد على المراوغة لخلق ديكاتوتورية أخرى، بدلاً من الامتثال لوظيفته السيادية المتمثلة في حماية انتقال ثورة ديسمبر ثم قيادة البلاد للانتخابات مع المكون المدني، وفقاً للوثيقة الدستورية.

هذه الحرب الدائرة التي أوقدها جيش البرهان بمعاونة المؤتمر الوطني – بجانب أنها حررته من وظيفته تلك – عدها أفضل وسيلة له لتحقيق حلم والده.

ولكن من الجهة الأخرى فإنه يدري تماماً أن تحالفه مع الإسلاميين مرحلي، وأنه لو انتصر في الحرب فليس أمامه سوى التخلص منهم قبل تضحيتهم به. إذن فهو تحالف المراوغة، والمكر بينه وبين الإسلاميين، والذي يتطلب قدراً عالياً من التحسب لمؤامرات حاضر مجريات الحرب، وللمستقبل الذي يلي نهايتها بفوز الجيش بالمعركة، كما يتصور المتحالفون خلف راية “الكرامة”.

الطرفان يدركان بعضهما بعضاً جيداً. فالبرهان، ومؤيدوه، داخل الجيش لديهم من التجربة مع الإسلاميين ما تؤهلهم لمعرفة مكر الإسلاميين المغامرين المتعاونين معه لإنجاز مرحلة نصر تعقبها مرحلةَ كاملِ الاستيلاء على سلطة البلاد. وهؤلاء الإسلاميون الماكرون يدركون البرهان تماماً لكونهم رصدوا كل ما يتعلق بسلوكه، ونفسياته، واخترقوا مجالات تحركه، خصوصا أن عضويتهم في المخابرات العسكرية، وجهاز الأمن، تملك ملف البرهان بالكامل منذ أن كان ضابطاً صغيراً.

مصلحة البرهان – الإسلاميين من ناحية أخرى لا تعني بأي حال من الأحوال أنه يمتلك من عدداً كبيراً من الضباط غير الإسلاميين ليرجح كفته. فما يراه السذج بأن الجيش موسسة قومية لا يأخذون في الاعتبار أن القوات المسلحة إنما كانت مثل المزرعة التي تنجب فراخ الإسلاميين لمدى ثلاثة عقود تقريباً.

البرهان الذي كسب مرحلياً من مراوغة المدنيين، وكذلك الدعم السريع، يعتقد أن سياسة الرقص على رؤوس الأفاعي سيحقق له مراده. وهو بعد لم يتعظ من تجربة خلفه البشير الذي عمد منذ المفاصلة إلى التلاعب مع إخوانه الإسلاميين الذين خبر مضاء مكيدتهم جيداً. ففي الخارج حاول البشير المراوحة بين اللعب إقليميا مع الإمارات – السعودية من جهة ضد محور قطر – إيران من الجهة الأخرى. ومرات رأيناه يستجيب للولايات المتحدة فيما يتجه في آخر أيامه شرقاً ليطلب من الروس الحماية الكاملة لنظامه. ولكن الديكتاتور الإسلاموي خسر في النهاية الجميع، محلياً، وإقليمياً، ودولياً. خدعه قوش، وتآمر ضده بليل، ولم يكسب ولاء قطر أو الإمارات، ولم يحمه بوتين. فانتهت مراوغة البشير بسقوط نظامه حين ضغط الثوار على أبواب المدينة، واخترقوا الفضاء الواسع أمام بوابة الجيش بعد أن تخاذل أفراد جهاز الأمن، وفي الأثناء بقي حميدتي في المرخيات يراقب الوضع عن كثب رافضاً الاستجابة لفتوى شيخ عبد الحي بقتل ثلث الشعب.

كل تلك المشاهد التي أفرزتها سياسة المراوغة التي تعهدها البشير لم تقنع البرهان دون اعتماد سياسة مناوئة تضمن الاعتبار لسلامته. ومع ذلك ظل بعد انحيازه للمدنيين يستجيب لمطالبهم للحوار، ولكنه في الظلام يخطط ضد رغبتهم في الانتقال حتى فض اعتصامهم. وجدناه يتآمر مع ترك لإغلاق الميناء الرئيسي والطريق الرابط بينه وبقية اجزاء السودان، ومن وراء ظهر حمدوك يلتقي نتنياهو ليجد الحماية الدولية. وهناك في غرف القصر يخطط مع الحركات المسلحة لخلق قاعدة تساعده للانقلاب. ولما يفشل في تكوين حكومة يعود للحرية والتغيير ليخدرها بالاتفاق الإطاري بينما يخطط في ذات اللحظة للإعداد للحرب المتآمرة ضد الثورة بعد التوافق مع الإسلاميين في هذا الشأن. وأثناء المعارك ضد الدعم السريع يتآمر مع الإسلاميين لتكون هناك خطة لشيطنة قحت، والتضييق على قادتها، ووصفهم بالعملاء، والخونة. ولاحقا يتنازل عن كل هذا ليداهن فريق صمود بعد انقسام تقدم، ثم تجده يغضب الإسلاميين بقوله ألا يتصوروا عودتهم للحكم على “أشلاء” المواطنين. ولما يتعرض للنقد الحاد يرضي إخوان نسيبة بالقول إن كلاً من شارك في معركة “الكرامة” سيكون جزء من الحكومة التي يزمع تشكيلها بعد تعديلاته الدستورية التي كفلت له ليكون الديكتاتور الرابع في تاريخ القطر.

