الخليج الجديد:
2025-04-16@12:21:32 GMT

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

سوريا.. ما زال الشعب يريد إسقاط النظام

مهما عرفت البلاد من انحطاط لأوضاعها وأصابها من أنماط الردّة استبدادية أو حربية فإن الشعوب، عند أول فرصة سانحة، تعاود الانتفاض لا محال.

ستتواصل سيرورة الثورة، ما دامت قائمةً الأسباب البنيوية العميقة التي تسببت في انفجار البركان العربي بتفاعلها مع السياسات النيوليبرالية التي فاقمت نتائجها.

أوضاع اقتصادية ومعيشية لا تني تتدهور بينما تتوسع باستمرار الفجوة الهائلة القائمة بين الحكام العرب ومحاسيبهم من جهة، وسواد الشعب العامل في الجهة المقابلة.

الحرب الفتّاكة والمدمّرة أشعلها الذين فضّلوا «حرق البلد» على رحيل الأسد، وسعّرها بأموالهم من تعمّدوا حرف الثورة السورية عن مسارها الديمقراطي إلى حرب طائفية.

جاءت عودة النظام إلى حظيرة أنظمة الاستبداد العربية تكريساً لقبول تلك الأنظمة بما آلت إليه الأمور وتوقفها عن تمويل الجماعات التي تعيّشت بل واغتنت، من حالة الحرب.

منذ بداية «الربيع العربي» لم تكن الانتفاضة الكبرى التي عمّت المنطقة بالعربية منذ 2011 إلا بداية سيرورة ثورية طويلة لا بدّ أن تتواصل عبر الزمن مهما عرفت من انتكاسات.

* * *

استقرّت الأمور في الداخل السوري منذ بضع سنوات على قاعدة هيمنة نظام آل الأسد، مدعوماً من القوات الإيرانية وتوابعها ومن القوات الروسية، على نحو سبعين في المئة من أراضي البلاد.

وذلك بشبه تعايش سلمي مع سائر مناطقها: الجولان الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967؛ ومناطق الشمال الشرقي التي تسيّرها القوى الكُردية منذ أن بدأت الحرب الأهلية، وقد باتت مدعومة من قوات أمريكية منذ عام 2014؛ والمناطق الشمالية التي احتلها الجيش التركي بدءًا من عام 2016؛ ومنطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» حصراً منذ عام 2017.

ولا شك في أن استقرار الأمور هذا، وإن كان دوامه مستحيلاً، إنما كان ويبقى أفضل بكثير من إعادة اشتعال الحرب الفتّاكة والمدمّرة التي تسبّب فيها أولئك الذين فضّلوا «حرق البلد» على رحيل الأسد، وسعّرها أولئك الذين بأموالهم تعمّدوا حرف الثورة السورية عن مسارها الديمقراطي الأصلي وتحويلها إلى حرب طائفية تحت رايات دينية، بحيث انتقلت من صراع ضد همجية السلطة إلى صدام بين الهمجيات في حالة قصوى من «حرب الجميع على الجميع» التي وصفها فيلسوف القرن السابع عشر الإنكليزي توماس هوبس، في كتابه الشهير «اللفياثان».

وقد جاءت عودة نظام بشار الأسد إلى حظيرة الأنظمة الاستبدادية العربية تكريساً لقبول سائر تلك الأنظمة بما آلت إليه الأمور وتوقفها عن تمويل شتى الجماعات التي تعيّشت، بل واغتنت، من حالة الحرب.

إن هذه التطورات، وقد أعادت النظام السوري إلى شيء من الحالة الطبيعية ولو بحدود جليّة، والمقصود هنا حالة تطغى فيها احتياجات الحياة الاقتصادية على مقتضيات تفادي الموت قتلاً، إنما أعادت البلاد في الوقت نفسه إلى دينامية الثورة الاجتماعية والديمقراطية التي قطعها انحطاط الثورة التدريجي منذ ما يناهز عشر سنوات.

هذا وما كللنا نؤكد منذ بداية ما عُرف باسم «الربيع العربي» أن الانتفاضة الكبرى التي عمّت أرجاء المنطقة الناطقة بالعربية منذ عام 2011، إنما لم تكن سوى بداية سيرورة ثورية طويلة الأمد، لا بدّ من أن تتواصل عبر الزمن مهما عرفت من انتكاسات وانتصارات مضادة للثورة، ما دامت قائمةً الأسباب البنيوية العميقة التي تسببت في انفجار البركان العربي بتفاعلها مع السياسات النيوليبرالية التي فاقمت نتائجها.

