الخليج الجديد:
2024-11-08@08:36:59 GMT

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

مهما عرفت البلاد من انحطاط لأوضاعها وأصابها من أنماط الردّة استبدادية أو حربية فإن الشعوب، عند أول فرصة سانحة، تعاود الانتفاض لا محال.

ستتواصل سيرورة الثورة، ما دامت قائمةً الأسباب البنيوية العميقة التي تسببت في انفجار البركان العربي بتفاعلها مع السياسات النيوليبرالية التي فاقمت نتائجها.

أوضاع اقتصادية ومعيشية لا تني تتدهور بينما تتوسع باستمرار الفجوة الهائلة القائمة بين الحكام العرب ومحاسيبهم من جهة، وسواد الشعب العامل في الجهة المقابلة.

الحرب الفتّاكة والمدمّرة أشعلها الذين فضّلوا «حرق البلد» على رحيل الأسد، وسعّرها بأموالهم من تعمّدوا حرف الثورة السورية عن مسارها الديمقراطي إلى حرب طائفية.

جاءت عودة النظام إلى حظيرة أنظمة الاستبداد العربية تكريساً لقبول تلك الأنظمة بما آلت إليه الأمور وتوقفها عن تمويل الجماعات التي تعيّشت بل واغتنت، من حالة الحرب.

منذ بداية «الربيع العربي» لم تكن الانتفاضة الكبرى التي عمّت المنطقة بالعربية منذ 2011 إلا بداية سيرورة ثورية طويلة لا بدّ أن تتواصل عبر الزمن مهما عرفت من انتكاسات.

* * *

استقرّت الأمور في الداخل السوري منذ بضع سنوات على قاعدة هيمنة نظام آل الأسد، مدعوماً من القوات الإيرانية وتوابعها ومن القوات الروسية، على نحو سبعين في المئة من أراضي البلاد.

وذلك بشبه تعايش سلمي مع سائر مناطقها: الجولان الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967؛ ومناطق الشمال الشرقي التي تسيّرها القوى الكُردية منذ أن بدأت الحرب الأهلية، وقد باتت مدعومة من قوات أمريكية منذ عام 2014؛ والمناطق الشمالية التي احتلها الجيش التركي بدءًا من عام 2016؛ ومنطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» حصراً منذ عام 2017.

ولا شك في أن استقرار الأمور هذا، وإن كان دوامه مستحيلاً، إنما كان ويبقى أفضل بكثير من إعادة اشتعال الحرب الفتّاكة والمدمّرة التي تسبّب فيها أولئك الذين فضّلوا «حرق البلد» على رحيل الأسد، وسعّرها أولئك الذين بأموالهم تعمّدوا حرف الثورة السورية عن مسارها الديمقراطي الأصلي وتحويلها إلى حرب طائفية تحت رايات دينية، بحيث انتقلت من صراع ضد همجية السلطة إلى صدام بين الهمجيات في حالة قصوى من «حرب الجميع على الجميع» التي وصفها فيلسوف القرن السابع عشر الإنكليزي توماس هوبس، في كتابه الشهير «اللفياثان».

وقد جاءت عودة نظام بشار الأسد إلى حظيرة الأنظمة الاستبدادية العربية تكريساً لقبول سائر تلك الأنظمة بما آلت إليه الأمور وتوقفها عن تمويل شتى الجماعات التي تعيّشت، بل واغتنت، من حالة الحرب.

إن هذه التطورات، وقد أعادت النظام السوري إلى شيء من الحالة الطبيعية ولو بحدود جليّة، والمقصود هنا حالة تطغى فيها احتياجات الحياة الاقتصادية على مقتضيات تفادي الموت قتلاً، إنما أعادت البلاد في الوقت نفسه إلى دينامية الثورة الاجتماعية والديمقراطية التي قطعها انحطاط الثورة التدريجي منذ ما يناهز عشر سنوات.

هذا وما كللنا نؤكد منذ بداية ما عُرف باسم «الربيع العربي» أن الانتفاضة الكبرى التي عمّت أرجاء المنطقة الناطقة بالعربية منذ عام 2011، إنما لم تكن سوى بداية سيرورة ثورية طويلة الأمد، لا بدّ من أن تتواصل عبر الزمن مهما عرفت من انتكاسات وانتصارات مضادة للثورة، ما دامت قائمةً الأسباب البنيوية العميقة التي تسببت في انفجار البركان العربي بتفاعلها مع السياسات النيوليبرالية التي فاقمت نتائجها.

