شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دُوَيْك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق بن أبي الركائب السعدي، الملاح والعالم بعلوم البحار الذي يقول عن نسبته إلى سعد بن قيس عيلان:
فَخُذ حِكَما مِنْ مَاجِدِ ابن مَاجدِ يَؤولُ إلى سَعدِ بن قَيًسِ بن عِيلانِ
ويذكر في حاوية الاختصار افتخارا بنسبه قائلا:
أَحْمَدُ بن مَاجِدٍ الشِهابُ العَرَبِيُّ المَعَقَليُّ الشِّهِابُ
ولد أحمد بن ماجد السعدي في مدينة جُلفار، لا يعرف على وجه الدقة تاريخ ولادة أحمد بن ماجد ولكن يرجح أن ولادته كانت في عام 840هـ/ 1456م.
تعلم ابن ماجد في جلفار القراءة والحساب، وحفظ القرآن الكريم، والشعر العربي والفارسي. وحين بلغ سن السابعة عشرة شارك والده في قيادة السفن والسفر عبر موانئ المحيط الهندي، وكان أحمد بن ماجد يستغل وقت فراغه في قراءة الكتب الملاحية كمؤلفات والده ماجد بن محمد السعدي كالأرجوزة الحجازية، وهي منظومة تزيد عن الألف بيت كتبها والده في وصف موانئ وجزر ومدن البحر الأحمر. كما قرأ مؤلفات محمد بن شاذان وسهل بن أبان والليث بن كهلان. ودرس كتاب إسماعيل بن حسن بن سهل بن أبان وكتاب جامع المبادئ والآيات في علم الميقات لأبي علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، ودرس كتب ابن سعيد المغربي، وعبد العزيز بن أحمد المغربي، وابن أبي الفضل
ويذكر في أرجوزته حاوية الاختصار واصفا التعليم الذي تلقاه، ومثابرته في تحصيله، فيقول:
وَكَمْ نَظَرْتُ في الحِسابِ العَربيِ وحسبةِ الهِنديُ مُنذُ كُنتُ صَبِيِّ
كان لوالده ماجد بن محمد السعدي دور كبير في تأسيسه العلمي، فهو معلمه الأول والناصح والموجه له، ومن أرسله ليتعلم على يد مجموعه من شيوخ العلم في زمانه، ومن بينهم الشيخ ابن هيثم. ويقول ابن ماجد ناظما في أرجوزته الحاوية مادحا دور والده ومعلميه الذين كانوا يشجعونه ويعززونه باستمرار على مواصلة تفوقه ونبوغه:
أَلا لَيَّتَ شِعْرِي هل تَرَاهُ شُيُوخُنَا فَتَحْمُدُهُ أو وَالدِي وابنُ هيثَمِ
كتب ابن ماجد 46 مؤلفًا متنوع بين أرجوزة ونثر. وكانت كتاباته بالشعر هي الأكثر عددًا من النثر؛ وذلك لسهولة حفظ المعلومة المكتوبة شعرًا، حيث كان الناس في تلك الفترة شديدي التعلق بالشعر وسريعي الحفظ له.
ويعد ابن ماجد من رواد الشعر الملاحي، حيث كتب ما يقرب من 4603 أبيات في الشعر الملاحي موزعة على 24 أرجوزة وقصيدة. وتعد أرجوزة حاوية الاختصار في أصول علم البحار أطول قصائد ابن ماجد حيث تضم 1082 بيتًا.
لم يقف تجديد ابن ماجد في مجال تدوين علم الملاحة وتطوير التأليف فيه، بل طور الأجهزة المستخدمة في الملاحة البحرية، مثل آلة الكمال فسميت بخشبات ابن ماجد وهي عبارة عن أداة تتكون من أربع قطع خشبية، وكان الكمال قبل ابن ماجد عبارة عن قطعة خشبية واحدة، فطورها وجعلها أربع خشبات على شكل متوازي مستطيلات في وسطها ثقب يمر من خلاله حبل تم تقسيمه إلى أقسام مختلفة، ساعدت التحسينات التي أدخلها ابن ماجد على آلة الكمال في دقة تحديد موقع السفينة بالنسبة لخطوط العرض باستخدام النجم القطبي، كما طور البوصلة البحرية، حيث جعل إبرة المغناطيس حرة سهلة الحركة، وثبتها بالقرب من مقود السفينة ليتنسى لقائد السفينة تحديد الاتجاه بشكل دقيق.
