إن تقارب الهند المتزايد مع الولايات المتحدة له تداعيات كبيرة على علاقتها مع الصين، مما يشكل المشهد الجيوسياسي لآسيا وخارجها. مع تعزيز نيودلهي لعلاقاتها مع واشنطن، تنشأ مخاوف بشأن احتمال تصاعد التوترات مع بكين. وتتأثر هذه الديناميكية بعوامل مختلفة، بما في ذلك التعاون العسكري والاستراتيجيات الاقتصادية والاعتبارات الأمنية الإقليمية.



التعاون العسكري والاصطفافات الاستراتيجية

يعد التعاون العسكري العميق بين الهند والولايات المتحدة عنصرا أساسيا في شراكتهما المزدهرة. ويشمل ذلك التدريبات العسكرية المشتركة، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو ما يعزز قدرات الهند على مواجهة النزعة العدوانية الصينية في المنطقة. ووضعت الولايات المتحدة نفسها كشريك موثوق به للهند، خاصة في أوقات الأزمات، كما يتضح من التوترات الحدودية الأخيرة مع الصين. وقد عزز هذا الدعم ثقة الهند في مواجهة العدوان الصيني، مما أدى إلى موقف أكثر حزما على طول خط السيطرة الفعلية (LAC).

ومع ذلك، فإن هذا التحالف العسكري يثير أيضا رد فعل قوي من الصين.وتنظر بكين إلى الشراكة بين الولايات المتحدة والهند على أنها تهديد مباشر لنفوذها الإقليمي ومصالحها الأمنية. وأعرب محللون صينيون عن مخاوفهم من أن القدرات العسكرية المتزايدة للهند، بدعم من الولايات المتحدة، قد تؤدي إلى تطويق استراتيجي للصين. وبالتالي، قد ترد الصين بتعزيز وجودها العسكري على طول حدودها مع الهند وزيادة دعمها لباكستان، وهو ما من شأنه أن يزيد من تعقيد ديناميكيات الأمن في جنوب آسيا.

التداعيات الاقتصادية

من الناحية الاقتصادية، يقدم تحالف الهند مع الولايات المتحدة فرصا وتحديات في علاقتها مع الصين. وتسعى الولايات المتحدة إلى تنويع سلاسل التوريد بعيدا عن الصين، ويتم وضع الهند كمركز تصنيع بديل محتمل. ومن الممكن أن يعود هذا التحول بالنفع على الاقتصاد الهندي من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص العمل. ومع ذلك، فإنه يخاطر أيضا بتفاقم التوترات مع الصين، التي قد تنظر إلى هذه التطورات على أنها محاولة لتقويض مكانتها الاقتصادية.

واستفادت الصين تاريخيا من نفوذها الاقتصادي في جنوب آسيا من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي عززت علاقاتها مع الدول المجاورة. ونظرا لأن الهند تتماشى بشكل أوثق مع الولايات المتحدة، فقد تجد نفسها على خلاف مع هذه المبادرات التي تقودها الصين، مما يؤدي إلى مزيد من المنافسة الاقتصادية بين البلدين.

ديناميكيات التكنولوجيا وسلسلة التوريد

تؤكد الشراكة الأميركية-الهندية على التعاون التكنولوجي، لا سيما في قطاعات مثل الدفاع والأمن السيبراني. وبينما تسعى الهند إلى جذب الاستثمارات الأمريكية في قطاعات التكنولوجيا مثل أشباه الموصلات، فإنها تواجه تحدي التنافس ضد سلاسل التوريد الراسخة في الصين. وإن إمكانية التعاون بين الولايات المتحدة والهند في التقنيات الحيوية قد تعزز موقف، الهند ولكنها قد تؤدي أيضا إلى زيادة المنافسة مع الصين في الأسواق العالمية. ومن المرجح أن ترد بكين من خلال تعزيز قدراتها التكنولوجية والسعي إلى إقامة شراكات بديلة.

