الجبايات الحوثية في اليمن .. مشروع لثراء المليشيا وتمويل لتغذية الحروب
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
تحولت اليمن في زمن المليشيات الحوثية إلى إقطاعيات صغيرة يتنافس على مساحاتها الجغرافية مشرفو "المسيرة القرآنية" كما يصفون أنفسهم لعمليات الجباية بكل أنواعها وأشكالها، حتى أنهم لا يتركوا جهة لا في الريف ولا في المدن إلا وأخضعوها لعميات النهب الممنهج, وتفننوا في عمليات الجباية تحت مسميات لم يكن يعلم بها اليمنيون ولا أباءهم الأقدمون حتى جاء الانقلاب الحوثي المشئوم على اليمن في عام 2014م.
ومع مجيئهم توسعت مساحات الفقر في المجتمع بشكل مخيف وصلت إلى بلوغ مستويات المجاعة في بعض مناطق سيطرتهم، وفي دراسة بحثية أجريت مؤخرا كشفت أن
قرابة 82.7 % من السكان يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، فيما يعاني 74 % منهم في الفقر المدقع، ومع هذه الأرقام المفجعة لم شفع لليمنيين من بطش الحوثيين ونهمهم في جمع الأموال، بل أغرقوهم بجبايات لا تتوقف طوال العام وتحت مسميات متعددة.
المجهود الحربي أول خطوة في مسيرة الجبايات
بدأ الحوثيون أول عمليات الجباية من اليمنين تحت مسمى المجهود الحربي، ويقصد به تقديم الدعم المالي لمشروعهم العسكري تحت مبرر مواجهة ما أسموه أمريكا وإسرائيل.
ثم تطور المشروع الذي كان يدر المليارات على مشرفي المسيرة الحوثية وبدأوا في اصطناع مسميات جديدة لجبايات الأموال تحت مسميات متعددة وفي مقدمتها "يوم الولاية" و"المولد النبوي" ذكرى استشهاد الحسين و"فريضة الخمس" و"دعم شراء المقابر" ودعم القوة الصاروخية" ودعم غزة ودعم حزب الله ,واحتفالات أخرى رصدها البعض إلى 20 مناسبة طوال العام.
وتفنن الحوثيون بشكل مقزز في أشكال الجبايات، حيث تتنوع أشكالها لتشمل الأموال النقدية، والأدوية والعقاقير التي تفرضها على مراكز بيع الأدوية والصيدليات، وكذلك السلال الغذائية، والماشية، والعقارات، وأصحاب المحلات التجارية والزراعة وبائعي القات وغيرها من الأموال النقدية والعينية, وتوسعوا في عمليات الجباية من المواطنين وأصحاب المحال التجارية بكل أنواعها والمؤسسات والبنوك وغيرها.
كما وسعوا دائرة الجبايات لتطال " العقارات والأراضي والبنايات والبيوت السكنية والمزارع، وهي أملاك لمواطنين ورؤوس أموال، بخلاف العقارات والشركات التي نهبتها من المناهضين لها تحت مسمى "الحارس القضائي"ولم تسلم حتى النساء الارامل او الأسر الفقيرة التي تبيعض بعض المنتجات من صناعة بعض المأكولات والحلويات ولديهن صفحات على الفيسبوك لترويج ما ينتجن من مأكولات وتم ارغامهن على تسليم خمس أرباحهن او تهديهن بإغلاق صفحاتهم على الفيسبوك أو مجاميع الوتساب.
قصص من واقع المعاناة:
سامي أحمد يملك محلا لبيع الأثاث المنزلي يتحدث لموقع مأرب برس قائلا نحن على مشارف الإفلاس الكامل لم يدع الحوثيون لنا شيئا، لا تكاد تتوقف عمليات الجباية ومن يرفض مصيرة السجن وتهمته جاهزة بـأنه عميل لأمريكا وإسرائيل, ويضيف سامي أنا مستمر في العمل كي أتخلص من المخزون الذي معنا في المخزن الذي ندفع إيجاره شهريا ونبيع برأس المال لم يعد أحد له القدرة على الشراء إلا نادرا وعائداتنا بالكاد تعود كرواتب للموظفين ونفقات تشغيليه.
