كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
لن يكون بمقدور العالم أن يتأكد من جهل دونالد ترمب بمبادئ العلاقات الدولية بصورة واضحة ومفضوحة أكثر مما شهده في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زلنسكي الجمعة 28 فبراير 2025م. فالأخير كان يتمتع بموقع الحليف غير الرسمي المحمِي من الإدارة الأمريكية السابقة - إدارة بايدن - نسبة لموقع أوكرانيا الجغرافي على الجبهة الشرقية من حلف شمال الأطلسي NATO.
والثاني: الردع الفوري Immediate Deterrence ولكل معناه ومدلوله.
غير أن ترمب ونسبة لجهله المطبق بهذه المعارف قد إتخذ منحى آخر في توجيه هذه السياسة بناءاً على رؤيته الخاصة بحسب ما يعتبره صداقاته أو علاقاته الشخصية. أو وَفق ما يمكن أن يحرزه من مكاسب مالية من هذا الموقف أو ذاك.
فقد تابع العالم اللقاء العاصف و النادر من نوعه الذي جرى بين الرئيس زلنسكي والرئيس الأمريكي ونائبه في المكتب البيضاوي... فبرغم أن موقف الرئيس الأوكراني زلنسكي يمكن النظر إليه بإعتباره الأضعف نوعاً ما بمنطق كروت اللعب التي أشار لها ترمب عندما قال لزلنسكي (ليس لديك كروت) في الحوار إلا أنه عبّر وبكل أنفة عن كبرياء أمة مهيضة الجناح تدفع أثماناً غاليةً ضد توجهات وأحلام إمبراطورية ما فتئت تراود الدُب الروسي.. فبرغم أن ترمب كان محقاً في أن زلنسكي لا يملك أوراقاً كثيرة في الحرب (إذا تخلت عنه أمريكا)، إلا أنه يملك إرادة عدم توقيع سلام بلا ضمانات أمنية واضحة من أمريكا ... وهذا ما عبّر عنه بكل وضوح عندما قال (أريد ضمانات أمنية لتوقيع السلام).. وهذه الضمانات بيد ترمب الذي رفض رفضاً قاطعاً أن يتطرق إليها نسبة لأنه يسعى لكي لا يهدر موارد بلده المالية والعسكرية والبشرية. في الوقت الذي يريد أن يبني السلام بالشوكة peace by force ويفرض على أوكرانيا في الوقت نفسه صفقة تمكنه من الموارد المعدنية النادرة والحيوية لأمريكا.
مهما يكن من أمر، وفي التقدير العام وبرغم أن زلنسكي خرج شبه مطروداً من المكتب البيضاوي، إلا أنه خرج بشموخ وحرم ترمب من أحد أهم أمنياته الخاصة بأن يكون أحد عظماء أمريكا التاريخيين الذين تزدان بصورهم جدر المكتب الفخيم كصانع سلام كوني ... إن التوقيع على سلام بلا ضمانات أمنية حقيقية من صانع السلام لا يمكن إستدامته... فبغض النظر عما يبدو من ضعف موقف زلنسكي في هذا الصراع الدولي، فإنه بالمقابل يشعر بأنه يحمي الجبهة الشرقية لأروبا، وقد كان محقاً في أن أمريكا ستشعر بالخطر الروسي وهي على الضفة الأخرى من المحيط الأطلنتي (وهذا التعبير أثار حفيظة ترمب)، وهذه حقيقة يدركها كل من له علاقة بعلم العلاقات الدولية.. فبُعد أمريكا الجغرافي لا يجعلها بعيدة من دائرة التأثر بمجريات ما يحدث في أوكرانيا. والدليل على ذلك الدعم السخي الذي ظلت تقدمه واشنطن لكييف. والذي لم يكن فائض خير منها وإنما كان ضمن تقديرات سياسة ردع الطموحات الروسية. وواحدية المصير في حلف شمال الأطلسي الذي لم يستطع ترمب أن يتخلى عنه، كما لم يؤكد الرغبة في البقاء كجزء منه.
من الواضح أن ترمب لا يفهم مكينزمات العلاقات الدولية، فهو فقط يريد من زلنسكي توقيع سلام والسلام. في الحين الذي لا يريد فيه أن يدفع لا ثمن السلام ولا يريد لأوار الحرب المستعر أن يستمر.