دور الجهات الفاعلة العالمية

إن الديناميكية المتطورة بين الهند والولايات المتحدة والصين ليست معزولة؛ فهي تؤثر على جهات فاعلة عالمية أخرى أيضا. على سبيل المثال، حافظت روسيا تاريخيا على علاقات قوية مع كل من الهند والصين. ونظرا لأن الهند تتماشى بشكل أوثق مع الولايات المتحدة، فقد تسعى موسكو إلى الاستفادة من علاقاتها للحفاظ على نفوذها في جنوب آسيا، بينما تحصل أيضا على فوائد من النمو الاقتصادي للصين. وهذه العلاقة الثلاثية تعقد حسابات الهند الاستراتيجية وهي تتنقل في شراكاتها مع مراعاة مصالح روسيا.

ديناميات الأمن الإقليمي

إن التنافس الاستراتيجي بين الهند والصين يزداد تعقيدا بسبب ديناميكيات الأمن الإقليمي. ويشكل النفوذ الصيني المتزايد في المحيط الهندي تحديا مباشرا للهيمنة الهندية التقليدية في المنطقة. وتهدف الشراكة بين الولايات المتحدة والهند إلى موازنة طموحات الصين البحرية من خلال مبادرات مثل التحالف الرباعي، وهو تحالف استراتيجي يضم اليابان وأستراليا يركز على ضمان منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة.

ويشير هذا التعاون المتزايد بين أعضاء الرباعية إلى جهد جماعي لمعالجة المخاوف المشتركة بشأن حزم الصين. ومع ذلك، فقد يؤدي ذلك أيضا إلى دفع بكين إلى تكثيف أنشطتها البحرية، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات في المياه المتنازع عليها. ويؤكد احتمال حدوث حسابات خاطئة أو مواجهات في هذه المناطق هشاشة السلام في المنطقة.

المناورات الدبلوماسية

على الرغم من هذه التوترات، أعربت كل من الهند والصين عن اهتمامهما بإدارة علاقاتهما الثنائية في ظل تحالفاتهما مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا التوازن محفوف بالمخاطر؛ فأي تحسن كبير في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة قد يدفع الصين إلى تبني موقف أكثر عدوانية تجاه الهند.

وعلاوة على ذلك، فإن العلاقات التاريخية بين الهند وروسيا تعمل على تعقيد هذه الديناميكية بشكل أكبر. وبينما تعمل الهند على تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، يتعين عليها أيضا أن تأخذ في الاعتبار شراكتها طويلة الأمد مع موسكو، والتي تظل حاسمة بالنسبة للمشتريات الدفاعية وإمدادات الطاقة. وسيشكل التفاعل بين هذه العلاقات خيارات السياسة الخارجية الهندية في المستقبل.

في الختام، فإن التقارب المتزايد بين الهند والولايات المتحدة يؤثر بشكل كبير على علاقتها مع الصين عبر الأبعاد العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. وفي حين تعمل هذه الشراكة على تعزيز قدرات الهند وتضعها كلاعب رئيسي في مواجهة النفوذ الصيني في آسيا، فإنها تدعو أيضا إلى مزيد من التدقيق والانتقام المحتمل من جانب بكين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الهند الصين علاقات امريكا الصين الهند علاقات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الولایات المتحدة علاقتها مع مع الصین ومع ذلک من خلال

إقرأ أيضاً:

مودي يقطع زيارته للسعودية وحملات واسعة للقوات الهندية في كشمير

قطع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته إلى السعودية وعاد إلى نيودلهي -صباح اليوم الأربعاء- بعد الهجوم الدامي أمس على سياح في إقليم جامو وكشمير -بالجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي- وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات، ولم تعلن أية جهة المسؤولية عنه.

وعقب الهجوم بدأت قوات الأمن الهندية في كشمير عملية مطاردة واسعة لمنفذي الهجوم الذي يعد الأعنف من نوعه في المنطقة منذ عام 2000.

وقال شهود عيان بالقرب من موقع الهجوم في باهالغام، وهو مقصد سياحي شهير يقع على بعد حوالي 90 كيلومترا من مدينة سريناغار العاصمة الصيفية للإقليم ذي الأغلبية المسلمة- بانتشار كثيف لقوات الأمن.