أم على أرملة يمنية من مديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء، تقول لمأرب برس "ولدي يتيم الأب وترك لنا مزرعة صغيرة للقات , في كل صباح أرسله بعدة أكياس صغيرة بالقات , قبل وصوله للسوق يعترضه مشرف الحوثيين ويقوم بتسعيرها "وفقا لرغبته" وليس لأسعار السوق ثم يأخذ ما يسميه الخمس , ودائما تباع بأقل من سعر السوق وبالكاد يعود ولدي بشي من احتياجات الاكل لنا.
نفقات خرافية واحتفالات طائفية
يتعمد الحوثيون إظهار احتفالاتهم الطائفية وفي مقدمتها المولد النبوي بصورة تظفي عليها الفخامة والقوة والظهور والتواجد في كل مكان, فعلى سبيل المثال كشفت مصادر من داخل مكونات الحوثيين أنهم قبل عامين رصدوا للاحتفال بمناسبة المولد النبوي ميزانية مالية تبلغ 55 مليار ريال خصصتها لنشاطاتها واحتفالاتها في المدن والمديريات والقرى والعزل والمؤسسات العامة والخاصة التي ترزح تحت سيطرتها وكل هذه الأموال جمعت عن طريق الجبايات.
اشراك المرأة في عمليات الجباية..
كشفت مصادر متعددة لموقع مأرب برس أن المليشيا الحوثية أنشئت وحدة خاصة الهدف من ورائها هو توسيع عمليات الجباية لدعم أنشطتهم العسكرية والطائفية في اليمن, حيث تم تأسيس ما يسمى بـ«الهيئة النسائية» وتم تشكيلها في عدد من أحياء العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لها، بهدف تنفيذ لقاءات نسوية تتضمن تقديم محاضرات من قبل قيادات نسائية حوثية، وإطلاق ما يسمى «قوافل البذل والصمود»؛ لدعم وتمويل «القوة الصاروخية والبحرية وسلاح الجو المسير» والتصنيع العسكري حسب وسائل إعلام المليشيات.
ووثقت مصادر أخرى إلزام مسؤولي الأحياء في المدن، ومشايخ القبائل والأعيان في الأرياف بتوجيه دعوات للنساء عبر زوجاتهم وبناتهم، إلى جانب تكليف الأمن النسائي للمليشيا (الزينبيات) بتلك المهام لحضور تلك اللقاءات، وإرغام النساء على التبرع بالأموال والحلي لصالح المجهود الحربي للجماعة ومقاتليها في الجبهات.
عائدات تريليونيه:
كشف تقرير اقتصادي أن موارد ميليشيات «الحوثي» من الجبايات "الضرائب" التي وثقت في مستندات رسمية خلال عام 2019 بنحو تريليون ريال يمني أو ما يوازي مليار و651 مليون دولار ، بزيادة سبعة أضعاف عن إيرادات الضرائب في مناطق الحكومة الشرعية للعام نفسه.
وعلى ذات الصعيد كشف التقرير السنوي للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن للعام 2022 عن مصادر الأموال التي حصلت عليها ميليشيات «الحوثي» بشكل غير قانوني وغير مشروع لتمويل حربها ضد الشعب اليمني، وجاءت الضرائب على رأس القائمة، ويليها الرسوم الجمركية، ومصادرة الأراضي والممتلكات والودائع المصرفية، وتجارة الوقود بالسوق السوداء.
أحدث ثلاث موضات حوثية جديدة لجبايات الأموال:
أولا ملاحقة صناعة المحتوى..
بدأت المليشيا الحوثية في تعقب صانعي المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي وفرض رسوم مالية على محتواهم الإلكتروني، وكذلك فرض جبايات أخرى على أصحاب المواقع الإلكترونية.