فها أن سوريا تقدّم لنا خير إثبات لديمومة السيرورة، وهو إثبات ينضاف إلى الموجة الثورية الثانية التي شهدتها المنطقة في عام 2019، بل يزيد عنها قوة من حيث إن سوريا هي البلد الذي بلغت فيه هزيمة الثورة حدّها الأقصى والأكثر مأسوية.

فنرى سوريا اليوم بالرغم من كل مآسيها تعود إلى سلوك الدرب الكلاسيكي للانفجار الثوري كما شهدته معظم ساحات الانتفاضات بدءًا من «الربيع العربي». ويقوم السيناريو الثوري الذي بات معهوداً لدينا على مبادرة النظام القائم بإشعال نار الغضب الشعبي متجاوزاً قدرة الشعب على التحمّل، من خلال تطبيق إجراءات تقشفية تهدف إلى تقليص دور الدولة الاجتماعي طبقاً للوصفات التي يرشد إليها صندوق النقد الدولي منذ عقود عدة.

ففي منتصف الشهر الجاري، أزال النظام السوري الدعم الحكومي عن أسعار الوقود بما أدّى إلى ارتفاعها إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وقد ترافق الأمر بمزيد من انهيار العملة السورية وبالتالي مزيد من التهاب أسعار شتى المواد الغذائية، فضلاً عن الأدوية وغيرها من مستلزمات الحياة.

ولم يلطّف الأمر بتاتاً القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور (الذي يبلغ أقل من 15 دولاراً بالشهر بسعر صرف السوق) ومضاعفة أجور موظفي الدولة (لاحظوا كيف أن القرارات البغيضة تصدر عن مجلس الوزراء والقرارات التي يعتقدون أنها ستملئ الناس غبطة وفرحاً تصدر عن الرئاسة). فقد فاق اشتعال الأسعار، وبكثير، الصدقة الرئاسية، التي جاء مفعولها عكسياً بالتالي إذ رأى فيها الرأي العام شتيمة واستجهالاً له.

فجاءت النتيجة على النحو المعهود: هبّة جماهيرية عمّت منطقة حوران، أي الجنوب السوري من تخوم الأردن إلى مشارف دمشق. فلم تنحصر الهبّة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، كما حصل في مناسبات سابقة خلال الأعوام القليلة الماضية بما فسّره بعض الناس تفسيراً طائفياً بغية التقليل من شأنه، بل انتشرت إلى محافظة درعا بما فيها مدينة نوى التي وقفت إلى جانب مدينة درعا في طليعة الثورة في عام 2011، وقد دفعت المدينتان ثمناً باهظاً لتمرّدهما. لا بل امتد الحراك الجديد إلى جوار العاصمة وحتى إلى المنطقة الساحلية، بما فيها مدينتا اللاذقية وجربة.

وإذا لم تشهد سوريا حتى الآن تظاهرات عملاقة كالتي عمت معظم المدن السورية في عام 2011 (بالمناسبة، قال بشار الأسد لمحطة «سكاي نيوز عربية» أن عدد المتظاهرين في عام 2011 «لم يتجاوز مئة ألف ونيف في أحسن الأحوال وفي كل المحافظات»!) فإن الحراك الجديد يتضمن عصياناً مدنياً وإضراباً عاماً، في حوران على الأقل. وقد عادت شعارات عام 2011 إلى الصدارة، لاسيما هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» والمطالبة برحيل رأس الدولة.

أما العبرة مما يجري في سوريا اليوم فهي أنه مهما عرفت البلدان من انحطاط لأوضاعها ومهما أصابها من أنماط الردّة، سواء أكانت على نحو استبدادي أم حربي، فإن الشعوب، عند أول فرصة سانحة، تعاود الانتفاض لا محال إزاء أوضاع اقتصادية ومعيشية لا تني تتدهور بينما تتوسع باستمرار الفجوة الهائلة القائمة بين الحكام العرب ومحاسيبهم من جهة، وسواد الشعب العامل في الجهة المقابلة.

