المليشيا سحبت أبناء الماهرية تاركة شباب المسيرية دون مساعدة ولا تسليح
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
في ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ نقلت الأسافير خطبة الناظر مختار بابو نمر أمام حشد من قبيلته في المجلد ، و التي كانت خطابا داعماً لحميدتي الذي وصفه بأنه “أرجل زول في السودان” ، و ذكر أن الناس وقّعوا في نيروبي بأقلامهم و هو اختار أن يوقع بقلبه! ثم وجّه تحذيره للبرهان بأنه لم يستمع إلى نصيحة الرئيس الأسبق البشير “بألّا يقاتل المسيرية” ومضى يمدح في قدرة القبيلة على إطالة الحرب و الإثخان في جيش البرهان الذي “عرف الآن ماذا تعني محاربة المسيرية الذين يستطيعون إذاقته آلام الهزيمة مثل التي مضت و أكثر”.
ظهور الناظر مختار بعد إنتقال الهجوم إلى كردفان و توغل جيش الصياد بقيادة ضابط مسيري و هو العميد جودات ، كان مهمّاً لإعادة تعريف الحرب لجنود المسيرية الفارّين من جحيم الهزيمة في الخرطوم و الجزيرة و شمال كردفان. و هو مهم كذلك لقواعد القبيلة التي لم تقاتل الجيش و لم تشارك في الحرب.
محاولة الناظر إلى إعادة تعريف الحرب كصراع بين الجيش الوطني و قبيلة المسيرية ، هي آخر جهد تعبوي ليدفع شباب قبيلة المسيرية إلى القتال.
القبيلة لم تخضع أبداً لهذه الدعاية الحربية المتطابقة مع خطاب المليشيا. إذ عارض مبكراً قيادات القبيلة هذه السردية و قاوموا اختطاف النظارة بواسطة آل دقلو ، مما دعا بهم للقيام بهجوم تأديبي على حواضر القبيلة في الفولة و بابنوسة و تهجير أهلها لكسر الخطاب المعارض للحرب التي أعلنها الناظر على الدولة تحالفاً أو تطابقاً مع مشروع آل دقلو. فالمسيرية قبيلة و ليس مليشيا عسكرية و لا حزب سياسي معارض ، و لم يكن للمسيرية أبداً مشروع سياسي بالسيطرة على حكم الدولة أو جلب الحرب إلى ديارهم. قد يكون للمسيرية مطالب تتعلق بالرفاه الإجتماعي ـ مثل غيرهم من السودانيين – كتوفير التعليم و الصحة و تأمين طرق الرعي عبر تفاهمات بين دولتي السودان و جنوب السودان. إستجابة بعض شبابها لنداء آل دقلو بغزو الخرطوم ، دفعت القبيلة ثمنا باهظاً لذلك من عدد الأموات و ضحايا الحرب العائدين إلى قراهم .
دفعت المليشيا بالناظر مختار إلى خطاب يائس يحاول إعادة حشد المقاتلين حول راية قبلية أخرى لعقد حرب طويلة لن تتم هذه المرة في “دار الجلابة” و إنما في عقر حواضر القبيلة. غداً سيخرج بابو نمر مطارداً ليحل زائراً على خصومه من الدينكا أو ضيفاً ثقيلاً في الضعين التي تكاد تضيق بأهلها مع إقتراب الجيش السوداني لفرض النظام في إقليمي دارفور و كردفان.
المليشيا سحبت أبناء الماهرية تاركة شباب المسيرية دون مساعدة و لا تسليح و لا خطة للخروج في ولاية سنار و الآن في ولاية الخرطوم. و لا مانع لديها من التضحية بمزيد من شباب المسيرية فقط بنيّة تأخير تقدم الجيش و ليس للإنتصار أو حكم البلاد و القبض على البرهان كما أقنع دقلو الناظر العجوز مختار في بداية الحرب . ليس هناك فزع يا مختار إذ أنك تقف في الديار التي يُفترض أن تفزع الآخرين . لقد اقترب الصياد ، جهز حقائبك للرحيل ، أو مت كما مات الذين بعثتهم ليحتلّوا الخرطوم.
عمار عباس
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أبناء بلا رحمة.. مأساة أم الشهداء التي تخلى عنها أقرب الناس وماتت وحيدة
في عالم تسوده القسوة أحيانًا، تبرز قصص إنسانية تهز القلوب وتعيد إلينا الإيمان بالقيم النبيلة. من بين هذه القصص، تبرز حكاية سيدة ثرية كرست حياتها وثروتها لخدمة أسر شهداء القوات المسلحة المصرية، لكنها واجهت نهاية مأساوية بعد أن تخلى عنها أقرب الناس إليها، أبناؤها.