ومن إنجازاته في مجال الملاحة البحرية دراسته لحركة الرياح الموسمية، وتحديد مواعيد هبوبها وتحديد اتجاهاتها بدقة وسجل جميع ملاحظته عن الرياح الموسمية في مصنفاته حتى يستفيد منها من يأتي بعده، كما حدد ابن ماجد علامات لكل ميناء هذه العلامات عبارة عن معلم جغرافي أو معلم فلكي كموقعه بالنسبة للنجوم، ويستدل ربان السفينة بهذا المعلم لتحديد وصوله للميناء المنشود.
وحدد علامات معينة في البحر تنبأ الربان بعمق المياه، وأشار إلى ضرورة الانتباه إلى أن الكائنات الفسفورية في البحر تعطي قراءة خاطئة لقياس النجوم، لذا شرح كيفية أخذ القياس مع وجود هذه الكائنات. ويعد ابن ماجد من أوائل من تناول بالشرح مفهومي المياه الإقليمية والمياه الدولية، على الرغم من أن هذين المصطلحين لم يكونا موجودين كمصطلحين خلال القرن الخامس عشر الميلادي، حيث قال شارحًا مفهومي المياه الدولية والمياه الإقليمية: "ولكن البحر ليس هو بحر أحد من هؤلاء الطوائف، فإنك إذا غيبت البر عن نظرك ما عندك إلا معرفتك بالنجوم والهداية بها، أي إنك تصبح في البحر الطليق، ولا يحكم مسارك سوى الملاحة الفلكية". وتدل هذه العبارة التي كتبها في كتابه الفوائد في أصول علم البحر والقواعد أن المياه الاقليمية في تعريفه لها تمتد إلى الحد الذي يغيب فيه الساحل عن بصر ربان السفينة، وأن المياه الدولية ليست ملكًا لأحد من الأجناس من البشر وإنما ملك للجميع يبحرون فيها وفق قواعد الملاحة الفلكية.
طور ابن ماجد مهاراته الملاحية من خلال التحدث بأكثر من لغة فحرص على التحدث باللغات الأكثر انتشارًا في موانئ المحيط الهندي في ذلك الوقت، فتعلم السواحلية والهندية والفارسية. فكان يرى أن تعلم هذه اللغات ضرورة لابد منها؛ للتفاهم والتحاور مع جميع تجار وعلماء المحيط الهندي.
حرص أحمد بن ماجد السعدي أن تكون له بصمة مهمة في مجال التأليف وتقديم الجديد في علم الملاحة البحرية، وأشار ابن ماجد في مؤلفاته إلى رغبته في التفوق على نفسه على والديه، فكتب قائلا: "كان جدي محققًا في علم البحر مدققًا، وزاد عليه الوالد بالتجريب والتكرار، وفاق علمه على أبيه، فلما جاء زماننا هذا وكررنا قريبًا من أربعين سنة حررنًا وقدرنا علم الرجلين النادرين، وأرخناه، وفهمنا جميع ما جربوه". وكتب عن والده قائلا: "وكان الوالد عليه الرحمة والغفران، تسميه الربابين ربان البرين، ونظم الأرجوزة الحجازية، فوق ألف بيت". وكانت أولى محاولات أحمد بن ماجد في الكتابة كتابة قصيدة شعرية من 1084 بيتا، عارض فيها قصيدة والده الحجازية، وزاد عليها وصحح ما وقع فيها والده من أخطاء.
كان ابن ماجد محل ثقة الحجاج، وجاءت ثقتهم به نظير خبرته الطويلة في الإبحار في بحار العرب والبحر الأحمر على وجه الخصوص، الذي يعد من أصعب الأماكن في الإبحار؛ نظرًا لكثرة الشعب المرجانية فيه والتي تشكل خطرًا كبيرًا على السفن التي تمخر بين جنباته، وطريق البحر الأحمر طريق الملاحة العالمية، تعبره العديد من السفن بشكل يومي تحمل على متنها تجارة الصين والهند وشرق إفريقيا إلى مدن وموانئ البحر المتوسط، كما يعبره حجاج بيت الله الحرام والراغبين في الصلاة في البيت المقدس. كان حجاج بيت الله الحرام يسافرون مع أحمد بن ماجد مطمئنين إلى خبرته ومهارته الملاحية، فلقبه الحجاج بناظم القبلتين مكة وبيت المقدس، وحاج الحرمين الشريفين، وكان ابن ماجد شديد الفخر بهذاين اللقبين وكان يذكرهما في كتبه وأراجيزه.
