دروس استلهمناها من زيارتنا لمقام الشهيد القائد ورفاقه
تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT
حسن عردوم
كانت الحياة تأخذنا في دوامة من التهميش والاستضعاف، كل شيء حولنا كان يوحي بأننا مجرد ظلال تمر في أزقة الأيام بلا أثر.
لا كهرباء، لا مستشفيات، لا مدارس، لا خدمات أساسية، ناهيك عن التزام المواطنين هناك بدفع كافة الجبايات من تلقاء أنفسهم.
ورغم ذلك، كنا نمنح الدولة الثقة وننتظر منها أن ترد الجميل، لكنها لم تفعل.
في هذا الظلام الموحش، كان هناك رجل يقف وحيدًا، يردد كلمات لم يسمعها أحد من قبل، لكنها لم تكن مجرد كلمات، بل كانت “بداية موقف”.
السيد حسين بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه) لم يكن يطلب شيئًا لنفسه، بل كان يدعو الجميع ليكون لهم موقف.
ما هو الموقف؟
كلمات كانت تبدو بسيطة، لكنها حملت في طياتها معاني لم يكن أحد يتخيلها، معاني كُتبت بالدم ضد الأعداء، فكانت نتيجتها هذه العزة والشرف والشموخ الذي نعيشه اليوم. كلمات تُترجم بأفعال وتحرك عملي في الواقع ضد الأعداء..
قبل أن تشتعل الحرب الأولى.. كانت التهديدات تحيط بالشهيد القائد من كل زاوية ومكان، لكنه لم يخبر أحدًا بذلك، كان واثقًا بربه ومولاه، يسير في طريقه غير آبه بما يحاك في الخفاء.
تحرك بثقافة قرآنية، وقرآنية فقط، كان الوضع الاجتماعي هشًا، والخدمات شحيحة، ومنطقة واسعة بلا رعاية صحية.
ولأجل خدمتها، أرسل شبابًا إلى صنعاء ليدرسوا الطب ويعودوا بشيء من العلم لمجتمعهم.
أتى بطبيب ليعالج الناس، وحاول جاهدًا أن يجلب الكهرباء، بينما كان البعض في تلك الفترة يراجعون السلطات للإبقاء على “الظلام”!
من بعض اهتماماته المجتمعية، وحتى منتصف الليل، كان يعمل وحيدًا في الوحدة الصحية، يجهّز كل شيء، لأنه يرى في ذلك مرضاة لله وخدمة للمجتمع.
لم يكن يتحرك فقط في الجانب التنموي والخدمي، بل صنع وعياً وأحيا أمة وقاد المنطقة إلى مرحلة متقدمة على بقية المناطق في الموقف الظاهر والمعلن ضد أولئك الذين هزمتهم مسيرته وملازمه اليوم في البحر وفي مختلف الجبهات. ونتيجة لهذا الموقف الشجاع والنادر إلا من شخصه، جاء الأحد!
وفي الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت صنعاء، وبينما كان القرار قد اُتخذ من واشنطن، دوّت أولى القذائف قرب منزله المتواضع.
خرج الناس مندهشين ينظرون إلى الدخان المتصاعد نتيجة القصف العنيف وغير المسبوق.
لم يكونوا يعلمون أن تلك اللحظات ستكون بداية حرب ستغيّر كل شيء…!!
كان العدو مدججًا بالسلاح: راجمات صواريخ مدفعية ثقيلة زحف عسكري منظم.
وعلى الجانب الآخر، لم يكن هناك سوى قلة من المؤمنين المقاتلين، بأسلحة بسيطة وإيمان منقطع النظير، لا يتزعزع ولا يلين.
وقف الشهيد القائد أمام رجاله، نظر في وجوههم وقال، وهو يشير إلى دبابة للعدو:
“يجب ألا تتقدم، فإن تقدمت فستؤذيكم”، ثم سأل: “من سينزل ليضربها؟ من لديه خبرة؟”
كان هناك قاذف واحد ورصاصتان فقط… نزل أحد المقاتلين ذو الخبرة، ورمى. لم يكن الأمر سهلًا، لكن الوضع العام يقول إنه لا مجال للتراجع…!!
