تستهدف المعايشة التربوية، صَقْل خبرات التعلم بصورة وظيفيّة، لدى المتعلمين، والعمل على ربْطها بالواقع المُعاَش؛ كي يتسنّى للمتعلم أن يستشعر قيمة ما يكتسبه من خبرات معرفيّة، ومهاريّة، ووجدانيّة، وهنا نتحدث بصورة مُركّزة على فلْسفة التكامل في بناء الإنسان، والذي لا يتأتى بعيدًا عن التخطيط لبعض البرامج المقصودة التي تُسْهم في تحقيق المُراد؛ لذا من ينادِي بالمُعايشة التربوية سواءً في البيئة التعليمية، أم ساحات المؤسسات الرسميّة، أم خارج هذا الإطار، فإنه يرى أنها فرصةٌ سانحةٌ؛ لبناء سليم يخرجنا من بوْتقة التقليدية، وزخَم اعتياد بعض الممارسات، والأداءات بعينها.

والمعايشة التربوية يلْزمها تجهيزات تحقق أمرين مُهمّيْن، أولهما ينْبري حول توافر البيئة الآمنة، وثانيهما يقوم على الدَّعم اللُّوجسْتي اللازم؛ لتنفيذ مهام الأنشطة، التي يؤديها المتعلمون داخل إطار المعايشة، وفق جدولها الزمنيّ، وتعليماتها المُحددَّة، وتحت إشرافٍ، وتوجيه من المعلم، أو ممن يقوم بإدارة بيئة المعايشة التربوية؛ ومن ثم نضْمنُ توافر المُعْطيات الرئيسة، التي من شأنها أن تساعد في إنْجاح المُعاَيشَة.

وثَمّتْ وجهة نظر، يتوجب طرْحُها بشأن المُعاَيشَة التربوية، تكْمن في تعميم المسْئولية تجاه تحقيق غاياتها المنْشُودة؛ ومن ثم يجب أن تشارك كافة مؤسسات الدولة، في توفير الدعم اللازم، بما يضمن نجاح مسْتهدفات المُعاَيشَة التعليمية؛ لذا فإن إتاحة ساحات الملاعب، والأنْدية، أو المصانع، أو المراكز البحثيّة، أو الفنادق السياحيّة القريبة من المحميّات، والمناطق الأثريّة، والبحريّة، أو غير ذلك من مقدّرات المؤسسات الرسميّة بالدولة بصورة منظمة، وتحت إشراف مؤسسيّ، يُثْري بيئات المُعاَيشَة التربويّة؛ ومن ثم نتوقع نتائجَ مُبْهِرة، جرّاءَ هذا التعاون الإيجابيّ في صورته الشُّموليّة.

لنا أن نتصوّر الفوائدَ التي تتمخَّضُ عن مُعاَيشَة المتعلم، عبْر الزّيارات إلى أماكن التصنيع، ورؤْية العين لمسارات العمل، والإنتاج، وما يحدث أثرًا لزيارة ما نمتلكه من متاحفَ، ومواقع أثريّة، في شتّى ربوع الوطن، وما يعزز لديه من شغف العلم جرّاءَ زيارة المُخْتبرات، والمعامل الكبرى، التي تجري بها البحوث، والتجارب، وما يكتسبه من مهارات حيال ملاحظة مباشرة لأداء المهن، والحِرَف، في بيئاتها المختلفة، وما يقع في نفْسه، أثناء تواجده في خِضَمّ مشروعات قوميّة، يشاهد خلالها نتاجًا، وعملًا مستمرًا، وصورة مُبْهرةً لمشهد الإعْمار، وفق مخططاته الاسْتراتيجيّة، إلى غير ذلك من صور المُعاَيشَة ، التي يصعب حصْرها.

إذا ما أردنا أن نُعزز ماهية ما نسميه (اتيكيت) التعامل؛ فلا أفضلَ من المُعاَيشَة التربويّة التي تغْرِسُ في ذهن المتعلم قيم التَّعامل الرّاقي، وتحثَّه على الالتزام بالوقت، وتقدير أهميّته، وقيمته، وهنا نحصد سلوكًا مُنْضبطًا، يتماشى مع ما تم التوافق عليه من قواعدَ يتم الإعلان عنها قبل البِدء في فعاليات المُعاَيشَة، ومسارات العمل في أنْشطتها؛ فرُغْم كثافة الأعداد في بعض الأحيْان؛ إلا أن الاصْطِفاف السّريع، وسُرْعة الاستجابة، والعمل بالقواعد، وتنفيذ التعليمات تقضي على العشوائيّة، والتخبط، ولا تدعُ مجالًا للفوضى، أو الارتباك في المشهد العام.