فها أن سوريا تقدّم لنا خير إثبات لديمومة السيرورة، وهو إثبات ينضاف إلى الموجة الثورية الثانية التي شهدتها المنطقة في عام 2019، بل يزيد عنها قوة من حيث إن سوريا هي البلد الذي بلغت فيه هزيمة الثورة حدّها الأقصى والأكثر مأسوية.

فنرى سوريا اليوم بالرغم من كل مآسيها تعود إلى سلوك الدرب الكلاسيكي للانفجار الثوري كما شهدته معظم ساحات الانتفاضات بدءًا من «الربيع العربي». ويقوم السيناريو الثوري الذي بات معهوداً لدينا على مبادرة النظام القائم بإشعال نار الغضب الشعبي متجاوزاً قدرة الشعب على التحمّل، من خلال تطبيق إجراءات تقشفية تهدف إلى تقليص دور الدولة الاجتماعي طبقاً للوصفات التي يرشد إليها صندوق النقد الدولي منذ عقود عدة.

ففي منتصف الشهر الجاري، أزال النظام السوري الدعم الحكومي عن أسعار الوقود بما أدّى إلى ارتفاعها إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وقد ترافق الأمر بمزيد من انهيار العملة السورية وبالتالي مزيد من التهاب أسعار شتى المواد الغذائية، فضلاً عن الأدوية وغيرها من مستلزمات الحياة.

ولم يلطّف الأمر بتاتاً القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور (الذي يبلغ أقل من 15 دولاراً بالشهر بسعر صرف السوق) ومضاعفة أجور موظفي الدولة (لاحظوا كيف أن القرارات البغيضة تصدر عن مجلس الوزراء والقرارات التي يعتقدون أنها ستملئ الناس غبطة وفرحاً تصدر عن الرئاسة). فقد فاق اشتعال الأسعار، وبكثير، الصدقة الرئاسية، التي جاء مفعولها عكسياً بالتالي إذ رأى فيها الرأي العام شتيمة واستجهالاً له.

فجاءت النتيجة على النحو المعهود: هبّة جماهيرية عمّت منطقة حوران، أي الجنوب السوري من تخوم الأردن إلى مشارف دمشق. فلم تنحصر الهبّة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، كما حصل في مناسبات سابقة خلال الأعوام القليلة الماضية بما فسّره بعض الناس تفسيراً طائفياً بغية التقليل من شأنه، بل انتشرت إلى محافظة درعا بما فيها مدينة نوى التي وقفت إلى جانب مدينة درعا في طليعة الثورة في عام 2011، وقد دفعت المدينتان ثمناً باهظاً لتمرّدهما. لا بل امتد الحراك الجديد إلى جوار العاصمة وحتى إلى المنطقة الساحلية، بما فيها مدينتا اللاذقية وجربة.

وإذا لم تشهد سوريا حتى الآن تظاهرات عملاقة كالتي عمت معظم المدن السورية في عام 2011 (بالمناسبة، قال بشار الأسد لمحطة «سكاي نيوز عربية» أن عدد المتظاهرين في عام 2011 «لم يتجاوز مئة ألف ونيف في أحسن الأحوال وفي كل المحافظات»!) فإن الحراك الجديد يتضمن عصياناً مدنياً وإضراباً عاماً، في حوران على الأقل. وقد عادت شعارات عام 2011 إلى الصدارة، لاسيما هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» والمطالبة برحيل رأس الدولة.

أما العبرة مما يجري في سوريا اليوم فهي أنه مهما عرفت البلدان من انحطاط لأوضاعها ومهما أصابها من أنماط الردّة، سواء أكانت على نحو استبدادي أم حربي، فإن الشعوب، عند أول فرصة سانحة، تعاود الانتفاض لا محال إزاء أوضاع اقتصادية ومعيشية لا تني تتدهور بينما تتوسع باستمرار الفجوة الهائلة القائمة بين الحكام العرب ومحاسيبهم من جهة، وسواد الشعب العامل في الجهة المقابلة.

*د. جلبير الأشقر كاتب وأكاديمي من لبنان

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: سوريا ثورة الشعب السوري إسقاط النظام الربيع العربي القوات الروسية بشار الأسد الحكام العرب منذ عام عام 2011 فی عام

إقرأ أيضاً:

مجالس الصلح في سوريا.. تساند القضاء وتحل النزاعات وديا

ريف دمشق – بهدف تسوية النزاعات الأهلية والمجتمعية والتحكيم العادل في القضايا العالقة بين المتنازعين، شكَّل وجهاء وحقوقيون وزعماء دينيين مجالس صلح عامة في مدن وبلدات سورية، ويزاول عدد من تلك المجالس أعماله بالتنسيق مع النيابة العامة التابعة لوزارة العدل السورية.