في الخربان.. وهي منطقة تقع في أسفل الجبل، ظل “الشهيد السيد زيد علي مصلح” يقاتل لأسابيع، ومعه ثلة من المؤمنين.
تساقطت القذائف عليهم من كل مكان حتى تحولت الأرض المحيطة به إلى غبار.
ورغم ذلك، حين ارتقى شهيدًا، وبقيت جثته عند أعدائه، اهتزت الصفوف…!!
حينها قال الشهيد القائد (سلام الله عليه) بحزن
“رحم الله أخي زيد، فقد نال ما تمناه.”
وترجّل الشهيد زيد، ذاك الرجل العظيم الذي هتف من مترسه في الخربان في بداية العدوان على مران قائلًا:
“سأجعل من مكاني هذا سلمًا للنصر أو معراجًا للشهادة”.
وفي تلك اللحظات، لم يكن هناك مجال للحزن.. كان لا بد من استعادة الأرض وإعادة جثمان الشهيد زيد علي مصلح (سلام الله على روحه).
وقف المقاتلون مع الشهيد القائد وقفة حاسمة، وبعدها أعادوا الكرّة، وهاجموا، فتحررت الخربان رغم نزيفهم، وعادوا بزيد!
وفي خضم المعارك: كان هناك أب يُقاتل وابنه إلى جواره، فجأة! سقط الابن! فنظر إليه الأب للحظات، ثم أكمل القتال. لم يكن في الوقت متسع للبكاء أو الانكسار…!!
لم يكن هناك طعام كطعامنا، بل كان المقاتلون يقتسمون ما لديهم من بقايا خبز، والماء كان يُحمل إليهم على ظهور الحمير. لكن العدو، بحقده، لم يُبقِ حتى على “الحمير”، حتى لا تحمل الماء على ظهرها لأولئك الأبطال مرة ثانية، لأنه يريد أن يقتلهم عطشًا.. أو بأي طريقة.. المهم أن يقضي عليهم.!
وفي إحدى محطات تلك الملحمة التاريخية، في جامع الخميس بالتحديد، حيث كان يتجمع الجرحى للعلاج… بعضهم كان يتحرك بقدم واحدة ويسحب الأخرى، والبعض الآخر كان يحمل جرحًا بليغًا، وآخرون هناك في زاوية المكان، كان الكادر الصحي يخيط جراحهم دون “تخدير”، فقط ببعض الشاش والصبر.
ومن شدة وهول الجراحات، كان بعض المسعفين ينظرون إليهم بحزن وخوف عليهم، لكن الجرحى كانوا يطمئنونهم بعبارات مملوءة بالقوة والصبر ويقولون: “اشتغلوا، بدون تخدير! لا مشكلة!”
في جبل الشرفة، الذي يقع في الجهة الشرقية من مران ويطل عليه، استمر الصمود لمدة 48 يومًا.
وفي لحظة يأس، جاء أحد المقاتلين إلى الشهيد القائد وقال: “يا سيدي، قد أحاطوا بنا.”
نظر إليه الشهيد القائد بثبات وقال له: “الله من ورائهم محيط”.
وحين اشتد الحصار وضاقت الأرض بما رحبت وانقطعت سبل الدفاع، أصبح الماء والغذاء مجرد ذكرى بعيدة، احتمى المجاهدون بجسد قائدهم، كأنهم يلوذون بحكمة السماء حين تضيق بهم الأرض. كان الجرف آخر معاقل الصمود، ينقسم إلى شطرين، شمالي وجنوبي، وبينهما فتحة واهنة، كأنها شق في الزمن يفصل بين الحياة والموت.