إنّ تكامل البناء يكمن في تعْضيد فلسفة الاعتماد على النفس، من قِبلِ كل متعلم داخل إطار المُعاَيشَة التربويّة، وهذا لا ينْفكُّ عن مراعاة شعور الآخرين، والاتّزان الانْفعالي، وكَبْح الممارسات التي تضِيرُ بالغير، وتُحْدثُ نوعًا من زعْزعة الاستقرار داخل المجموعات، أو بينها، وهنا يتبادر إلى الذهن ضرورةُ تدريب المتعلمين على التّواصل الكليّ، مع معلمهم أثناء المُعاَيشَة التربويّة؛ فما أرْقى استيعاب لُغَة الجسد! كلغةٍ للتواصل؛ فيشعر الفرد ما تُبْديه النّظرات، وما تُعْنيه الإشاراتُ، وما تحمله ثنايا تعبير الوجه من انفعالات تحمل القبول، أو الرفض للممارسات، وهذا لا يعني أننا بصدد تجاهل التّواصل اللفظيّ؛ لكن نرغب في المزيد من ترْقية الوِجْدان عبر الإحساس في صورته الحميدة.

إنّ ما تقوم به مُؤسْسَتُنَا التربويّة، داخل أسْوارها، من مهام، تُعد عظيمةً في مجملها، وما تستهدفه المُعاَيشَة التربوية، خارج، أو داخل الأسْوار من قُبيل التكامل، في إحداث بناء إنسانٍ قادرٍ على العطاء، مُعْتمدًا على ذاته، لديه ثِقةٌ في قدراته، لا يعوُقُه الخطأُ، بل يتعلّمُ منه، وينْطلقُ بقوة نحو اكتساب المزيد من الخبرات، والتعمق في خلَجَاتِها، ولا تعوُزُه نُدْرةُ المُقوّماتُ؛ لكن يسعى دومًا إلى حل ما يواجه من مُشْكلاتٍ؛ ومن ثم يتغلبُ على صور التحدّيات الآنيةِ منها، والمُسْتقبليّة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التربية الإتيكيت التنشئة المزيد ة التربویة التی ت ومن ثم

إقرأ أيضاً:

محمد عثمان عوض الله يكتب: أخبار سارة من السودان

شهد السودان خلال عامي 2024 و2025 تطورات ملحوظة في عدة مجالات، من الاقتصاد إلى الرياضة، والسياسة، والعسكر، وحتى في مجالات العلم والمجتمع. هذه الأخبار السارة تعكس قوة الشعب السوداني وإرادته في تجاوز التحديات الكبيرة و المحن، وتأكيد عزيمته ومقدرته في تحقيق الازدهار رغم ظروف الحرب القاهرة.

تمكن السودانيون من تحقيق هذه الإنجازات رغم الظروف الصعبة التي عاشوها، بما في ذلك الحرب والجرائم الكبيرة التي تعرضوا لها، والغزو الخارجي المدعوم من قوى عالمية. ومع ذلك، استطاع الشعب السوداني بكل فئاته التغلب على هذه التحديات، ليحقق نجاحات باهرة. إليكم أبرز الأخبار السارة من السودان في هذا العام:

*القطاع الاقتصادي:*
إنتاج الذهب:
في مجال الاقتصاد، حقق السودان تقدمًا كبيرًا في قطاع التعدين. فقد ارتفع إنتاج الذهب إلى 64 طنا، مما ساهم في زيادة إيرادات العملة الصعبة. العائدات من الذهب بلغت أكثر من 3.5 مليار دولار، ما يعزز قدرة البلاد على دعم الاقتصاد الوطني وتخفيف الضغوط المالية.

إنتاج الذرة:
بلغ إنتاج السودان من الذرة 6.5 مليون طن، مما يمثل فائضًا يزيد عن 62% من احتياجات الاستهلاك المحلي التي تقدر بنحو 2.5 مليون طن. هذا الفائض يعكس قدرة السودان على تلبية جزء كبير من احتياجاته الغذائية، ويُسهم في تأمين الأمن الغذائي للبلاد. حتى منظمات الامم المتحدة التي كانت تصدر البيانات الكاذبة باحتمالية حدوث مجاعة في السودان، الان جاءت وطلبت من السودان أن يبيع اليها الفائض من انتاجه في الذرة.

إنتاج القمح:
رغم النجاحات الكبيرة في إنتاج الحبوب الأخرى، فإن السودان لا يزال يعاني من عجز بنسبة 60% في إنتاج القمح، الذي بلغ الانتاج فيه نصف مليون طن فقط. هذا العجز يعتمد السودان فيه على الاستيراد لتلبية احتياجاته السنوية من القمح.