*د. جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: سوريا ثورة الشعب السوري إسقاط النظام الربيع العربي القوات الروسية بشار الأسد الحكام العرب منذ عام عام 2011 فی عام

إقرأ أيضاً:

بالوقائع.. سجل جرائم التنظيم الإرهابي ضد الأقباط والكنائس

ارتكبت جماعة الإخوان الإرهابية على مدار 3 سنوات جرائم عديدة في حق المصريين جميعا، وبينهم الأقباط، حيث تتضمن مخطط الجماعة الإرهابية استهداف دور العبادة والأقباط لتفرقة بين عنصري الأمة ما يتسبب في حالة من الفتنة الطائفية، وحالة من عدم الاستقرار في الدولة في الفترة من 2011 وحتى تدخل الجيش في عام 2013.

90 واقعة اعتداء على كنائس ومنشآت قبطية

شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في فترة تولي الجماعة الإرهابية مقاليد الحكم ومنذ تدخلهم في ثورة 25 يناير، تلك الثورة السلمية التي اشتعلت بدخول الإخوان فيها وحتى عام 2013، العديد من محاولات استهداف الكنائس بالحرق ومحاولات الهدم، بأكثر من 90 واقعة اعتداء على الكنائس والمنشآت القبطية التي دمرها الإخوان واستهدفت إشعال الفتنة الطائفية، إضافة إلى الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والمقر البابوي. 

ومن أبرز اعتداءات جماعة الإخوان مذبحة ماسبيرو التي وقعت في 9 أكتوبر 2011 وراح ضحيتها العشرات من القتلى والمصابين، ووقعت الأحداث بعد تظاهرة للأقباط، احتجاجا على هدم مبنى اعتبره الأقباط كنيسة في محافظة أسوان، جنوبي مصر.

محاولات الإخوان لزرع الفتنة الطائفية بين المصريين 

وكذلك الخلاف الحادث حول بناء كنيسة في منطقة العمرانية حيث أدى إلى احتقان طائفي هناك تسبب في رفض بناء كنيسة، في اندلاع اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين وسقوط جرحى، وفي العام التالي عام 2011 وقع حادث تفجير كنيسة القديسين في محافظة الأسكندرية، شمالي مصر، أحد الأحداث الشهيرة قبيل ثورة 25 يناير. وتسبب الهجوم في مقتل 23 شخصا وجرح 79 آخرين.

ومع بداية ثورة 25 يناير 2011 أشتعلت الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في أطفيح، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات أصيب فيها العديد من الأشخاص، وفي العام ذاته اندلعت أعمال عنف طائفي بمنطقة إمبابة التابعة لمحافظة القاهرة، أودت بحياة 13 شخصًا، فضلا عن تفجير الجماعة الإرهابية الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية في العباسية والتي راح ضحيتها 29 قتيلا وأكثر من 49 مصابا وكان معظمهم من الأطفال والنساء، وبعدها أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي حالة الحداد في البلاد لمدة ثلاثة أيام.

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: الشعب المصري يتصدى لقوى الشر التي تريد النيل من مصر
  • السيد عبدالملك الحوثي: إيران تبنّت نصرة الشعب الفلسطيني كواجب إسلامي ولم يكن لها أي علاقة بما يحدث في المنطقة العربية
  • بالوقائع.. سجل جرائم التنظيم الإرهابي ضد الأقباط والكنائس
  • إسقاط عضوية وملاحقة قضائية.. ماذا وراء تركيز النظام السوري على البرلمان؟
  • إسقاط عضوية وملاحقة قضائية..ما وراء تركيز النظام السوري على البرلمان؟
  • طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!
  • البرلمان العربي يدعو ترامب إلى رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني 
  • البرلمان العربي يدعو ترامب لتصحيح مسار الموقف الأمريكي ورفع الظلم عن الفلسطينيين
  • بلومبرج: ليبيا تخطط لإجراء أول مناقصة للتنقيب عن النفط منذ 2011
  • بمساعدة روبوت.. تحليل عينة من الحطام المشع في فوكوشيما