من الفتحة الشمالية، كانت القذائف الغازية تتساقط، لا تحمل سوى الموت الصامت، تسرق الوعي وتبث الألم في الجراح. المجاهدون بلا درع يقيهم، بلا وسيلة تحجب عنهم سموم الحرب. تهاوى البعض تحت وطأة الاختناق، أجسادهم معلقة بين الحياة والموت، بينما الشهيد القائد ما زال يتحرك بينهم، يوزع قطعًا من القماش في محاولة لكبح تأثير الغازات، كمن يهب أنفاسه الأخيرة لمن حوله.
حينها، لم يبق سوى اللجوء إلى القسم الجنوبي من الجرف، حيث كان العدو يتربص بفتحة من الأعلى. انهالت القنابل المسيلة للدموع، وكان القائد في قلب المحنة، يأمر رفاقه بملء صناديق الرصاص الفارغة بالتراب، وإلقائها فوق القنابل في محاولة أخيرة لكتم أنفاسها، كما لو أنهم يسابقون الموت بالتراب.
ومع كل دقيقة تمر، كانت النيران المستعرة تحيط بالمكان، والأسلحة تنهش الصخور كما تنهش الأشلاء. وعندما غابت شمس يوم الخميس واشتد العجز، لم يجد العدو سبيلاً سوى زرع لغم هائل عند مدخل الجرف، لينفجر بعد لحظات، كأنما القيامة قد قامت في ذلك المكان. تساقطت الصخور، دفنت البعض تحتها، وسط أنين وصرخات الوجع، في حالة من الألم والخذلان.
لكن العدو لم يكتفِ، فسكب البترول وأشعل النيران، كأنه أراد أن يمحو آثار الصمود، أن يذيب الجسد والذاكرة معًا. غير أن السماء التي كانت تراقب بصمت أبت أن تكون النهاية وفق مشيئة القاتل. بقي القائد لبعض الوقت، وسط اللهب والدخان، ثم جاء فجر الجمعة 26 رجب 2004م حين صعدت روحه إلى حيث لا تصل إليه نيران البشر، تاركًا خلفه جرفًا محترقًا. لكنه في أعين رفاقه لم يكن سوى ضوء يخرج من بين الرماد.
وبينما كان يُحمل الشهيد القائد مضرجًا بدمائه..
وجنود وضباط العدو يحيطون به، يبتهجون بقتله وتصفيته، ظن الجميع وقتها أن النهاية قد حانت، لكن المعركة لم تكن قد بدأت بعد. وما تلك المأساة التي حدثت إلا بداية لميلاد فجر جديد..!
وها نحن اليوم نشهد على أحقية ما سار عليه حين رأينا ثمار ثقافته ومنهجه في مساندة «غزة» فارتقى اليمن بفضل هذا الموقف إلى أسمى مؤاتب العزة والكرامة.
«كن مع الله، تكن قويًا في كل مواقفك.»
وهكذا، استمر الصوت، لم يمت ولم ينتهِ، بل أصبح نداءً يتردد في كل الأقطار…!!! وتستمر المسيرة..
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهید القائد لم یکن
إقرأ أيضاً:
من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء
كان بين شاعري العراق الكبيرين جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي خلاف كبير وخصومة شديدة، ويردّ بعض الرواة هذا الخلاف إلى اعتداد الزهاوي بشعره وتعاليه على شعراء العراق الآخرين، وليس أدلّ على ذلك من قول الزهاوي في حضور الرصافي:
وللشعر في بغداد روحٌ جديدةٌ
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
وفي منتصف العشرينيات من القرن الماضي، يحدث أن يأتي لزيارة بغداد، وللإقامة فيها فترة من الوقت، المجاهد العربي التونسي عبد العزيز الثعالبي، وما إن يحطّ في الفندق الملكي حتى يتوافد للترحيب به معظم أدباء العراق.
أخذ أدباء العراق يعدّون العدّة لإقامة حفل تكريم للشيخ الثعالبي، وكان لا بد من مشاركة شعراء العراق الكبار في ذلك الحفل.
