حلم الخلافة يراود "داعش".. 8 آلاف عنصر يمثلون قنبلة موقوتة
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استهل تنظيم داعش الإرهابي عملياته في سوريا بعد سقوط بشار الأسد بعمليتين ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" خلال يوم واحد من شهر يناير 2025، وفي العام الذي وصل فيه أبو محمد الجولاني لحكم سوريا صعَّد التنظيم من عملياته بزيادة نسبتها 300% في عام 2024، مقارنة بعام 2023، بمعدل 700 هجوم، حسبما أفاد مركز صوفان للدراسات، بينما يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان هجمات داعش بـ491 عملية خلال 2024، مستغلًا عدم الاستقرار السياسي والعسكري لإعادة تجميع صفوفه، ما يعني أن داعش لا يزال موجودًا على الأراضي السورية ويمثل تهديدًا، ولا يزال حلم العودة لأرض الخلافة المزعومة يراود الدواعش.
وتشير العمليات التي نفذتها الولايات المتحدة ضد التنظيم والتي تبلغ 153 غارة جوية في العراق وسوريا في النصف الأول من عام 2024 فقط، إلى أن جماعة داعش لا تزال باقية وتتمدد ولو ببطء، مع احتمالية تسارع وتيرة هذا التمدد بعد سقوط نظام بشار الأسد ووصول هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة التابعة للقاعدة سابقًا- لسدة الحكم، والتي ينظر إليها داعش باعتبارها مجموعة من "المرتدين" ومغتصبي أرض الخلافة المزعومة.
وقد كان نصيب قوات سورية الديمقراطية من هجمات "داعش" لعام 2024 حوالي 300 هجومًا، وهو عدد مماثل تقريبًا للهجمات التي تلقتها قوات الأسد في الفترة ذاتها، بالإضافة لحوالي 100 هجوم ضد الميليشيات المدعومة من إيران.
للمزيد.. مستقبل التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط بعد فوز ترامب
وكان حصاد ضحايا التنظيم خلال عام 2024 مقتل حوالي 568 جنديًا من قوات الأسد وميليشيات موالية له و108 من المدنيين و77 من الميليشيات الكردية، وفق المرصد السوري.
وتعاني هيئة تحرير الشام من عدد من التحديات، أبرزها التشرذم الداخلي، حيث تؤدي الروابط الإيديولوجية للهيئة بالتطرف والروابط السابقة بتنظيم القاعدة إلى عزل الفصائل المعتدلة، كما أن القوى الإقليمية الفاعلة (مثل تركيا وإيران) قد تعمل على زعزعة استقرار سلطة الهيئة، مما قد يخلق فراغًا في السلطة، يسعى داعش لملئه في الوقت المناسب.
ويمكن لداعش الاستفادة من التوترات الإقليمية (على سبيل المثال، تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية، وإيران ضد هيئة تحرير الشام) لتجنب المواجهة المباشرة وإعادة البناء. بل واحتمالية التحالف مع تركيا ضد الأكراد خاصة في الشمال السوري.
كما يمكن أن يتعاون مؤقتًا مع خصوم هيئة تحرير الشام (على سبيل المثال، الميليشيات الإيرانية) لإضعاف منافسه.
وقد يؤدي الخلاف أيضًا بين تركيا (التي تدعم الجيش الوطني السوري) والولايات المتحدة (الداعمة لقسد) إلى إضعاف التنسيق الأمني، مما قد يسمح لداعش بالتحرك بحرية أكبر، على سبيل المثال، تحاول تركيا السيطرة على سجون داعش، بينما ترفض قسد ذلك.
وسبب الخلاف هو الموقف من قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة في حربها ضد داعش، والتي تنظر إليها تركيا باعتبارها تنظيمًا إرهابيًا وامتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
للمزيد.. سوريا.. «قسد» تعتقل "معاوية الهجر" أحد قيادات تنظيم داعش في دير الزور
في كل الأحوال سيعمل "داعش" على استغلال نقاط ضعف هيئة تحرير الشام لملء الفراغ، خاصة مع امتلاكه "احتياطيات نقدية كبيرة"، تقدر بنحو 10 ملايين دولار في العراق وسوريا وحدهم – حسب تقرير أممي.