*القطاع الرياضي:*
على الصعيد الرياضي، شهد المنتخب السوداني لكرة القدم موسمًا استثنائيًا في عامي 2024 و2025، حيث لعب 9 مباريات دولية. تمكّن الفريق من تحقيق 7 انتصارات وتعادل في 2، بينما خسر مباراة واحدة. وقد نجح المنتخب في الصعود في كل التصفيات التي خاضها، وترأس المجموعات التي لعب فيها، مما يعكس تطور المستوى الفني للمنتخب السوداني في الساحة الدولية.

*القطاع العسكري والسياسي:*
الإنجاز الأكبر للسودان خلال هذه الفترة كان على الصعيدين العسكري والسياسي. ففي ظل الأزمات والتحديات التي مرت بها البلاد، نجح الجيش السوداني، المدعوم بالآلاف من المستنفرين، في تحقيق انتصارات استراتيجية هامة. تمكن الجيش السوداني من توحيد الشعب حول رؤية وطنية واحدة، والتصدي بشكل قوي للغزو الأجنبي الذي كان مدعومًا من أكبر الاقتصادات العالمية واللوبيات الدولية.

وقد نجح الجيش السوداني في:
تحرير ثلاث ولايات بالكامل، بالإضافة إلى تحرير بعض ولايات كردفان ودارفور بشكل جزئي.
حصار دولة الإمارات في مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية.
تنفيذ اتفاق جدة مع المليشيا بالقوة الجبرية، وطرد قواتها من مناطق المدنيين.
تمزيق كرت النزوح الذي كان يُستخدم كأداة ضغط على السودان حكومة وشعبًا، وأدى إلى طرد العملاء من القوى السياسية الموالية مثل قحت/تقدم/صمود.

*على الصعيد الاجتماعي:*
حققت البلاد تقدمًا كبيرًا في تعزيز الوعي الوطني. تمكّن الشعب السوداني من تحقيق وعي غير مسبوق تجاه السيادة الوطنية وشرعية مؤسسات الدولة. كما أظهر الشعب السوداني ترابطًا اجتماعيًا قويًا، حيث استطاع أن يعيش ظروف النزوح دون الحاجة إلى معسكرات، بل عبر التكافل الاجتماعي بين أبناء السودانيين في الداخل والخارج. هذا وقد شكلت البيانات التي تصدرها الإدارات الأهلية والكيانات المجتمعية ركيزة مهمة في تماسك وجدان هذه الامة و حفظ هويتها و اخلاقها.

*القطاع العلمي:*
شهد السودان أيضًا إنجازات هامة على الصعيد العلمي. فقد فاز عدد من السودانيين بجوائز مرموقة في مسابقات علمية عالمية في مجالات متعددة مثل البحث العلمي، العمل الصحافي، الإعلام التلفزيوني، حقوق الإنسان وغيرها. كما تقلد بعضهم مناصب رفيعة في المؤسسات الدولية والإقليمية، مما يعكس التطور الذي يشهده القطاع العلمي في السودان وقدرة السودانيين على التفوق في مختلف المجالات على الساحة العالمية.

*الخاتمة:*
تُعد هذه الأخبار السارة بمثابة دليل على قدرة المجتمع السوداني على التغلب على التحديات الكبيرة التي واجهها، ومنها الحرب والغزو الخارجي، من خلال الوحدة الوطنية والإصرار على تحقيق النجاح. يواصل الشعب السوداني بكل مكوناته، من مواطنين، حكومات، ومؤسسات، البناء نحو مستقبل أفضل، حيث يتطلع الجميع إلى المزيد من النجاح والازدهار في الأعوام القادمة التي تشهد اكتمال عودة النازحين، اكتمال عودة دورة الحياة و دورة الخدمات و دورة الاقتصاد الى عملها، كما تشهد اعادة الأعمار وفق خطط و افق و أفكار جديدة.

محمد عثمان عوض الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السيد الرئيس أحمد الشرع في كلمة بمناسبة عيد الفطر المبارك بقصر الشعب: سوريا يكتب لها تاريخ جديد وأمامنا طريق طويل وشاق، وكل مقومات البناء نملكها على كل المستويات، وما يتطلب منا ان نعمل ولا نختلف.
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: قيمنا المجتمعية تعزز الأمن القومي المصري
  • مسلسل نص الشعب اسمه محمد الحلقة الأخيرة.. «درس قاسي لـ عصام عمر»
  • من داخل سجن سيليفرى.. عمدة إسطنبول المسجون يكتب: تركيا تنزلق نحو الاستبداد
  • محمد حامد جمعة يكتب: هزيمة كاملة
  • محمد عثمان عوض الله يكتب: أخبار سارة من السودان
  • مي عمر تتصدر جوجل و المنصات بمسلسل إش إش
  • لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!
  • موعد عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل نص الشعب اسمه محمدذ
  • القوى التي حررت الخرطوم- داخل معادلة الهندسة السياسية أم خارج المشهد القادم؟