ويروي الأستاذ عبد الرزاق الهلالي قصة طريفة مرتبطة بحفل التكريم، وبطلاها الشاعران الكبيران الرصافي والزهاوي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي: ترجمة الشعر إبداع يهزم الآلةlist 2 of 2قصص "جبل الجليد" تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخساراتend of listومختصر القصة أن اللجنة التي قامت على وضع برنامج الحفل ذهبت إلى الرصافي وطلبت منه أن يُسهم في تكريم الزائر المجاهد بقصيدة من عنده، فوافق، ولكنه سأل أعضاء اللجنة: هل فاتحتم الزهاوي بهذا الموضوع؟ فقالوا: لا، ولكننا سوف نفاتحه.
وهنا يقول الرصافي بروحٍ أدبية عالية:
سيسألكم الزهاوي إن كنتم فاتحتموني في الأمر أم لا، وإذا عرف أنكم قد فاتحتموني بالموضوع، فإنه سوف يردّ طلبكم ويعتذر عن المشاركة في تكريم الثعالبي… ولهذا أقول لكم: قولوا إنكم لم تفاتحوني… بل اكتفوا به وحده… وعند ذلك سيفرح وسيلبّي طلبكم.
وهنا يقول أحد الأعضاء القائمين على الحفل مستغربا: ولكن ماذا سنكتب في برنامج الحفل؟ هل نشطب اسمك يا أستاذ؟
فيُجيب الرصافي بروحٍ أدبية عالية، وبتواضع جمّ يحتوي على إنكار الذات من أجل المصلحة العامة: ليكن برنامج الحفل خاليا من اسمي.
وبعد أن يُلقي الزهاوي قصيدته، يُعلن عريف الحفل عن مشاركتي بهذه المناسبة.
إعلانويؤكّد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي حدوث ذلك يوم الاحتفال، حيث ظل اسم الرصافي غير وارد في البرنامج، وما إن ألقى الزهاوي قصيدته قائلا:
وقفتُ وحيدًا بالعزيز أرحِّبُ
فأنشدُ للتكريم شعرًا فأطرِبُ
حتى وقف عريف الحفل قائلًا بلهجة كان قد اتُّفِق عليها:
والآن يتقدّم الشاعر معروف الرصافي الذي أبى إلا أن يشارك في تكريم الثعالبي، فيُلقي قصيدة بهذه المناسبة.
وهنا وقف معروف الرصافي منشدا:
أتونسُ إنّ في بغداد قومًا
ترفُّ قلوبهم لك بالودادِ
وما إن بدأ الرصافي بإلقاء قصيدته حتى نهض الزهاوي عن كرسيه منزعجا، وخرج غاضبا غضبا شديدا!
نبل الأدب الشعريوقفتُ طويلا عند هذه القصة الطريفة التي تدل بوضوح على تسامح الرصافي وإيثاره وتواضعه، فيوافق على شطب اسمه من برنامج الحفل، بل على عدم كتابة اسمه أصلا، وذلك لغايتين نبيلتين في نفسه: أولاهما إنجاح حفل التكريم للمجاهد الكبير الذي يحلّ ضيفا على بغداد، وثانيتهما حرصه على مشاركة زميله الزهاوي رغم ما بينهما من جفوة وخصومة، حتى لو أدى هذا الحرص إلى عدم ذكر اسم الرصافي في منهج الاحتفال.
استوقفني هذا الموقف الرائع من الرصافي لأقول في نفسي:
ليت أدباءنا وشعراءنا على طول العالم العربي وعرضه يأخذون درسا من معروف الرصافي، فيتخلّون عن حساسيتهم المفرطة، وتدابرهم العجيب، ومنازعاتهم الشللية، والأيديولوجية الضيقة الأفق.