تحت اسم ضريبة الدخل، ويجري تحصيلها مقابل ما يتحصل عليه صناع المحتوى ومالكو المواقع الإلكترونية من مبالغ، سواء كانت عائدات من نشاطهم، أو من الإعلانات التي يقدمونها.
ويرى مراقبون أن تلجأ المليشيا إلى إجراءات عقابية بحق الرافضين لتلك المواقع الإلكترونية، مثل الحجب او وقف تصايح العمل.
ثانيا نتائج الطلاب:
فرضت المليشيا الانقلابية رسوماً على نتائج اختبارات طلبة المدارس للنصف الأول من العام الدراسي الحالي في مناطق سيطرتها.
وذكر أولياء أمور الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرسوم التي فرضتها الجماعة الحوثية مقابل الحصول على النتائج تراوحت (بين 300 و600 ريال، حيث تفرض المليشيا سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً)، وجرى تحصيلها من دون سندات.
ثالثا غزة ومعركة البحر الأحمر:
كشفت مصادر غربية ببريطانيا أن مليشيا الحوثي استغلت الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط، لفرض رسوم وجبايات على السفن التجارية في البحر الأحمر، بغية جني أموال طائلة من السفن العابرة لمضيق باب المندب, ونجح الحوثيون في تحقيق أرباح مهولة تزيد عن ملياري دولار خلال عام 2024، وذلك مقابل السماح للسفن بالمرور الآمن عبر باب المندب، ومياه البحر الأحمر.
اثراء خزينة المليشيات بخبراء حزب الله
كشفت المعطيات على الأرض أن كل هذه الأموال الفلكية التي تجمها المليشيات الحوثية من الجبايات لا تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي أو تمويل خدمات للمواطنين، بل إلى إثراء خزينة المليشيات وتمويل أنشطتها الحربية وأجندتها الإقليمية.
وفي وقت سابق كشفت مصادر إعلامية يمنية أن خبراء ماليين لبنانيين قدَّموا رؤية جديدة لميليشيا الحوثي قبل عدة سنوات، بهدف تحقيق زيادة كبيرة في تعبئة الإيرادات المحلية.
وقالت المصادر إن الخبراء اللبنانيين الذين ابتعتهم حزب "الله اللبناني" إلى صنعاء، قدموا لميليشيا الحوثي خطة لرفع سعر أكثر من 50 نوعاً من الرسوم، تشمل كافة رسوم المؤسسات والهيئات والمصالح الإيرادية والخدمية.
ختاما:
أكدت كل الجهات والأطراف التي التقينا بها خلال إعداد هذا التقرير من باحثين ومراقبين وصحفيين ومواطنين ان قضية الجبايات التي تعتمد عليها المليشيا الحوثية في توسعها الطائفي والعسكري في اليمن سحقت بقايا شعبية الحوثيين لدى المغرر بهم من أبناء الشعب اليمني وبات الجميع يدرك جيدا أن هذه الحركة الدموية الإرهابية لا يمكن ان يدوم حكمها في اليمن , حيث أصبح الجميع ينتظرون لحظة الخلاص منها والوقوف مع أي تيار يعلن مواجهتا للقضاء عليها, فقد انكشف غطائها وظهرت حقيقتها أمام كل أبناء اليمن.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
ماذا تصنع الطائرات الأمريكية المسيرة إم كيو-9 فوق مناطق سيطرة المليشيات الحوثية .. وكيف خضعت الصواريخ الروسية للجيش اليمني السابق للتطوير على يد إيران ؟
رأى تقرير أمريكي، أن مزاعم اسقاط الحوثيين للمسيرات الأمريكية "إم كيو-9" يخدم أهدافهم على المستوى المحلي، بالإضافة إلى أجندتهم الإقليمية والدولية، من خلال علاقتهم مع إيران وغيرهم من خصوم الولايات المتحدة الأمريكية.
