في ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ نقلت الأسافير خطبة الناظر مختار بابو نمر أمام حشد من قبيلته في المجلد ، و التي كانت خطابا داعماً لحميدتي الذي وصفه بأنه “أرجل زول في السودان” ، و ذكر أن الناس وقّعوا في نيروبي بأقلامهم و هو اختار أن يوقع بقلبه! ثم وجّه تحذيره للبرهان بأنه لم يستمع إلى نصيحة الرئيس الأسبق البشير “بألّا يقاتل المسيرية” ومضى يمدح في قدرة القبيلة على إطالة الحرب و الإثخان في جيش البرهان الذي “عرف الآن ماذا تعني محاربة المسيرية الذين يستطيعون إذاقته آلام الهزيمة مثل التي مضت و أكثر”.

ظهور الناظر مختار بعد إنتقال الهجوم إلى كردفان و توغل جيش الصياد بقيادة ضابط مسيري و هو العميد جودات ، كان مهمّاً لإعادة تعريف الحرب لجنود المسيرية الفارّين من جحيم الهزيمة في الخرطوم و الجزيرة و شمال كردفان. و هو مهم كذلك لقواعد القبيلة التي لم تقاتل الجيش و لم تشارك في الحرب.

محاولة الناظر إلى إعادة تعريف الحرب كصراع بين الجيش الوطني و قبيلة المسيرية ، هي آخر جهد تعبوي ليدفع شباب قبيلة المسيرية إلى القتال.

القبيلة لم تخضع أبداً لهذه الدعاية الحربية المتطابقة مع خطاب المليشيا. إذ عارض مبكراً قيادات القبيلة هذه السردية و قاوموا اختطاف النظارة بواسطة آل دقلو ، مما دعا بهم للقيام بهجوم تأديبي على حواضر القبيلة في الفولة و بابنوسة و تهجير أهلها لكسر الخطاب المعارض للحرب التي أعلنها الناظر على الدولة تحالفاً أو تطابقاً مع مشروع آل دقلو. فالمسيرية قبيلة و ليس مليشيا عسكرية و لا حزب سياسي معارض ، و لم يكن للمسيرية أبداً مشروع سياسي بالسيطرة على حكم الدولة أو جلب الحرب إلى ديارهم. قد يكون للمسيرية مطالب تتعلق بالرفاه الإجتماعي ـ مثل غيرهم من السودانيين – كتوفير التعليم و الصحة و تأمين طرق الرعي عبر تفاهمات بين دولتي السودان و جنوب السودان. إستجابة بعض شبابها لنداء آل دقلو بغزو الخرطوم ، دفعت القبيلة ثمنا باهظاً لذلك من عدد الأموات و ضحايا الحرب العائدين إلى قراهم .
دفعت المليشيا بالناظر مختار إلى خطاب يائس يحاول إعادة حشد المقاتلين حول راية قبلية أخرى لعقد حرب طويلة لن تتم هذه المرة في “دار الجلابة” و إنما في عقر حواضر القبيلة. غداً سيخرج بابو نمر مطارداً ليحل زائراً على خصومه من الدينكا أو ضيفاً ثقيلاً في الضعين التي تكاد تضيق بأهلها مع إقتراب الجيش السوداني لفرض النظام في إقليمي دارفور و كردفان.

المليشيا سحبت أبناء الماهرية تاركة شباب المسيرية دون مساعدة و لا تسليح و لا خطة للخروج في ولاية سنار و الآن في ولاية الخرطوم. و لا مانع لديها من التضحية بمزيد من شباب المسيرية فقط بنيّة تأخير تقدم الجيش و ليس للإنتصار أو حكم البلاد و القبض على البرهان كما أقنع دقلو الناظر العجوز مختار في بداية الحرب . ليس هناك فزع يا مختار إذ أنك تقف في الديار التي يُفترض أن تفزع الآخرين . لقد اقترب الصياد ، جهز حقائبك للرحيل ، أو مت كما مات الذين بعثتهم ليحتلّوا الخرطوم.

عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بين البهرجة الكاذبة والجحيم المسلّح- ساعة الحقيقة اقتربت!

