تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

جاءت دعوة عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل نفسه، في لحظة سياسية دقيقة، تعكس إعادة تشكيل المشهد الإقليمي في ظل تغيرات جوهرية، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ومحاولة أنقرة استكمال مشروعها لإعادة ترتيب العلاقة مع الأكراد بعد عقود من الصراع المسلح.

ورغم أن هذه الدعوة قد تبدو خطوة إيجابية نحو إنهاء الصراع الكردي-التركي، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول جدواها، وفرص نجاحها، ومدى تقبل مختلف الفصائل الكردية لها.

 

السياق السياسي للدعوة

لا يمكن قراءة هذه الدعوة بمعزل عن الديناميكيات الإقليمية والدولية المتسارعة. فمنذ اعتقال أوجلان عام 1999، شهد الملف الكردي تحولات عميقة، ليس فقط في تركيا، ولكن أيضًا في العراق وسوريا، حيث بات للأكراد كيان سياسي شبه مستقل في العراق، ونفوذ عسكري وسياسي متنامٍ في شمال سوريا. ويأتي هذا البيان في أعقاب عرض أنقرة للسلام، وهو ما يعكس رغبة تركيا في إنهاء أحد أكثر الملفات استنزافًا لاقتصادها واستقرارها الداخلي.

كما أن توقيت هذه الدعوة يثير تساؤلات حول مدى تأثير البيئة السياسية الجديدة على قرار أوجلان، خصوصًا مع تراجع حزب العمال الكردستاني عن المطالب الانفصالية باتجاه مطالب الحكم الذاتي، وهو ما يعكس تغيرًا في أولوياته الاستراتيجية.

 

دلالات الدعوة: هل هي قناعة حقيقية أم مناورة سياسية؟

يمكن تفسير دعوة أوجلان في عدة اتجاهات:

    استجابة لضغوط تركية: من الواضح أن الحكومة التركية تسعى لاستغلال نفوذ أوجلان داخل الحزب لإضعافه داخليًا، خاصة بعد عدة محاولات سابقة لم تنجح في تفكيك التنظيم. ومن هنا، قد تكون هذه الدعوة جزءًا من استراتيجية أنقرة لضرب وحدة الحزب من الداخل، وجعل الانقسام في صفوفه أمرًا واقعًا.

    تحول استراتيجي في فكر الحزب: في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد عام 2015، تغيرت أولويات حزب العمال الكردستاني من السعي إلى الانفصال إلى تبني خطاب يركز على الحقوق والحكم الذاتي داخل الدولة التركية. وقد تكون دعوة أوجلان تعبيرًا عن هذا التحول، خصوصًا في ظل تنامي الدور السياسي لحزب "ديم" المؤيد للأكراد.

    محاولة لإنقاذ الحركة الكردية من العزلة: بعد تصاعد الضغوط العسكرية التركية على حزب العمال في العراق وسوريا، وتراجع الدعم الدولي له، قد يكون أوجلان يسعى إلى توفير مخرج للحزب عبر التحول إلى العمل السياسي السلمي، على غرار تجربة "الشين فين" في أيرلندا.

 

العقبات أمام نجاح المبادرة

رغم أن هذه الدعوة قد تفتح الباب أمام حلحلة الأزمة، إلا أن هناك تحديات رئيسية قد تعرقل نجاحها:

    موقف القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني: على مدار عقود، كان الجناح العسكري للحزب هو صاحب القرار الفعلي، وليس أوجلان، الذي يقبع في السجن منذ 25 عامًا. ومن غير الواضح إن كان قادة الحزب الميدانيون في جبال قنديل سيلتزمون بدعوته أم لا، خصوصًا أنهم في مواجهة مفتوحة مع الجيش التركي في شمال العراق وسوريا.

    تعدد الكيانات الكردية وتباين أجنداتها: المشهد الكردي اليوم أكثر تعقيدًا مما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي. فهناك حكومة إقليم كردستان العراق، وهناك وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إلى جانب تيارات كردية أخرى تتبنى سياسات مختلفة. ومن غير الواضح إن كانت هذه الكيانات ستدعم دعوة أوجلان أم ستراها محاولة لتصفية الحزب في إطار تفاهمات تركية داخلية.

    الشكوك الكردية تجاه نوايا أنقرة: لم تكن هذه المرة الأولى التي تطرح فيها تركيا مبادرات سلام مع الأكراد، لكنها انتهت جميعها إما بالفشل أو بتجدد الصراع. لذا، قد يتعامل الكثير من الأكراد بحذر مع هذه الدعوة، خشية أن تكون مجرد فخ سياسي ينتهي بتصفية الحزب دون تقديم أي ضمانات حقيقية لحل القضية الكردية.

 

السيناريوهات المستقبلية

مع الأخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لما قد يحدث بعد دعوة أوجلان:

    السيناريو المتفائل: يلتزم قادة حزب العمال الكردستاني بالدعوة، وتدخل تركيا في مفاوضات حقيقية مع الأكراد، مما يؤدي إلى إنهاء النزاع المسلح وإعطاء الأكراد مزيدًا من الحقوق السياسية والثقافية. وهذا السيناريو، رغم أنه الأقل احتمالًا، إلا أنه سيكون بمثابة نقطة تحول تاريخية في تركيا.