يوجد أكثر من 40 - 50 ألف معتقل من داعش وأفراد عائلاتهم في سجون ومعسكرات قوات سوريا الديمقراطية، في شمال شرقي سوريا ينتظرون اللحظة المناسبة للهروب وسط الفوضى، لا سيما إذا تعرضت تلك السجون لضربات تركية، لتصبح عناصر التنظيم حرة طلقة بشكل مفاجئ، خاصةً في ظل رفض "قسد" تسليم هذه السجون للإدارة السورية الجديدة.
وتقدر العناصر المحتجزة داخل السجون بـ9000 عنصر داعشي بينهم أجانب، وحذر قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال إريك كوريلا، من أن تنظيم داعش يخطط "لإفلات أكثر من 8000 من عناصر داعش المحتجزين حاليًا في منشآت في سوريا"، بسبب صعوبة تأمين هذه المنشآت التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المنشغلة بصد الضربات التي تشنها ميليشيات سورية تابعة لتركيا.
كما تشير القيادة المركزية الأمريكية إلى وجود نحو 2500 عنصر نشط للتنظيم بين العراق وسوريا، ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة وجود 42500 شخص من عناصر داعش وعائلاتهم محتجزين داخل مخيمي الهول والروج.
وتشير إحصائيات رسمية صادرة عن "قسد" إلى وجود 12 ألف سجينا من مسلحي وقادة تنظيم داعش غالبيتهم من العرب والأجانب، موزعين على 26 سجنًا في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية.
وتقدر مصادر في فصائل سورية مسلحة عدد عناصر داعش في سوريا بقرابة 1200 عنصر، موزعين على محافظات الحسكة ودير الزور وحمص، من بينهم 800 عنصر تقريبًا في البادية السورية (في جبل البشري وجبل العمور ومحيط تدمر والسخنة)، بالإضافة إلى شمال دير الزور، كما ينشط قرابة 400 عنصر في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية.
للمزيد.. 3 هجمات حاسمة.. واشنطن تتعقب قيادات تنظيم القاعدة شمال غرب سوريا
وتوجد مخاوف خاصة من إمكانية استيلاء الإرهابيين على مخزونات الأسلحة المتقدمة، التي لم يتم تدميرها، بما في ذلك أنظمة الطائرات بدون طيار.
إلى جانب التحالفات السرية المحتملة التي أشرنا إليها، هناك عدد من التكتيكات التي قد يلجأ إليها التنظيم لعودته مرة أخرى للأراضي السورية، من أهمها تكتيكات حرب العصابات، من خلال التركيز على المناطق الريفية والصحراء السورية، حتى يتجنب الاشتباكات المباشرة مع هيئة تحرير الشام أثناء إعادة البناء.
ويعتمد التنظيم خلال هذه الفترة على نظام الخلايا الأمنية المبعثرة، ويبتعد عن أسلوب السيطرة الجغرافية، متخليًا مؤقتًا عن نظرية التمركز والتمدد التي كان يعتمدها في السابق.
وقد رصدت مصادر ميدانية سورية زيادة هجمات داعش في مناطق البادية السورية، خاصة حول تدمر وشمال دير الزور والحسكة.
وتساعد الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السوريون والنزوح واسع النطاق على سهولة عملية التجنيد المتطرف لعناصر للتنظيم.
ويمكن القول إن الصدام بين داعش وتحرير الشام قادم لا محالة، ويؤيد ذلك البيان الأول لداعش في 26 يناير الماضي، والذي توعد فيه الإدارة السورية الجديدة، متهمًا إياها بأنها مجرد "بيادق" تعمل لصالح تركيا ودول أخرى.
ووصف البيان أن "من يدعو لدولة مدنية في سوريا هو شريك وعميل لليهود -ومن وصفهم بـالصليبيين- وطاغية جديد"، متسائلًا عن "سبب الخروج على بشار الأسد إن كانت الثورة ستفضي إلى نظام حكم دستوري!". ما يعني أن النظام الجديد هو نظام تجب مقاومته من وجهة نظر "داعش".