في 28 ديسمبر 2024، أعلن متحدث الحوثيين انهم أسقطوا طائرة مسيرة أمريكية من طراز إم كيو-9 "MQ-9 Reaper" كانت تحلق فوق محافظة البيضاء في اليمن بصاروخ ارض-جو، وبعد أربعة أيام، تباهى الحوثيين بأسقاط طائرة مسيرة أمريكية ثانية في مأرب، لتكون أول ضربة حوثية لطائرة من ذات الطراز في عام 2025.
ووفق تقرير لمركز أبحاث المجلس الأطلسي الأمريكي «Atlantic Council» "تمثل هذه الهجمات أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الضربات الحوثية الناجحة ضد الطائرات بدون طيار الأمريكية منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، مما يبرز قدرات الحوثيين الهجومية المتنامية".
وأشار التقرير الأمريكي إلى أنه، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، نجح الحوثيون في تحويل إسقاط طائرات بدون طيار من طراز "إم كيو-9" الى دعاية ترويجية للترويج لأدائهم العسكري محليًا وخارجيًا.
وإذا استنتج الحوثيين بان مواصلة الهجمات على الطائرات الأمريكية تؤتي ثمارها، فمن المرجح ان يكثفوا هجماتهم على الأصول الأمريكية، ويمكن أن تصميم الجماعة القوي على تصعيد المواجهة العسكرية مع واشنطن. وفق التقرير
وفي محاولة لاستمرار الضربات ورد في 19 فبراير/ شباط الجاري، أن الحوثيين أطلقوا صواريخ ارض-جو على طائرة مقاتلة أمريكية من طراز F-16 وطائرة بدون طيار من طراز "إم كيو-9" (لكن الصواريخ لم تضرب أهدافها).
بالنسبة لجماعة الحوثي فإن فرض خسائر فادحة على أسطول الطائرات بدون طيار الأمريكية يخدم أهدافا تكتيكية واستراتيجية ورمزية على المستويين المحلي والإقليمي. -بحسب التقرير- الذي اعتبر "إن الضربات ضد طائرات "إم كيو-9" بدون طيار تعمل على إضعاف انظمة الاستخبارات والاستهداف الأمريكية وتساعد الحوثيين في تعزيز الدعم المحلي والإقليمي".
وأشار التقرير "مع علاقات الحوثيين بالصين وروسيا وإيران، فإن طائرات "إم كيو-9" التي تم إسقاطها قد تنتهي في أيدي خصوم الولايات المتحدة"، لافتا أن "الولايات المتحدة تحتاج تعديل استراتيجيتها لنشر طائرات "إم كيو-9" لضمان تكون اقل عرضة لهجمات الجماعة المسلحة".
استخدم طائرات "إم كيو-9" في اليمن
إن زيادة الهجمات على الطائرات بدون طيار الأمريكية والحملة المناهضة للشحن البحري تشكلان عنصرين رئيسيين في أحدث هجوم للحوثيين، فمنذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، احتجز الحوثيون حرية الملاحة والتجارة البحرية في البحر الأحمر رهينة، وشنوا الهجمات على السفن التجارية.
وبإطلاق حملتهم المناهضة للشحن البحري، وجه الحوثيون ضربة قاسية لحركة الملاحة البحرية في الشريان التجاري الذي يربط البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ووسعت أهدافها لتشمل أي سفينة مملوكة أو تديرها خطوط شحن دولية تخدم سفنها موانئ إسرائيل.
منذ عام 2002، نشرت الولايات المتحدة بانتظام طائرات بدون طيار مثل "إم كيو-9" لمهام المراقبة والهجوم في اليمن، وخاصة لجمع المعلومات الاستخباراتية والقضاء على عملاء تابعين لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وعلى الرغم من نشرها المطول، كان عدد الطائرات بدون طيار الأمريكية التي فقدت بسبب النيران المعادية ضئيلا، حيث أسقط الحوثيون ثلاث طائرات "إم كيو-9" فقط بين عامي 2017و2019.