هذه القصة رواها اللواء أركان حرب سمير فرج، محافظ الأقصر ومدير الشؤون المعنوية الأسبق، خلال لقائه في برنامج "كلم ربنا" مع الكاتب الصحفي أحمد الخطيب على راديو 9090.
بداية الرحلة| من الثراء إلى الإحسانورثت هذه السيدة ثروة ضخمة عن زوجها، وسكنت في قصر فخم بشارع صلاح سالم في مصر الجديدة. لكنها لم تكتفِ بحياة الترف، بل قررت استثمار ثروتها في عمل الخير. طلبت من اللواء سمير فرج مساعدتها في الوصول إلى أسر شهداء جنود القوات المسلحة، بهدف تقديم الدعم المادي لهم.
حضرت السيدة احتفال العاشر من رمضان، وهناك تعرفت على العديد من أسر الشهداء، وأصبحت تتكفل بالآلاف منهم، حتى أطلقوا عليها لقب "أم الشهداء". على مدار ست سنوات، لم تدخر جهدًا أو مالًا في سبيل تقديم المساعدة والدعم لهم.
أبناء بلا رحمةورغم هذا العطاء العظيم، كان لأبنائها رأي آخر، فقد كان لديها ثلاثة أبناء؛ ولدان يعملان طبيبين في دبي وأمريكا، وابنة تعيش في الإسكندرية. لكن المفاجأة أن أبناءها لم يكونوا يسألون عنها أبدًا، ولم يروها لسنوات.
مرت الأيام، وانقطعت صلتها باللواء سمير فرج بعد أن انتقل إلى منصب محافظ الأقصر. وبعد عشر سنوات، تلقى اتصالًا منها، وكانت المفاجأة عندما أخبرته أنها تعيش في دار للمسنين بعد أن تخلى عنها أبناؤها تمامًا.
نهاية مأساوية بلا سندلم يستطع اللواء سمير فرج تصديق ما سمعه، وحاول التواصل مع أبنائها لحثهم على زيارتها، لكنهم لم يستجيبوا. أحدهم وعد بالسؤال عنها ولم يفِ بوعده، والآخر تجاهل الأمر تمامًا. استمرت السيدة في العيش وحيدة داخل الدار، لا تجد من يسأل عنها سوى بعض الأشخاص الذين كانت تساعدهم في السابق.
لكن الصدمة الأكبر جاءت عندما تلقى اللواء اتصالًا من دار المسنين يخبره بوفاتها. كانت المفاجأة أن أبناءها رفضوا الحضور لدفنها، وقدموا أعذارًا واهية؛ أحدهم مشغول بعمله، والآخر لديه التزامات، أما الابنة فقالت ببرود: "الحي أبقى من الميت".
الوفاء في لحظة الوداعأمام هذا الجحود، قرر اللواء سمير فرج أن يتحمل مسؤولية دفنها بنفسه. ذهب إلى دار المسنين وأخذ الجثمان إلى مقابر الأسرة في "ترب الغفير"، حيث دفنها بكرامة تليق بامرأة عظيمة أفنت عمرها في خدمة الآخرين.
لكن المشهد الأكثر ألمًا كان جنازتها، إذ مشى فيها وحيدًا. يقول اللواء فرج: "دفنتها وحدي، ووقفت أمام قبرها متأملًا في مدى القسوة التي يمكن أن تصل إليها قلوب البشر. أعطت أبناءها الملايين والثروة، لكنهم لم يمنحوها حتى لحظة وداع أخيرة".
تكريم إلهي لروح معطاءةلم ينسَ اللواء فرج هذه السيدة، وظل يزور قبرها كلما مر بمقابر صلاح سالم، داعيًا لها بالرحمة. يقول: "ربما تخلى عنها أقرب الناس إليها، لكن الله لم يتركها. لقد كانت امرأة معطاءة، وكان من المستحيل ألا يُكرمها الله في مماتها".
هذه القصة ليست مجرد رواية عابرة، بل درس في القيم الإنسانية. فقد تعكس كيف يمكن للإنسان أن يكون في قمة العطاء لكنه يُحرم من أبسط حقوقه، وقد تكشف في الوقت ذاته أن الخير لا يضيع عند الله أبدًا. ربما رحلت هذه السيدة وحيدة، لكن ذكراها ستظل خالدة في قلوب من عرفوا قيمتها الحقيقية.