مذلة في البيت الأبيض .. ترامب سيجعل بلدي مستعمرة
تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
بدأت الحرارة تشتد في كييف. إذ ارتفعت درجة الحرارة من سالب خمسة إلى أربع درجات مئوية. وفي بعض الأحيان تتسلل الشمس عبر شقوق في السحاب فلا يتهلل لها أهل كييف. ذلك أنهم لا يشاهدون بشائر الربيع كدأبهم في هذا الوقت من كل عام. إذ إن الأجواء في المدينة وفي البلد بصفة عامة أجواء ترقب وتوتر.
ثم تحقق الوضوح في المسرح المروع الذي أقيم البيت الأبيض: مصافحات، ورفع إبهامات، وضربات بالقبضة من الرئيس الأمريكي، قبل أن يجلس ترامب جنبا إلى جنب مع فلوديمير زيلينسكي لمناقشة صفقة دعم تقوم على المعادن في مقابل الحرب وتقوم على المذلة. وفي الوقت نفسه، كانت صفارات إنذار الغارات الجوية تدوي في شمال أوكرانيا وشرقها. وسرعان ما انتهت المحادثات ورحل زيلينسكي.
كان ما جرى، على مرأى من كاميرات التلفزيون، مرعبا وغير معهود. زيلينسكي مكفهر، غاضب، يائس - كما يليق بزعيم مرغم على التنازل عن حق أمته البديهي. وترامب يزعم أنه وسيط أمين فيقول: «أنا لست متحالفا مع أحد. أنا متحالف مع العالم». ويقول للرجل الذي رأى شعبه يتعرض للقتل، وأرضه تتعرض للاستيلاء والحصار: كن شاكرا. «أبرِمْ صفقة وإلا فسوف نخرج».
ثم ساء الأمر. عرض عليه زيلينسكي صورا لفظائع الحرب وقال «أعتقد أن الرئيس ترامب في صفنا»، وقال ذلك دونما أمل حقيقي وبالتأكيد دونما توقع لأن يكون على حق. فوجَّه نائب الرئيس جيه دي فانس هجوما لزيلينسكي متهما إياه بعدم الاحترام. وهاجمه كل من ترامب وفانس لفظيا أمام الكاميرات، فهذا هو قانون الصفقة الآن: التحامل، الغطرسة، القسوة، مع عدم إسالة دماء.
وحل محل اعتقاد الأوكرانيين بوجود اقتراح محدد من ترامب ينهي الحرب اقتناعا بأن الرئيس الأمريكي لا يملك مثل هذه الخطة، لكن لديه أفكار عديدة حول تورط الولايات المتحدة في المنطقة ـ وهي أفكار تتعلق غالبا بأوكرانيا، ولكنها تتعارض أحيانا مع بعضها بعضا ولا تركز مطلقا على دعم بلد يمثل ضحية للعدوان الروسي.
خلال الأسبوعين الماضيين، تابعنا تحوُّل قضية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلى قضية المعادن النادرة في بلدنا. وتبين أن المشاركين في المفاوضات الروسية الأمريكية في المملكة العربية السعودية قد ناقشوا أيضا استخراج المعادن الأرضية النادرة، لكنهم ركزوا فقط على الموارد الموجودة في الأراضي الروسية والأراضي المحتلة من أوكرانيا. وقد أبعدت المعادن الأرضية النادرة موضوع الحرب والمساعدات العسكرية لأوكرانيا عن الفضاء الإعلامي. فامتلأ هذا الفضاء الآن بالدولارات.
تعرَّف كبار السن الأوكرانيون، ممن نشأوا في ظل الاتحاد السوفييتي، في هذا الموقف على الولايات المتحدة مثلما كانت تصورها الرسوم الكاريكاتورية الدعائية السوفييتية، بوصفها دولة من الرأسماليين الجشعين غير المسؤولين الذين ينتزعون ما يستطيعون، ويبصقون على المشاكل المعقدة ولا تركز أعينهم إلا على الأرباح الدولارية الضخمة.
هذه حرب وجودية وواقع جديد. يقول ترامب إن زيلينسكي «ليس مستعدا للسلام»، ولكن لا خيار لأوكرانيا إلا الاستمرار في القتال، مهما يكن الثمن. والمساعدات التي كانت تُمنح في السابق مجانا يجب الآن شراؤها. وفي حال عدم توافر المال، فلا بد من الدفع بالموارد. وبعد ثلاث سنوات من العدوان الروسي الكامل، حلت مصالح مالية محل المصالح الجيوسياسية الأمريكية في أوكرانيا. وبدلا من الرئيس السياسي بايدن، دخل الرئيس رجل الأعمال ترامب إلى الساحة.
ولاحظوا أن الاقتراح الأمريكي بشأن استخراج المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، في حال تنفيذه، سوف يسمح للجانب الأمريكي بتوقيع اتفاقية مماثلة مع روسيا والبدء في الحفر دونما انتظار لنهاية الأعمال العدائية. وتتمثل الفكرة في «صندوق استثماري»، تديره الولايات المتحدة وأوكرانيا «بشروط متساوية»، حيث ستساهم أوكرانيا بنسبة 50٪ من العائدات المستقبلية للموارد المعدنية والنفط والغاز المملوكة للدولة «لتعزيز سلامة وأمن وازدهار أوكرانيا». ويصر ترامب على أن ذلك «في غاية العدالة».