وخلال حملة الحوثيين ضد الملاحة البحرية، كان هناك تصعيد ملحوظ في الكفاءة التكتيكية للجماعة ضد الطائرات بدون طيار الأمريكية. فمنذ نوفمبر 2023، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن أسقاط 14 طائرة بدون طيار من طراز "إم كيو-9"، في سلسلة من الهجمات التي استهدفت الأصول الأمريكية في محافظتي مارب وصعدة بشكل أساسي.
إن تكثيف وتيرة العمليات ومعدل النجاح المتزايد لهجمات الحوثيين على الطائرات بدون طيار الأمريكية امر غير مسبوق، مما يُظهر تحسن مهارات الميليشيا في التصويب وتوسيع قدراتها الهجومية.
في حين انه ليس من الواضح ما هو بالضبط متعلق بقوة الصواريخ الحوثية، وبالتالي ما يعزز هذه القدرة الهجومية، يمكن استخلاص فكرة تقريبية من العروض العسكرية الحوثية ومن مصادرة المواد العسكرية من المراكب الشراعية التي تهرب المساعدات الفتاكة من إيران.
تشمل ترسانة الحوثيين من الصواريخ ارض-جو صواريخ روسية الصنع من مخزونات الجيش اليمني قبل الحرب، مثل صاروخ ارض-جو SA-6 / Faster (Innovator) وعائلة صواريخ ثاقب (Piercer)، بالإضافة الى ذلك يزعم الحوثيون انهم ينتجون تصاميم صاروخية محلية.
ومع ذلك فإن هذه التصاميم اما متغيرات من انظمة الأسلحة الإيرانية أو تستند الى التكنولوجيا الإيرانية، مثل صاروخ صياد-2C، وسلسلة صقر (صاروخ 358 الإيراني)، وعائلة صواريخ برق (سلسلة طير الإيرانية).
استراتيجية الحوثيين
من الناحية التكتيكية، تهدف عمليات أسقاط الحوثيين لطائرات MQ-9 بدون طيار في المقام الأول الى حجب انظمة الاستخبارات والاستهداف الأمريكية، التي تعمد عليها القوات الأمريكية من خلال تجميع البيانات والتخطيط لضربات جوية مشتركة مع المملكة المتحدة على أهداف برية معادية في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وعلى الرغم من تصميمها لتكون طائرة بدون طيار من الطراز الأول "للصيد والقتل"، تلعب طائرة "إم كيو-9" أيضا دورًا مهمًا في جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والتعرف عليها بفضل قدرتها على التحمل لمدة 24 ساعة وارتفاعها التشغيلي الأقصى الذي يبلغ 50 ألف قدم.
واعتمدت الضربات الدقيقة الأمريكية والبريطانية، التي استهدفت رادارات الحوثيين ومواقع التخزين والانطلاق الجماعة على طائرة "إم كيو-9" وكان لها دور كبير بضرب المرافق والمخابئ تحت الأرض في المناطق الجبلية الوعرة في اليمن. ولأن الحوثيين يخفون المواقع الاستراتيجية فقد اعتمد التحالف الغربي على الطائرات بدون طيار لجمع معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ حول المنشآت العسكرية.
دعاية الحوثيين
بالنسبة للحوثيين، فإن إسقاط الطائرات الأمريكية بدون طيار يحمل أيضا قيمة رمزية، إذ أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل جزء لا يتجزأ من أساسهم الأيديولوجي، ويريدون أن يُنظر إليهم على انهم قادرون على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك قام الحوثيين بالدعاية بشكل مكثف لإسقاط طائرة "إم كيو-9".
على سبيل المثال، كما لاحظ محمد الباشا (مؤسس شركة الاستشارات Basha Report)، حول الحوثيون الطائرة الأمريكية بدون طيار الى الشخصية الرئيسية لأغنية ساخرة بعنوان "بورة" -وتعني أنها بلا قيمة- تسخر من القدرات القتالية الضعيفة للطائرة بدون طيار.