هنالك حقيقة لا مِراء فيها، وهي أن أوربا وحلف شمال الأطلسي تتبنى سياسة الردع الممتد Extended deterrence وهي سياسة معروفة في حقل العلاقات الدولية والتي بموجبها يتم التأكيد على أن من يُمارسها قادر على إقناع الخصم في هذه الحالة روسيا - بأنه مستعد لتحمّل كافة التكاليف العسكرية والسياسية للدفاع عن حليف. وهذا ما فعله عملياً حلف الناتو مع إدارة بايدن منذ إندلاع الحرب في 2021م. فبالنسبة لأروبا قد أضحت سياسة مستقرة وثابتة وهي إن لم تقم بها ستجد نفسها مضطرة لأن تقوم بنوع آخر من الردع هو ما يُسميه عالِم العلاقات الدولية باول هيث Pual Huth بالردع المباشر Direct deterrence أي التصدي لروسيا بوتن بالمواجهة المباشرة وهذا بالضبط ما تخشاه أوربا.
والغريب في الأمر أن ترمب قال (لزلنسكي أنك تغامر بحرب عالمية ثالثة). والحقيقة أن ترمب بطريقة إدارته للشؤون الدولية بهذه العقلية التجارية هو من يغامر بالحرب الثالثة، فزلنسكي في حالة دفاع عن النفس، وأوربا لم تعلن التخلي عنه، بل إن مصالحها المباشرة باتت مرتبطة بمستويات صموده في الحرب.
إن ما يمكن ملاحظته إجمالاً من بؤس سياسة ترمب، أنه يريد من زلنسكي أن يوقع إتفاق سلام دون أن يقدم له الضمانات الكافية.. بل إن ترمب لا يريد أن يكون لدولته دور بعد توقيع السلام، ويضغط على أوربا أن تكون هي الحامي للسلام. كل ذلك بناءاً على علاقة خاصة تربطه بالرئيس الروسي بوتن ظل يردد فيها القول تلميحاً أنه إذا كان موجود في السلطة عند إندلاع الحرب لما قامت، كأنما العلاقات الدولية تُدار بمنطق الصداقات الشخصية وليست المصالح القومية.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العلاقات الدولیة أن ترمب
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء المجر: عودة ترامب إلى البيت الأبيض تسهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا
أشاد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معربًا عن اعتقاده بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تسهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأشار أوربان إلى أن ترامب سيتخلى عن دعم الحرب، مؤكدًا أن الأمريكيين لن يشجعوا على استمرارها.
وتأتي هذه التصريحات في سياق العلاقات الوثيقة بين أوربان وترامب، حيث يتشارك الزعيمان في توجهات سياسية وفكرية متشابهة.
ويُذكر أن أوربان كان قد وصف ترامب سابقًا بأنه "إعصار" في السياسة العالمية، معربًا عن تفاؤله بأن رئاسة ترامب ستساعد في تحقيق الاستقرار والسلام.
وخلال لقائهما في البيت الابيض، اتهم ترامب زيلينسكي بعدم إظهار الاحترام الكافي للولايات المتحدة خلال الاجتماع. وبحسب تقارير إعلامية، قال ترامب لزيلينسكي بلهجة حادة: "أنت تقامر باندلاع حرب عالمية ثالثة... لا تخبرنا بما يجب أن نفعله... أنت ضعيف بلا الولايات المتحدة".
وفي أعقاب هذه المشادة، غادر زيلينسكي البيت الأبيض قبل الموعد المخطط له، وتم إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك الذي كان مقررًا عقب الاجتماع.
تجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء كان يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة التعاون في مجالات عدة، بما في ذلك اتفاقية محتملة للتعاون في مجال المعادن النادرة. ومع ذلك، وبسبب التوترات التي شهدها الاجتماع، لم يتم التوقيع على الاتفاقية كما كان مخططًا.
هذا التطور يعكس التحديات التي تواجه العلاقات الأمريكية الأوكرانية في ظل التوترات الإقليمية والدولية الراهنة، ويثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.