معظم الضحايا من السياح الهنود (الأوروبية) استنفار

وأفادت وكالة أنباء "برس ترست أوف إنديا" الهندية أن رئيس الوزراء قطع زيارته التي استمرت يومين إلى السعودية، وعاد إلى نيودلهي صباح اليوم.

وفور وصوله، اجتمع مودي بكبار مسؤولي الأمن وتعهد بـ"تقديم المهاجمين ومنفذي هذا العمل الشنيع للعدالة".

كما قالت وزارة المالية إن الوزيرة نيرمالا سيتارامن قطعت زيارتها إلى الولايات المتحدة وبيرو "لمؤازرة شعبنا في هذا الوقت العصيب والحزين".

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مصدرين بالشرطة الهندية اليوم قولهما إن 26 شخصا قتلوا وإن 37 آخرين أصيبوا بعضهم في حالة خطيرة بعد أن أطلق مسلحون النار في منتجع بكشمير الخاضعة لسيطرة الهند، على الرغم من عدم صدور إحصائية رسمية بالضحايا. 

إعلان

وأضاف الضابطان أن 4 مسلحين على الأقل أطلقوا النار على عشرات السياح من مسافة قريبة. وقالا ـشريطة عدم الكشف عن هويتهما التزاما بسياسة وزارة الداخليةـ إن معظم السياح القتلى من الهنود.

وتم انتشال ما لا يقل عن 24 جثة في أعقاب الهجوم، وتوفي شخصان أثناء نقلهما لتلقي العلاج. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن، في وقت تبحث الشرطة والجنود عن المهاجمين.

وذكرت "ذا إنديان إكسبريس" الهندية أن إحدى الناجيات من الهجوم أفادت بأن رجالاً يرتدون الزي العسكري خرجوا من الغابات المحيطة إلى مرج كان السياح يستمتعون فيه بهدوء الطبيعة.

وحسب تقرير الصحيفة، ظن الناجون أنهم رجال شرطة. ونقلت عن الناجية من الحادث قولها "لقد ظلوا هناك لمدة 20 دقيقة على الأقل، دون رادع، يتحركون ويطلقون النار".

وقالت ناجية أخرى لصحيفة "إنديا توداي" الهندية إن المهاجمين طلبوا من رجال عائلتها رفع الأذان. وأضافت "ثم استأنفوا إطلاق النار على والدي وعمي".

ومن جانبه سارع وزير الداخلية الهندي أميت شاه إلى التوجه لمدينة سريناغار، العاصمة الصيفية للجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، وعقد اجتماعًا مع كبار مسؤولي الأمن، معهدا بـ"معاقبة الجناة بأشد العقوبات".

وقال رئيس وزراء الإقليم عمر عبد الله إن الهجوم "كان أكبر بكثير من أي هجوم شهدناه يستهدف المدنيين في السنوات الأخيرة".

وقال مير واعظ عمر فاروق، كبير علماء الدين في كشمير، على مواقع التواصل الاجتماعي "هذا العنف غير مقبول ويتعارض مع قيم كشمير التي ترحب بالزوار بمحبة ودفء".

ومن جانبه، أدان زعيم المعارضة راهول غاندي الهجوم، وقال "إن على حكومة مودي أن تتحمل مسؤوليتها بدلا من تقديم ادعاءات جوفاء بأن الوضع طبيعي" في المنطقة.

مودي (يمين) يرحب بفانس وزوجته الهندوسية أوشا (الأوروبية) تضامن أميركي

وسارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الاتصال برئيس الوزراء الهندي معربا عن دعمه الكامل للهند بسرعة "لتقديم مرتكبي هذا الهجوم الشنيع إلى العدالة".

إعلان

وكتب ترامب على مواقع التواصل مشيرا إلى "الأنباء المقلقة للغاية الواردة من كشمير. الولايات المتحدة تقف بقوة إلى جانب الهند ضد الإرهاب".