فهل يشجع اتفاق كهذا روسيا على وقف عدوانها؟ لا! هل يحتوي على ضمانات أمنية لأوكرانيا؟ يبدو أن الإجابة هي لا أيضا. هل لدى أوكرانيا أي خيار؟ مسألة فيها نقاش.
في هذا الوضع، تصبح بريطانيا والاتحاد الأوروبي شركاء لأوكرانيا أهم من ذي قبل. فبينما يهيئ ترامب للولايات المتحدة الوصول إلى الموارد الأوكرانية، فإنه يرجو أن يعهد إلى أوروبا وبريطانيا بمسؤولية أمن أوكرانيا في حال توقف الأعمال العدائية، والمسؤولية عن المزيد من المساعدات العسكرية. وبناء على ذلك، فليس من الواضح بأي حال من الأحوال ما الميزة التي قد تعود على أوكرانيا من اتفاق المعادن النادرة هذا.
يزعم ترامب أن التعدين الأمريكي في الأراضي الأوكرانية سيكون ضمانة كافية لأمن أوكرانيا لأن روسيا لن تخاطر بمهاجمة المصالح الاقتصادية الأمريكية، وهذا زعم لا يصمد أمام الانتقادات. فقد استثمرت شركة كوفكو المملوكة للدولة الصينية في مجمع جديد للحبوب والنفط في ميناء ميكولايف الأوكراني، لكن المشاركة الصينية لم تحم الميناء من استهدافه بالصواريخ الروسية. ولم يعد الميناء للعمل منذ مارس 2022، وتخسر المنطقة نحو 40% من عائداته.
كل شيء ينكشف من حقيقة أن ترامب كان في غاية المجاملة لفلاديمير بوتين، والعداء لزيلينسكي. فقد أكد ترامب للعالم قائلا «أعتقد أنه سيفي بوعده. إنني أعرفه منذ فترة طويلة». ويشير قول ترامب إن السلام سيتحقق «قريبا إلى حد ما، أو لن يتحقق على الإطلاق» إلى أنه لن يهدر الكثير من الوقت في المفاوضات مع بوتين إذا ما طالت أو إذا طرح بوتين شروطا غير مقبولة لأوكرانيا. ولقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالفعل عن بعض الشروط، إذ ذكرنا بأن روسيا لا تزال تخطط للاستيلاء على كامل منطقتي خيرسون وزابوريجيا.
لقد كان زيلينسكي شجاعا، لكننا الآن نتوسل. ولقد أوضح ترامب والكرملين تمام الوضوح أن مشاركة أوكرانيا في هذه المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا ليست ضرورية أو مرغوبة. وشأن الكثير من الأمور الأخرى، فإن المبدأ الذي أعلنه بايدن وينص على أنه «لا شيء عن أوكرانيا إلا بحضور أوكرانيا»، قد دهسته الأقدام. فقد تم استدعاء زيلينسكي إلى البيت الأبيض للتوقيع، لا للتحدث.
لقد فعلها ترامب بطريقته. إذ حول أوكرانيا من فاعل إلى مفعول، وبعد مذلة البيت الأبيض هذه، أصبح بعض الأوكرانيين مقتنعين بأن استخراج المعادن النادرة بشروط ترامب من شأنه أن يحول بلدنا إلى «مستعمرة» للولايات المتحدة. ومع ذلك، يفضل العديد من الأوكرانيين العيش في مستعمرة أمريكية على العيش في مستعمرة روسية، إذا كان هذا هو الخيار.
أندريه كوركوف روائي أوكراني من أعماله «الموت والبطريق»
عن ذي جارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة البیت الأبیض
إقرأ أيضاً:
خبير: ما حدث بين زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض لم يكن متوقعًا
قال أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية، إن المشهد الذي دار في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان غير متوقع ولم يكن مرتبًا بشكل جيد، موضحًا أن الجمع بين قضيتين في نفس الوقت، وهما صفقة المعادن وصفقة السلام، لم يكن قرارًا صائبًا.
وأضاف «سنجر»، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز»، أن صفقة المعادن تُعد قضية منفصلة تمامًا، مشيرًا إلى أن ترامب انتقد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بسبب دعمه لزيلينسكي بمبلغ 3 ملايين دولار.
ولفت إلى أن التداخل بين صفقة المعادن وغياب أي ضمانات لأوكرانيا وضع زيلينسكي في موقف صعب، لا سيما في ظل التصويت الذي شهدته الأمم المتحدة بشأن روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وأشار إلى أن زيلينسكي كان أحد أطراف الحرب التي ألحقت الضرر ببلاده، وكان يشعر بأن الولايات المتحدة قد دفعت أوكرانيا نحو هذا الصراع، فضلًا عن أن الخلاف في وجهات النظر بين زيلينسكي وترامب ظهر بوضوح خلال اللقاء، واتضح من خلال لغة الجسد.