كما سعى الحوثيون الى تعزيز الشرعية السياسية المحلية واكتساب الاعتراف الإقليمي من خلال مهاجمة الأصول الجوية الأميركية. ان إسقاط الطائرات الأميركية بدون طيار يعزز الروح المعنوية لأنصار الحوثيين في وقت عصيب للغاية تحت وطأة الضربات الجوية الغربية والإسرائيلية.
ومن وجهة نظر إقليمية، سمح ادعاء تدمير طائرات "إم كيو-9" للحوثيين بتصوير أنفسهم على انهم العضو الأكثر فتكًا في محور المقاومة الذي تقوده إيران وكسب تعاطف الأصوات المناهضة للولايات المتحدة والمؤيدة للفلسطينيين في العالم العربي.
ولكن مزاعم الحوثيين تستحق الشكوك، فالجماعة المتمردة معروفة بعملياتها الدعائية، بما في ذلك استخدام تصريحات غير قابلة للتحقق لتضخيم تصور أدائها العسكري، ومنذ بداية الحملة ضد السفن، كثيرا ما تفاخر الحوثيون بشن ضربات ناجحة على الأصول البحرية الأميركية المنتشرة في البحر الأحمر، على الرغم من ان القيادة المركزية الأميركية سارعت الى القول إن مثل هذه المزاعم كاذبة.
وعلى نحو مماثل، يمثل إسقاط طائرة "إم كيو-9" وسيلة قوية لجذب الانتباه للترويج لقدرات الحوثيين في الحرب الجوية الهجومية، وسواء كانت هذه المزاعم حقيقية أم لا، فإنها تعمل على تضخيم القوة القتالية المفترضة للحوثيين وتلميع صورتهم كميليشيا قادرة على مواجهة القوات الأميركية وجها لوجه.
شركاء الحوثيين الخطيرين
ورغم إسقاط طائرات "إم كيو-9" فوق اليمن، فإن العواقب السلبية لهذه الهجمات الحوثية على الأصول العسكرية الأميركية قد تمتد الى ما هو ابعد من حدود البلاد، فبعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، كان هناك تسارع ملحوظ في التعاون العسكري والتنسيق الدبلوماسي والدعم الرمزي بين الحوثيين وإيران (الداعم والراعي للجماعة (وروسيا، والصين، وغيرها من الجماعات المسلحة الإقليمية في محور المقاومة الذي تقوده طهران.
وعززت روسيا بشكل كبير من علاقاتها السياسية مع الحوثيين، حيث أظهرت تضامنها الدبلوماسي مع العمليات العسكرية للجماعة، وقدمت ثقلاً موازناً لموقف واشنطن المتشدد ضدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بالإضافة الى ذلك، كشفت الاستخبارات الأمريكية أن إيران توسطت في محادثات بين روسيا والحوثيين أدت الى تزويد موسكو للجماعة بصواريخ كروز روسية الصنع مضادة للسفن، كما أفادت بوجود مستشارين عسكريين روس في اليمن، والذين يزعم انهم زودوا الحوثيين ببيانات تتبع السفن وتوجيهات الاستهداف لزيادة دقة الهجمات على الشحن التجاري.
وعلى نحو مماثل لموسكو، يبدو أن بكين كثفت تعاملها مع الحوثيين منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ويقال إن بكين أبرمت صفقة مع الميليشيات لضمان المرور الأمن للسفن التجارية التي ترفع العلم الصيني. ويقال إن الحوثيين استفادوا من موقف الصين المحايد في مجلس الأمن التابع لشراء مكونات عسكرية مزدوجة الاستخدام صينية الصنع لدعم قاعدتهم العسكرية الصناعية المحلية.
وفي حين أن كل من هذه الجهات الفاعلة مدفوعة بأهداف استراتيجية مختلفة، إلا أنها شترك في مشاعر متجذرة متشابهة معادية للغرب، وهو القاسم المشترك الذي سعى الحوثيون الى الاستفادة منه لصالحهم.