وفي حين أن عودة داعش على نطاق واسع على غرار عامي 2014 و2015 غير مرجحة في الأمد القريب، فإن التنظيم لا يزال يشكل تهديدًا كامنًا، وقنبلة موقوتة، في ظل السيطرة الهشة لهيئة تحرير الشام والتشرذم السياسي في سوريا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: داعش سوريا سوريا الجديدة مصطفى حمزة قوات سوریا الدیمقراطیة هیئة تحریر الشام عناصر داعش تنظیم داعش فی سوریا داعش فی
إقرأ أيضاً:
سوريا اليوم: عناصر لقراءة سوسيولوجية- تاريخية حول الراهن
عندما نراجع الأحداث المستجدة على الساحة السورية يتضح أن الانهيار المفاجئ لنظام الأسد قد خدم هيئة تحرير الشام وتركيا، ولكن بصورة وقتية وقد تكون عابرة. مسارعة الكيان بتدمير البنى التحتية والمقدرات العسكرية لمنظومة الدفاع السابقة، بقطع النظر عن أي تفسير أو تأويل لأسبابها أو مبرراتها، وكذلك قرار الاستغناء عن الجيش الوطني السابق برمته والاعتماد فقط على قوات هيئة تحرير الشام الفاقدة على ما يبدو لأي لقدرات دفاعية جوية أو قدرات قتالية جدية على الأرض، جعلت سوريا عزلاء وعارية أمام هجومات جيش الكيان وتوسعه داخل أراضيها وتعمده إذلالها، بل العمل على تقسيمها مسنودا في ذلك بضوء أخضر من القيادة السياسية الأمريكية (وليس بالضرورة قيادة الجيش). وعلاوة على تحدي حكم الشرع وتهديده، يعمد الكيان إلى تهديد الوجود العسكري التركي بسوريا ويقرر منع أي خطر يتأتى منه من خلال تدمير القواعد والمطارات العسكرية السورية حتى لا يستعملها الجيش التركي، كما يوجه وزير حربه إنذارا صارما إلى أردوغان.
هذه المعطيات الموضوعية تفيد بأن التطورات السورية المتسارعة أوقعت كلا من سلطة هيئة تحرير الشام وتركيا في ورطة، وأن الوضعية حبلى بالتوترات والمخاطر. فمن ناحية لا نتوقع أن تخاطر تركيا بالزج بمقدراتها العسكرية بما فيها صواريخ S400 الروسية والطائرات من كل صنف في مجابهة قاسية وربما خاسرة مع الكيان؛ المتوفر على أحدث التكنولوجيات العسكرية الأمريكية وفي رهان غير حيوي وإن كان هاما كإقامة قواعد في سوريا.
المعطيات الموضوعية تفيد بأن التطورات السورية المتسارعة أوقعت كلا من سلطة هيئة تحرير الشام وتركيا في ورطة، وأن الوضعية حبلى بالتوترات والمخاطر
وبالنسبة لسوريا، فمما يعزز وضعية المأزق والعجز عن مجابهة العدوان ضعف مقومات الصلابة الضرورية للجبهة الداخلية، ذلك أن مقاربة النظام الجديد عجزت حتى الآن عن استيعاب تنوع واختلاف مكونات المجتمع السوري والتعاطي المطلوب وطنيا مع تنوع واختلاف مكونات المشهد السياسي السوري، وهو أمر غير مستغرب باعتبار ماضيه القريب. هذا ما عبر عنه الإعلان الدستوري المؤقت المعلن بعد مؤتمر وطني صوري ووجد تجسيده في تركيبة حكومة أريد منها أن تظهر كتنازل لمطلب التنويع بالانفتاح على التكنوقراط أو المستقلين؛ ولكنها في الصميم خاضعة بالكامل للتوجه السياسي لهيئة تحرير الشام ومجموعة حكومة إدلب، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك ما لم توجد إرادة حقيقية لتشريك مختلف القوى المعارضة أو أبرزها في تصور المستقبل وإدارة الشأن السوري. وعليه فالتعلل بحداثة عهد النظام الجديد وهو الذي توفرت له فرصة التشريك الفعلي للفعاليات السياسية الديمقراطية الليبرالية التي كانت في معارضة نظام الأسد؛ يصبح محض تبرير مرفوض للانفراد بالقرار.