ووصف جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي الذي تزامنت زيارته الهند مع الحادث بأنه "هجوم إرهابي مدمر" مضيفا القول إنه "خلال الأيام القليلة الماضية، غمرنا جمال هذا البلد وشعبه. أفكارنا وصلواتنا معهم وهم يرثون هذا الهجوم المروع".

أما وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو فقال على قناة إكس "الولايات المتحدة تقف إلى جانب الهند".

ومن المفارقات أن هجوم أمس جاء بعد يوم من لقاء مودي نائب الرئيس الأميركي في نيودلهي. كما وقع الهجوم الأعنف -الذي سبقه في مارس/آذار 2000 عندما قتل 36 شخصا في قرية جنوبية بكشمير- عشية زيارة الرئيس الأميركي في ذلك الوقت بيل كلينتون.

وقد أدان زعماء عالميون آخرون الهجوم، منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني. كما تعهدت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين بأن "أوروبا ستقف إلى جانبكم".

ومن ناحيته، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم بشدة، وشدد على أن "الهجمات على المدنيين غير مقبولة تحت أي ظرف من الظروف".

سلام غريب

يذكر أن مسلحين في إقليم جامو وكشمير يقاتلون الحكومة الهندية منذ عام 1989 بالجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي، وذلك بدعم من العديد من الكشميريين المسلمين بهدف استقلال الإقليم أو إعادة توحيده تحت الحكم الباكستاني تطبيقا لنتائج استفتاء تاريخي سابق بشأن مصيره.

ولكن الهند تصر على أن ما تسميه التمرد في كشمير "إرهاب ترعاه باكستان". وتنفي إسلام آباد هذه التهمة. في حين يعتبر العديد من الكشميريين هذا القتال كفاحا مشروعا من أجل الحرية. وقد قتل عشرات الآلاف من المدنيين والمسلحين والقوات الحكومية الهندية بهذا الصراع.

إعلان

وتنشر الهند نحو 500 ألف جندي من القوات العسكرية وشبه العسكرية بشكل دائم في إقليم جامو وكشمير، لكن القتال خفت حدته منذ أن ألغت حكومة مودي الحكم الذاتي المحدود لكشمير عام 2019.

وقد انحسر العنف في الآونة الأخيرة في وادي كشمير، وانتقل القتال بين القوات الحكومية والمسلحين إلى حد كبير إلى المناطق النائية بمنطقة جامو، بما في ذلك راجوري وبونش وكاثوا حيث واجهت القوات الهندية هجمات قاتلة.

يُذكر أن هذه المنطقة تستقطب ملايين الزوار الذين ينعمون بـ"سلام غريب" تحافظ عليه نقاط التفتيش الأمنية المنتشرة في كل مكان، والمركبات المدرعة، وجنود الدوريات. وقد عززت نيودلهي السياحة بقوة، واعتبرتها علامة على عودة الحياة إلى طبيعتها.

مقالات مشابهة

  • الشرطة الهندية تتعرف على 3 مسلحين يشتبه بضلوعهم في هجوم كشمير
  • تداعيات معارك ترامب.. الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان نفوذها في القارة مع توسّع نفوذ الصين
  • الصين: الباب مفتوح لمحادثات تجارية مع الولايات المتحدة
  • مودي يقطع زيارته للسعودية وحملات واسعة للقوات الهندية في كشمير
  • عمق تاريخي وأهمية ممتدة لأكثر من 75 عاماً.. العلاقات السعودية – الهندية.. شراكة إستراتيجية وتعاون مثمر
  • ترامب: سنجني أموالاً طائلة من الرسوم الجمركية وسنعمل مع الصين
  • العلاقات السعودية الهندية.. شراكة إستراتيجية وتعاون مثمر
  • (نيويورك تايمز): الصين تحذر الدول من التعاون مع الولايات المتحدة ضدها في التجارة
  • الصين تخفض وارداتها من أهم سلع الولايات المتحدة وتوقف استيراد الغاز المسال
  • الصين تحذّر الدول من إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة على حسابها