وفي هذا الصدد، يمكن للجماعة المسلحة أن تقدم اليمن والبحر الأحمر كساحة معركة يمكن لخصوم واشنطن من خلالها وضع أيديهم على المعدات العسكرية الأمريكية، يمكن أن تضع القوى المعادية للغرب عينها على الوصول الى مكونات التكنولوجيا المصنوعة في الولايات المتحدة لأغراض متعددة: ويمكن أن تحاول عكس هندسة المكونات، وتصميم تدابير مضادة مخصصة، والحصول على معلومات حساسة محتملة مخزنة في طائرات "إم كيو-9".
بالنسبة لإيران يعد الوصول الى المعدات العسكرية الأمريكية جائزة مرغوبة منذ فترة طويلة. على سبيل المثال، في منتصف عام 2019، سارعت إيران الى استعادة طائرة MQ-4C Triton التابعة للبحرية الأمريكية والتي أسقطها الحرس الثوري الإيراني فوق مضيق هرمز. لكن إمكانية الوصول الى التكنولوجيا المصنوعة في الولايات المتحدة قد يكون مفيدًا للأخرين أيضا، بما في ذلك الصين، التي تواجه منافسة متزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
جدوى استخدام طائرات "إم كيو-9"
تشكل طائرة "إم كيو-9" العمود الفقري لأسطول الطائرات بدون طيار في الولايات المتحدة، حيث توفر للمخططين العسكريين الأميركيين عمقًا تكتيكيًا في المناطق الداخلية الوعرة في اليمن. ومع ذلك، وعلى الرغم من تفوقها التقني على قوة الصواريخ الحوثية، فقد أثبتت ضعفها أمام انظمة الأسلحة المضادة للطائرات الأساسية.
ورغم ان نشر الطائرات بدون طيار يظل بديلاً مفضلًا للطائرات المأهولة عند العمل في بيئة عالية الخطورة مثل اليمن. ومع ذلك، فإن معدل فقدان طائرات "إم كيو-9" بدون طيار في القتال منذ منتصف نوفمبر 2023 يستحق اهتمام الاستراتيجيين العسكريين الأميركيين.
حيث تبلغ قيمة طائرات "إم كيو-9" حوالي ثلاثين مليون دولار لكل منها، يجعل وتيرة فقدانها غير قابل للاستدامة، حيث سقطت بمعدل طائرة واحدة شهريًا خلال حملة الهجمات في البحر الأحمر التي استمرت خمسة عشر شهرًا، وفقًا لمزاعم الحوثيين.
ورغم ان ترسانة الصواريخ الحوثية لا تزال تشكل تهديدا منخفض المستوى للأصول الجوية الأميركية، فقد أثبتت الجماعة قدرتها على إضعاف التفوق القتالي للولايات المتحدة جزئيا، وإضعاف التفوق الجوي الأميركي، وكشف نقاط ضعف كبيرة في طبقات الدفاع في طائرة "إم كيو-9".
وقد يسعى خصوم واشنطن الى الاستفادة من هذه الثغرات لتعزيز مصالحهم الاستراتيجية، فبعد التوصل الى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في يناير/ كانون الثاني، تعهد الحوثيون بتقليص هجومهم البحري، لكن حرية الملاحة الأمنة بعيدة كل البعد على أن يتم استعادتها في البحر الأحمر.
وينبغي لواشنطن أن تستغل الهدوء الحالي في هجمات الحوثيين لتعديل استراتيجية نشر الطائرات بدون طيار وتسريع دمج مجموعات الحماية الذاتية في طائرة "إم كيو-9" التي تعزز قدرتها على البقاء ضد النيران المعادية.
على سبيل المثال، يمكن ان تشمل هذه المجموعات أنظمة تدابير مضادة نشطة وسلبية ضد التهديدات السيبرانية والترددات الراديوية أو الأشعة تحت الحمراء.
ان الولايات المتحدة بحاجة أن تبقى حذرة، ومع بقاء الظروف الأمنية متقلبة في البحر الأحمر، فإن طائرات "إم كيو-9" على استعداد لمواصلة لعب دور بالغ الأهمية في تعزيز وعي الولايات المتحدة بالتهديدات التي يشكلها الحوثيون