    السيناريو الواقعي: يتم رفض دعوة أوجلان من قبل القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، مما يؤدي إلى تصاعد الخلافات داخل الحزب بين مؤيد ومعارض للحل السياسي. وهذا قد يضعف الحزب داخليًا، لكنه لن ينهي وجوده، بل قد يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة مع جهات إقليمية ودولية.

    السيناريو المتشائم: تستغل تركيا هذه الدعوة لشن حملة عسكرية مكثفة ضد الحزب في العراق وسوريا، تحت ذريعة أنه فقد شرعيته حتى من زعيمه التاريخي. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من العنف، ويجعل الحل السياسي أكثر تعقيدًا في المستقبل.

 

الخاتمة

بينما تبدو دعوة أوجلان خطوة كبيرة نحو إنهاء الصراع الكردي-التركي، إلا أن نجاحها يعتمد على عوامل معقدة، أبرزها مدى استجابة القادة العسكريين لحزب العمال، وطبيعة التنازلات التي قد تقدمها تركيا، وتأثير التوازنات الإقليمية على مستقبل القضية الكردية. وبالنظر إلى التاريخ الطويل لهذا النزاع، فإن أي حل سلمي يتطلب أكثر من مجرد بيان، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وتوافق إقليمي ودولي يدعم الحقوق الكردية في إطار استقرار المنطقة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عبد الله أوجلان القوى الكردية حزب العمال الكردستاني سوريا العراق حزب العمال الکردستانی فی العراق وسوریا دعوة أوجلان لحزب العمال هذه الدعوة إلا أن

إقرأ أيضاً:

تركيا.. حزب الجيد يعقد اجتماعا طارئا تزامنا مع دعوة أوجلان المرتقبة

أنقرة (زمان التركية) – دعا زعين حزب الجيد،مساوات درويش اوغلو، أعضاء الديوان الرئاسي للحزب ونوابه البرلمانيين لعقد اجتماع طارئ اليوم الخميس، بمقر الحزب في تمام الساعة السادسة مساء بتوقيت تركيا.

وسيتمحور الاجتماع حول الدعوة المرتقبة لرئيس تنظيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، لتصفية التنظيم والسياسة التي سيتبعها الحزب والإجراءات التي سيتخذها بشأن الأمر.

هذا وانتهى قبل قليل لقاء وفد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الكردي مع أوجلان داخل سجن إمرالي، حيث توجه الوفد إلى إسطنبول استعدادا للبيان الذي سيتم إلقائه في تمام الساعة الخامسة بتوقيت تركيا.

وتشير الأحاديث المثارة إلى أن دعوة أوجلان لتنظيم العمال الكردستاني بإلقاء سلاحه لن تكون مصورة بل ستكون مكتوبة على أن تتولى نائبة حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، برفين بولدان، قراءة النسخة التركية من دعوة أوجلان على أن يتولى أحمد ترك، عمدة بلدية ماردين الذي تم فصله وتعيين وصاه خلفا له، قراءة النسخة الكردية من دعوة أوجلان.

ومن المنتظر أن يتزامن إلقاء البيان الخاص بدعوة أوجلان مع عرض صور التقطها الوفد مع أوجلان خلال اللقاء.

وسيتم بث المؤتمر الصحفي للحزب عبر شاشات بميدان فان ذات الغالبية الكردية، فيما حظرت ولاية فان جميع الفعاليات بالمدينة لمدة 15 يوما.

وفي حديثه مع وكالة دويتشه فيلة بنسختها التركية، أوضح وهاب جوشكون ، عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة دجلة في مدينة دياربكر، أن هناك أربعة محاور في السياسة الكردية السائدة ألا وهي قنديل وروجوفا( القيادة الكردية بشمال سوريا) وأوروبا وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب.

وذكر جوشكون أنه على الرغم من قضاء أوجلان نحو نصف قرن داخل السجن فإنه يتمتع بتأثير مهم إلى حد كبير على العمال الكردستاني والكيانات التابعة له. وأكد جوشكون أن أوجلان عنصر مقدس داخل هذا الكيان قائلا: “يمكننا القول أن هذه المحاور الأربعة ستنصاع بنسبة كبيرة وباحتمالية كبيرة للرسالة التي سيوجها أوجلان. لو كان أوجلان يعلم أن رسالته ستحظى بأي شكل من الاعتراض فلن يطرحها”.

Tags: تنظيم العمال الكردستانيحزب الجيدحزب الديمقراطية والمساواة للشعوبعبد الله أوجلان

مقالات مشابهة

  • رسالة من تركيا إلى الأكراد في العراق وسوريا
  • كيف تنعكس دعوة أوجلان على الصراع بين العمال الكردستاني وتركيا؟
  • (أخبار الجمعة ) كيف علقت الصحافة العالمية على دعوة أوجلان؟
  • العراق يعلق على دعوة أوجلان لحل "العمال الكردستاني"
  • تركيا.. أوجلان يحث "العمال الكردستاني" على إلقاء السلاح
  • تطور تاريخي: ماذا تعني دعوة أوجلان حزبه لإلقاء السلاح بالنسبة لتركيا وسوريا؟
  • نص دعوة أوجلان التاريخية لحل تنظيم العمال الكردستاني
  • تركيا.. حزب الجيد يعقد اجتماعا طارئا تزامنا مع دعوة أوجلان المرتقبة
  • هل اقترب موعد إعلان أوجلان حل العمال الكردستاني؟