ليتهم يأخذون درسًا ليجربوا التحلّي بالإيمان، بالتواضع وإنكار الذات في سبيل إثراء الحركة الأدبية والإعلاء من شأنها، فيتنافسون بروح أدبية عالية على رفدها بشتى الأصوات والتجارب والإبداعات، وبخاصة على صعيد الشعر، إذ لا داعي إلى التزاحم على إمارة شعر وهمية، لا وجود لها الآن إلا في خيال شاعر مُصاب بالاستعلاء النرجسي، بعد أن انقطعت بين طموحه وغروره تلك الشعرة الدقيقة المُسمّاة بشعرة معاوية!
ما أحوجنا إلى أن نأخذ الدرس من موقف شاعرنا الرصافي، تاركين الزهاوي يخرج من صدور بعض الشعراء المعاصرين منزعجا وغاضبا.
أما الذين يُصرّون -وهم مُغرمون بالنجومية- على الاعتداد المتزايد، والادعاء الذاتي بحمل أعباء الشعر العربي، متمثّلين بقول الزهاوي:
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
فهؤلاء نقول لهم: لا تُبالغوا في تلميع أسمائكم تلميعا دعائيا.. فالذهب لا يُلغي دور المعادن الأخرى وأهميتها، ثم لا تنسوا المثل القائل: "ليس كل ما يلمع ذهبا".
نخلص من هذه الواقعة الثقافية إلى ضرورة تواضع الشعراء، وضرورة احترام الشاعر لمكان زميله ومكانته، فلا أحد منهما يُلغي تجربة الآخر، فلكلّ شاعر تجربته وشهرته وجمهوره.
قد تتولّد الغيرة لدى شاعر من شاعر آخر لما يلقى من حفاوة واهتمام، ولكن هذه الغيرة لا تصل إلى المعاداة أو مقاطعة الواحد منهما للآخر.
وهذا يُذكّرنا بموقف شاعر النيل حافظ إبراهيم من مبايعة الشعراء لزميله أحمد شوقي على إمارة الشعر العربي، لينال لقب "أمير الشعراء"، حيث في البداية تخلّف حافظ إبراهيم عن الحضور، معتقدًا أنه أحقّ باللقب من شوقي، فهو شاعر الشعب، وشوقي -في نظره- شاعر القصر.
إعلانولكن حافظ إبراهيم، حين شعر بإجماع الشعراء المجتمعين في القاهرة على مبايعة شوقي، راجع نفسه، وتذكّر المودة التي تجمعه بزميله أحمد شوقي، فسارع إلى الذهاب ليشارك في المبايعة، ويلقي قصيدة صادقة ورائعة، يُعلن قبلها عن المبايعة، قال فيها مخاطبا شوقي:
أميرَ القوافي قد أتيتُ مبايعًا
وهي وفودُ الشوقِ قد بايعتْ معي
رغم التنافس الخفي أو الظاهر بين الشاعرين شوقي وحافظ على صعيد الوصول إلى القصيدة الأقوى والأجمل، لم يكن هذا التنافس يؤدي إلى استعلاء أحدهما على الآخر كما حدث بين الرصافي والزهاوي، بل إن الود بينهما كان يقود إلى الممازحات الشعرية التي تأتي ثقيلة في بعض الأحيان، من دون أن تؤدي إلى خصومة، كما كان يحدث بين جرير والفرزدق في معارضاتهما الهجائية في العصر الأموي.
فهذا حافظ إبراهيم يهجو أحمد شوقي ممازحا:
يقولونَ إن الشوقَ نارٌ ولوعةٌ
فما بالُ شوقي أصبحَ اليومَ باردًا
فيردّ عليه أحمد شوقي هاجيا ومداعبا:
وحمَّلتُ إنسانًا وكلبًا أمانةً
فضيَّعها الإنسانُ والكلبُ حافظُ
ومع هذا، فإن أحمد شوقي لا يتردّد في رثاء زميله حافظ إبراهيم عند رحيله، بقصيدة مطلعها:
قد كنتُ أُؤثِرُ أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