تقديرنا أن المصلحة الوطنية السورية (إلى جانب مصلحة الأمتين العربية والإسلامية) تقتضي الإقدام على حوار وطني واسع ومعمق حول مبدأ القبول بقدر من اللامركزية في الحكم، بما لا يتعارض مع وحدة السلطة الوطنية ووحدة الدولة، كما تتطلب الاعتراف بحقوق الأقليات القومية والدينية وتمثيلية التيارات والأطراف السياسية.
الغريب والمفارقة أن حكومة الشرع تتصرف تماما كما كان يفعل نظام البعث مع هذه المسألة، أي بفرض تحكم عصبية حزبية- عسكرية في إدارة البلاد وإقصاء من يختلف عنها أو معها.
والطريف في الأمر أن التنوع والاختلاف في ظل سلطة الدولة الواحدة كان هو القاعدة منذ استقر الأمر للإسلام، سواء في بلاد الشام أو غيرها حتى الحقبة المعاصرة، حيث كان المجتمع الأهلي يدير الكثير من شؤونه بعيدا عن التدخل اليومي لأجهزة للدولة، وكانت مكوناته القومية أو القبلية والدينية والمذهبية تتمتع باستقلالية واسعة في حياتها الاقتصادية والثقافية والفكرية وحتى التحكيم في خلافاتها باللجوء إلى العرف أو إلى الشريعة. بعبارة أخرى، فإن الدولنة والمركزة المفرطة ظاهرة حديثة، وهي تجسيم لأنموذج الدولة القومية التي أنتجها التطور الأوروبي وفي المقدمة النموذج اليعقوبي الفرنسي إلى جانب النماذج المتفرعة عنه واللاحقة له، كالشيوعية والفاشية في الغرب وكسلطة الدولة القومية و"الوطنية" (القُطرية) والإسلاموية في العالم الإسلامي المعاصر.
المطلوب موضوعيا وبعد انهيار النظام البعثي وانكشاف هشاشة الوضع الداخلي والخارجي؛ هو استخلاص درس التاريخ المعاصر، وذلك بإقامه بناء وطني جديد جامع لا يفرق ولا يستثني أحدا، مع إرساء وحدة وطنية كفاحية في وجه الكيان الصهيوني المعربد وحاميه الأمريكي الجديد
وبناء على ما تقدم نقترح الفرضية التالية: الأنموذجان القومي والإسلاموي من تصور وممارسة السلطة وجهان مختلفان لعملة واحدة في الحالة السورية الراهنة وحتى في غيرها من تجارب الدولة "القومية"، والتي هي قومية في الظاهر والخطاب وقُطرية في الحقيقة والممارسة، الفارق الأساسي هو أن الأول يفرض سلطانه باسم شرعية الطموح الوحدوي العربي المعبر عنه بمفردات الخطاب القومي، والثاني يفرض سلطانه خدمة لطوبى الوحدة السياسية لأمة المسلمين.
طبعا نتوقع أن يرفض الكثير من القوميين والإسلاميين هذا التشبيه، ولكن ذلك لا يثنينا عن اقتراحه كفرضية عمل لتناول المسار التاريخي بالفهم وتنسيب تعارضات تبدو مطلقة لأول . فرغم اختلاف العقيدة الأيديولوجية ونمط تكوين وانتقاء النخبة القيادية/ الحاكمة وحتى المشروع والتحالفات.. الخ، إلا أن التعامل هو نفسه مع مسألة السلطة وذلك عبر التصور العضوي بل الكلّيّاني لهذه الأخيرة وما يؤدي إليه بالضرورة، من احتكار وإملاء ينتهي في خاتمة المطاف إلى شخصنة وانفراد واستبداد، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وبالرجوع إلى سوريا الآن، المطلوب موضوعيا وبعد انهيار النظام البعثي وانكشاف هشاشة الوضع الداخلي والخارجي؛ هو استخلاص درس التاريخ المعاصر، وذلك بإقامه بناء وطني جديد جامع لا يفرق ولا يستثني أحدا، مع إرساء وحدة وطنية كفاحية في وجه الكيان الصهيوني المعربد وحاميه الأمريكي الجديد، والسؤال: هل ستكون الأطراف السياسية السورية في مستوى هذا التحدي؟