ويعد مجلس الصلح في مدينة دوما، إحدى ضواحي دمشق ومركز ريفها، مثالا نموذجيا لتلك المجالس، حيث شُكّل في فبراير/شباط الماضي وتمكن حتى الآن من التسوية والفصل في عشرات القضايا المعروضة عليه من قبل الأهالي في الغوطة الشرقية.

ويضم المجلس قضاة ومحامين وزعماء دينين ورجال أعمال، ويعمل على تجاوز إرث التفرقة الذي خلَّفته سياسات النظام السوري المخلوع بين السوريين على مدى 14 عاما، وعلى احتواء الصراعات المختلفة التي نشأت بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعودة آلاف المهجرين لمنازلهم في ريف دمشق.

مجالس الصلح تعمل على حل النزاعات بين السوريين (الصحافة السورية) بالود والرحمة

ويهدف مجلس الصلح لإعادة بناء الثقة بين كافة مكونات المجتمع السوري، وتجاوز التحديات الراهنة، وإرساء قواعد تضمن استمرارية المسار الإصلاحي بعد انتصار الثورة السورية، وذلك بالاعتماد على مجموعة من الخبرات المحلية في دوما.

وحول أسباب تأسيس مجلس الصلح في دوما، يقول مؤسس المجلس المهندس نزار الصمادي إن "الدافع الأساسي يكمن في إرساء الصلح المجتمعي لأهميته في بناء مجتمع مستقر وتعزيز السلم الأهلي بعد انتصار الثورة في سوريا".

ويضيف الصمادي للجزيرة نت أن ذلك يتم "عبر حل الخلافات التي نشأت جراء انقسام المجتمع في سوريا بين مؤيد ومعارض بسبب الدور الخبيث الذي لعبه النظام البائد عبر تكريس الخلافات الأفقية بين السوريين في المجتمع والبلدات وحتى ضمن أفراد الأسرة الواحدة".

إعلان

ويتابع أن المجلس يعمل على تكريس الصلح الذي ينهي الخلافات بين المتخاصمين بطرق "ودية وبناء على مبادئ العدل والرحمة والحكمة".

كما أن المجلس قد يلجأ للتحكيم، إذا استحال الصلح بين المتخاصمين، وسيلةً لحل النزاعات خارج المحاكم القضائية بتنسيق مع النيابة العامة التي تجعل من قرار المجلس "ملزما" عند حضور الطرفين وتوقيعهما على صك القبول.

ويؤكد الصمادي أنه تم اختيار أعضاء المجلس بعناية، حيث يتألف من 16 شخصا، مقسمين لثلاث لجان، وكل لجنة تضم زعيما دينيا ومحكّما وقانونيا (قاضيا أو محاميا) وخبيرا عقاريا إضافة لأحد وجهاء البلدة.

وعن آليات التحكيم، يقول الصمادي إنها تبدأ بتوقيع الطرفين المتنازعين على صك تحكيم يقضي بقبولهما حكم المجلس، ومن ثم تُدون الوقائع بين المتخاصمين، والاستماع للشهود وجميع الأطراف قبل اللجوء إلى الصلح أو إصدار الحكم.

وتأتي أهمية المجلس من التزامه بمبدأ تغليب الصلح ما استطاع أعضاؤه ذلك، وحل القضايا في وقت قصير نسبيا مقارنة بالمحاكم، وتسهيل الإجراءات القانونية، وتقليل التكاليف الباهظة لإجراءات المحاكم، وتخفيف العبء عن الجهات المختصة.

"الملكية" أكثر النزاعات

ويقول محمود هارون، أحد أعضاء مجلس الصلح، للجزيرة نت إن "الخلافات كبيرة بين الناس، وهناك ضغط كبير على القضاء، ولذلك أنشئ المجلس، وأهم ما نلتزم به هو إرضاء طرفي النزاع قدر المستطاع، وأن يُلزم الحل أو الحُكم كليهما".

واستقبل المجلس منذ إنشائه قضايا مختلفة شملت خلافات أسرية، وفض شراكات، وقضايا اقتتال، ونزاعات ملكية، وحوادث سير، وهي قضايا "حُلّت أغلبها بفضل الله"، حسب هارون.