رحل ابن ماجد عن دنيانا ليترك لنا تركة غنية بالعلم والمعرفة والتجديد في علم الملاحة البحرية، وكانت وفاته بعد عام 906هـ / 1501م، ولا يعرف على وجه الدقة تاريخ وفاته، ولكن من المؤكد أنها كانت بعد هذا التاريخ، حيث كان هذا التاريخ آخر تاريخ كتب فيه ابن ماجد قصيدته السفالية.
لم ينس بحارة المحيط الهندي فظل ابن ماجد بينهم فكانوا يترحمون عليه، ويقرأون الفاتحة على روحه الطاهرة، خلال القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر قبل إقلاع سفنهم ترحمًا على روحه وعرفانا بصنيع جميله وتقديرًا لإسهاماته الجليلة. كما وصفوه بأكثر من لقب مثل: السائح، وأسد البحر، وأمير البحر، والشهاب، ومعلم بحر الهند، وأمير البحار، وشهاب الدين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الملاحة البحریة المحیط الهندی أحمد بن ماجد بن ماجد فی ابن ماجد د ابن م فی علم
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. أسير محرر يصدمه خبر استشهاد والده وأفراد من عائلته
لم تكتمل فرحة الكثير من الأسرى بعد خروجهم من سجون الاحتلال ضمن الدفعة السابعة لصفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، إذ صدم بعضهم بأخبار استشهاد أقارب لهم خلال فترة اعتقالهم.
ونشرت منصات فلسطينية مقطعا مصورا يظهر رد فعل أحد الأسرى المحررين بعيد تلقيه نبأ استشهاد والده وعدد من أفراد عائلته خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
"والدي وأخوتي استــشهدوا، والآن عرفت"..
لحظة تلقي أسير محرر لنبأ استشــهاد والده وعدد من أفراد عائلته بعد تحريره بصفقة التبادل ووصوله إلى قطاع غزة. pic.twitter.com/f6wOZPRQ0n
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 27, 2025
كما أظهر مقطع مصور أسيرا آخر محررا من غزة بعيد تلقيه نبأ استشهاد أحد أقاربه.
#شاهد .. أحد الأسـ.ـرى المحررين في غزة يفجع باستـ.ـشهاد أحد أقاربه فور تحرره اليوم، ويواسيه رفيق دربه في الأسـ.ـر قائلاً: "والله هيني ما بعرف شيء عن أمي ولا عن عيلتي… بعين الله، إحنا ما صدقنا نروح!" pic.twitter.com/REPXiXe66d
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) February 28, 2025
وأعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أمس الخميس، عن صدمته البالغة إزاء الحالة الصحية والنفسية المروعة التي ظهر بها الأسرى الفلسطينيون المحررون ضمن الدفعة السابعة.
إعلانوقال المرصد -في بيان- إن آثار التعذيب بدت واضحة على الأجساد الهزيلة للأسرى المحررين، مما يعكس حجم الجرائم الممنهجة والمعاملة غير الإنسانية التي تعرضوا لها داخل السجون الإسرائيلية.
"الأوضاع سيئة جداً في سجن عوفر"..
الأسير المحرر محمود السقا من قطاع غزة، يتحدث عن تجربته الاعتقالية وأوضاع سجون الاحتلال pic.twitter.com/vxln4fzwlQ
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 27, 2025
وأكد المرصد وجود معلومات موثوقة تفيد بمقتل عشرات الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية.
وأشار إلى أن إسرائيل تواصل إخفاء أيّ بيانات تتعلق بهم وتمارس جريمة الإخفاء القسري بحق مئات الأسرى والمعتقلين، حيث تمتنع عن كشف مصيرهم أو أوضاعهم الصحية.
وطالب المرصد بالضغط الدولي على إسرائيل لوقف جميع أشكال الاعتقال التعسفي، داعيا الدول المعنية إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون.