تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 في الآونة الأخيرة، طرح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد اقتراحًا مثيرًا للجدل ‏يتمثل في تولي مصر إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة، وذلك ضمن خطة إسرائيلية ‏للتعامل مع مرحلة ما بعد الحرب في غزة. وبحسب الاقتراح، فإن الإدارة المصرية ‏للقطاع ستستمر لمدة تتراوح بين 7 إلى 15 عامًا، مع تقديم تمويل دولي لدعم إعادة ‏الإعمار، يشمل مساهمات أمريكية وأوروبية، فضلًا عن إقامة ‏حكومة فلسطينية معتدلة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

  لكن مصر، التي لطالما حافظت على سيادتها واستقلالها السياسي، رفضت هذا ‏الاقتراح بشكل قاطع. إذ اعتبرت أن هذا الطرح يُعد تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية ‏الفلسطينية والإقليمية. مصر لا ترغب في أن تكون جزءًا من إدارة قطاع غزة أو في ‏اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى تغيير الوضع السياسي والإنساني في القطاع، خصوصًا ‏أن ذلك قد يُعتبر تحولًا جذريًا في علاقتها التاريخية بفلسطين. رفض مصر لهذا ‏الاقتراح جاء نتيجة فهم عميق لتداعياته المحتملة على أمنها القومي وعلى الاستقرار ‏في المنطقة.‏

  من المعروف أن قضية غزة هي جزء من صراع أوسع يرتبط بالتاريخ الحديث ‏للمنطقة، ويعود إلى وعد بلفور الذي يشير إلى إنشاء دولة إسرائيل. تأسيس هذه ‏الدولة كان بمثابة خطوة استراتيجية لتوسيع النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، وهو ما ‏جعل المنطقة محط أنظار القوى الكبرى التي سعت إلى تنفيذ مخطط "الشرق الأوسط ‏الجديد"، الذي يهدف إلى تقوية إسرائيل وتقسيم دول المنطقة الكبرى مثل مصر ‏والعراق وسوريا. في هذا السياق، جاء مخطط تحويل غزة إلى نقطة انطلاق لأجندات ‏إسرائيلية، في محاولة لزعزعة استقرار مصر ومنطقة الشرق الأوسط ككل.‏

  مصر، التي لطالما كانت في قلب هذا الصراع، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه ‏المخططات. بل عملت على تحصين نفسها سياسيًا واقتصاديًا، وتمكنت من الحفاظ ‏على استقلالها رغم الضغوط والتحديات التي مرت بها. على الرغم من محاولات ‏القوى الغربية للإغراء والضغط على مصر لتحجيم دورها الإقليمي والاقتصادي، إلا ‏أن القاهرة نجحت في الحفاظ على قوتها وحرصها على ضمان موقعها الاستراتيجي.‏

  في السنوات الأخيرة، نجحت مصر، على المستوى السياسي، في توثيق علاقاتها مع قوى عالمية جديدة، مثل ‏انضمامها إلى مجموعة "بريكس" وارتباطها بمبادرة "طريق الحرير" الصينية، مما ‏يعكس تحركاتها الاستراتيجية نحو تعزيز مكانتها في النظام العالمي الجديد. كما قامت ‏مصر بتحقيق تقدم كبير في مشروعاتها الاقتصادية الداخلية، خاصة في مجالات النقل ‏واللوجستيات، حيث أنشأت شبكة ضخمة من المشروعات الكبرى التي تهدف إلى ‏تعزيز موقعها كمركز إقليمي رئيسي يربط بين قارات العالم.‏

  هذه التحركات تمثل جزءًا من الاستراتيجية المصرية لتعزيز قوتها الاقتصادية ‏والجيوسياسية، والحفاظ على مكانتها الإقليمية. إذ أن مصر تسعى من خلال تلك ‏المشروعات إلى توفير بدائل اقتصادية وسياسية تمنع محاولات تحجيم دورها ‏الإقليمي، وتمنع فرض أي مشاريع قد تهدد استقرارها.‏

  في هذا السياق، يأتي رفض مصر لمقترح إسرائيل بشأن إدارة قطاع غزة ليكون ‏جزءًا من استراتيجيتها المستمرة لحماية سيادتها الوطنية وتعزيز قوتها الإقليمية. إذا ‏كانت إسرائيل تأمل في أن تتحول غزة إلى نقطة انطلاق لزعزعة استقرار مصر، ‏فإن القاهرة بدورها تؤكد قدرتها على تحجيم هذه المحاولات، وتُظهر استعدادها التام ‏لمواجهة أي مخططات تهدف إلى إضعاف مكانتها في المنطقة.‏

  من المتوقع أن يتبلور الموقف المصري بشكل أكبر في القمة العربية المقررة في 4 ‏مارس المقبل، والتي ستعقد في القاهرة. القمة ستكون فرصة هامة لمصر لعرض ‏رؤيتها تجاه الأوضاع في غزة، وتأكيد موقفها الرافض لأي تدخلات خارجية في ‏الشؤون الفلسطينية. كما أن القمة ستشهد نقاشًا حول الأزمات الإقليمية المتزايدة، ‏وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تظل في صلب اهتمامات السياسة المصرية.‏

   إن الموقف المصري من إدارة قطاع غزة يتجاوز مجرد رفض عرض سياسي ‏إسرائيلي، ليعكس رؤية أوسع تقوم على الحفاظ على سيادة مصر ومكانتها الإقليمية. ‏وفي ظل التحديات المتزايدة في المنطقة، فإن مصر تظل لاعبًا ‏رئيسيًا في تحديد مسار الأحداث في الشرق الأوسط، مع تأكيدها على ضرورة ‏تحصين أمنها القومي ضد أي محاولات لزعزعة استقرارها.‏

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: قضية غزة الاستراتيجية المصرية إدارة قطاع غزة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس

قالت صحيفة معاريف، إن حكومة الاحتلال تشتبه في أن تكون التظاهرات التي خرجت في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، قبل أيام، ورفعت هتافات ضد حركة حماس، "عملية احتيال من قبل الحركة، وأنها تقف وراءها لبث صورة كاذبة وكأن حكمها ينهار".

وأشارت إلى أنه في المقابل، تم الأخذ في الاعتبار وجود سيناريو احتجاج حقيقي ضد حماس، بعد تجدد القصف وقطع المساعدات الإنسانية.

ولفتت إلى أنه من المقرر أن يناقش المجلس السياسي والأمني قضية غزة بجوانبها المختلفة، وبالإضافة إلى المقترحات المتعلقة بصفقة الأسرى، من المتوقع أن يتلقى الوزراء مراجعة استخباراتية بشأن المظاهرات.



وقالت الصحيفة، إن الوضع سيتضح قريبا، وتدرس جميع الاحتمالات بشأن ما جرى من تظاهرات، وأشارت معاريف إلى تقارير تزعم إعدام حماس 6 فلسطينيين بسبب تخابرهم مع الاحتلال.

وكان العشرات خرجوا قبل أيام في تظاهرة ببلدة بيت لاهيا شمال غرب قطاع غزة، طالبوا بوقف العدوان على القطاع، وإدخال المساعدات، وأطلق بعض المشاركين هتافات تهاجم حركة حماس.

وتكررت التظاهرات على مدى يومين في الموقع ذاته، لكنها توقفت، وسط موجة استنكار من العديد من النشطاء لطبيعة الشعارات التي رفعت في التظاهرات، التي وصف بعضها حركة حماس بـ"الإرهاب"، دون التطرق إلى تحميل الاحتلال مسؤولية المجازر التي يرتكبها في قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • موقفٌ جديدٌ من الحوثي بشأن العمليات العسكرية ضد “إسرائيل”
  • إيران تكشف عن القاعدة العسكرية التي ستضربها في حال تعرضها لهجوم أميركي
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • أردوغان يؤكد ضرورة تكثيف الجهود الإقليمية والدولية للجم إسرائيل
  • سيناريوهات موقف الأهلي من بطولة الدوري بعد أزمة مباراة القمة
  • عاجل | القناة ١٢ الإسرائيلية: الجيش يشن موجة هجمات واسعة على قطاع غزة وسماع دوي انفجارات عنيفة في المنطقة
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة
  • كيف نزع ترامب القناع عن عملية التغليف التي يقوم بها الغرب في غزة؟
  • القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
  • الأمم المتحدة: أعمال الحرب الإسرائيلية في غزة تحمل بصمات جرائم وحشية