تزف الحكومة السودانية “إنجازاتها” الملوّنة بينما الخرطوم تغرق في مستنقعٍ دمويّ لا يرحم. صارت الميليشيات هي السلطة الفعلية، وشرطة النظام تحوّلت إلى أزلامٍ مسلّحين يبيعون ولاءهم لمن يدفع أكثر! كل تصريحٍ رسمي عن “الاستقرار” بات أشبه بنداءٍ استعراضيّ بلا دمٍ ولا حركة؛ لأن الحقيقة الوحيدة هنا هي رصاصٌ لا يتوقف، وفسادٌ لا يُستباح.
في الوقت نفسه، يتغنّى المسؤولون بـ”المسارات النهرية” و”الرحلات البرية” لتسهيل عودة اللاجئين، متناسين أن آلاف الأسر العائدة لم تجد إلا مكبّ نفاياتٍ بشريّ: بيوتٌ بلا سقف، شوارع بلا كهرباء، وأحياءٌ يلتهمها الرعب الليلي. هل هذه هي “العودة الطوعية”؟ إنها إدانة للنظام وليست مجرد حملة علاقات عامة؛ فاستقبال اللاجئين تحول إلى إلقاء بالضحايا في فم التنين.
أما شرطة الخرطوم، التي يُفترض أن تكون الحامية للمواطن، فقد تآمرت مع الفوضى حتى باتت أقسامها مقارّ عصابات. عنصرٌ ينهب الأموال بالسلاح، وآخر يبتز التجار بالتأخير المتعمد، وثالثٌ يتعسّف ضد الضعفاء خلف القضبان الرسمية. وما يحدث ليس انحرافًا فرديًا، بل قرارٌ ممنهجٌ اتُّخِذ في سراديب الفساد الخفية.
ورغم تصريحات الحكومة عن “تحرير المناطق” وعودة السيطرة، لا تحرير حقيقي في الخرطوم ما دامت تسودها ثقافة البندقية. لقد استبدل النظام ملصق “المحرر” بآخر مكتوب عليه “وصي الحرب”، بينما أمراء الفوضى يتشاركون مع السلطتين العسكرية والمدنية في نهب الثروات وإرهاب السكان.
كفى لعبًا على العقول: لا بواخر فاخرة ولا تصريحات برّاقة ستعيد هيبة الدولة. ما يحتاجه السودان الآن هو ثورة مؤسسية تعيد للشرطة مكانتها كحارسة للعدل لا صديقة للعصابات، وقضاء مستقل يلاحق المجرمين دون مقابل، وإسقاط أمراء الحرب عن عروشهم المتسلطة. فالعودة الطوعية ستظل حلماً بعيدًا حتى يعود المواطن ليستقبل صوت الحق لا رصاص الميليشيات.
إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية شارعٍ واحدٍ في عاصمتها، فكيف تتصدى لتحديات كبرى مثل إعادة مليون لاجئ؟ الجواب واضح: القوة الحقيقية هنا لمن يدفع أكثر، ولا مكان للدولة إلا في خطابات الأشباح!

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • شاهد بعض ما خلفته الحرب بالخرطوم من دمار وخراب
  • بين البهرجة الكاذبة والجحيم المسلّح- ساعة الحقيقة اقتربت!
  • “كمين المندرابة”.. الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بقوات الدعم السريع وضباطه وجميع قواته
  • والي الخرطوم يطالب المنظمات الدولية بتمليك الرأي العام جرائم المليشيا ضد المواطنين
  • التقدمي معزيا الجيش: لضرورة وقف العدو لكل انتهاكاته وانسحابه من النقاط الخمس التي احتلّها
  • المعارك تشتد.. الجيش السوداني يوجّه ضربات موجعة للدعم السريع
  • حصاد عامين من حرب السودان بالأرقام
  • آثار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مستشفى الخرطوم – فيديو
  • إستدراجٌ إلهي قاد المليشيا وقادتها وكوادرها إلى حتفهم
  • انقلاب المسيرية علي الرزيقات