في حين يشير نزار الصمادي إلى طغيان "نزاعات الملكية" على سائر القضايا الأخرى المعروضة على المجلس، وذلك بسبب مرسوم فرضه "النظام البائد" كان يقضي بعدم الاعتراف بعقود البيع والشراء التي صدرت في المناطق الخارجة عن سيطرته عام 2012.

إعلان

ويضيف الصمادي، الذي ترأس بلدية دوما وكان عضوا في المجالس المحلية في الغوطة الشرقية عندما سيطر عليها الثوار، أنهم عملوا آنذاك على تسجيل تلك العقود في حينها، لكن مع عودة الغوطة الشرقية لسيطرة النظام عام 2018، ألغى الأخير كافة العقود التي أشرفت عليها المجالس المحلية.

ويقول "كما زوَّر كثير من ضعاف النفوس عقود بيع وشراء ظنا منهم أن المُهجَّرين قسرا لن يعودوا إلى بلداتهم، لهذا تأتينا الكثير من نزاعات الملكية".

 

وإلى جانب قضايا الملكية، هناك شكاوى مرتبطة بصراعات بين المؤيدين والمعارضين للنظام السابق، وقضايا خلاف أسري، التي يلجأ المجلس إلى التحكيم فيها وفق مبدأ "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، مما يسهم في بناء مجتمع مستقر انطلاقا من الأسرة وصولا إلى الدوائر الكبرى كحل الخلافات والنزاعات بين بلدات بأكملها.

ويختلف هذا المجلس عن مجالس الصلح الأخرى التي تأسست بعد سقوط النظام بسبب دمجه لجان المصالحة مع التحكيم في آن واحد، في حين تعتمد المجالس الأخرى على إجراءات الصلح فقط، وقد لا تتضمن اختصاصين أو تحكيما ملزما.

مهام المجالس

وتشهد مدن وبلدات عدة في سوريا إنشاء مجالس صلح عام منذ سقوط نظام بشار الأسد، كمجلس الصلح في ناحية الحمراء في ريف حماة الشرقي، ومجلس الصلح في منطقة الصبيخان في محافظة دير الزور، ومجلس الصلح في منطقة السفيرة في محافظة حلب.

وتعمل معظم هذه المجالس بالتنسيق مع "مجلس الصلح العام" في منطقة حارم بمحافظة إدلب، والذي تم تأسيسه مطلع عام 2024 بالتنسيق مع الجهات المختصة في مدينة إدلب التي كانت حينها تخضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة.

ويحدد مجلس الصلح العام مهامه في تعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية كالعفو والتعاون والتسامح والمودة، واحتواء النزاعات وحلها بعيدا عن العنف، وتعزيز وحدة وتماسك أفراد المجتمع والحفاظ على توازنه، وتخفيف العبء عن دُور القضاء ومنحها تركيزا أكبر للتعامل مع القضايا الكبرى، ونبذ الكراهية والتعصّب ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين الأهالي، وتقليل الكلفة المادية للقضايا التي يكون المال شرطا لحلها.

إعلان

كما تعزز هذه المجالس الاستقرار في عموم سوريا، وتنشر ثقافة حل المنازعات بالطرق السلمية دون الانجراف للعنف، وذلك في ظل جمود مسار العدالة الانتقالية الرسمية في بلاد مزقتها الحرب، وفرَّقت وخلقت العداوات بين سكانها طيلة 14 عاما.

مقالات مشابهة

  • رئيس البرلمان العربي يدين المخططات التخريبية التي تستهدف أمن الأردن
  • لأول مرة منذ سنوات.. محتجون يهتفون بـإسقاط النظام‎‎‏ في تونس (شاهد)‏
  • احتجاجات بتونس بعد حادثة أودت بحياة تلاميذ.. وهتافات بـإسقاط النظام‎‎‏ (شاهد)‏
  • مجالس الصلح في سوريا.. تساند القضاء وتحل النزاعات وديا
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • تفكيك الألغام واختبار سوريا الصعب
  • مجلس النواب يجدد التأكيد على ثبات الموقف اليمني الداعم والمساند لغزة
  • سوريا تشارك في المنتدى العربي للتنمية المستدامة في بيروت‏
  • سوريا ولبنان.. من الجوار الصعب إلى التعاون
  • البلد رجعت بفضل ربنا.. أحمد موسى: الشعب يدفع ثمن ما حدث في 2011.. فيديو