بخلاف هذه النماذج لسياسة المراوغة التي اتبعها البرهان للاحتفاظ بالسلطة في مربعه، هناك الكثير منها التي توضح أن الرجل لا يبالي بالكلفة الباهظة ليكون دائماً المنتصر مهما أفرزت هذه السياسة من كوارث إنسانية للسودانيين. فهو لا يضع تحسباً لخطورة سياسته التي تهدد بتجزئة البلاد، وإنما يفكر فقط في سلامته اللحظية حتى يخرج من هذه المآسي منتصراً، ومن ثم يجد على الأقل خمس، او عشر، سنوات من الانفراد بالسلطة.

فواضح من التعديلات التي أعملها في الوثيقة الدستورية فصل البرهان سلطة تحقق شهوته هو لا المتحالفين معه الذين يريد أن يستصحبهم معه لمقاسمة وضع ما بعد الحرب. ولكن هل يضمن حلفاؤه الإسلاميون تحديداً أنهم سوف ينالون كل مرادهم وهم في وضع الارتداف خلف السرج، وما هي الضمانات بأنه سوف لن يضحي بهم عندئذ خصوصاً أنهم يدركون ان الإقليم، والعالم، يعمل ضدهم منذ حين، ولن يسمح بإعادتهم للسلطة عبر أراجوز عسكري؟

إذا تصورنا للحظة بأن البرهان سينتصر لا محالة على الدعم السريع، ومن ثم يتحكم على السلطة في البلاد فإن تحدي الإسلاميين الكبير أمامه لن يمنحه القدرة على استمراء سياسة المراوغة، والمكر، والتي يبرعون فيها لكونها من لب نظريتهم التي تقوم على التقية. وحينئذ ستتكاثف الجهود الإقليمية، والدولية، للتخلص منهم كشرط لدعم البرهان في استئناف العلاقة الطيبة معه، إذا كان انتصار جيش البراء مضموناً، وهذا ما يستبعدهم مراقبون كثر.

اعتقد أن الإسلاميين سيظلون يقظين تجاه مراوغة البرهان في ظل حلمه الرئاسي، ومن ناحيته سيظل منتبهاً لثقل تأثيرهم ما يجعل الطرفين في حالة دائمة من عدم الثقة التي تحرض على الافتراق البين، إما عاجلاً أو آجلا.

الوسومإيران الإسلاميين الإمارات البرهان البشير الدعم السريع السعودية السودان المفاصلة الولايات المتحدة روسيا صلاح شعيب قطر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إيران الإسلاميين الإمارات البرهان البشير الدعم السريع السعودية السودان المفاصلة الولايات المتحدة روسيا صلاح شعيب قطر مع الإسلامیین الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

رأس الأفاعي

اصطدام مركب الإنقاذ بصخرة فولكر يوم (٢٠١٩/٤/١١)، مما استدعى الربان للتوقف عن التقدم في المستنقعات الفولكرية، وتداعيات ذلك التوقف نجد كثير من الذين ركبوا في سفينة الإنقاذ بحثًا عن لعاعة الدنيا قد يمموا وجههم شطر سراب فولكر، وليتهم اكتفوا بذلك،

بل قالوا في الإنقاذ ما لم يقله مالك في الخمر. إضافة لذلك فجور في الخصومة لقيادات أحزاب حليفة للإنقاذ تزلفًا وتقربًا للفولكريين. وفوق هذا وذاك أقلام كانت تسبح بحمد الإنقاذ ليلاً ونهارًا. وبعد أن خابت ضربة هؤلاء الفولكريين الجدد، وتيقنهم بعد تحرير سنجة بأن (تايتنك) فولكر عجزت عن التحرك من الميناء الذي ظلت فيه منذ أول يوم لها وحتى تاريخه بسبب (غشامة) الكابتن حمدوك، ومن ثم نظافة الجيش لكافة نباتات المستنقعات وقرب وصول سفنه للضفة الأخرى لسودان الكرامة بعد انهيار الدعامة في الميدان العسكري، وفشل الحمادكة (الجناح السياسي) في تنفيذ المخطط الأماراتي الصهيوني، بدأت تطل بين الفينة والأخرى عبر الفضائيات وقنوات الميديا والمواقع الإخبارية والصحافة الإلكترونية تلك الأفاعي من جديد، بعد أن بثت سمومها في جسد الوطن. الآن (عطالة) السياسة والأقلام الصفراء نجدها في الإعلام متحدثة عن انتصارات الجيش، ولوقتٍ قريب كانت من أنصار (لا للحرب). وخلاصة الأمر نؤكد لهؤلاء الأفاعي بأن سودان ما بعد معركة الكرامة غير. لا توجد فيه أوكار للأفاعي بأي حال من الأحوال، سودان في فترته الإنتقالية (كاكي أخدر)، وما بعدها الأمر متروك للمواطن البسيط ليقرر مصيره بنفسه.


د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الجمعة ٢٠٢٥/٢/٢٨

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تصدع وانفراط عقد الناتو رسالة الى _ البشير شو ماكتبه عباس الزيدي قبل سنة
  • روسيا تشيد بالتحول في سياسة ترامب الخارجية
  • رأس الأفاعي
  • نختلف أو نتفق مع البرهان فقد أثبتت هذه الحرب أنه قائد شجاع ومحنك وصبور
  • اعتصام لأهالي السجناء الإسلاميين في سجن رومية للمطالبة بعفو عام
  • أبطال لا يموتون… بل تخلدهم المواقف والتاريخ
  • مندوب السودان لدى الأمم المتحدة: 12 مبعوثاً أممياً تجاهلوا مطالب دمج مليشيا الدعم السريع في الجيش
  • لغة ترامب التي يجيدها!